دوريس يونغ لـ"هي": طفل التوحد كنزٌ من الإمكانيات

هي – لمى الشثري 
 
احتفلت المدينة الطبية في دبي مؤخراً بافتتاح مركز دوريس دوان يونغ العالمي للتوحد The Doris-Young Autism Center والذي يعتبر أحد أهم مراكز التوحد في الولايات المتحدة الأميركية حيث يقدم خدمات على قدر عال من التجهيز للتدخل المبكر والعلاج النطقي والسلوكي بالإضافة إلى التدريب المهني للمصابين بالتوحد من الصغار والبالغين. وقد تم الافتتاح بحضور مروان عابدين الرئيس التنفيذي للمدينة الطبية ومؤسسة المركز درويس دوان يونغ والمديرة التنفيذية للمركز إيما أنتونيوس وجمع من الحضور والإعلاميين. 
 
وقد تسنى لـ"هي" إجراء حوار سريع مع السيدة دوريس دوان يونغ:
 
-لماذا اخترتم مدينة دبي كأول وجهة لفروع المركز خارج حدود أميركا؟ 
الحقيقة أن مدينة دبي هي التي اختارتنا؛ بدأت الفكرة تحديداً في شهر يوليو 2013م بناء على مقترح قدمته إيما أنتونيوس التي كانت تعمل آنذاك كمديرة لقسم الموارد البشرية في مركزنا بأورلاندو. حيث لاحظت بعد التحاقها بالمركز بأشهر قليلة الإمكانيات العالية سواء من ناحية التجهيزات أو طاقم المركز المحترف في التعامل مع حالات التوحد والتي تفتقدها مراكز التوحد الموجودة في دبي حيث كانت مقيمة لمدة 13 عاماً. قمنا بعدها بإجراء بحث عميق لنعرف مدى الحاجة لهذا النوع من المراكز. وبالفعل تواصلنا مع السفارة الإماراتية في واشنطن و لاقينا ترحيباً كبيراً منهم خصوصاً في ما يتعلق بخدمات مرضى التوحد من المراهقين والبالغين.
 
-هل لديكم أي خطط توسعية تشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط والخليج العربي في المستقبل؟ 
نعم فنحن بصدد افتتاح فرع آخر في مدينة أبو ظبي في نهاية العام الحالي؛ لدينا روح المبادرة وبابنا مفتوح دائماً للاقتراحات في حال كان هناك حاجة وترحيب بخدماتنا في مناطق أخرى من الخليج مثل السعودية على سبيل المثال. 
 
-أخبريني القليل عن نفسك؛ لماذا اخترت مجال التوحد؟ 
تجيب ضاحكة: "تريدين معرفة المزيد عني؟" في الواقع الأمر يتعلق كثيراً بنشأتي حيث ولدت في قرية صغيرة في الصين حيث كانت عمتي تساعد والدتي في رعايتي عندما كنت صغيرة؛ وكانت عمتي ذات إعاقة جسدية فقد كان لديها ذراع واحدة فقط ولكن ذلك لم يمنعها أبداً ليس فقط من العناية بنفسها بل ورعاية بفتاة صغيرة فوق ذلك. كانت عمتي المثل الأعلى بالنسبة لي فقد أثر بي إصرارها على تحدي هذه الإعاقة التي واجهتها بشجاعة باستخدام قدمها عوضاً عن يدها المفقودة لإتمام المهام على أكمل وجه مثل الأشخاص الطبيعيين تماماً. ولذا عندما أنهيت دراستي الثانوية ذهبت إلى الولايات المتحدة لأتمم دراستي الجامعية في مجال إعادة التأهيل. ومن ثم تخصصت بتركيز أكبر في التوحد حيث وجدت أن هذا المجال مذهل وفرص البحث فيه عالية جداً. 
 
