
خاص – الشيف سلام دقاق لـ"هي": مطبخ أمي كان بدايتي.. والطهو ذاكرةٌ وهوية
"من شابه أباه فما ظلم"، مقولةٌ نسمعها كثيرًا ونتمثل بها؛ وكذلك البنات يُشابهنَ أمهاتهنَ في كثيرٍ من الأمور.
في الحقيقة، فإن معظمنا كنساء، نكبر لنصبح نسخةً عن أمهاتنا، سواء خطَطنا لذلك أم لا. قد تكون الطبيعة ذاتها والتركيبة ذاتها هي ما يُحدَد هذا التشابه الكبير، أو قد يكون ارتباطنا الطويل بهنَ وقضائنا الوقت الأطول معهنَ، هو ما يجعلنا نصبح "نشبه أمهاتنا" بنسخةٍ أصغر.
الشيف سلام دقاق، هي أكبر مثال على هذا التشابه الشديد بين الأم وبنتها؛ تحمل في صوتها شغف الأم وحبها لأكلاتها التراثية، في أطباقها نجد هويتها وذكرياتها الجميلة مع الأم والعائلة، وفي طموحاتها الكثير من التعلق بالمطبخ الفلسطيني. كان لي شرف إجراء هذه المقابلة مع الشيف سلام التي عرَفتنا أكثر عليها وعلى مطعمها، بيت مريم..
مرحبا بكِ معنا شيف سلام على موقع "هي"؛ بداية أخبرينا المزيد عنكِ، بداياتكِ، تعليمكِ، إلخ.
مرحباِ بكِ، سعيدة بهذا اللقاء معكم. أنا بنت القدس، نشأتُ في بيت مليءٍ بالحب واللمة العائلية. لم أدرس الطهو بشكلٍ أكاديمي، لكن أمي مريم كانت معلّمتي الاولى، وفي مطبخها بدأت رحلتي. تعلمتُ أن الطبخ ليس وصفات فحسب؛ بل هو ذاكرةٌ، وهوية، وطريقٌ للحب.
متى أدركت الشيف سلام رغبتها في أن تصبح طاهية؟
بصراحة، لم يأتِ هذا الشغف بين ليلةٍ وضحاها؛ عملتُ في مجالاتٍ مختلفة، لكن قلبي كان دومًا يرجع للمطبخ. اللحظة التي قررتُ فيها أن أتبع قلبي وحدسي، كانت عندما أحسستُ أن رسالتي هي نقلُ تراث أمي من خلال الطعام.
نعلمُ أن والدتكِ مريم، هي مصدر إلهامكِ الرئيسي لتصبحي شيف؛ أخبرينا أكثر عن هذه العلاقة بينكِ وبينها، والأثر الكبير الذي خلَفته فيكِ.
أمي كانت روحي وقدوتي. المطبخ بالنسبة لها لم يكن مجرد مكانٍ لتحضير الطعام، بل هو مساحةٌ نزرعُ فيها الحب ونُفرح الناس. من يومها وأنا أحملُ هذه الفكرة معي، وبيتُ مريم اليوم هو امتدادٌ لقصة عائلتنا.
يحمل الإنسان الكثير من ذكرياته وهويته أينما ارتحل؛ ما أكثر الأشياء التي حملتها الشيف سلام معها من طفولتها وما زالت راسخةً في حياتها وعملها حتى اليوم؟
بالفعل.. ما زالت رائحة الزعتر وخبز بيتنا الدافئ، أصوات الضحكات على مائدة الطعام، والإحساس بأن هذه السفرة تجمع الناس مهما كان الوضع. هذه الأشياء الثلاثة لا تفارقني أبداً.
عملتِ في مجالاتٍ عدة قبل دخول عالم الطهو؛ ما التأثيرات / الأفكار التي حملتها من تلك الوظائف إلى مطبخكِ ومطعمكِ؟
كل وظيفة مررتُ بها، علَمتني شيئًا جديدًا: من الانضباط، إلى الالتزام، وكيفية التعامل مع الناس. هذه التجارب شكَلت شخصيتي ونظرتي للمطبخ، وجعلتني أنظَمُ وقتي أكثر وأعملُ بدقّةٍ أكبر.
عشتِ في أماكن مختلفة قبل الاستقرار في دبي؛ ما الدروس والوصفات المميزة التي حملتها معكِ من تلك الأماكن؟
كل بلدٍ عشتُ وعملتُ فيه، أخذت منه نكهةً أو درسًا معينًا. لكن دبي هي المكان الذي جمعتُ فيه كل التجارب، وأحسيتُ فيها بقدرةٍ أكبر على إعطاء تراثي الفلسطيني مساحةً أوسع للتعبير عنه.

بيت مريم هو تكريمٌ لوالدتكِ الراحلة وامتدادٌ لرحلتكما معًا في المطبخ منذ نشأتكِ في فلسطين؛ أخبرينا المزيد عنه.
بيت مريم ليس مجرد مطعم، إنه بالنسبة لي بيتٌ وأمان.. فيهُ روحُ امي، وصوتها وضحكتها. هدفي من بيت مريم هو أن يشعر كل ضيف كما لو أنه في بيته، وليس مجرد زبون جاء لتناول الطعام.
