ضمن تعاونٍ مميز: الطاهيان محمد بونزو وديفيد دا سيلفا يكشفان لـ"هي" أسرارهما في الطهو
"من الرائع دائمًا العمل مع طهاةٍ آخرين يشاركونك الفكر والشغف، فالتعاون يضيف قدرًا هائلًا من الإبداع إلى العملية. عندما يجتمع طاهيان من خلفيتين مختلفتين في عالم الطهي، فإنك في الواقع تمزج بين عالمين من الخبرة والنكهات والتقنيات؛ ما يدفعكِ إلى التفكير بطريقةٍ مختلفة، والتجربة بشكل أوسع." محمد بونزو
"وُلِدت الفكرة من الاحترام المتبادل والفضول المشترك. فكلًا من ذا ماين وبرنجاك يحتفيان بالمطبخ التراثي، لكن كلٌّ منهما بطريقته الخاصة والمختلفة. أدركنا أن هناك فرصة رائعة لدمج قصتينا وابتكار شيء جديد؛ شيء يربط بين الجوهر الريفي للنّكهات الفارسية وروح مطبخ البراسيري الساحلي الراقية التي يتميز بها ذا ماين." ديفيد دا سيلفا
بهذه العبارات بدأنا الحديث مع كلَ من الشيف الإيطالي محمد بونزو والشيف البرتغالي ديفيد دا سيلفا، اللذين يجتمعان في تعاون أيقوني وحصري يمتد لعشرة أيام، لتقديم قائمة محدودة الإصدار في كل من برنجاك دبي وذا ماين، تحمل توقيعاً مشتركاً يضع بصمة جديدة وبارزة في مشهد الطهي بدبي.
على طاولةٍ واحدة، اختار الطاهيان الشابان فتح قلبيهما لقارئات "هي" وكشف أسرارهما المميزة في تحضير وتقديم أشهى الأطباق لزوار مطعمي "برنجاك دبي" و"ذا ماين"؛ إليكِ التفاصيل..

أخبرانا المزيد عنكما: بداياتكما، تعلميكما، ألخ
بونزو: وُلدت في كينيا لأبٍ إيطالي وأمٍّ صومالية، ونشأت لاحقًا في غرب لندن. كان الطعام دائمًا جزءًا أساسيًا من نشأتي، وقد شكّل هذا الخلفيّة المتعددة الثقافات فضولي وحبّي للمكوّنات المتنوعة وتقنيات الطهي المختلفة. خلال دراستي في الأكاديمية الملكية لفنون الطهي في جامعة غرب لندن، عملت متدرّبًا في فندق سوفيتيل لندن هيثرو T5، وهناك تذوّقت للمرة الأولى شغف العمل ودقّته في مطبخ احترافي حقيقي. ثم انضممتُ إلى مطعم ماركوس في فندق ذا بيركلي في نايتسبريدج، الحاصل على نجمتين ميشلان، حيث اكتسبت خبرة لا تقدّر بثمن بالعمل إلى جانب نخبة من أفضل الطهاة.
تنقلتُ بين العديد من المطاعم وتعلمتُ الكثير عن التوازن والنكهة والبساطة في الطبخ.
دا سيلفا: وُلدت في البرتغال، حيث يرتبط الطعام ارتباطًا وثيقًا بالثقافة والمشاعر والهوية. حصلت على شهادة في إنتاج الأغذية وفنون الطهي، وأُتيحت لي الفرصة للعمل في عدة دول أوروبية، في البرتغال وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، قبل أن أستقر في دبي.
كيف بدأت فكرة هذا التعاون بين ذا ماين وبرنجاك؟
بونزو: هي تجربة تعليمية تتيح لكِ رؤية كيف يتعامل الآخرون مع المكونات، وكيف يقدّمون الأطباق ويروون القصص من خلال الطعام. يجعل هذا التعاون عملية ابتكار الأطباق أكثر سهولة ومتعة، وفي الوقت نفسه أكثر عمقًا وإبداعًا.
