مروة العقروبي المدير التنفيذي لبيت الحكمة

خاص "هي": مروة العقروبي .. الشاشات سرقت الكتاب من يد الطفل وعلينا استعادة سحره

ريهام كامل

على الرغم من إغراء الشاشات والأجهزة الذكية للأطفال، يظل الكتاب نافذتهم الأجمل إلى العالم، وطريقهم الأصدق إلى الخيال والمعرفة. فالقراءة ليست مجرد هواية، بل هي ركيزة تبني الوعي وتصقل الشخصية منذ الصغر ومن بين الأصوات التي تدافع بشغف عن مكانة الكتاب في حياة الأجيال الجديدة، تبرز مروة العقروبي، المدير التنفيذي لـ"بيت الحكمة" في الشارقة، والكاتبة المتخصصة في أدب الطفل، التي كرّست مسيرتها لتقريب الأطفال من عالم الحروف والسرد، والتي يطيب لنا اليوم، أن تكون ضيفة "هي" في هذا اللقاء، الذي يفوح عبير الثقافة، ونور المعرفة من بين كلماته.

من هي مروة العقروبي؟

تجسد مروة العقروبي المديرة التنفيذية لـ "بيت الحكمة"، الصرح الثقافي والاجتماعي المتكامل في إمارة الشارقة، نموذجاً بارزاً في قيادة المشاريع الثقافية الاستراتيجية، ولها رصيد حافل بالإنجازات في قطاع الكتابة والنشر وإدارة الملفات الثقافية. حضورها دائم ومثمر في أهم الفعاليات الثقافية التي تنظمها أو تشارك بها إمارة الشارقة في الساحتين المحلية والعالمية.

مروة العقروبي تشدد على دور المعرفة في غرس القيم والمبادئ في نفوس الصغار

 

بدأت مسيرتك من حب الكتاب، فهل كنتِ تتوقعين أن تقودي أحد أهم المشاريع الثقافية في الشارقة؟

في مجال الثقافة كل الطموحات مشروعة، لأن الثقافة فعل نبيل وممارسة تنموية تعود بالنفع على المجتمع وعلى البشرية جمعاء، ولها علاقة بمكانة الشعوب والأمم في المشهد العالمي، ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة تربينا على الطموح الذي استلهمناه من قيادتنا ومن تاريخنا وتراثنا، لذلك أجيب بأنه كان لدي طموح كبير بأن أكون جزءاً من مشروع الشارقة الثقافي وأن أخدم وطني ومجتمعي من خلال قيادة أحد المشاريع الثقافية الهامة، وأشعر بالفخر الكبير لمسؤولياتي وواجباتي في "بيت الحكمة" لأنه مشروع غير تقليدي وجاء احتفاءً بفوز الشارقة عاصمة عالمية للكتاب في 2019.

من ناحية أخرى، هناك مسؤولية كبيرة ترافق هذا الطموح دوماً، وهي أن يكون الفرد على قدر التوقعات وأن يحدث فرقاً جوهرياً ويكون إضافة نوعية للمشهد الثقافي، فنحن هنا نتعامل مع مشروع يؤثر في هوية المجتمع وثقافته ويؤثر أيضاً في ثقافة الأجيال القادمة، لكن بفضل ما تشربناه من ثقافة وبفضل توجيهات قيادتنا ورعايتها للمشاريع الثقافية، فإننا واثقون دوماً بأننا في المسار السليم وهو ما تشير إليه النتائج التي تحققت حتى الآن.

ما الذي ألهمكِ للتركيز على كتب الأطفال واليافعين تحديدا؟

ما ألهمني هو الأهمية الكبرى لهذه الكتب في بناء الفكر وتشكيل الشخصية منذ الصغر، فهي ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل أداة فعّالة لغرس القيم، وتنمية المهارات، وتوسيع المدارك، كما تساعد هذه الكتب على تطوير مفردات الأطفال وتعزيز قدرتهم على التعبير عن أفكارهم بوضوح، وتسهم في تحفيز خيال الأطفال واليافعين مما يُنمّي قدراتهم الإبداعية.

