Re-Inventing Heritage... إرث يتجدد

Re-Inventing Heritage... إرث يتجدد

هبة نعمان
14 أبريل 2023

إعداد: "هبة نعمان " Heba Nouman

في السنوات الأخيرة، تنفست دور أزياء تاريخية كثيرة نسمة حياة منعشة على أيدي مديرين إبداعيين متعددين نجحوا ولمعوا وغيّروا الاتجاهات، وأعادوا تفسير قصص قديمة بلغات إبداعية جديدة عليها.

مستمدة إلهامها من تاريخها الخاص، وموجهة أنظارها في الوقت نفسه نحو المستقبل، قامت كل من هذه الشركات بتحويل إرثها إلى أداة فعّالة في بناء هوية علامتها التجارية.

وعلى رأسها، "ديور" و"شانيل" الرائدتان في استخلاص الجوهر التراثي لكل علامة من خلال اعتماد استراتيجيات وتقنيات متحفية في الكثير من الأحيان، الأمر الذي يتجلّى من خلال أساليب احتفاظهما بأرشيفهما والمعارض التي تقيمانها. قبل بضع سنوات، زرت معرضا لدار "شانيل" في لندن كان منسّقا ومنظّما بطريقة رائعة، وترك في قلبي ذكرى سعيدة. شكّل ذلك المعرض فرصة استثنائية لرؤية قطع تاريخية أيقونية عن قرب، وبالتالي تقديرها وفهم العمل الحرفي الكامن خلفها، كما أعطى من هم خارج قطاع الموضة نظرة مميزة إلى عالم دور الأزياء التاريخية.

تنفست دور أزياء تاريخية كثيرة نسمة حياة منعشة على أيدي مديرين إبداعيين متعددين نجحوا ولمعوا وغيّروا الاتجاهات
تنفست دور أزياء تاريخية كثيرة نسمة حياة منعشة على أيدي مديرين إبداعيين متعددين نجحوا ولمعوا وغيّروا الاتجاهات

مع هذه المعارض والمتاحف الخاصة، يعيد المصممون تصوّر الإرث على أنه إبداع حديث. ويستطيع مفهوم الإرث طبعا أن يعكس عودة إلى الماضي، الأمر الذي يطمئن الروح ويهدئ البال ويدفئ القلب.

من ناحيتي الاستدامة والإبداع، تحمل مقاربة "الموضة البطيئة" التي تعتمدها علامات تاريخية كثيرة في إنتاجها، قيمة كبيرة وتحتل مكانة رفيعة في السوق الحالية.

وقد عززت تداعيات الجائحة الأخيرة تقدير المجتمع للجودة واختيار النوعية على العدد، وهي ظاهرة ستكون لمصلحة العلامات التراثية لسنوات طويلة.

"شانيل "CHANEL

قد تكون أولى ذكرياتي عن "شانيل" على الأرجح طلاء الأظافر الشهير الجامع بين اللونين الأسود والأحمر، وحقيبة ٢.٥٥ التي كنت أراها على أذرع نساء كثيرات. اليوم، تختلف القصة تماما، مع مجموعة ملابس جاهزة تتألق في طليعة ما تقدّمه الدار وتجذب الكبار والصغار، بعد أن صار الحصول عليها متاحا لعدد أكبر من الناس. وذلك بفضل قطع منفردة يمكن ارتداؤها بمفردها بدلا من الالتزام بالبذلة التقليدية المصنوعة من النسيج المجعّد، والتي اشتهرت بها "شانيل".

كانت "شانيل" في نظر الكثير من الناس علامة مستقبلية تسير على عكس التقاليد. ما زالت أقمشة التويد المجعّدة الخيوط، وحقائب اليد المضرّبة، والأحذية الثنائية اللون أبطال خزانة "شانيل"، في ظل سعي مديريها الإبداعيين إلى إبقاء مكانتها بين العلامات الفاخرة وجذب الأجيال الصاعدة وفي الوقت نفسه تكريم إرثها المميز.

"شانيل"CHANEL ١٩٦٩.
"شانيل"CHANEL ١٩٦٩.