دا سيلفا: الأمر أشبه بتأليف أغنية مع فنان يتحدث لغة مختلفة، تجربة مليئة بالتحدي، لكنها في الوقت نفسه عميقة الإلهام. تكمن الجماليات في إيجاد التناغم دون فقدان الهوية الفردية. لم نسعَ إلى مزج كل شيء معًا، بل إلى إبراز التباين بطريقة طبيعية ومتوازنة تُظهر اختلافنا كقوة تضيف عمقًا للنتيجة النهائية.
ما المعايير التي اتبعتموها لتنفيذ فكرة هذا التعاون على أكمل وجه؟

بونزو: كان همنا الأول الحفاظ على القيم الجوهرية والهوية الخاصة بكل من العلامتين التجاريتين، فهذا كان أساس تعاوننا. فلكل مفهوم قصته وشخصيته وضيوفه المخلصين الذين يأتون من أجل تجربة معينة، لذلك كان من المهم ألّا نفقد هذه الخصوصية. بعد ذلك، تمحور الأمر حول إيجاد التوازن المثالي بين العالمين، أي دمج أسلوبينا المختلفين بطريقة طبيعية ومتكاملة، لا مفتعلة.
وبمجرد أن أصبحت الرؤية الإبداعية واضحة، انتقلنا إلى الخطوة التالية وهي إلهام فرق العمل وتدريبهم، فهم من يجسّدون هذا التعاون على أرض الواقع يومًا بعد يوم.
دا سيلفا: كان الاحترام وضبط النفس هما المبدأين اللذين وجّهاننا طوال العملية. كان لابد أن يعكس كل طبق صدق وانتماء العلامتين التجاريتين، دون أن يطغى أحدهما على الآخر. ركّزنا على المكونات والتقنيات وسرد القصة، وكنّا نسأل أنفسنا في كل خطوة: هل يبدو هذا حقيقيًا؟ هل يتماشى مع روح العلامتين معًا؟
ما المفاجآت التي سيجدها رواد المطعمين عند تذوق قائمة الطعام المشتركة بينكما، والتي تحمل تعبيرًا خاصًا عن شخصية وشغف كل منكما؟
بونزو: الضيوف الذين يعرفون ويحبّون كلًّا من برنجاك وذا ماين على موعد مع تجربة استثنائية حقًا. هذا التعاون يجمع بين أفضل ما في العالمين، الدفء والعمق في النكهات المستوحاة من المطبخ الفارسي من برنجاك، وروح المطعم الساحلية بأسلوب البراسيري التي يشتهر بها ذا ماين. ما يجعل الأمر مشوّقًا هو مدى الانسجام الطبيعي بين الأطباق؛ فهي لا تبدو كمطبخين منفصلين يحاولان التعايش، بل كدمج سلس حيث يكمّل كل عنصر الآخر ويرتقي به.
تتوزّع المفاجآت الصغيرة في جميع أنحاء القائمة، مكونات غير متوقعة، وتفاسير جديدة لأطباق مألوفة، ولمسات خفية تُحيي خلفية كل مطعم. ستجدون نكهات التوابل الجريئة، ولمسات الشواء بالنار، وأطباقًا مريحة لكنها لا تخلو من الرقي.
دا سيلفا: يمكن للضيوف أن يتوقعوا نكهات مألوفة تُقدَّم برؤية جديدة. قد يتعرّفون على روح أحد الأطباق المستوحاة من ذا ماين أو برنجاك، لكن المذاق سيأخذهم في رحلة غير متوقعة. من جانبي، أضفتُ أناقة البراسيري ونفَس المطبخ الساحلي المنعش، أطباقًا تحمل إحساسًا بالمكان والرقي. أما الشيف بونزو، فقد أغنى التجربة بالعمق والتوابل وسرد القصص الدافئ للمطبخ الفارسي. ومعًا، كانت النتيجة قائمة طعام متعددة الطبقات، شخصية، ومفعمة بالإحساس، تجربة تجمع بين الأصالة والعاطفة، وتُترجم شغفنا المشترك بالطعام الذي يُروى من القلب.
غالبًا ما تكون البدايات صعبة، لكن النجاح والمحافظة عليه بعد وقت، قد يكون أشد صعوبةً؛ ما الأدوات التي تستخدمان للحفاظ على ما وصلتما إليه حتى اليوم؟
بونزو: الثبات هو العنصر الأساسي للنجاح على المدى الطويل. بدءًا من جودة المكونات التي نحصل عليها من الموردين وصولًا إلى المعايير التي نلتزم بها في المطبخ؛ يجب أن يعكس كلّ تفصيل نفس المستوى من العناية والدقة كل يوم. الأمر لا يتعلق فقط بالحفاظ على نكهة أو طريقة تقديم معينة، بل ببناء الثقة مع ضيوفنا.
