المدرّبة والباحثة هديل الخميس لـ "هي": لكل روح ترنيمة ولتفرّدها دور مهم في معزوفة الأوركسترا الكونية
هديل الخميس هي مدربة وباحثة في الوعي الإنساني والمهارات الحياتية، بدأت رحلتها عام ٢٠٠٧ ولازالت في تطور مستمر لاتقان أساليب التدريب والإرشاد التي تعزز إتصال الإنسان بحقيقته المتفردة ليخلق ويفعّل حياة تشبهه يسعد بها، وهي أيضًا مرشدة عصرية تستلهم من خبراتها الحياتية وبحوثها المستمرة على مستويات مختلفة من مجالات الوعي و تطوير الذات، تصمم برامج تدريبية ديناميكية تحفز من خلالها التطور والتغير الإيجابي للإنسان والحياة أوجدت منصّة نَسْمُو وهي إحدى المنصات العربية الرائدة الحاضنة لمواد تأملات التشافي الذاتي والمحاضرات التوعوية المسجلة، إضافةً إلى كونها مدربة معتمدة في مجال "ترانسيرفنغ" وهي تقنية طاقية لإدارة الواقع و قد طورت مفايهم الترانسيرفنغ بربطها بالتأمل والطاقة الحيوية، هي أيضاً معالجة معتمدة لمسارات الوعي الإنساني لتفعّيل إحتمالات أفضل للحياة، تقدم هديل لقراء "هي"
تساؤلات وطريقة إجابتها والتي بدورها تأخذنا إلى الانعكاس الروحي الواقعي.
التمـيّز الرّوحـي: هل تقفين في حقيقتك؟
من أنت؟ توقفي للحظة و حاولي أن تجاوبي على هذا السؤال السهل الممتنع!
قد يحتوي جوابك على جنسيتك، عمرك، مهنتك، دورك الاجتماعي، قد يأخذ منحى أعمق قليلاً ويضم نواحي شخصيك وأطباعك، هل تعتقدين أن الجواب وافي و كافي؟ أم تشعرين ولو بالقليل من عدم الراحة وكأنك تكذبين؟ ماذا لو قلت لك أن تجاوبي على: من أنت؟ من غير ذكر أي من هذه الأشياء .. صعب.
هل يصعب عليك إيجاد الجواب، أم الأصعب التخلي عن كل هذه الأشياء؟
يبدو أنه من الصعب علينا اختزال أنفسنا في الظواهر وكأنها تخالف فطرتنا، ويصعب علينا التخلي عنها أيضاً في نفس الوقت، لماذا؟ لأننا نعي ولو في جزء صغير من أنفسنا بأن حقيقتنا أكبر من ذلك بكثير وأيضاً نعلم أننا نحب هذه القصة التي نرويها عن أنفسنا لتحدد هويتنا، هل تعلمين أن كل جزء من هذه القصة ما هو إلا تراكم برمجات عقلية استمديتها من المجتمع تملي عليك من يجب أن تكونين؟ فكيف تكون هذه حقيقتك؟
كثرت الأصوات بداخلنا بين آباء وأمهات عكسوا آمالهم وأمانيهم علينا التي غالباً ما تصدر من أحلامهم الشخصية الغير محققة أو من محاولة لطيفة واعية أو غير واعية لحمايتنا من ما مرّو به في حياتهم وحياة الأسلاف، وما بين همسات الحياة الاجتماعية التي تضغط علينا بشكل غير مباشر أو مباشر أحياناً لنكون متشابهين في اختياراتنا الحياتية خوفاً من نقد الاختلاف والتفرّد، وفي نفس الوقت نجد مجتمع ينظر إلينا ينتظر بصمتنا المتفردة الفعّالة، بين كل هذه الأصوات والهمسات والنقد والضغط، ضيّع أغلبنا صوته.
لاحظت من مئات الاستشارات بين الذكور والإناث باختلاف أعمارهم أن أغلبهم ينقسمون لشقيّن في هذا الموضوع، الشق الأول غارق في الخوف والتوتر يريد أن يحقق الكثير ولكن الطريق ثقيل ومحفوف بالتسويف والتردد و الضياع، والشق الآخر حقق الكثير على حسب المفروض والواجب والمتوقع (منصب وظيفي جيد، راتب مرتفع، أملاك، زواج..إلخ) ولكنهم غير سعداء لسبب مجهول! يعانون من الإحباط والتوتر المستمر.
