
العيش على حافة الأنسولين: داء السكري من النوع الأول أعراضه وأسبابه
عندما تتضافر جهود عالم الترفيه، في خدمة الطب والعلم؛ فإن هذا يُعبَر كثيرًا عن رسالةٍ سامية يقوم بها هذا المجال نحو الناس، ولا يعود دوره مقتصرًا على التسلية فقط.
هذا ما يمكننا قوله اليوم عن إطلاق شركة ماتيل لدمية باربي جديدة، ليست أنيقةً ولا ترتدي أفخم الملابس كما اعتدناها؛ بل هي ببساطة، مريضة سكري من النوع الأول.
يخال للبعض أن رؤية دمية للأطفال، تحمل جهاز مراقبة الجلوكوز في الدم ومضخة أنسولين، قد يبدو غريبًا وغير مألوف خصوصًا للصغار. ويذهب البعض إلى قلق إثارة الخوف والقلق لدى الأطفال الأبرياء الذين يبحثون عن المتعة والتسلية في الدمى التي يقتنون، لكن الواقع أن هؤلاء الصغار يحملون مقدارًا كبيرًا من التعاطف والتفهم لكل ما يرونه من حولهم، قد يدهش الكثيرين.
ولا نذهب بعيدًا، فهناك العديد من الأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول (محور موضوعنا اليوم)؛ ممن يضطرون لحمل ذلك الجهاز طوال الوقت. وبعضهم مضطرٌ كذلك لحمل مضخة الأنسولين التي توفر لهم كمية الأنسولين التي يحتاجونها، للحفاظ على صحتهم. إذن، فهذه الدمية اليوم هي تعبيرٌ صريح وواضح على حالة الكثيرين ممن يعانون من داء السكري من النوع الأول من الصغار، تساعدهم في تقبَل مرضهم، كما تُشجع أقرانهم على التعامل معهم براحة ويُسر بعدما تعرفوا على دمية تعاني مرضًا مشابهًا لمرض رفاقهم.
وفي عالمٍ يشهد تغيَراتٍ جذرية في أنماط الحياة والغذاء، أصبحت الأمراض المُزمنة مثل داء السكري، من القضايا الصحية الأساسية التي تؤثر على المجتمعات كافة. وفي الوقت الذي يُعزى فيه داء السكري عمومًا إلى زيادة الوزن، قلة النشاط البدني، والعادات الغذائية غير الصحية، يبرز داء السكري من النوع الأول كحالةٍ مختلفة تمامًا.

فهو لا يرتبط بنمط الحياة، بل هو مرضٌ مناعي ذاتي يصيب غالبًا الأطفال والمراهقين؛ حيث يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة خلايا بيتا المُنتجة للإنسولين في البنكرياس، مما يؤدي إلى انعدام قدرة الجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم بشكل طبيعي. هذا ما أكدته الدكتورة سوزان قوبر؛ استشارية الغدد الصماء والسكري في مستشفى كليمنصو دبي www.clemenceau.com/dubai، عارضةً لنا المزيد من الأرقام والحقائق حول هذا المرض، أسبابه وأعراضه وطرق علاجه. فإذا كنتِ مهتمةً عزيزتي بمعرفة المزيد عن السكري من النوع الأول، تابعي القراءة معنا..
الأرقام تتحدث: لمحة عن انتشار مرض السكري عالميًا
يُقدّر عدد المصابين بداء السكري من النوع الأول بحوالي 9.5 مليون شخص حول العالم، من بينهم 1.85 مليون طفل ومراهق. ويُسجَّل سنويًا ما يقارب 200 ألف حالة جديدة من النوع الأول في الفئة العمرية دون العشرين سنة.
واستنادًا إلى تقارير منظمة الصحة العالمية، تحدث حوالي 6.7 مليون حالة وفاة سنويًا نتيجة مضاعفات السكري، وهو رقمٌ يعكس العبء الكبير لهذا المرض عالميًا. مع الإشارة إلى أن ما يقارب أربعة من كل عشرة أشخاص مصابون بالسكري، لا يعلمون أنهم مصابون. ولهذا يُعرف السكري – وخاصةً النوع الثاني – بـ"المرض الصامت".