ولضمان هذا الثبات، نركّز بشكل كبير على التدريب والتواصل والانتباه لأدق التفاصيل. يلعب الفريق دورًا محوريًا، فالجميع، من الطهاة إلى طاقم الخدمة، يفهم ما تمثله العلامة التجارية وما نتوقعه منهم. كما أننا نحرص على البقاء منفتحين على التطور، من خلال مراجعة الملاحظات باستمرار، وإجراء التعديلات اللازمة، وعدم الوقوع في فخ الركود.

دا سيلفا: الاستمرارية هي كل شيء. يمكنكِ أن تبدأي بقوة، لكن الاستمرار بقوة يتطلّب ثقافة، فريقًا يؤمن بنفس المعايير ونفس الرؤية. أركّز دائمًا على التوجيه، والانضباط، والتطور المستمر. فالعالم في المطاعم لا يتوقف أبدًا عن الحركة، ولا ينبغي لنا أن نتوقف نحن أيضًا. بالنسبة لي، النجاح هو ثمرة الالتزام اليومي، والتواضع الكافي للاستمرار في التعلّم.
ميشلان وتقديرات وجوائز ومشاركات في برامج طهي وغيرها، ما الإضافات التي حملتها لكما كل هذه الأمور، سواء على المستوى المهني أو الشخصي؟
بونزو: الجوائز والتكريمات تعكس الإخلاص والشغف اللذين نضعهما في عملنا كل يوم. فهي ليست الهدف بحد ذاتها، بل نتيجة للثبات والعمل الجماعي والالتزام بما نؤمن به. كل تكريم، سواء أكان من دليل ميشلان أو جائزة أو تغطية إعلامية، هو تذكير بمدى ما حققناه حتى الآن، وفي الوقت نفسه دافع للاستمرار في التطور.
دا سيلفا: التقدير شرفٌ كبير لي، لكنه لا يجب أبدًا أن يتحوّل إلى الهدف بحدّ ذاته. ما يمنحكِ إيّاه هو رؤية أعمق، أن تدركي أن الناس يتواصلون مع عملكِ ويتأثرون به. وبالنسبة لي، فهو يُعزّز الإحساس بالمسؤولية: أن أواصل التطوير، وأن أمثّل فريقي بأفضل صورة، وأن أستمر في تقديم التميّز دون أي تهاون أو تنازل.
عدا عن المطابخ الأساسية التي تقومون بتحضيرها في المطعمين، ما هي المطابخ / الأطباق الأخرى التي تحبون تناولها أو تحضيرها بين الحين والآخر؟
بونزو: تلقّيت تدريبًا كلاسيكيًا، لكن قبل كل شيء، أنا شخصٌ يحب الطعام بكل أشكاله ومعانيه. نشأت في عائلة كبيرة، وكان الطعام دائمًا في قلب كل لحظة، في الاحتفالات، والأيام العادية، وحتى أثناء النقاشات العائلية!
وعلى الرغم من أنني أتخصّص مهنيًا في مطابخ محددة، إلا أنني أستمتع باستكشاف جميع أنواع الأطعمة. أحبّ تجربة ثقافات ونكهات وتقاليد مختلفة، سواء كانت أطباقًا بسيطة ومريحة أو ابتكارات جديدة كليًا. ففي نهاية المطاف، يمتلك الطعام هذه القدرة الجميلة على جمع الناس معًا، وعلى سرد القصص وصناعة الذكريات، وهذا ما يُلهمني دائمًا، كطاهٍ وكإنسان.
دا سيلفا: لدي تقديرٌ عميق للمطابخ الآسيوية، خصوصًا اليابانية والتايلاندية، لما تتميّز به من نقاء في النكهات ودقّة في التنفيذ. لكن في المنزل، أعود كثيرًا إلى بساطة المطبخ المتوسطي: سمك مشوي، زيت زيتون، ليمون، ثوم، وخبز طازج. فالطهي لا يحتاج دائمًا إلى التعقيد؛ ما يحتاجه حقًا هو الصدق والبساطة.