من خلال تجربتي لمست التأثير الكبير للقصة في غرس مبادئ الصدق والتعاون والاحترام، واكتشفت أن أفضل وسيلة لبناء جيل قارئ هي إصدار كتب مناسبة وجاذبة للأطفال واليافعين، تقدم هويتهم وثقافتهم وتعزز فيهم روح احترام الثقافات والهويات الإنسانية الأخرى.

كل هذه الأسباب يضاف إليها الاهتمام الكبير من الدولة في بناء مجتمع قائم على المعرفة والمواهب، دفعتني للاهتمام بكتب الأطفال واليافعين، وهو مشروع لا يتوقف عند حد أو إنجاز بل يتجدد بتجدد الأجيال وتطور الحياة.

مروة العقروبي المدير التنفيذي لبيت الحكمة
مروة العقروبي المدير التنفيذي لـ"بيت الحكمة" في الشارقة

ما الذي يميز بيت الحكمة عن أي مكتبة تقليدية؟

المكتبات التقليدية هي مكان للقراءة أو الوصول إلى الكتب والمراجع، لكن بيت الحكمة تأسس ليكون فضاءً معرفياً تفاعلياً يجمع تحت مظلته أبناء المجتمع الواحد مثلما يجمعهم مع أبناء المجتمعات والثقافات الأخرى.  أما "بيت الحكمة"، فقد جاء احتفاءً بتتويج الشارقة عاصمة عالمية للكتاب في العام 2019، ومن أهدافه أن يساهم في حفظ دلالات هذا اللقب وأن يبقى ذاكرة المسيرة التي أوصلت الشارقة إلى هذه المكانة العالمية حية في وعي أجيالنا اليوم والأجيال العربية القادمة.  لذلك، هو مكان للتفاعل والتواصل والتعلم والتعرف على تاريخنا الفكري والحضاري وتاريخ الشعوب المختلفة وحضارتها، كما يحرص بيت الحكمة على دمج الثقافة والمعرفة في ممارسات المؤسسات والهيئات والشركات في القطاعين العام والخاص من خلال احتضانه والمساهمة في تنظيم الفعاليات التنموية المختلفة. كما يتميز "بيت الحكمة" بغنى المصادر والمراجع العلمية والأدبية والتاريخية التي يقدمها، حيث يضم "بيت الحكمة" نحو نصف مليون عنوان في مختلف الحقول الثقافية والأدبية والمعرفية، من بينها 105 آلاف كتاب ورقي. هناك أيضاً ما يقرب من 400 ألف عنوان رقمي عبر المنصات الإلكترونية لبيت الحكمة، وما يزيد على مليون أطروحة جامعية بالإضافة إلى أكثر من 34 ألف مجلة ودورية علمية و56 ألف مقطع فيديو.

هل يمكن القول أن بيت الحكمة يعيد تعريف مفهوم "المعرفة" لدى الأجيال الجديدة في ظل تحديات التقدم التكنولوجي المعاصر؟

نعم بكل تأكيد، وبالمناسبة، قد تكون المعرفة في هذا الزمن المتسارع التطورات والذي تكثر فيه المصادر ووسائل التأثير في الرأي العام، في أمس الحاجة لإعادة التعريف بما يحفظ مكانتها ودورها وقيمها ورسائلها السامية.  يسهم بيت الحكمة في إعادة تعريف مفهوم المعرفة كونه فضاءً تفاعلياً شاملاً، يجمع بين القراءة والتواصل، بين الكتاب والتعرف على تجارب الآخرين من مجتمعنا المحلي والمجتمعات الأخرى، بين الدراسة الأكاديمية من ناحية توفير مجتمع معرفي للتعلم مدى الحياة، وأيضاً من خلال حرص بيت الحكمة على بناء الشراكات المحلية والعالمية وتعزيز الروابط بين الثقافات وتنظيم فعاليات تستقطب رواد الثقافة والفنون من مختلف بلدان العالم.

