الفنانة ابتسام لطفي.. أوائل السعوديات في الغناء.. بعينٍ لا تُبصر، وبصيرة لا تخطئ

الفنانة ابتسام لطفي.. أوائل السعوديات في الغناء.. بعينٍ لا تُبصر، وبصيرة لا تخطئ

رهف القنيبط
20 يونيو 2025

بصوت يحمل صدقا لا يدرس، وإحساس لا يصطنع، دخلت ابتسام لطفي المشهد الفني بخطى واثقة، رغم صمت الصورة من حولها. كفيفة منذ الولادة، لكنها أبصرت ما لا يُرى، وسمعت ما لا يُقال، فكوّنت لنفسها مكانة لا تُختصر في لقب أو زمن.

نخوض في حياة ابتسام لطفي تكريمًا للصوت الذي تركته خلفها، نقترب من ملامح مسيرتها الفنية، نستعرض أبرز محطاتها وتعاوناتها، ونستعيد حضورها الآسر رغم غياب البصر. نخوض في أرشيفها الذي أصبح اليوم مفتاحًا لفهم التحوّلات المبكرة في حضور المرأة داخل المشهد الغنائي السعودي، بوصفها رمزًا لا يسعى للرمزية. 

ابتسام لطفي
كان اسمها الفني "ابتسام لطفي" هدية رمزية من الفنان الراحل طلال مداح

مسارها الفني وأشهر أعمالها

وُلدت في الطائف في الخمسينات، وبدأت رحلتها الصوتية من باحات تلاوة القرآن، حيث تشكّل وعيها بالمقامات والتجويد. ذلك المسار الروحي ظلّ يسري في أدائها حتى حين اتجهت إلى الغناء، فصوتها كان دائمًا مشبعًا بالسكينة واليقين، يلامس الأعماق دون تكلّف.

في أواخر الستينات، أصبحت من أوائل الفنانات سعوديات الاتي يذاع صوتهن عبر إذاعة جدة، بصوتٍ يخترق القيود، ويمهّد الطريق لمن بعدها. كان اسمها الفني "ابتسام لطفي" هدية رمزية من الفنان الراحل طلال مداح، قدّمت لها مع أولى خطواتها في الساحة، لتكون هوية فنية تختزن طبقات من القوة والخصوصية. ظهرت ضمن أوائل الأصوات النسائية السعودية التي بثّتها الإذاعة والتلفزيون في بداياتهما.

من الفصحى إلى التراث

تنوّعت أعمال ابتسام لطفي بين الفصحى والعامي، وقدّمت نصوصًا رفيعة من كلمات شعراء كبار، مثل إبراهيم خفاجي، بألحان عبد الحميد بن إبراهيم.

ومن أغانيها الأولى “فات الأوان” كلمات لطفي زيني، ألحان طلال مداح، بعدها، تواصلت مع رموز الطرب العربي: طاهر زمخشري، محمد الموجي، أحمد رامي، ورياض السنباطي، كما لحّنت بعض أغانيها بنفسها تحت اسم مستعار.

ابتسام لطفي
لم تعتمد على الاستعراض أو الحركة، بل على صدق الصوت

وأيضاً أغنية “ساعة لقاء”، التي لامس فيها صوتها الشعر بلغة تتجاوز اللحن، وتستحضر معنى الحنين الناضج.

تميّزت أيضًا بغناء الألحان التراثية للمنطقة الغربية من السعودية، واشتهرت بتقديمها لأغنية “لا لا يا الخيزرانة”، وهي واحدة من أكثر الأغاني التراثية حضورًا في الذاكرة، والتي غنّاها بعد ذلك كثير من المطربين السعوديين.

الأداء بلا بصر… حضور مضاعف

لم تكن تبصر جمهورها، لكنها كانت تدركه تمامًا. تثبّت الميكروفون بأصابعها، وتحفظ حركات العود وكأنها لغة لم تُكتب. لم تعتمد على الاستعراض أو الحركة، بل على صدق الصوت. غياب البصر تحوّل إلى بصيرة غنائية جعلتها أقرب إلى جوهر الطرب، وأبعد عن زخارفه.

أرشيفٌ لا يُقدّر بثمن

صوت ابتسام لطفي اليوم ليس مجرد تسجيل من الماضي، بل وثيقة فنية حية، تؤرّخ لبداية حضور المرأة في المشهد الغنائي المحلي. وهو أيضًا مرآة لصوت أنثوي واثق، خرج في لحظة ضبابية وترك أثرًا ما زال يُستعاد، لا تمجيدًا، بل فهمًا لما مضى، واعترافًا بقيمة من مرّوا من هنا دون ضجيج، لكنهم لم يغادروا حقًا.