ما هي الأطباق الراسخة في عقل ووجدان كلً منكما، من الطفولة، ولا تغادر مائدته أبدًا؟
بونزو: نشأت في كينيا حتى بلغت الثالثة عشرة من عمري تقريبًا، وتعود بعض من أقدم وأجمل ذكرياتي المرتبطة بالطعام إلى تلك الفترة. كنت مولعًا تمامًا بوجبات الشارع في الساحل الكيني، مثل الڤيَازي، وهي بطاطا مقلية محشوة بمسحوق الفلفل الأحمر وتُقدَّم مع صلصة التمر الهندي الحامضة، والماندازي، وهي نوع من الكعك الكيني الطري والحلو قليلًا، والباجيا، التي تشبه الفلافل ولكن بطابع محلي مميز.
وعندما انتقلتُ لاحقًا إلى لندن، تطوّرت ذكرياتي الغذائية لكنها بقيت متجذّرة في الإحساس بالدفء والراحة. أصبحت أطباق السباغيتي بولونيز التي كانت تعدّها عمّتي، وأرزّها مع لحم الضأن المطهو ببطء، هي الوجبات التي تُجسّد معنى "البيت" بالنسبة لي. كانت أطباقًا بسيطة لكنها مليئة بالمحبّة، من تلك الوجبات التي تجمع الناس حول المائدة وتجعلكِ تشعرين بالانتماء أينما كنت. وحتى اليوم، تجد هذه الأطباق دائمًا مكانًا على مائدتي، لأنها تذكّرني بجذوري.

دا سيلفا: طبق Bacalhau à Brás، وهو طبق برتغالي تقليدي يُحضَّر من سمك القد، سيبقى دائمًا قريبًا إلى قلبي. فهو يذكّرني بالعائلة، وبالدفء، وبمشاركة اللحظات الجميلة. وهناك طبق آخر يحمل لي حنينًا عميقًا هو Arroz Doce، أي الأرز بالحليب البرتغالي الكلاسيكي المنكّه بالقرفة وقشر الليمون. يُمثل هذا الطبق الراحة والبساطة، وفوق ذلك هو كعكة عيد ميلادي المفضلة التي أنفخ فوقها الشموع كل عام، تذكيرٌ جميل بأن أعمق النكهات وأكثرها صدقًا في الحياة تنبع غالبًا من بدايات متواضعة.
إذا أردنا اختصار محمد بونزو وديفيد دا سيلفا (الشيف والإنسان) طوال العقدين الماضيين، من يكون؟ وماذا سيصبح خلال السنوات القادمة؟
بونزو: أطمح للهام الجيل القادم من الطهاة, ليس فقط من خلال الطعام، بل من خلال العقلية والشغف أيضًا. في يومٍ من الأيام، أتمنى أن أُنشئ مساحة تجمع الطهاة الذين يتشاركون القيم نفسها، ليتواصلوا ويتعاونوا ويتعلّموا من بعضهم البعض باستمرار. أؤمن أن هذه هي الطريقة التي يتطور بها هذا المجال فعلًا، عندما يدعم الناس بعضهم البعض ويرتقون سويًا بدلًا من التنافس.
أما عني اليوم؛ فما زلتُ أتعلم، وأتطور، وأكتشف الحياة وهي تتكشف أمامي. علّمني المطبخ الانضباط والصبر، لكنه علّمني أيضًا التواضع. في كل يوم هناك درس جديد،، ولا أعتقد أن ثمة نقطة يصل عندها المرء إلى "الاكتمال" سواء كشيف أو كإنسان, بل هي رحلة مستمرة من النموّ والتطوير والسعي لأن تكون نسخةً أفضل من نفسك في كل يومٍ جديد.
دا سيلفا: أنا عاشق للعملية بقدر ما أحبُ النتيجة. تعلّمتُ أن الطهي لا يتعلق بالأطباق فقط، بل بالأشخاص أيضًا، بمن نصنع من أجلهم الطعام ومعهم. وعندما أنظر إلى المستقبل، أطمح إلى ابتكار مساحات تلتقي فيها المأكولات بالثقافة والعاطفة، أما هدفي الأعمق فهو أن ألهم الجيل القادم من الطهاة، بينما أواصل رحلة التطور والنموّ المستمر لنفسي.