ونحن على مقربة من العطلة الصيفية، كيف تستهدفون الأطفال واليافعين في برامجكم؟ وما أكثر المبادرات نجاحاً في هذا السياق؟

الأطفال واليافعين في قلب برامج وفعاليات بيت الحكمة، ونحرص على تصميم برامج وفعاليات تجمع بين شغف الطفولة والشباب اليافع من ناحية وبين المعرفة من ناحية ثانية، على سبيل المثال، جميعنا نعرف مدى شغف الأجيال الصاعدة بفكرة المخيمات الصيفية، لذلك استثمرنا هذا الشغف في إطلاق مخيمات صيفية تثقيفية تعليمية وترفيهية في آن واحد.  خلال العام الماضي أطلقنا 3 مخيمات صيفية تتضمن عدداً من البرامج المتنوعة التي تستهدف تنمية القدرات التقنية والعلمية والمهارات الحياتية للأطفال والشباب ، تستمر على مدار أكثر من 40 يوماً، وحملت المخيمات أسماء تاريخية عريقة مثل الجزري وحيّ بن يقظان. وهنا أشير إلى أن هذه المخيمات تجمع الأطفال واليافعين من جنسيات وثقافات مختلفة، حيث جمع المخيم الصيفي العام الماضي نحو 500 مشارك من مختلف الفئات العمرية والجنسيات، وهناك أيضاً بعض المدربين الذين قدموا من خارج الدولة لتعليم الأطفال في المخيمات عادات وتقاليد الشعوب الأخرى.

مروة العقروبي تحقق طموحها بأن تكون جزءًا من الثقافة والمعرفة

من خلال رئاستك للمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، كيف يمكن تجاوز التحديات التي تواجهكم في عملية تشجيع الأطفال واليافعين على القراءة؟

"إذا أردنا جيلًا مفكرًا، مبدعًا، ومستقلًا، علينا أن نعيد الاعتبار للكتاب، لا كمصدر معرفة فحسب، بل كصديق دائم في رحلة النمو والوعي". يجب أن نقر بأننا في زمن  أصبحت فيه القراءة لدى الأطفال واليافعين نشاطًا مهددًا بالتراجع. فعلى الرغم من المبادرات المتعددة التي تهدف إلى تعزيز حب الكتاب، إلا أن هناك عناصر يجب أن تتحقق حتى نضمن علاقة قوية بين أطفالنا والكتاب، أولها هو الانتباه لحالة الانجراف نحو الشاشات؛ حيث تنافس الأجهزة الذكية والألعاب الإلكترونية الكتاب على وقت الطفل واهتمامه، بل وتغلبه بسهولة من خلال الجاذبية البصرية والمكافآت الفورية.  كما يجب أن نعزز من حضور القدوة القارئة على صعيد المجتمع والمنزل، فالأطفال يقلدون ما يشاهدونه من قبل الكبار وعلينا أن نحرص على إظهار حبنا للكتاب والقراءة أمامهم، كما أننا بحاجة إلى تعزيز المحتوى الجاذب والمحفّز باللغة الأم، إذ لا تزال العديد من دور النشر تتعامل مع كتب الأطفال كمنتج ثانوي، بينما هي في الواقع حجر الأساس لبناء قارئ واع ومثقف، على سبيل المثال، غالباً ما ترتبط القراءة في المدرسة  بالتكليف والاختبار، لا بالاكتشاف والشغف  أما على مستوى البنية التحتية، غالبية المجتمعات تعاني من نقص في المكتبات العامة الجاذبة للأطفال، وغياب للمبادرات المستمرة التي تحول القراءة إلى تجربة جماعية ملهمة، فالتشجيع على القراءة لا يجب أن يكون مهمة موسمية أو مرتبطة بمناسبات معينة، بل مسؤولية ثقافية مستمرة، تبدأ من البيت وتستمر في المدرسة والمجتمع، وتدعمها سياسات ومبادرات واضحة تجعل من القراءة مشروعاً وطنياً طويل الأمد.

