فيلم Turning Red.. هل تجاوزت الباندا الخطوط الحمراء في تصوير عالم المراهقات؟!

يواصل ثنائي "ديزني- بيكسار" تحويل قصص الحياة البسيطة إلى حكايات أيقونية ملونة ومُفعمة بالبهجة، حكايات قد تظن أنها سطحية ومُستهلكة ولا جديد فيها، وفيلم الأنيميشن Turning Red "التحول للأحمر" مُحاولة في هذا الإتجاه؛ فهو يركز على شخصية "مي"، وهى طفلة على أعتاب المراهقة عمرها 13 عام، تسعى لإرضاء عائلتها التي تراها تلميذة مثالية وفتاة مهذبة، وتُحاول في الوقت ذاته إكتشاف شخصيتها، والتأقلم مع تفاصيل مرحلة النمو التي تمر بها، والفيلم حدوتة تُحاول تجاوز السرد التقليدي لأزمات مرحلة البلوغ؛ فهو يحتوي على خطوط درامية داعمة، عن تكاتف الأسرة، ودعم الأصدقاء، وحكاية لعنة سحرية غريبة ورثتها الفتاة عن عائلتها.

البحث عن "مي"!

الفيلم الذي بدأ عرضه على منصة Disney+  مثل أغلب أعمال "ديزني- بيكسار" خلال السنوات الأخيرة ينفتح على شخصيات ذات ثقافات مختلفة، وسنجد الشخصية الرئيسية في تلك الأفلام لها جذور ثقافية خاصة للغاية؛ سواء ثقافة تنبع من عالم خيالي مختلف يقع في قاع البحر، مثل عالم الطفل "لوكا" في فيلم Luca، أو ثقافة قرية كولومبية مسحورة مثل قرية "ميرابيل" في فيلم Encanto، وفي فيلم Turning Red سنجد عالم الطفلة "مي" بصوت "روزالي شيانج" يقع في مدينة مُعاصرة، وثقافتها مُتأثرة بالحياة اليومية لمدينة غربية، لكنها فتاة ذات جذور صينية، تعيش مع عائلتها في مدينة "تورنتو" الكندية، ومن أعز صديقاتها فتاة من أصول أفريقية، وبعض زميلاتها في المدرسة مُحجبات، وحارس مدرستها رجل هندي يرتدي عمامة السيخ المميزة، وبالطبع اختيار كندا المعروفة بقبولها للمهاجرين كمسرح للأحداث يدعم التوجه الهوليوودي لصناعة أعمال فنية تتناول حكايا أبطالها من الأقليات وأصحاب الثقافات المختلفة، كما أنه اختيار له علاقة بأصول مخرجة الفيلم "دومي شي".

Turning Red
Turning Red

في حكايات "ديزني- بيكسار" تنصهر القصص المُعاصرة بالموروث الثقافي والأساطير، وتنتج في النهاية التركيبة السحرية المُفضلة في أغلب أعمال أنيميشن "ديزني- بيكسار"؛ وهى تركيبة البطل/البطلة المختلف في مواجهة المجتمع حوله، ولا تُقدم "ديزني" مقارنة عميقة في الاختلاف الثقافي، ولكن كما نرى "مي" في  "التحول للأحمر" مجرد طفلة عادية من عائلة مُهاجرة، تتحول إلى باندا أحمر كلما شعرت بحماس زائد، وكل علاقتها بجذورها الثقافية يتعلق بمعبد صغير تُشرف عليه العائلة، وطقوس أسطورية يُمارسها بعض أفراد الأقلية الصينية من وحى الثقافة الصينية القديمة.

أمور مثيرة للجدل في فيلم للأطفال!

من السهل العثور على حبكة تحتوي على عناصر الفضول والتمرد والمغامرة والاكتشاف في حياة طفلة صغيرة لديها طاقة وحماس زائد، واكتشاف "مي" أنها يُمكن أن تتحول إلى باندا أحمر عملاق كان الكارثة التي عليها مواجهتها بلا أى خبرة تؤهلها للتحكم بهذا الوحش الكامن داخلها؛ فهو عائق أمام ممارستها حياتها اليومية بصورة طبيعية، والأهم أنه عائق أمام هدفها الأهم الذي خططت له مع صديقاتها كثيراً، وهو الحصول على بعض المال لشراء تذكر حفل فريق شبابي مشهور.