كيف تقومان بتصميم وتحضير قوائم الطعام، ما هي معاييركما للطعم والجودة والمظهر؟
بونزو: قوائم طعامي قائمة على الأصالة والبساطة، أطباق تقليدية دسمة تُحضَّر باستخدام أجود المكونات الموسمية. أركّز على النكهات الصادقة، والمكونات عالية الجودة، وتقديمٍ أنيق وبسيط في الوقت نفسه، يجعل التجربة راقية ومريحة للجميع.
دا سيلفا: في ذا ماين، تطوير القائمة هو عملية توازن بين الحدس والنظام. يجب أن يمتلك كل طبق هوية واضحة، وأن يحترم المكوّن، وأن ينسجم مع جوهر العلامة التجارية.
بالنسبة لي، تبدأ الجودة من المصدر، فأنا شديد الحرص على اختيار المكونات بعناية ودقّة. أما طريقة التقديم، فيجب أن تُعزّز القصة لا أن تطغى عليها. وفي النهاية، يجب أن يبدو الطعام دائمًا حقيقيًا وصادقًا.
الإمارات العربية المتحدة بلدٌ متنوع؛ كيف تُلبّيان احتياجات معظم الجنسيات هنا، وتُشجّعوهم على تجربة الطعام الذي تُعدَون؟
بونزو: الإمارات بلد يتميّز بتنوّعه الكبير، وهذا بالتحديد ما يجعل الطهي هنا ممتعًا ومثيرًا للغاية. السرّ هو في التمسّك بهويتنا وقِيم كل علامة تجارية نعمل معها. كطهاة، علينا تقبّل أننا لا نستطيع إرضاء الجميع، وهذا أمر طبيعي تمامًا. ما يهمّ حقًا هو أن نُقدّم طعامًا نحبّه بصدق ونؤمن به، مستخدمين أفضل المكونات وأدق التقنيات الممكنة. فعندما نطهو بأصالة وشغف حقيقيّين، يمكن للناس من أي خلفية أن يشعروا بذلك، وهذا بالضبط ما يجذبهم ويجعل التجربة مميزة.
دا سيلفا: دبي هي مدينة تنصهر فيها الثقافات والأذواق. السرّ يكمن في فهم الذائقة العالمية دون فقدان روحك الخاصة؛ نحن نصمّم أطباقًا قريبة من الناس لكنها راقية، نكهات تتواصل مع المشاعر وفي الوقت نفسه تحافظ على تفرّدها. في جوهر الأمر، يتعلق النجاح بإيجاد القواسم المشتركة من خلال الحرفية والإتقان.
كيف تصفان أسلوبكما العام في الطبخ؟
بونزو: أسلوبٌ بسيط وصادق ويسترشد بالفصول. تعلّمتُ على مرّ السنين من خلال خلفيتي وتجربتي في مطابخ مختلفة أن الطعام الرائع لا يحتاج إلى تعقيد. أحب أن أترك المكونات تعبّر عن نفسها، مستخدمًا تقنيات واضحة ونقية تُبرز نكهاتها الطبيعية.
كل فصل من فصول السنة يحمل معه مصدر إلهام جديد، وهذا ما يجعل القائمة دائمًا متجددة ومثيرة. هدفي دائمًا واحد: ابتكار أطباق جريئة ومتوازنة مليئة بالنكهات، لكنها متجذّرة في البساطة.
دا سيلفا: أصفُ أسلوبي بأنه بساطة راقية. فطعامي يرتكز على المكونات، متأثر بجذور المطبخ المتوسطي، مع تركيز دائم على نقاء النكهة ووضوحها. أؤمن بأن الأناقة في الطهي تنبع من السيطرة، من معرفة متى تضيف ومتى تمتنع.
ما هي الأدوات الأساسية للشيف الناجح برأيكما؟
بونزو: عندما تكون في بداية مسيرتك، فإن أهم ما يمكنك فعله هو أن تكون كالإسفنجة، تمتص كل ما يدور حولك. الفضول أيضًا سمة أساسية، يبني الحدس الطهوي، وهو من أقوى الأدوات التي يمكن أن يمتلكها أي شيف.