بفضل التزامكِ بالأصالة والتميَز، اكتسبتِ شهرةً واسعة وتمت تسميتكِ أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جوائز أفضل 50 طاهية في العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المرموقة. ماذا حمل هذا اللقب للشيف سلام؟
كان رد فعلٍ مُفعمٍ بالفخر، لكنه في الوقت ذاته، ألقى عليَ مسؤوليةً كبيرة. لا أمثَلُ نفسي فقط من خلال هذا التكريم، بل صار لزامًا عليَ أن أُمثَلَ كل طاهيات المطبخ الفلسطيني والعربي اللاتي يحضَرن الأكل من شغاف قلوبهنَ.
تمَ تكريم بيت مريم من قبل دليل ميشلان، وحصل على جائزتي Bib Gourmand وService في عامي 2022 و2023؛ كيف تنظرين إلى هذه الإنجازات؟
هي لحظةُ فخرٍ كبيرة، لا أخفيكِ؛ وهي حافزٌ لي لمواصلة إيصال تراثنا إلى شريحةٍ أكبر من الناس. الجوائز لم تغيَرنا، إنما منحتنا دفعةً إضافة لإكمال مسيرتنا وتوسيع حضورنا في المنطقة.
المطبخ الفلسطيني زاخر بالوصفات التقليدية، التي تعكس رغبة الفلسطينيين في حفظ تراثهم وتقديمه للعالم أجمع. ماذا تخبرينا عن هذا المطبخ الفريد؟
هو هوية ونبض الأرض، هذا هو المطبخ الفلسطيني؛ كل وصفةٍ منه تسرد تاريخًا وحكايات، من المسخن إلى ورق عنب، كل لقمةٍ في هذه الأكلات فيها ذاكرتنا وهويتنا.
ما هي طموحات شيف سلام خلال السنوات القادمة؟
أتمنى إيصال المطبخ الفلسطيني إلى أماكن أكثر، وأنجح في افتتاح المزيد من "بيوت مريم" في عواصم ثانية، وأحكي للناس رحلتنا في كتابٍ يُخلّدها.
كيف تصفين أسلوبكِ العام في الطبخ؟
أسلوبي بسيط وصادق، يخرج من القلب بدون تكلف. الهدف حقيقي وحنون، بطعمٍ يدوم.
إلى جانب المطبخ الفلسطيني، ما هو الطعام/المطبخ الذي تحبين تجربته أو طبخه عادةً؟
المطبخ الإيطالي يشبهنا في الدفء والبساطة. أطباقهُ قريبةٌ من القلب، وتشعرين فيها بروح العائلة؛ أحبُ هذا المطبخ كثيرًا.
كيف تُصمَم شيف سلام قوائم الطعام في مطعمها؟
أرى قائمة الأطباق مثل قصة، يجب أن يكون فيها بدايةٌ ومنتصف ونهاية. أبدأُ عادةً بالأطباق التي تعبّر عن هوية بيت مريم والمطبخ الفلسطيني، وأضيفُ عليها أكلاتٍ قريبة من القلب تناسب الضيوف من كل مكان. الأهم عندي أن يكون هناك توازنٌ في قائمة الطعام، بحيث تضم أطباقًا خفيفة وأخرى غنية، كلاسيكيات وأفكار جديدة، لكنها كلها مرتبطةٌ بروح البيت الذي هو الدفء والكرم.
ما هي برأيكِ، الأدوات الأساسية للطاهي الناجح؟
برأيي أهم أداةٍ عند الشيف هي الصبر، والاحساس الذي يجعله يُوازن بين المقادير وبين مشاعر الناس. قد يكون لديكِ أفضل سكاكين وأجهزة، لكن من دون هاتين الصفتين أو "الأداتين"، ما من طبقٍ تُعدَينه سيلمس القلب.

ما الشيء الذي لا يمكنكِ العيش بدونه في المطبخ؟
بصراحة، يديّ؛ هنَ وسيلتي الأفضل لإيصال الحب في داخلي من خلال الطبخ. من العجن إلى التقطيع ثم التقديم، كل تفاصيل الاكل تمرَ من خلالهما.
كيف تُديرين الصراع والمنافسة بين طاقم المطبخ؟
أعتبرُ أن المطبخ عائلة، المنافسة موجودةٌ بالتأكيد، لكنني أسعى لأن تكون دافعًا ايجابيًا بين الفريق. كل فردٍ من هذه العائلة يتعلمُ من الآخر ويكبر معهُ، وليس ضدّه.
أصبحت التكنولوجيا اليوم علامةً فارقة في كل مجال؛ برأيكِ، هل تؤثر على الطبخ إيجابًا أم سلبًا؟
سهَلت التكنولوجيا الكثير من تفاصيل الطهو، من تجهيز المكونات إلى التخزين. إلا أن الجوهر نفسه لم يتغيّر، والطعم والحب لا يأتوا الا من لمسة الانسان. هذه النقطة مهمة ولا تُعوَضها أي آلة.
في الختام؛ ما هي نصائحكِ للطهاة الجدد عبر موقع "هي"؟
أقول لهم أن يمضوا مع شغفهم، وأن لا يسارعوا لقطف النجاح. الطريق طويل لكنه جميل؛ حافظوا على وفائكم لهويتكم، وصدقكم في تحضير الطعام هو الذي سيُوصلكم للناس قبل أي شيءٍ آخر.