تبقى رمزية الباندا الحمراء كمقابل موازِ للطاقة المُتوهجة داخل المراهقة الصغير؛ فهى ربما تبدو ظاهرياً عائقاً يجعلها "غريبة الأطوار" في عيون الأخرين، لكنها من ناحية أخرى ترمز إلى الجموح الذي يحتاج إلى إطلاق العنان، والإبداع الداخلي الذي يحتاج إلى الرعاية والحرية، والاحتفاظ بمثل هذه الباندا أو التخلص منها هو الاختيار بين السير في الحياة بروح نمطية تقليدية، أو الإنطلاق بروح متمردة تبحث عن الجديد والمختلف؛ ولهذا تتردد "مي" في مرحلة ما في التخلص من الباندا الحمراء داخلها، وتفكر في السيطرة على جموحها، وهذا أفضل ما يُقدمه الفيلم للأطفال: تصالح مع الاختلاف داخلك ولا تقضي عليه؛ فهو الأمر الذي يميزك، ويجعلك متفرداً.

Turning Red
Turning Red

الفيلم المُصنف كفيلم عائلي وجمهوره الأكبر من الأطفال تعامل مع بعض الأمور الحساسة؛ مثل التفاصيل البيولوجية لمرحلة البلوغ، والغرام بالشباب وعصيان الوالدين، وهى أمور جدلية في فيلم جمهوره الأكبر من الأطفال، ولكنها تبقى مقبولة في إطار أنها جزء من واقع حياة المراهقات، ولم يُقدمها الفيلم بأسلوب فج أو بذىء.

حكايات من ثقافة الأقليات!

الفيلم من إخراج الكندية من أصول صينية "دومي شي"، وهو عملها الطويل الأول، وقد فازت بأوسكار أفضل فيلم أنيميشن قصير عام 2019 عن فيلم Bao، وشاركت في كتابة قصة وسيناريو Turning Red، وقد استلهمت فكرته من طفولتها كإبنة عائلة تنحدر من أصول صينية تعيش وتدرس في كندا، وإستوحت شخصية الأم التي تؤدي صوتها "ساندرا أو" من شخصية أمها الحقيقية، وتحديد السيناريو عام 2002 كزمن لأحداث الفيلم يُشير إلى أنها استوحت فترة زمنية مُحددة من ذكرياتها الخاصة في فترة طفولتها.

الفيلم ربما لا يصل إلى أصالة وإبداع أفلام أخرى شاهدناها خلال العامين الماضيين مثل Luca و Soul، وهى أفلام تجاوزت الحبكة النمطية لحكاية البطل وأزمته الخاصة؛ فبينما "لوكا" كائن بحري يتعلق بثقافة البشر، ويسعى لإكتشاف الحياة فوق الأرض، و"جو" في Soul معلم موسيقى شغفه أن يصبح عازف جاز، لكن "مي" في Turning Red كان هدفها الأهم حضور حفل غنائي لفريق شبابي، وحتى تحولها إلى باندا حمراء كان مجرد عائق أمام حضورها لهذا الحفل المُنتظر؛ ولهذا تبدو الحبكة في بعض الأحيان ضعيفة ومحدودة الطموح وتضل الطريق، وتلهو بعيداً عن أزمات مرحلة البلوغ الحقيقية التي تُعاني منها شخصية "مي".

رغم ذلك يحمل الفيلم الكثير من جينات أفلام "ديزني- بيكسار" المحببة؛ فهو يحتوي على عناصر جيدة ولطيفة فيما يتعلق بالتحريك والألوان المُبهجة، وشخصية "مي" مسلية ومرحة، وكذلك صديقاتها وعائلتها، كما يحتوي على كثير من عناصر الفكاهة المُحببة للأطفال ومُحبي أفلام الأنيميشن.