هل تلمسين اختلافًا في علاقة الأطفال بالكتاب الورقي بعد انتشار التكنولوجيا؟

لا شك أن انتشار التكنولوجيا ترك أثراً واضحاً على علاقة الأطفال بالكتاب الورقي، إذْ باتت الشاشات ومنصات الترفيه الرقمية والمحتوى المرئي السريع تجذب انتباههم بشكل متزايد. وعلى الرغم من الجاذبية الكبيرة التي توفرها هذه الوسائط، فإنها لا تستطيع أن تحلّ محل التجربة الحسية والتعليمية التي يقدمها الكتاب الورقي، لا سيما فيما يتعلق بتركيز الطفل وارتباطه العاطفي بالمحتوى المقروء. ولهذا، تبرز الحاجة اليوم إلى إعادة تعزيز جاذبية الكتاب الورقي لدى الطفل، من خلال تطوير اللغة والأسلوب والتصميم والغلاف وطرق تقديم المادة المكتوبة. وهذا التوجه هو ما جسدته "الجائزة الدولية لكتاب الطفل العربي" (المعروفة سابقاً بجائزة اتصالات لكتاب الطفل)، التي انبثقت فكرتها من قناعة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي بأهمية دعم المحتوى العربي الموجّه للأطفال، من خلال تشجيع الناشرين والمؤلفين والرسامين، وصُنّاع المحتوى البصري والمطبوع للأطفال، من داخل العالم العربي وخارجه على إصدار كتب عالية الجودة من حيث الفكرة والإخراج. وتتكامل هذه المبادرة مع الجهود الأخرى التي تقوم بها الشيخة بدور في هذا المجال، أذكر من بينها "المجلس الإماراتي لكتب اليافعين"، الفرع الوطني للمجلس الدولي لكتب اليافعين (IBBY)، والذي أنشأته بهدف دعم صناعة كتاب الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمكين الناشئة من الوصول إلى محتوى أدبي وثقافي ثريّ، يسهم في بناء شخصياتهم ويعزز ارتباطهم بلغتهم وثقافتهم.

ما الذي ينقصنا اليوم في عالم كتب الطفل العربي؟

سؤال مهم وعميق، والإجابة عليه تسلط الضوء على واقع النشر الموجه للطفل العربي، الذي لا يزال يواجه تحديات رغم التحسن النسبي في العقود الأخيرة. نحن نحتاج للمزيد من المحتوى النوعي المرتبط بالبيئة العربية ولكن بطريقة تجذب الطفل وتشجعه على القراءة، رغم وفرة بعض الإصدارات، كثير من الكتب لا تزال تفتقر إلى العمق الثقافي المحلي، وتقدّم أحيانًا بنسخ مكررة من مفاهيم غربية غير ملائمة أو غير متجذرة في واقع الطفل العربي. نحن بحاجة إلى قصص تنطلق من بيئتنا، تراثنا، وتتناول القضايا التي تمس الطفل العربي يوميًا، بلغة يفهمها وقيم تنتمي له. ونحتاج أيضاً إلى التركيز على الكتب التي تنمّي التفكير النقدي والإبداعي، فغالباً ما تميل كتب الطفل إلى التلقين أو التسلية البحتة، بينما نحتاج إلى محتوى يطرح الأسئلة، لا يقدّم الإجابات فقط، ونحتاج إلى كتب تُحفّز الخيال، وتشجع على التجريب، وتُقدِّم شخصيات متنوّعة يتعلّم منها الطفل كيف يفكر ويواجه التحديات.

هناك ضرورة لمشاركة الأطفال أنفسهم في التقييم والاختيار، فحتى اليوم قلة من دور النشر تستمع لرأي الأطفال كجمهور حقيقي، بينما من الضروري أن نمنحهم دورًا في التقييم، في ورش الكتابة، أو حتى كصانعي محتوى مشاركين، لكن ما يدعونا إلى التفاؤل هو أن الثقافة العربية ثرية وعريقة، وتزخر بالتجارب، وهذا يشكل مناخاً ملائماً لمزيد من الإنتاج الملائم الموجه للأطفال.