السبب وراء ذلك هو الانفصال الداخلي عن صوت الحقيقة الذاتية، صوت الروح الذي ضاع بين كل الأصوات الزائفة داخلك ويؤدي ذلك التشويش إلى ضياع الهوية الحقيقية والتعلق بهوية مهما بدت زاهية تضل متبنّاة من ”الآخرين“، تأكدي عزيزتي القارئة أن أي قرار وخيار حياتي يأتي من هوية بعيدة عن حقيقتك سيعطيك راحة مؤقتة سرعان ما تتلاشى ببساطة لأن هذا الخيار أو القرار لا يعني لك بشكل شخصي حقيقي و بالتالي لا يعطيك شعور مستديم بالاكتفاء والإنجاز الداخلي.
الحقيقة هي أن كل روح تأتي لهذه الأرض فريدة و متفردة في أصلها و طبيعيتها و تكوينها كبصمة الأصبع. و من أسمى رسائلها الوجودية هي أن تتميز بهذه الفرادة و تعكسها في جميع نواحي حياتها، لكل روح ترنيمة متفردة ولتفردها دور مهم في معزوفة الأوركسترا الكونية، لروحك صوت يخاطبك وهذا الصوت هو حقيقتك، هو صوتك أنت المتجرد من كل الضجيج الخارجي والتحاليل والأحكام، ولكن خَفُت هذا الصوت وعلت باقي الأصوات الغريبة عنك تملي عليك من وكيف يجب أن تكونين.
أي تعبير أو اختيار يأتي متناغماً مع صوت الروح، مع حقيقتك المتفردة يولد بشكل لحظي شعور عميق بالسلام والامتلاء الداخلي والأجمل هو استدامة هذا الشعور الجميل الذي في أصله مغزى كل خياراتنا الحياتية، يجدر بي أن أنوه هنا أنه لا يمكن لأي شخص أن يكون حقيقي في حضوره، واخيارته وتعبيره اذا لم يعرف نفسه ويتعرّف على روحه بدرجة ما من العمق.
إليك بما أسميه بالمفاتيح الرّوحية التي تمثل الخطوات الأولى لتعيدي التعرّف على روحك وحقيقتها المتميزة، يجدر بي أن أنبهك هنا بأن كلما حاولت الإجابة عن أي من هذه الأسئلة ستعلوا أصوت الآخرين بداخلك، خذي نفس عميق وتجاهليها وخاطبي عمق ذاتك لتجدي صوتك أنت، قبل أن تبدأي ضعي نية واضحة للاتصال بحقيقتك واسمحي لروحك بأن ترشدك للحقيقة.
١. ما هي قيمك الحقيقية؟
ما هي قيمك في هذه الحياة .. القيم هي المبادئ والاخلاقيات العالية المهمة بالنسبة لك انت شخصياً مثلاً العطاء، الحب، العائلة، الصحة، الصدق، الحرية في التعبير، إلخ. أكتبي قيمك ورتبيها على حسب الأهمية، هل ترين هذه القيم في حياتك الآن؟ في كل يوم اختاري قيمة أو إثنين من هذه اللائحة واسألي نفسك كيف يمكن لي أن أفعّل هذه القيمة اليوم يا ترى؟
٢. ماذا تحبين؟
يمكن أن يكون الجواب على هذا السؤال بسيط .. ماذا تعشقين وبماذا تستمتعين؟ قد يكون نوع من من الموسيقى مثلاً، ما تحبين يؤثر فيك إيجاباً دائماً، اغنية معينة، فنجان قهوة، المشي، الرقص، الطبيعة.. إلخ اكتبي كل ما يخطر لك ببساطة، كم من هذه الأشياء التي تريحك وتسعدك موجودة في حياتك اليوم؟ و كم منها لا أثر له لكن روحك تطلبها؟ كلما فعّلت ما تحبين في حياتك أكثر كلما كنت متمركزة ومتأصلة بحقيقتك أكثر.
