تفتيت الحصى بالموجات الصادمة: تقنيةٌٌ متطورة تُحسَن من حياة مريضات البنكرياس
يُعدَ التهاب البنكرياس المزمن من الاضطرابات الهضمية التي المؤرقة، كونه التهابٌ طويل الأجل في البنكرياس، قد يؤدي إلى تدهورٍ لا يُمكن الشفاء منه في بنية ووظائف البنكرياس. والمعروف أن البنكرياس هو عضوٌ في الجزء العلوي من البطن، يقوم بإنتاج هرمون الأنسولين ويفرز السائل البنكرياسي عبر القناة البنكرياسية إلى الجزء الأول من المعي الدقيق (الاثناعشري). وهذا السائل البنكرياسي مهمٌ للغاية، كونه يحتوي على إنزيماتٍ هاضمة تساعد على هضم الطعام.
تشهد أمراض البنكرياس والاضطرابات ذات الصلة، انتشارًا متزايدًا في منطقة الشرق الأوسط (لا توجد إحصاءات مُفصَلة من منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص)؛ إلا أن هذه الأمراض تُظهر نمواً ملحوظًا في معدلات الإصابة والتكاليف الصحية، خصوصاً مع التهاب البنكرياس الحاد وقصور البنكرياس الإفرازي الخارجي (EPI). حيث تشير التقديرات إلى أن سوق علاجات وتشخيص هذه الحالات في المنطقة سيُواصل التوسع حتى عام 2030.
حصى المرارة أو الحصى في القنوات الصفراوية، هي أحد أكثر الأسباب شيوعاً لالتهاب البنكرياس الحاد. وعندما تتحرك الحصى وتسدَ القناة الصفراوية المشتركة أو القناة البنكرياسية، يتعطل تدفق العصارة الهضمية؛ يؤدي هذا الانسداد إلى ارتجاع العصارة داخل البنكرياس، مما يُسبَب تهيجاً والتهاباً شديداً.
في الحالات الحادة، قد تحتاج مريض التهاب البنكرياس الحاد لإدخال دعامةٍ بالقنوات الصفراوية أو تدخلٍ جراحي؛ وغالبًا ما يقدم الأطباء علاجًا داعمًا، يشتمل على الصيام المؤقت، السوائل الوريدية، مُسكنات الألم، والمضادات الحيوية عند الحاجة. ومؤخرًا، برز مصطلح "تفتيت الحصى بالموجات الصادمة" كنوعٍ متقدم من علاج هذه الحصى؛ وقد أثمر استخدامه في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، في تحسين حياة مريضةٍ مصابة بالتهاب البنكرياس الحاد، ما جنَبها الجراحة.
فماذا نعرف عن هذه التقنية، وما تفاصيل استخدامها في الحالة المذكورة أعلاه؟ يقدم لنا الدكتور الدكتور أيمن موسى؛ طبيب استشاري المسالك البولية في معهد التخصصات الجراحية المتكاملة بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي الإجابات والشرح المفصَل.

تفتيت الحصى بالموجات الصادمة: علاجٌ ثوري لالتهاب البنكرياس
يُعدّ تفتيت الحصى بالموجات الصادمة تقدمًا مهمًا؛ كونه يُوفّر علاجًا غير جراحي وفعّال لتفتيت حصى البنكرياس أو القنوات الصفراوية، مما يُقلَل من الحاجة إلى عملياتٍ مُعقَدة ويُخفَف من المضاعفات التي قد تؤثر بشكلٍ خاص على النساء اللاتي يعانينَ من أمراض البنكرياس.
ومؤخرًا؛ حقق مستشفى كليفلاند كلينك إنجازًا طبيًا هو الأول من نوعه، حيث نجح فريقٌ متخصص في استخدام تقنية تفتيت الحصى بالموجات الصادمة (ESWL) – والمستخدمة عادةً لحصى الكلى – لعلاج سيدةٍ في الستينيات كانت تعاني من التهاب البنكرياس المزمن ووجود حصوةٍ كبيرة في القناة البنكرياسية. هذا العلاج مكّنها من تجنّب جراحةٍ كبرى وتحسَن حالتها بشكلٍ سريع وملحوظ.
في سؤالٍ للدكتور موسى حول هذه التقنية، أجاب:
تقنية تفتيت الحصى بالموجات الصادمة هي إجراءٌ غير جراحي، يعتمد على توجيه موجاتٍ عالية الطاقة من خارج الجسم نحو الحصوة، مما يؤدي إلى تفتيتها لأجزاءٍ صغيرة جداً يتمكن الجسم من التخلص منها بشكلٍ طبيعي.
وفي حالة حصوات القناة البنكرياسية، يتم استخدام التصوير الدقيق مثل الأشعة السينية أو الفلوروسكوب لتركيز الموجات على موقع الحصوة داخل القناة الرئيسية للبنكرياس؛ ما يسمح بتفتيتها بشكلٍ آمن. وعلى الرغم من أن هذا الاستخدام يُعدَ غير تقليدي وأقل شيوعًا، إلا أنه أثبت فعاليةً كبيرة عند استخدامه في الحالات المناسبة.
