إلسا بيريتي... مصمّمة المجوهرات العابرة للزمن
عُرفت بـ"سيّدة المجوهرات". وهي بالفعل وقّعت بعضاً من أبرز الابتكارات الأيقونية من دار تيفاني. نتحدّث عن إلسا بيريتي، مبتكرة لمعت في سماء المجوهرات الفاخرة. لكن من المستحيل أن نتكلّم عنها من دون أن نذكر دار تيفاني حيث عملت لمدة 47 عاماً وصمّمت مجوهرات لا يمكن نسيانها أبداً. أيقونة الأناقة بيريتي كانت ملهمة لمصمّمين مثلهولستون وجورجيو دي سانت أنجيلو، كما كانتنجمة السهرات المتألقة في "استوديو 54"، العنوان النيويوركي الأكثر سحراً في زمن الفنان آندي وارهول.
إلسا بيريتي امرأة جميلة عاشت تجاربعديدة، واستخدمت معرفتها وموهبتها وثروتها لتحقيق أحلامها ورغباتها. كانت متمرّدة، رؤيوية، مستقلّة، وحرّة. انطلقت بيريتي من ظروف مادية جيدة جداًوكانت جزءاً من المجتمع النيويوركي المرموق، وفي مسيرتها المهنية صمّمت تحفاً حُفرت في التاريخ. جابتالعالم وبحثت عن الإلهام والإحساس فيأشياء عديدة، واختارت أخيراً المكان الذي تلجأ إليه لتكرّس نفسها للأمور التي تهمّها: حماية الطبيعة وتصميم المجوهرات الجميلة.
وُلدت في مدينة فلورنسا الإيطالية في عام 1940، وسرعان ما غادرت لدراسة التصميم الداخلي في ميلانو، قبل أن تنتقل إلى أميركا للعمل كعارضة أزياء. في الولايات المتحدة، بين أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، تعرّفت على روي هولستونوعملت لديه في البداية كعارضة أزياء. كما تعرّفت أيضاً على آندي وارهول وهيلموت نيوتن الذي اشتهر بتصوير البورتريه الأيقوني لإلسا بيريتي مرتديةً زيّ الأرنب، وهي صورة صارت رمزاً في مجال تصوير الأزياء.
أما المسيرة المهنية لإلسا بيريتي في عالم تصميم المجوهرات فبدأتبالصدفة، من بعد "لقائها" بمزهرية زهور مصنوعة من الفضة الاسترلينية وجدتها في أحد أسواق السلع المستعملة، وأرادت أن تعتمدها كعقدٍ. منذ تلك اللحظة، راحت تحدّد أفكارها وتصوغها مع صائغ فضّة إسباني. قامت بتصميم مجوهراتها الأولى لأصدقائها، وكانت بالأخصّ قطعاً من الفضّة ذات أشكالٍ بسيطة ونحتية.
في 1974، انضمّت بيريتي إلى دار تيفاني آند كو كمصمّمة، فمنحت الحياة للمجوهرات والتصاميم التي سرعان ما باتت أيقونية في الدار، مركّزةً على الفضّة كمادة فاخرة. تضمّ تلك التصاميم سوار "بون"Bone الفضّي المطوّق للمعصم والمميزبشكل نحتي عضوي، من دون أيّةأحجار أو زخارف معيّنة بل بالاكتفاء فقط بمعدن نقي منقوش. وكانت الممثّلة لايزا مينيلي أولى مَن اعتمدن هذا السوار المستوحى من الوقت الذي قضته بيريتي في برشلونة بالقرب من مبنى "كازا ميلا" الشهير للمهندس أنطونيو غاودي.
إلى جانب سوار "بون"، صمّمت بيريتي بعضاً من أشهر المجوهرات القابلة للجمع في العالم. من بينها القلادات على شكل حبة الفول من مجموعة "بين"Bean، وأقراط "ميش"Mesh الذهبية، وعقد "دايموندز باي ذا يارد"Diamonds by the Yard الذي أعادت من خلاله النظر في دور الماس في الموضة، ومجموعة "أوبن هارت"Open Heart. "أوبن هارت" من إلسا بيريتي كان التصميم السابق لقلادة تيفاني أند كو الكلاسيكية، وقد أرادته بيريتي رمزاً للحب.
خلال تصميمه، قالت المصممة الراحلة إنها وجدت إلهامها في أعمال النحّات هنري مور التي تتميّز بتناوب المساحات الفارغة والمملوءة، ونرى فيه شكل القلب يعكسفكرة الحفرةالتي غالباً ما نجدها في أعمال النحّات البريطاني.وقد اعتمدت هذا التصميم نجمات عدّة، من بينهنّ الممثّلة الأميركية رينيه زيلويغر في أفلام "بريدجت جونز" الثلاثة.
وكيف لنا ألّا نشير إلى قلادة "بوتل"Bottle التي صمّمتها أوّلاً لدار هولستون، قبل أن يُعاد تصميمها بأسلوبجديد لدار تيفاني أند كو؟!استلهمت هنا من المزهرية التي استخدمتها فتيات بورتوفينو في ستينيات القرن الماضي لحمل أزهار الغاردينيا. ولا تزال القنينة الفضية التي تعيد إلى أذهاننا زجاجة العطر، تصميماً رئيسياً لدى الدار، وقد تمّ تطويرها بأشكالٍ مختلفة على مر السنين، من الوعاء الكلاسيكي إلى الحاوية اليابانية الصغيرة "إنرو".
ابتكرت بيريتي منذ العام 1974 أكثر من 30 مجموعة مجوهرات وتصاميم لدار تيفانيما زالتتمثّل نسبة مئوية كبيرة من مبيعات الدار. لكن قبل كل شيء، مثّل تعاونها مع دار تيفاني بالنسبة إليهاهدفاً حياتياً، فقالت في إحدى مقابلاتها المنشورة النادرة: "في سنّ الـ27، قدّمت لي دار تيفاني فرصة السفر والاستكشاف". على سبيل المثال، استوحت من أضواء جايبور عملها الشبكي في مجموعة "ميش" التي تم تصنيعها بآلات قديمة كانت تُستخدم في إنتاج الحقائب من شبكات الأسلاك الرقيقة والدروع المعدنية في بداية القرن العشرين.
اعتمدت شخصيات رفيعة المستوى مجوهرات إلسا بيريتي على السجادة الحمراء، مثل ديانا روس. كما اختارت سارة جيسيكا باركرفي دور كاري برادشو أن تعتمد سوار "بون" المطوق للمعصم؛ وقد وصلت حتى مجوهرات بيريتي إلى القصر الملكي البريطاني بعد أن اعتمدت كيت ميدلتون عدّة تصاميم من توقيع المبدعة الأيقونية، ومن بينها نذكر سوار "برلز باي ذا يارد"Pearls by the Yard. واليوم، تشكّل أعمال إلسا بيريتي جزءاً من مجموعات أبرز المتاحف العالمية، من المتحف البريطاني في لندن إلى متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، مروراً بمتحف الفنون الجميلة في بوسطن. في العام 2019، كرّمتها مدينة فلورنسا، مسقط رأسها، بإقامة معرض "الرؤية الحديثة لإلسا بيريتي" خلال بينالي فلورنسا للفنون في نسخته الثانية عشرة.