مروة العقروبي الشخصية الفاعلة والبارزة في نشر المعرفة والثقافة

كامرأة إماراتية في موقع قيادي ثقافي، ما أصعب ما واجهتِه؟ وكيف تغلبتِ عليه؟

تحديات العمل في مجال الثقافة كغيره من المجالات كثيرة، ولكنها جزء أصيل في عملية بناء الشخصية والمهارات القيادية، التحدي الأول والأهم هو القدرة على مواكبة المستجدات المستمرة للمشهد الثقافي محلياً وعالمياً، لأن أي تأخير في هذه المواكبة يؤثر على مكانتنا ويضعنا في مراتب متأخرة حتى لو كنا نقوم بعملنا على أكمل وجه، فالعمل الجيد دون مواكبة ليس سوى مراوحة في المكان  التحدي الثاني، هو تحقيق الدمج والتناغم بين المهام المهنية والحياة الشخصية، فقد كنت اعتقد في البداية أن التوازن بين الحياتين ضرورة، لكنني اكتشفت لاحقاً أن الأمر مختلف عندما تكون المهنة ثقافية بامتياز، هنا لا يجب الفصل بين الحياتين لأننا لا يمكن فصل الثقافة عن حياتنا اليومية وعلاقتنا بأهلنا ومحيطنا الاجتماعي، بل يجب أن نستثمر ما نكتسبه في مهنتنا الثقافية من أجل الارتقاء بحياتنا الشخصية.  هناك أيضاً تحدي عام، يواجهه كل من يعمل بالمشاريع الثقافية الكبرى وهو تحقيق التوازن بين الانفتاح على الثقافات الأخرى وهو أمر ضروري، وبين الاهتمام بالتجربة الثقافية الخاصة التي تحمل أجمل وأهم ما في تاريخنا وتراثنا وثقافتنا العريقة، لأن العلاقة بين الثقافات يجب أن تكون متكافئة، فكلما كانت تجربتنا الثقافية الخاصة قوية، كلما كانت علاقتنا مع الثقافات الأخرى أكثر ثراءً.

بوصفك شخصية مؤثرة في المشهد الثقافي، ما هي الرسالة التي تودين أن تُخلّد باسم مروة العقروبي في سجل الثقافة الإماراتية؟

هي رسالة موجهة للمجتمعات العربية والشباب بشكل خاص؛ اجعلوا من القراءة عادة، ومن الثقافة مشروعاً شخصياً، فهي ليست رفاهية، بل طوق نجاة في عالم متغير، وهي سبيل المجد والسمو، وأقول للشباب إن  مسؤولية حاضرنا ومستقبلنا تقع على عاتقكم، فكل خيار تقدمون عليه اليوم باتجاه الثقافة، وكل خطوة تخطونها نحو الكتب والمعرفة ترسم فصلاً جديداً من فصول حضارتنا العريقة، وتعزز حضورنا ودورنا في مسيرة الحضارة الإنسانية. نحن ورثة إرث تاريخي عريق وحضارة إنسانية عظيمة، وهذا الإرث لا يقتصر دوره على أن يكون محل فخر واعتزاز، بل يتطلب إحياءه وتحديثه عبر إنتاج ثقافي متجدد يشمل مجالات الفكر والفلسفة والآداب والفنون. وتقع على عاتق الشباب مسؤولية محورية في هذا المسار؛ فهم المعنيون بالاستثمار الواعي في هذا التاريخ العميق، والاستفادة من المشاريع والمبادرات الثقافية التي تطلقها وترعاها المؤسسات المعنية.

من هي الشخصية النسائية التي أثّرت فيكِ خلال مشوارك المهني والثقافي؟

تلهمني الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي في مشواري المهني والثقافي. تلهمني كي أكون مبادرة وسباقة إلى تبني وتنفيذ أفكاري، وتلهمني الجرأة في تبني ودعم الأفكار والغايات السامية الثقافية، كما تلهمني العمل بلا حدود لطموحاتي.  هذا الإلهام يأتي من التجربة الثقافية العميقة والمؤثرة للشيخة بدور القاسمي، فهي من بادر إلى تأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين ومجموعة "كلمات" التي شكلت إضافة نوعية لعالم صناعة الكتاب، وهي أول امرأة عربية تتولى رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين، وخلال هذا المنصب عززت الشيخة بدور من عدالة قطاع النشر وشموليته وتنوعه، وأكدت أن الثقافة والإنتاج الثقافي حق طبيعي لكل الشعوب، وهي أيضاً رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة ورئيسة الجامعة الأمريكية في الشارقة وغيرها من الهيئات والمراكز والمؤسسات، ومؤخراً كانت أول امرأة خليجية تفوز بجائزة "بولونيا راجازي" المرموقة.  إن تولي جميع هذه المناصب والمسؤوليات أمر ليس بالسهل، فكيف إذا توجت هذه المناصب بمنجزات نوعية. هذا يعني أننا أمام شخصية استثنائية ملهمة لي وللأجيال القادمة.