لتبيان ميزات هذا العلاج، يقول الدكتور موسى:
يمتازُ هذا العلاج بأنه غير جراحي بالكامل، ولا يتطلب أي فتحٍ جراحي أو إدخال أدواتٍ داخل الجسم. كما يتميز بسرعة الإجراء، إذ يستغرق نحو 30 دقيقة، ليغادر المريض بعدها في اليوم ذاته دون فترة نقاهةٍ تُذكر.
إضافة إلى ذلك، فهو يقدم بديلًا آمنًا يُقلَل من المضاعفات مقارنةً بالجراحة التقليدية.
لا شك في أن معايير معينة ينبغي توفرها في الحالة الطبية قبل الإقدام على اختيار هذه التقنية؛ فما ما الذي جعل هذه الحالة مناسبة لاستخدام ESWL بدلًا من الجراحة؟
بحسب الدكتور موسى؛ كانت الحالة مناسبةً لأن موقع الحصوة في القناة البنكرياسية، كان يسمح بتوجيه الموجات الصادمة بدقةٍ عالية بالاضافة إلى حجم الحصوة الكبير، مع وجود تضيَقٍ وانسداد في القناة البنكرياسية مما يجعل إزالة الحصوة بالمنظار أصعب.
كما أن التدخل الجراحي كان سيحمل مخاطر أكبر على المريضة مقارنةً بالخيار غير الجراحي. وبالتالي، كان استخدام ESWL هو الخيار الأمثل لتخفيف الأعراض وتجنَب جراحة معقدة.
لمعرفة كيفية تنفيذ الإجراء عملياً لضمان الدقة وتفتيت الحصوة بطريقةٍ آمنة، شرح لنا استشاري المسالك البولية في معهد التخصصات الجراحية المتكاملة بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي الدكتور أيمن موسى بأن الفريق الطبي التخصصي الذي عملَ معه، قام أولًا بتحديد موقع الحصوة بدقة بواسطة الأشعة السينية. بعد ذلك وُضعت المريضة على جهاز التفتيت مع ضبط الزاوية والوضعية المثالية لتوجيه الموجات؛ تمَ إرسال موجاتٍ صادمة محسوبة وبعددٍ محدد، يضمن تفتيت الحصوة دون التأثير على الأنسجة المحيطة.
وخلال الإجراء تمت مراقبة الوضع بشكلٍ مستمر للتأكد من الدقة والسلامة.
ماذا عن حال المريضة الآن، ولماذا تمَ اختيار هذه التقنية تحديدًا؟

يجيب الدكتور موسى: "كانت المريضة تعاني من حصوةٍ كبيرة في القناة البنكرياسية، مُتسببةً في انسداد القناة؛ وكانت بحاجة إلى علاجٍ فعّال دون الدخول في جراحةٍ معقدة. وبالنظر إلى موقع الحصوة وإمكانية الوصول إليها بالموجات الصادمة، كان ESWL هو الخيار الأفضل لتجنب المخاطر وتحقيق نتائج سريعة وآمنة. وقد مكّنها ذلك من تجنب التدخل الجراحي تمامًا."
بخصوص التحسينات التي لوحظت بعد العلاج، وكيفية مساهمته في تقصير فترة التعافي؛ أكدَ الدكتور ملاحظة تحسنِ سريع في حالة المريضة بعد تفتيت الحصوة. كما ان الأعراض المرتبطة بانسداد القناة تراجعت بشكلٍ واضح، وتمكنت المريضة من العودة إلى منزلها في اليوم نفسه.
كذلك كانت فترة التعافي قصيرةً جدًا مقارنةً بالجراحة، مما منحها راحةً وسرعة في استعادة حياتها الطبيعية.
لا شك في أن ذلك النجاح، سيُغيَر خيارات العلاج المتاحة للنساء المصابات بحصوات القناة البنكرياسية أو بالتهاب البنكرياس. هذا ما أفادنا به الدكتور موسى؛ مضيفًا أن هذا النجاح يؤكد أن ESWL يمكن أن يكون خيارًا فعالًا وآمنًا في حالاتٍ مختارة من حصوات القناة البنكرياسية، ما يُوسَع خيارات العلاج المتاحة أمام المرضى. وقد يُمثَل بديلًا مهمًا للنساء اللاتي يرغبنَ في تجنب الجراحة أو اللاتي قد لا يناسبهنَ التدخل الجراحي التقليدي.
خلاصة القول؛ أن تفتيت الحصى بالموجات الصادمة أو التصادمية، كما يُطلق عليه، يُعدَ خيارًا آمنًا وفعالًا خاصةً للنساء المصابات بالتهاب البنكرياس الحاد واللاتي لا يرغبنَ بالخضوع لتدخلٍ جراحي (أو لا يمكنهنَ ذلك).
تعكس هذه التقنية، التطور الهائل الذي تشهده تكنولوجيا العلاجات الحديثة لجهة تقليل وقت العلاج ونسبته، فضلًا عن عدم الحاجة للجوء للخيارات الجراحية التي كان بعضها يحمل مضاعفاتٍ متفاوتة على صحة ورفاه المرضى.