٣. ما هي هباتك الفطرية؟
هنا تكتشفين، أو تتذكرين صفاتك وهبات روحك التي ولدت معك، في طفولتك ستجيدين تعبير روحك الخام الذي في يوم ما كان حراً طليقاً في تعبيره (من المفيد هنا أن تسألي أهلك أو الأشخاص الذين تربيتي معهم) ممكن أن تكون الأجوبة كبساطة حس الفكاهة، أو موهبة فنية، أو قدرة على الاستماع واحتواء الآخرين .. ممكن تكون ممارسة كانت دائماً سهلة وبسيطة وممتعة بالنسبة لك، في الهبات الفطرية نعود للأصل ونقطة البداية، ماذا تشعرين عندما تتذكرين هذه الأشياء؟ تبتسمين؟ تشعرين بالحنين؟ كيف لك أن تعودي لهذه الأصالة ياترا؟ هل تشعرين بالأمان الكافي للإظهار هذا التعبير والاستمتاع به؟ مالذي يجب أن يتغير لخلق هذه المساحة الآمنة يا ترا؟
٤. ماذا يثير فضولك؟ وتنجذبين له تلقائياً؟
ما هي الأشياء التي تثير فضولك؟ وتنجذبين لها تلقائياً؟ كمواضيع معينة مثلاً، مماراسات معينة قد تكون اشياء في الوعي او الطبيعة، او الفضاء، إلى ماذا تناديك روحك من دون سبب منطقي؟ اتبعي هذا النداء من هنا تبدأ رحلة خلق متناغمة أكثر مع نداء الروح والتجربة الأرضية التي جئت لتحقيقها.
٥. ما هي البيئة التي تنتعيشين فيها؟
لكل كائن حي على هذه الأرض بيئة تناسبه ويتناغم معهاً بشكل سلس، وكأننا نقول أن لكل إنسان بقعة على هذه الأرض تشحنه، يشعر فيهاً بالإنتماء والأهم أن يستشعر وجوده حيّاً، بعض البشر ينتعشون على الشواطىء، آخرون في الجبال، أو في المدن الكبيرة أو في الغابات أو القرى الصغيرة.
من المهم أن تسألين نفسك هنا، ما الذي يحتاجه جسمك من بيئته المحيطة؟ وهل مكانك الحالي متوافق مع هذه الاحتياجات؟ قد يجبرك هذا التساؤل على مواجهة بعض معتقداتك، ماذا لو كانت بقعة قوتك لا تتوافق مع حياتك العملية التي خلقتها؟ اذا كانت هذه حقيقتك الحالية، فيجب عليك أولاً أن تكوني واضحة بتحديد البيئة التي تنعش طاقة الحياة في جسدك، و ثانياً - في حال لم تستطعي الانتقال لهذا المكان اسعي لتجدين أقرب شيء له في مكانك الحالي، معظم البشر ينتعشون قرب الطبيعة، هنالك دائما شيئا ما ينمو في مكان ما حتى في أكبر المدن.
البيئة لا تعني فقط طبيعة البقعة على وجه الأرض ولكن أيضاً تضم الحياة الاجتماعية حول الإنسان بما فيها العلاقات العائلية، الصداقات، و العلاقات الخاصة، هل تناسبك؟ هل تتناغم مع حقيقتك؟ هل تشعرين بالأمان الكافي لتكون نفسك كما أنت؟ شعورك بعدم الانتماء ينتج شعور بالانفصال بين حقيقتك و الحياة.
أكتبي كل هذه الإجابات وتأمليها، هل تجدين هذه الأشياء مفعّلة في حياتك الحالية بشكل واضح؟ كلما فعّلت وتفاعلت مع هذه المفاتيح الروحية - التي تبدو بسيطة لوهلة - كلما اتصلتي بحقيقتك أكثر واكتشفت من تكونين في العمق، تأكدي أن هذه بداية الرحلة فقط أما باقي المشوار فيتطلب منك أن تنمّي وعيك الداخلي بحقيقتك أكثر وأكثر، اسمحي لهذه الإجابات أن تلهم قراراتك المستقبلية واستمري بتعديل وتطوير الإجابات لأننا نسخ جديدة في كل يوم، والأكثر أهمية هو أن تبدأي باتخاذ قرارات حياتية متناغمة مع حقيقتك، وأصعب مافي الأمر في البداية هو تخطي برمجة إرضاء الآخرين وقلب المعادلة لإرضاء روحك الجميلة المتميزة التي جائت هنا لتغنّي ترنيمتها المتفردة في كل تعبير يتفاعل مع الحياة.