المدير الإبداعي الراحل "كارل لاغرفيلد" كان برأيي أول من فهم إمكانيات التلاعب بين الإبداع والإرث. كان وسيبقى أحد أعمدة هذه العلامة، بعد أن نجح في إعادة إشعال وهج دار "شانيل" برؤيته الاستثنائية، وأنعش قلبها النابض وبعث فيها حياة جديدة، فأنقذها من الغرق في الماضي المنسيّ. المهمة كانت صعبة، والنتيجة تحويل "شانيل" إلى علامة عالمية معاصرة للأزياء والسلع الفاخرة صارت اليوم رائجة للغاية في صفوف أبناء الجيل الجديد. وبذلك، حدّد "لاغرفيلد" نمط النمو للعلامات التاريخية في السنوات اللاحقة.

انضم "لاغرفيلد" إلى "شانيل" في ١٩٨٣، وباشر بإعادة هيكلية إرث الدار. وبتحديده عناصر نموذجية وقواعد دقيقة يلتزم بها في كل مجموعة مع قطع تاريخية مثل البذلة، والفستان الأسود القصير، وحقيبة "شانيل ٢.٥٥"، وحذاء الباليرينا الثنائي اللون (الذي أعيد ابتكاره في نسخ عديدة عبر المواسم)، واللآلئ الكبيرة، وزهرة الكاميليا، ومزيج الأسود والأبيض الرمزي، أبقى هوية "شانيل" حيّة.

"شانيل"CHANEL ، ربيع ٢٠١٤.
"شانيل"CHANEL ، ربيع ٢٠١٤.
"شانيل"CHANEL هوت كوتور خريف ٢٠٢٢
"شانيل"CHANEL هوت كوتور خريف ٢٠٢٢.

في تحية إلى روح "كوكو" المتمردة، زعزع "لاغرفيلد" أسس أفكارها بتفسيره العصري الخاص، وواصل تجديد الأشكال والقصات بحيث تتطور جمالياتها مع العصر. وأدرك "كارل لاغرفيلد" الإمكانيات الإبداعية والتجارية الموجودة، فطوّر عمل الشركة وحصد لها نجاحا عالميا.

"شانيل"CHANEL ، ربيع ٢٠١٤
"شانيل"CHANEL ، ربيع ٢٠١٤

الأضواء اليوم مسلطة على "فيرجيني فيار" التي أطلقت أول مجموعة تصممها بمفردها لموسم "كروز" ٢٠٢٠ مع قطع كلاسيكية أعادت ترجمتها ودعمها بالكثير من الأنوثة. نفخت نسمة منعشة بإطلالاتها الراقية وتصاميمها التي عكست وجهة نظر نسائية فريدة لم نرها منذ أن كانت "كوكو شانيل" نفسها جالسة على عرش الدار.

تعرف "فيار" تماما كيف تفهم ما تبحث عنه الشابّات وما يرغبن في ارتدائه، وقد نجحت بكل تأكيد في جذب جمهور أصغر سنا. فنلاحظ اليوم عددا كبيرا من قطع "شانيل" في صور إطلالات الشارع، حيث تكون منسّقة بأسلوب من تعتمدها.

بذلت دار "شانيل" جهدا في سبيل الحفاظ على تصاميمها التقليدية وفي الوقت نفسه مزجها بالصيحات الناشئة لإبقاء المجموعات معاصرة ومتجددة وجذابة. وقد لاحظتُ شخصيا التغيير التدريجي من أيام دراستي الجامعية حتى اليوم، ومع هذا التحوّل باتجاه التواصل مع جيل أصغر سنا، ازداد تقديري للحرفية التقليدية والتصميم البارع الظاهرين في كل ما تقدّمه الدار، وللطريقة التي تواصل فيها تطوير هويتها التي نعرفها اليوم.

"شانيل"CHANEL ، ما قبل خريف ٢٠٢٢
"شانيل"CHANEL ، ما قبل خريف ٢٠٢٢

"ديور "Dior

على شارع "مونتين" الباريسي، تحتفظ الدار بكل ذكرياتها في أرشيف سرّي اسمه "إرث ديور". وهو كنز لجأ إليه مرارا وتكرارا المديرون الإبداعيون من "جون غاليانو" إلى "راف سيمونز" و"ماريا غراتسيا كيوري"، للبحث عما يلهمهم في سبيل صون إرث "ديور" وإبقائه حيا. وسرّ النجاح في هذه المهمة كان غوصهم وتعمّقهم في رموز "ديور" من أجل إعادة تفسيرها في مجموعاتهم.