أما بالنسبة للأدوات المادية، فأعتقد أن بعضًا من أثمنها لا يوجد في المطبخ، بل على رفوف الكتب. كتب الطهاة مصدر مذهل للإلهام؛ توسّع آفاقك، وتذكّرك بأنه لا توجد طريقة واحدة "صحيحة" للطهي، وتُبقي روح الإبداع حية في داخلك.
دا سيلفا: الانضباط، التواضع، والذكاء العاطفي, هذه هي الأسس. يمكن تعليم المهارات، لكن حسن التصرف أثناء الموقف هو كل شيء. فأفضل الطهاة ليسوا فقط من يُجيدون الطبخ، بل هم قادة يُلهمون من حولهم بالهدوء والثقة والإبداع.
ما الشيء الذي لا يمكنكما الاستغناء عنه في المطبخ؟
بونزو: الملح والزبدة.
دا سيلفا: سكين حادّة، بالمعنى الحرفي والمجازي. فالدقّة هي ما يُحدّد كل ما نقوم به.
كيف تديران الصراع والمنافسة بين طاقم المطبخ؟
بونزو: المنافسة الصحية في المطبخ ضرورية، فهي تدفع الطهاة لتحدي أنفسهم ولأن يكونوا أفضل مما كانوا عليه في اليوم السابق.
عندما تنشأ الخلافات، أذكّر الفريق بأننا جميعًا نعمل نحو هدف واحد: تقديم طعام رائع وتجربة استثنائية لضيوفنا. وعندما يدرك الجميع أننا ننتصر كفريق واحد وليس كأفراد، تسود الأجواء المتناغمة تلقائيًا.
دا سيلفا: من خلال بناء ثقافة عمل حقيقية. أؤمن بالتواصل والعدالة والقيادة بالقدوة. فالمطبخ بيئة شديدة الإيقاع، لكن عندما يسود الاحترام المتبادل، تتحوّل المنافسة إلى تعاون مثمر.
والهدف يبقى دائمًا واحدًا، صناعة ذكريات سعيدة بنسبة 100٪، في كل مرة بنسبة 100٪.
أصبحت التكنولوجيا سمة أساسية في كل مجال اليوم. برأيكما، هل تؤثر إيجابًا أم سلبًا على الطبخ؟
بونزو: لقد غيّرت التكنولوجيا بلا شك الطريقة التي نطبخ بها وندير بها المطابخ. بعض الابتكارات، مثل الطهي بتقنية السوس فيد (Sous Vide)، كانت بمثابة نقطة تحوّل حقيقية؛ فالدقة والثبات التي توفرها لا مثيل لهما.
ومع ذلك، أؤمن بأن دور التكنولوجيا يجب أن يكون داعمًا للحرفة، لا بديلًا عنها. فهناك دائمًا ما هو لا يمكن تعويضه في اللمسة البشرية، الحدس، والعاطفة، والإبداع الذي يصاحب عملية الطهي. المفتاح هو التوازن: أن نحتضن التكنولوجيا التي تعزّز أسلوب عملنا، مع الحفاظ على قلب وروح الطهي حيَّين دائمًا.
دا سيلفا: عندما تُستخدم التكنولوجيا بحكمة، فإنها تصبح حليفًا قويًا. فهي تُضيف الدقة والثبات والاستدامة إلى عملنا. لكن لا ينبغي لها أبدًا أن تحلّ محل الحدس أو اللمسة الإنسانية، فروح الطهي ستظل دائمًا تنبع من الأيادي، ومن القلب، ومن المشاعر.
أخيرًا، ما هي نصيحتكما للطهاة الجدد والطموحين عبر موقع "هي"؟
بونزو: اعملوا بجد، واستثمروا في حرفتكم. اخرجوا وتناولوا الطعام في مطاعم مختلفة، واستلهموا الأفكار والإبداع من كل تجربة.
دا سيلفا: أحبّوا الرحلة، لا الأضواء. تعلّموا كل يوم، وابقوا متواضعين، ولا تنسوا أبدًا أن الطبخ هو عن إحساس الناس بما نصنعه. الأمر لا يتعلق بالكمال، بل بالمعنى والغاية.