-هل من شيء تريدين آخر تودين إضافته قبل أن نختم هذا اللقاء؟ 
أود أن أبعث برسالة مهمة إلى عائلات مرضى التوحد؛ أريدهم أن يروا أطفالهم على أنهم هدايا من رب العباد وليس عبئاً يبعث على القلق والهموم. أواجه كثيراً من الأمهات والآباء الذين يعانون بشكل مفرط من التوتر بسبب قلقهم على أبنائهم من مرضى التوحد حيث يؤرقهم التفكير بالمستقبل حين يغادرون هذه الحياة ويظل أولادهم بلا يدٍ ترعى شؤونهم وتقف على أحوالهم. قابلت إحدى الأمهات خلال مؤتمر أبوظبي العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة حيث توجهت إلي بعد كلمة ألقيتها قائلة لقد غيرت حياتي لأني أمضيت عمري كله والقلق يتآكلني على ابنتي التي يتجاوز عمرها الآن 20 عاماً لدرجة أصابتني بالمرض فعلياً. لذا من المهم التركيز على مواهب الطفل المصاب بالتوحد عوضاً عن التوقف عند حدود إعاقته؛ ما سوف يساعد الطفل على إحراز تقدم مذهل في حياته. طفل التوحد يشعر ويحتاج أكثر من غيره من الأطفال إلى اهتمام وثقة عائلته ومن حوله به ولكن لا يأتي ذلك إلا بالصبر والإيمان بقدراته وليس القلق هو الحل أبداً. أناشد الآباء والأمهات بأن يحبوا أطفالهم من مرضى التوحد من دون قيود أو شروط؛ بأن يؤمنوا بهم لأن طفل التوحد يملك كنزاً من الإمكانيات ولكن لا يمكن أن يطلع الآخرين عليه إلا إذا شعر بدعمهم الحقيقي له. 
 
تختم دوريس يونغ حديثها بتأثر قائلة: "التحقت طفلة من مرضى التوحد بالمركز الخاص بنا في أورلاندو قبل سنوات عديدة؛ وذلك في قسم الإسكان من المركز حيث شعر والداها حينها بأنهم لا يستطيعون التعامل معها بعد الآن وبأنه من الأفضل لها أن تكون تحت رعاية المركز بشكل دائم؛ ولن تصدقي التطور الذي مرت به هذه الطفلة منذ ذلك الوقت حيث كان تبلغ التاسعة من العمر؛ فهي الآن في بداية العشرينات من عمرها منتجة ومستقلة وعروس تستعد للزواج قريباً... وذلك أمر رائع بالفعل". 
 
يذكر أن خدمات مركز دوريس دوان– يونغ الذي تم تأسيسه أولاً في أورلاندو عام 1999م  لا تقتصر فقط على الجلسات العلاجية داخل المركز بل تشمل أيضاً تأهيل الوالدين لرعاية طفلهما مريض التوحد حيث تقوم المختصة من المركز بمرافقة طفل التوحد وذويه في البيئة الطبيعية التي يعيش بها مثل المنزل أو نزهة مع العائلة أو شراء حاجيات من السوبرماركت أو مشاهدة فيلم في السينما وغيرها من الأنشطة اليومية بحيث ترشد الوالدين للطريقة المثلى للتعامل معه. وفي عام 2001م افتتح المركز خدمات الإسكان لتوفير الرعاية الدائمة على مدار الساعة لمرضى التوحد وتدريبهم وتأهيلهم لإطلاق إمكانياتهم ودعم ثقتهم بأنفسهم. 
 
أما ما يميز المركز فعلاً فهو تأهيل البالغين من مرضى التوحد ليكونوا أمثلة حية للأطفال الذي لديهم نفس المعاناة؛ حيث يتم تدريبهم للقيام بمهام يتم مكافأتهم عليها مادياً لكي نعزز لديهم جانب الإنتاجية والاستقلالية. 
 
ختاماً، يقتصر مركز دوريس دوان -يونغ للتوحد في دبي على تقديم الجلسات العلاجية حيث لا يشمل المركز خدمات الإسكان في الوقت الحالي ولكنه أمر قيد الدراسة وقد يتم تنفيذه في المستقبل حسب ما نوهت به مؤسسة المركز.