كان أمام المصمم البلجيكي ثمانية أسابيع فقط للتحضير لعرضه الأول لدى "ديور". لم تكن لديه خبرة في مجال الهوت كوتور وكان عليه ملء مكان "جون غاليانو" وتلبية التوقعات الهائلة، لكنه اليوم يُعتبر أحد مصممي جيله الأكثر تأثيرا. أما الرموز والعناصر الأساسية التي أراد ترسيخها في "ديور"، فبرزت بمعظمها في أول مجموعتين صممهما للدار، وأهمها تصوّره لسترة "بار" التي استوحاها من مجموعة "نيو لوك" الأسطورية التي قدّمها الراحل "كريستيان ديور" في ١٩٤٧. رأينا هذه القصة السلسة والضيقة والمشدودة عند الخصر لنحت قوام "الساعة الرملية"، في تشكيلة متنوعة تختلف بطولها وموادّها وتصاميمها التي حوّلتها أحيانا إلى فساتين رائعة الجمال.

الإطلالة الجديدة أو "نيو لوك"New Look ، ١٩٤٧.
الإطلالة الجديدة أو "نيو لوك"New Look ، ١٩٤٧.
هوت كوتور شتاء ٢٠١٢.
هوت كوتور شتاء ٢٠١٢.
ربيع ٢٠١٣
ربيع ٢٠١٣

على مر المواسم، خفف شكل إطلالة "نيو لوك" وأعادها إلى هيكليتها الأساسية ليحوّلها إلى سترة بذلة، وسترة نهارية بلا أكمام، ومعطف، وفستان مسائي قصير مزيّن بأشكال الأزهار المطرّزة. وبفضل مزجه بين الإرث العريق الذي افتخرت به "ديور" والجمالية المينيمالية الفاخرة التي أتقنها خلال عمله لدى "جيل ساندر"، أتى بمزاج عصري للغاية إلى الدار التاريخية. وابتكر على مر السنين سترات تكسيدو متقنة الخياطة حققت توازنا جماليا إلى جانب القطع المفعمة بالأنوثة، في نهج يتوافق مع جماليات "ديور" الأصلية.

بدورها، استمدّت "ماريا غراتسيا كيوري" إلهامها من أرشيف الدار، الأمر الذي نراه ينعكس من خلال قطع نجومية مثل حذاء "جاديور" برباط الكاحل الخلفي في مجموعة ربيع وصيف ٢٠١٧، والذي صُمم فعليا في الستينيات حين ابتكره "روجيه فيفييه" لمجموعة خريف وشتاء ١٩٦٢ من "كريستيان ديور". جدّدته "كيوري" وحدّثته مع عبارة "جاديور"J’Adior التي شقّت طريقها إلى قطع أخرى في مجموعات الدار لتصبح شعارا أيقونيا سيظل رمزا مرادفا لموضة عصرنا. وهو مثل رائع على إمكانية صون التاريخ وإعادة تصوّره ليصير شيئا جديدا.

إطلالة من شوارع باريس، ربيع وصيف ٢٠٢٣.
إطلالة من شوارع باريس، ربيع وصيف ٢٠٢٣.
رسم لخط "إيليه" Ailee، ١٩٤٧.
رسم لخط "إيليه" Ailee، ١٩٤٧.
هوت كوتور ربيع ٢٠١٩
هوت كوتور ربيع ٢٠١٩.
هوت كوتور ربيع ٢٠٢٠.
هوت كوتور ربيع ٢٠٢٠.

"لويس فويتون "Louis Vuitton

"لويس فويتون" هي إحدى أشهر العلامات الفاخرة في العالم. وصار اسمها مرادفا اليوم للسلع الجلدية الفخمة، وصناديق السفر الأسطورية، وحقائب اليد الأيقونية المزينة برسومها الرمزية المتكررة، والساعات والمجوهرات المدهشة، والأزياء العصرية.

LOUIS VUITTON FIRST TRUNK STORE
LOUIS VUITTON FIRST TRUNK STORE
غرافيتي "لويس فويتون"Louis Vuitton ، ٢٠٠١.
غرافيتي "لويس فويتون"Louis Vuitton ، ٢٠٠١.

تولّى "مارك جيكوبز" الإدارة الإبداعية لدار "لويس فويتون" على مدى ١٦ عاما، واشتهر بتجديد هوية العلامة الفرنسية التاريخية عبر حقن تصاميمها الكلاسيكية بجرعة إبداعية معاصرة. قد يكون نجاحه نابعا من رفضه الالتزام بأي قواعد، فلا تهمّه معايير الموضة الناضجة ولا الخصائص المؤسسية ولا الاعتبارات التسويقية أحيانا. صارت مجموعاته معروفة بأنها تحمل دوما عنصر المفاجأة، بفضل تناوله المفاهيم العادية البسيطة، وتحويلها إلى أشياء رائعة وغير متوقعة. هكذا، أنعش "مارك جيكوبز" علامة "لويس فويتون"، وحافظ في الوقت نفسه على إرثها بتفاعل ديناميكي وحداثة جليّة.

