
خاص بـ"هي": الفنانة السعودية زينب أبو حسين تعيد تشكيل المنمنمات في أعمال معاصرة مستلهمة من التراث
حين تتقاطع الذاكرة مع التجريب، وتتشابك الأساليب التقليدية مع التعبير المعاصر، تضع الفنانة السعودية زينب أبو حسين بصمتها الخاصة بأسلوب متجذّر في فنون المنمنمات والتذهيب، حيث تقدم زينب أعمالًا تستحضر التراث بعين مختلفة.
تمثل تجربتها تقاطعًا حيًا بين الفن والحرفة، حيث تتحوّل المنمنمات إلى مساحة حوار مع الذاكرة. فهي فنانة متعددة التخصصات، خريجة علم الفيزياء تتفنن الكتابة والتصميم بوعي بصري يستمد جذوره من الهوية، وينفتح في الوقت ذاته على وسائط معاصرة تتنوع بين الألوان المائية، والسيراميك، والكولاج، والفسيفساء.
تحمل زينب خلفية أكاديمية عالمية، حازت خلالها على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعات في كندا، الولايات المتحدة، وبريطانيا. هذه الرحلة منحتها مرونة فكرية وبصرية تتجلى في تعدد لغاتها الفنية. وقد شكّلت محطاتها بين بينالي الفنون الإسلامية وإقامة مسك للفنون امتدادًا لسؤال جوهري في ممارستها: كيف نُعيد تقديم ما نعرفه دون أن نفقد ما يجعلنا نحن؟
في هذا اللقاء، نقترب من رؤية زينب أبو حسين للفن الإسلامي كحقل حيّ، وفضاء مفتوح لإعادة التشكيل والتأويل. نتحدث معها عن علاقتها بالمنمنمات، وعن مشاركتها في بينالي الإسلامي وآخر أعمالها في معهد مسك للفنون صالة الأمير فيصل بن فهد خلال صيف 2025 والعديد.

البحث عن الذات عبر المنمنمات
لم تبدأ زينب رحلتها مع الفن الإسلامي من بوابة التراث، بل من رغبة داخلية للبحث عن أسلوب فني يعكس ذاتها ويعبّر عن رؤيتها الخاصة.
تقول: "في البداية، كان الدافع وراء هذا المسعى فنيًا بحتًا، سعيًا وراء الأسلوب والتعبير الذي يعزز الهوية. بدأت رحلتي كفنانة بالانخراط في الأتيليه الكلاسيكي، حيث تعلّمت الرسم بدقة، وواصلت تجربتي في النحت، السيراميك، والطباعة."
وتكمل الحديث:" كل وسيلة أضافت لي طبقة جديدة من الفهم البصري. خلال هذه الرحلة، وجدت في الفن الإسلامي، وتحديدًا فن المنمنمات، عالماً يعكس أفكاري ومشاعري بعمق. كنت أبحث عن لغة بصرية تحتفظ بجذورها التاريخية، لكنها تتجدّد مع كل ضربة فرشاة."
قواعد الفن الإسلامي كأرض خصبة للابتكار
بعكس الفكرة الشائعة أن الفن الإسلامي مقيد بقواعد صارمة، ترى زينب أن هذه القواعد كانت دومًا محفزًا للتجديد لا عائقًا أمامه. تشرح: "بكوني خريجة فيزياء، أقترب من الفن بنفس الذهنية العلمية: القاعدة ليست حاجزًا بل نقطة انطلاق. مثلما كانت قوانين الفيزياء أساسًا لكل تطور علمي."
وتكمل الحديث:" فإن قواعد الفن الإسلامي كالهندسة، والتكرار، والنسبة كانت قاعدة لانطلاق أساليب مبتكرة وجريئة. الفنان المسلم قديمًا لم يكن أسير نمط، بل ابن زمنه، يُعبّر من خلال الفن عن همومه ومفاهيم عصره."