ما هو داء السكري من النوع الأول؟
السكري من النوع الأول هو مرضٌ مناعي ذاتي مُزمن، يحدث عندما يهاجم جهاز المناعة خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس ويدمّرها بشكلٍ دائم.
ولمن لا يعرف؛ فالأنسولين هو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستوى الجلوكوز (السكر) في الدم، وبدونه تتراكم مستويات الجلوكوز بشكلٍ مفرط في مجرى الدم، مما يؤدي إلى مضاعفاتٍ صحية خطيرة.
كيف نُفرّق بين داء السكري من النوع الأول وباقي الأنواع؟
• النوع الأول: يحدث نتيجة نقصٍ مطلق أو شبه مطلق في إفراز الإنسولين، يظهر عادةً في عمرٍ مبكر ويتطلب العلاج الدائم بالإنسولين.
• النوع الثاني: يحدث نتيجة مقاومة الجسم للإنسولين، أو عدم إنتاج كمية كافية منه؛ يرتبط غالبًا بالسُمنة، نمط الحياة غير الصحي، والعوامل الوراثية.
• سكري الحمل: يظهر خلال فترة الحمل ويزول غالبًا بعد الولادة، لكنه يزيد من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني لاحقًا.
ما أسباب داء السكري من النوع الأول؟
كما أسلفنا؛ داء السكري من النوع الأول هو مرض مناعي ذاتي، ما يعني أن جهاز المناعة في الجسم يهاجم خلايا بيتا في البنكرياس، وهي المسؤولة عن إنتاج الإنسولين. لا تزال الأسباب الدقيقة لهذا الهجوم غير مفهومة بالكامل، لكن يُعتقد أنها نتيجة تفاعل عدة عوامل:
1. الاستعداد الوراثي: وجود تاريخ عائلي من السكري النوع الأول وأمراض مناعية أخرى.
2. العدوى الفيروسية: مثل فيروس كوكساكي B.
3. خلل في تنظيم الجهاز المناعي: يدفع الجسم لمهاجة خلاياه بدلاً من الأجسام الغريبة.
هل يمكن الوقاية من داء السكري من النوع الأول؟
حتى الآن، لا توجد وسيلةٌ مؤكدة للوقاية من داء السكري من النوع الأول، لأن الإصابة ناتجةٌ عن خللٍ في الجهاز المناعي يصعب التنبؤ به أو منعه. لكن الأبحاث الجارية تعمل على تحديد الأشخاص المُعرضين للإصابة عبر الفحوصات الجينية، واستخدام أدويةٍ مناعية قد تساعد في تأخير ظهور المرض.
هل يمكن علاج داء السكري من النوع الأول نهائيًا؟
لا يوجد شفاءٌ تام حتى الآن، لكن العلاج الحالي يهدف إلى التحكم الكامل بمستويات السكر في الدم من خلال استخدام الإنسولين. الهدف هو الحفاظ على معدلات السكر ضمن النطاق الطبيعي، وتجنّب ارتفاعه أو انخفاضه المفاجئ، مما يُقلَل من خطر حدوث المضاعفات.
ما هي الأعراض الشائعة لداء السكري من النوع الأول؟
تُحدَد الدكتورة قوبر أبرز أعراض داء السكري من النوع الأول على النحو الآتي:
• العطش المفرط والتبول المتكرر.
• الجوع المستمر.
• فقدان الوزن رغم تناول الطعام.
• الإرهاق العام.
• تشوش الرؤية.
• رائحة فاكهة في النفس، أو سرعة التنفس وآلام في البطن والغثيان: هي علامات تدل على الحماض الكيتوني السكري (والذي يُعدَ حالةً طارئة).
ما هي مضاعفات داء السكري من النوع الأول طويلة المدى؟
للأسف؛ يمكن أن يؤدي هذا النوع من السكري إلى اختلالاتٍ أو مضاعفات عدة، هي:
1. اعتلال الشبكية السكري: وهو تلف الأوعية الدموية الدقيقة في شبكية العين، والذي قد يؤدي إلى العمى.