تحوّل مونوغرام "لويس فويتون" إلى شعار مديني ذي جرأة لم تظهر من قبل. اندمج تصوّر "جيكوبز" للمشهد الثقافي البديل بالروح الأرستقراطية للدار الفرنسية المرموقة، والنتيجة كانت مفاجئة بالفعل. من دون التخلّي عن جذور العلامة، بل بتعزيز التلميحات إلى إرثها، أهداها "جيكوبز" حياة جديدة، وأدخلها عهدا جديدا. في غضون مواسم قليلة، أعاد ترجمة رموز الدار وأساسيات معجمها الإبداعي، وأعطاها بعدا عالميا معاصرا لربطها بعالم الموضة الحديث. وبذلك، غيّر "مارك جيكوبز" بشكل دراماتيكي نظرتنا إلى دور الأزياء القديمة، إلى جانب مفهومنا للفخامة.

مونوغرام "لويس فويتون"Louis Vuitton في إطلالة شارع
مونوغرام "لويس فويتون"Louis Vuitton في إطلالة شارع
كنفاس "مونوغرام"Monogram ، ١٨٩٦.
كنفاس "مونوغرام"Monogram ، ١٨٩٦.
حقيبة "أون ذا غو" OnTheGoبشعار "مونوغرام" من "لويس فويتون"Louis Vuitton .
حقيبة "أون ذا غو" OnTheGoبشعار "مونوغرام" من "لويس فويتون"Louis Vuitton .

في ٢٠٠١، أعيد تخيّل شعار "لويس فويتون" على شكل غرافيتي للفنان المعاصر "ستيفن سبراوس". وقد شهد إطلاق غرافيتي "سبيدي"Speedy الذي بدا كأنه طلاء مرشوش فوق كانفاس على شكل اسم الشركة، نجاحا فوريا ما زال يتردد صداه حتى اليوم. ترجم "جيكوبز" شعار "لويس فويتون" بلغة جمالية مدينية تحاكي أسلوب إطلالات الشارع، ولم يبتكر فقط شيئا جديدا من الناحية البصرية، بل أطلق أيضا نموذجا جديدا لبناء العلامات التجارية، وجعل من المشاريع التعاونية الفنّية ركيزة في هوية "لويس فويتون" المعاصرة. فتعاون في ٢٠٠٣ مع الفنان البصري الياباني "تاكاشي موراكامي" لإنتاج إحدى مجموعات "لويس فويتون" الأكثر رواجا: مجموعة "آي لوف مونوغرام"Eye Love Monogram . بدّل "موراكامي" اللونين البيجي والبني التقليديين لقماش كانفاس "مونوغرام" الأيقوني بلوحة ألوان متعددة الدرجات ومزخرفة برسوم غرافيكية مستوحاة من فن البوب آرت.

مجموعة "غرافيتي"Graffiti من "لويس فويتون"Louis Vuitton ، ٢٠٠١.
مجموعة "غرافيتي"Graffiti من "لويس فويتون"Louis Vuitton ، ٢٠٠١.

الفصل الذي كتبه "جيكوبز" في قصّة "لويس فويتون" كان انتصارا مهنيا، استطاع به أن يحوّل علامة حقائب السفر الفرنسية إلى دار أزياء شاملة. مجموعاته الأولى لدى "لويس فويتون" تميّزت بأناقة سهلة وقابلة للارتداء، مع تنانير من الكانفاس، ومعاطف الترانشكوت، والسترات المطبعة برمز "لويس فويتون" المصغّر، التي شكّلت كلها عناصر إطلالات شارع فاخرة ولافتة بلمستها المميزة. خلال السنوات الـ١٦ التي أمضاها لدى "لويس فويتون"، نجح "جيكوبز" في تحديد وجذب فئة جديدة من النساء العصريات المقيمات في المدن، وهن نساء متألقات وواثقات. وقد أعاد صياغة إطار علامة "لويس فويتون" لتتفاعل مع جمهور جديد أكثر شبابا.