جمانة حداد تقتل شهرزاد

"هي" - أسماء وهبة لم يكن غريبا أن تكتب الشاعرة والكاتبة الصحافية اللبنانية جمانة حداد عن شهرزاد فهي صاحبة نصوص شعرية في الحب والسياسة والموت والجسد أيضا. كتاب "هكذا قتلت شهرزاد: اعترافات امرأة عربية غاضبة" الصادر عن دار الساقي قررت أن تقتل فيه جمانة حداد شهرزاد، كي تولد من جديد وتكتب قصصها من دون أن تضطر للتفاوض عليها مقابل حقوقها الأساسية. هي تكتب قصص نساء عربيات يناضلن في سبيل الدفاع عن حقوقهن. البداية بطبيعة الحال تدفعنا للسؤال عن الدافع وراء هذا العمل النثري بعد تجربة شعرية طويلة، تجيب جمانة حداد قائلة لـ "هي": "لطالما خضت في كتابتي أنواعا أدبية مختلفة مثل الحوار والترجمة وأدب الأطفال، إلى جانب الشعر. وقد رغبت أن أخوض أيضا تجربة الكتابة النثرية وتحديدا "المانيفستو" السياسي – الاجتماعي. أردت اكتشاف نفسي وأفكاري من خلاله. أما سبب الكتابة عن هذا الموضوع بالذات، لأنني شعرت بحاجة إلى نقاش قضايا النساء في العالم العربي بشكل مباشر من دون الاختباء وراء الأصبع كما يحدث في أغلب الأحيان. كتبت بعيدا عن النص التخيّيلي، وجعلت الموضوع خارجا من واقع مشكلاتنا بعد الربيع العربي ودور المرأة فيه". هل نبرة الكتابة عن واقع المرأة بعد الربيع العربي "غاضبة"؟ لطالما كان الكلام مبطنا عن علاقة المرأة بالرجل على قاعدة أنه عدو معظم النساء! في الوقت الذي يجب أن يكون هناك شراكة وتواطؤ بينهما. لذلك حاولت أن أخرج المرأة من دور الضحية، لأن معظم الكتابات وضعتها إما في خانة المظلومة العاجزة أو المستغنية عن الرجل والحانقة عليه. أنا لا أؤمن بصحة الصورة الأولى ولا الثانية، فهما تنطويان على تعميم ومرارة بات من الضروري تخطيهما بغية الوصول إلى عالم أكثر عدلا. أعتقد أن كل امرأة تستطيع أن تغير شيئا ما في حياتها حتى لو ضمن إطار عائلتها الصغيرة، كأن تربي أولادها بطريقة مختلفة، فتخلق لدى ابنتها مثلا حب الطموح، كي لا تقتصر أحلامها على الزواج فقط، أو كأن تنشئ ابنها بعيدا عن المعتقدات المهينة التي ترى في المرأة مجرد إكسسوار خاضع وجزء من كل هو الذكر. هذا كله كان من المهم التعبير عنه في الكتاب. إضافة إلى أن الثورات العربية قد خُطفت من المرأة، وكيف سمحت هي بذلك رغم مشاركتها الأساسية في صنعها. الثورة كانت فرصة المرأة الذهبية حتى تتقدم في العالم العربي، ويسمع صوتها، ويحترم دورها وحقوقها. إلا أنها للأسف وضعت جانبا، والأدهى أنها وافقت هي على ذلك من دون تعميم الأمر على كل النساء. إذن الكتاب محاولة لتحريك المياه الراكدة؟! لا أفكر بما يمكن أن أضيفه عند الكتابة. أنا لا أكتب لأثير الجدل، الذي يأتي بطريقة غير مقصودة، بسبب الكلام الذي أقوله والقضايا التي أطرحها. وحسبي أن كتاب "هكذا قتلت شهرزاد" سياسي بالدرجة الأولى، على الرغم من نبرته الأدبية. إيصال الصوت أمر مهم، خصوصا أن صوت النساء مستلب ومخطوف وليس ملكا لهن في أحيان كثيرة. وأعتقد أن الأنظمة البطريركية تلعب دورا مباشرا في خطف صوت المرأة، التي قد تواطأت في ذلك حتى لا تتعرض للأذى أو يؤخذ منها أولادها. طبعا لا نستطيع تحميلها مسؤولية ذلك وحدها، لأنها تعيش عزلاء في بلاد تغيب فيها قوانين تحميها. يجب أن تنتفض المرأة لتحصل على حقها الذي لن يقدم هدية لها. كيف ترين واقع العلاقة بين الرجل والمرأة؟ لقد تحسنت في بعض المواقع، خصوصا على المستوى الفردي. لكن لا نستطيع فصل العلاقة الشخصية عن العامة، وتحديدا عندما تكون المرأة مثلما هي في غالبية البلاد العربية، مواطن من الدرجة الثانية، وليست على نفس القدر من المساواة مع الرجل على صعيد الحقوق والقوانين والتوقعات. لكي تصطلح العلاقة الخاصة ينبغي أن تتمتع العلاقة العامة بإطار من العدل والحماية والاحترام. هل الكتاب أحد أشكال النضال الذي تمارسه جمانة حداد؟ أنا مناضلة على المستوى الإنساني عبر الكتابة. وأشير هنا إلى مقولة أحبها مفادها أننا لا نستطيع الشفاء قبل الاعتراف بأننا مرضى. لذلك فإن "فضح" الأمراض التي نعانيها خطوة أولى نحو النضال. لست من الأشخاص الذين يحملون إيديولوجيا معينة، لأنني أؤمن بالفردية، وحقي في التعبير عن رأيي ونشره. أنا أيضا ناشطة على مستوى حقوق المرأة. وأشارك غالبا في التظاهرات واللقاءات التي تدور حول هذه المسألة. ترددين دائما أن "الكتابة نوع من الفضول باتجاه الذات"، ماذا تقصدين بذلك؟ الكتابة هي من سبل اكتشاف الذات، لأن أشياء جديدة تولد فينا كل يوم. الإنسان مغامرة في ذاته. واكتشاف الذات رحلة طويلة تستمر طوال الحياة. أمارس عادة نوعين من الكتابة: الأول عندما أكتب لأعبر عن أفكار محددة أو مآزق اشعر بالحاجة إلى تناولها، أما الثاني فهو مغامرة في المجهول: أغمض عيني وأمشي في غابة نفسي لأسمع الأصوات الموجودة هناك. هذا ليس فقط فضولا نحو الذات بل هو نوع من الحفر داخلها. لذلك أقول أنني أكتب بأظافري، لأنني أحفر في نفسي، وأحارب الرقيب الداخلي والخوف والحرج والتربية والمحرمات لاستخراج ما هو جديد. المسألة ليست مسألة تماه مع الذات بل مصالحة معها. وهنا تكمن أهمية الاستكشاف. هناك نوع من الديناميكة المتواصلة مع أنفسنا. لذلك أحب العزلة التي تجعلني أكثر تفاعلا مع نفسي. عندما نتفاعل مع ذاتنا جيدا سنستطيع فهم الآخر أيضا. كيف صنعت منك الأمومة امرأة قوية؟ تغيرني أمومتي كل يوم. وتمنحني قوة كبيرة. لقد أشعرتني بالمسؤولية في سن مبكرة، فحولتني إلى كائن فاعل. الأمومة حب وحنان وعطاء من دون انتظار شيء بالمقابل. وهذا منتهى القوة.