أولى التجارب التذهيب
في أولى تجاربها لعرض أعمالها المعتمدة على المنمنمات والتذهيب في سوق الفن و التصاميم في أسبوع مسك للفنون، لم تكن زينب متأكدة من ردّة فعل الجمهور، لكن ما حدث فاجأها.
تروي لـ"هي" : "قررت أن أقدّم الأعمال دون مقدمات أو شروحات، أردت أن أرى كيف سيتفاعل الناس مع الفن كما هو. ولدهشتي، كانت ردود الفعل عميقة وصادقة. كثيرون قالوا إنهم شعروا وكأنهم يعيدون اكتشاف شيء كان حيًا فيهم طوال الوقت. كانت لحظة مهمة لي كفنانة: شعرت أن هذا النوع من الفن لا يحتاج أن يُبرَّر، بل فقط أن يُقدَّم بصدق."
حين تتحوّل المنمنمات إلى أثرٍ يُقتنى
في مشاركتها ضمن متجر بينالي الفنون الإسلامية، وجدت زينب مساحة جديدة لاختبار العلاقة بين الفن والمتلقي، عبر فعل الاقتناء ذاته. قدّمت زينب نسخًا مذهّبة من أعمالها الأصلية، استحضرت فيها تقنيات المنمنمات والتذهيب
وتوضح زينب قائلة: " قدّمت نسخًا محدودة، مُذهّبة، مستوحاة من منمنمات تصوّر البساتين، الصورة المتجذرة في الوعي الإسلامي للجنة كما ورد وصفها في التراث. هذا التوجه جاء متناغمًا مع موضوع البينالي لهذا العام وما بينهما، ومع روح المتجر الذي كان امتداد فني وتجريبي لما يراه الزائر داخل المعرض."
وتضيف: "أردت أن أخلق شيئًا يحتفظ بروح العمل الأصلي، لكنه يذهب مع المقتني ليكمل قصته في مكان آخر. كانت لحظة جميلة أن أرى الزوار يتفاعلون مع القطع كجزء من تجربتهم، لا كمتلقين فقط، بل كشركاء في الحكاية."

أحدث المشاركات: حوار مع الذاكرة في معرض صالة الأمير فيصل بن فهد
كان آخر ما قدّمته الفنانة زينب أبو حسين عملًا جديدًا ضمن مشاركتها في معرض "منظور التغيّر الاجتماعي عبر الأجيال"، الذي نظمه معهد مسك للفنون في صالة الأمير فيصل بن فهد خلال صيف 2025. وقد عبّرت زينب عن مدى انسجام فكرة المعرض مع روح ممارستها الفنية التي لطالما سعت إلى استكشاف العلاقة بين الحرفة، والهوية، والقصص الموروثة.
تقول زينب أبو حسين: "شعرت أن الدعوة المفتوحة تخاطب أعمالي بشكل مباشر، وهذا ما أسعدني. شاركت بقطعة فنية كانت قريبة جدًا من روح المعرض، وهي سجادة قماشية قمت بصبغها بألوان طبيعية، ثم طرزتها ورسمت عليها باستخدام مواد مستخلصة من الطبيعة."
وتكمل الحديث:" الأسلوب كان تقليديًا من حيث التقنية، لكن العمل حمل في داخله روحًا معاصرة. استندت إلى الحِكمة الشعبية التي توارثناها على شكل فلكلور وقصص بسيطة، لكنها في الحقيقة تحمل معاني عميقة مرتبطة بالأرض والهوية. حاولت أن أجسّد هذا الامتداد بين ما يُروى اليوم وما عاشه الأجداد، فجاءت القطعة بوصفها لغة بصرية معاصرة لحكمة قديمة."
وتختتم حديثها قائلة:" كانت التجربة بالنسبة لي ثرية ومهمة، وأشكر معهد مسك للفنون على هذه الفرصة التي أتاحت لنا كفنانين مساحة للحوار بين الأجيال، ولطرح رؤى متعدّدة تنطلق من موضوع واحد وتتفرّع بتنوّع الممارسات."