2. اعتلال الكلى السكري: تضرر وظائف الكلى تدريجيًا، وقد ينتهي بالفشل الكلوي.
3. الاعتلال العصبي الطرفي: تلف الأعصاب، ويُسبَب الخدر والحرقان.
4. الاختلالات الجنسية: مثل ضعف الانتصاب عند الرجال أو انخفاض الرغبة لدى النساء.
5. أمراض القلب والأوعية الدموية: مثل السكتات وتصلَب الشرايين.
6. هشاشة العظام: زيادة خطر الكسور.
7. الاضطرابات النفسية: مثل الاكتئاب والقلق.
هل يؤثر داء السكري من النوع الأول على متوسط العمر المتوقع؟
قد يُقلَل داء السكري من النوع الأول متوسط العمر المتوقع بنحو 8 إلى 13 سنة؛ ولكن مع الرعاية الصحية والانضباط في العلاج، يمكن للمريض أن يعيش حياةً طويلة وصحية.
كيف يُشخَّص داء السكري من النوع الأول؟
يُجري الطبيب عادةً، الفحوصات التالية، للكشف عن هذا المرض:
• تحليل السكر في الدم (الصيامي أو العشوائي).
• اختبار HbA1c (السكر التراكمي).
• اختبارات الأجسام المضادة المناعية: GAD، IA-2، ZNT8.
• تحليل C-Peptide لتقييم قدرة الجسم على إنتاج الإنسولين.

كيف يُدار داء السكري من النوع الأول؟
1. الإنسولين بأنواعه (قصير وطويل المفعول).
2. مضخات الإنسولين.
3. المراقبة المستمرة للسكر (CGM).
4. التغذية المتوازنة.
5. النشاط البدني المنتظم.
6. الدعم النفسي.
7. المتابعة الطبية المنتظمة.
ما هي إرشادات العلاج وآخر التطورات الخاصة بداء السكري من النوع الأول?
العلاج الأساسي لهذا المرض هو الإنسولين، سواء عبر جرعاتٍ متعددة يوميًا أو مضخات الإنسولين.
كما يتم اللجوء لاستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل:
• البنكرياس الاصطناعي أو أنظمة الحلقة المغلقة (Closed Loop).
• علاجات مناعية تهدف إلى تأخير تطور المرض وأبحاث زراعة خلايا بيتا.
داء السكري من النوع الأول: بين الحقيقة والخرافة
كثيرًا ما تسود خرافات أو معلومات مغلوطة حول الأمراض، يتناقلها الناس للأسف فيما بينهم دون الرجوع إلى المراجع الطبية الموثوقة. وداء السكري من النوع الأول ليس بمنأى عن هذه الخرافات، منها الخرافة الأكثر شيوعًا، ألا وهي أن السكري ناتجٌ عن تناول السكر، إضافةً إلى معلومات أخرى.
وتدحض الدكتورة قوبر هذه الخرافات، مشيرةً إلى أن:
1. الأنسولين غير مُسبب للإدمان.
2. يمكن لمريض السكري ممارسة الرياضة والصيام بعد الاستشارة.
3. الشفاء الكامل من داء السكري من النوع الأول غير ممكن، لكن السيطرة التامة ممكنة.
في الختام، وبناءً على التوصية العامة من الدكتورة قوبر؛ داء السكري من النوع الأول هو مرضٌ مزمن يتطلب وعيًا والتزامًا، بالإضافة إلى الدعم النفسي للمريض ولعائلته. وبفضل التقدم الطبي والتقنيات الحديثة، بات بالإمكان التعايش بإيجابيةٍ كبيرة مع المرض.
إن الدعم الأسري والتثقيف الطبي يُشكَلان ركائز أساسية لحياةٍ لا تعيقها التحديات، بل تُزيَنها بالإنجازات والطموح. ابقِ على اطلاعٍ دائم على كافة المعلومات الصحيحة المتعلقة بداء السكري بكافة أنواعه من خلال المراجع الموثوقة، مثل موقع "هي"؛ والذي يحرص دومًا على تزويدكِ بالمعرفة من خلال المصادر العلمية والطبية.