
عارضة الأزياء عليا كمال تكتب لـ"هي": كيف نحتفي بالقوة والاستدامة والراحة؟
منذ صغري، وأنا مأخوذة بعالم الموضة، وأناقة عروض الأزياء، وبراعة المصممين في التعبير الإبداعي، وسحر نمط الحياة السريع الوتيرة والعابر للقارات. كثيرا ما كنت أسافر بخيالي وأحلم بأنني أعيش في مدن مثل نيويورك أو لوس أنجلوس أو لندن، متخيلة نفسي غارقة في قلب دوامة عرض الأزياء وبناء حياة مستقلة وهادفة.
كفتاة ولدت في مصر ونشأت في دبي، غالبا ما بدت تلك الأحلام كأنها تخيّلات بعيدة المنال، جميلة ولكن "غير واقعية" أبدا في عيون أغلب الناس. ففي كثير من العائلات في الشرق الأوسط، ولا سيما خلال الزمن الذي ترعرعت فيه، كان النجاح يقاس وفق معايير المسارات التقليدية: من الطبّ إلى المحاماة والهندسة والمناصب الآمنة في عالم الأعمال والشركات. وإن أردت التمرد قليلا؟ ربما تستطيعين أن تكوني صاحبة مشروع خاص بك. أما المهن الإبداعية، فلم تكن تُعتبر خيارا صالحا أصلا، ولذا لم تلقَ ترحيبا ولا تقديرا.
ومع ذلك، لا ألوم والديّ ولا مجتمعي، فقد كانت تلك حقبة مختلفة عمّا نعيشه اليوم. في نظرهم، مثّلت تلك المهن الاستقرار والأمان وضمان المستقبل. لكنْ هناك درس واحد زرعه والدي في أعماقي منذ الصغر عندما قال: "إذا أردت السعي وراء شيء ما، يجب أن تكوني الأفضل فيه". وقد غيّرت تلك الذهنية كل شيء بالنسبة لي.
لم أتقبل فكرة أن يكون شيء "غير واقعي". بل بالنسبة إلي، لا وجود لهذا المصطلح. أؤمن بأن الإنسان هو من يصنع واقعه بيديه. قانون الجذب، في نظري، ليس مجرّد صيحة عابرة؛ إنه أسلوب حياة. أعددت لوحات مرئية لتصوّراتي، تحققت وتجسّدت الكثير منها بدقّة لا تصدَّق. في وقت سابق من هذا العام، عمدت مثلا على سبيل المزاح إلى تركيب صورة لي على لوحة إعلانية ضخمة في شارع الشيخ زايد، وبعد ثلاثة أشهر فقط، وجدت نفسي أقف تحت لوحة إعلانية حقيقية، في الموقع نفسه الذي تخيّلته، ووجهي يتصدّر الحملة الصيفية لعلامة "سيفورا". كان المشهد سرياليا، ولا يزال، ولكنه كان أيضا تذكيرا قويا بأن ما تؤمنين به، تحققينه.
غير أن رحلتي طبعا لم تكن خالية من العقبات. التحدّي الحقيقي حصل حين قررت أن أكرّس نفسي بالكامل لعرض الأزياء وصناعة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد أن درست علم الأعصاب وعلم النفس في الخارج، عدت إلى الوطن، وأخبرت والديّ بأنني اخترت مسارا مختلفا تماما. والدي، الذي استثمر الكثير في تعليمي، صُدم، وبصراحة، لا ألومه. فتخيّلي أن ترسلي ابنتك إلى واحدة من أهم الجامعات في المملكة المتحدة لأربعة أعوام، ثم تعود لتقول لك: "أريد أن أصبح عارضة أزياء". من المفهوم أن يصعب عليه استيعاب كيف يمكن لأربع سنوات من السهر، والعمل في مختبرات، وإجراء دراسات سريرية، والحصول على شهادة بدرجة الشرف، أن تنتهي بصور ومنشورات على "تيك توك". كانت من أصعب محادثاتنا على الإطلاق.
ومع ذلك، علّمتني نشأتي في منزل عربي المرونة والاحترام العميق. لم أجادل، ولم أتمرّد؛ بل احترمت وجهة نظر والدي، لأنني فهمت بصدق دوافعه ومخاوفه، ولذلك قرّرت أن أريه بدلا من أن أناقشه. عملت بلا كلل لأثبت له أن هذه الخطوة لم تكن قرارا طائشا، ولا حلما عابرا. لم أعتقد يوما أنني سأصبح "بيلا حديد" الجديــــدة بين ليلة وضحاها. علمت أن هذا المسار يتطلّب تخطيطا، وانضباطا، وإبداعا، وصبرا، وفي أقل من عام، بنيت مجتـمـــعـــا رقمـــيـــا يـــضــــم أكثر من مئتي ألف متابع، موثّقة محطاتي، وإنجازاتي، وأسلوبي في "التجلّي" manifestation، وكل الأشياء المرحة التي تعلّمتها على طول الطريق. ومع مرور الوقت، رأى والداي كل الجهد والإصرار خلف الأضواء والبريق. واليوم، هما أكبر مشجّعين لي، ويساندانني في كل خطوة وعند كـل منعــــطــــف. شاهــــــداني أنـــمــــو وأنتـــقــــل من لـــوحـــــات التخطيط والتصــــوّر إلى لوحــــات إعلانية حقيقية، ومن صور ذاتية غير رسمية إلى حمـــلات دولية، وأسافــــر حول العــالم، وأتـــــعاون مع مبدعين مختلفين ومخرجين لم أتخيّل يوما أنني سألتقي بهم. وأهم من ذلك، أنهما رأيا أن هذا ليس مجرّد حلم، بل مسيرة مهنية مبنية على هدف، ونيّة، ورؤية. منحتني دبي البيئة المثالية لبناء حياة تشبهني وتعكس من أنا، لا من يُفترض بي أن أكون. وأنا ممتنّة جدا لذلك.
ما زلت في الفصول الأولى من حكايتي، والمراحل الأولى من رحلتي المهنية، وهناك الكثير من الأهداف التي أتمنّى تحقيقها في المستقبل. ولكن إن كانت هناك رسالة واحدة أريد إيصالها إلى كل شابّة في منطقتنا، فأقول لها: إن الحياة التي تريدينها لن تكون يوما "غير واقعية"، بل هي فقط غير مألوفة لمن لم يروها تتحقق من قبل. فكوني الأولى، كوني جريئة، كوني صبورة، وأهم من ذلك، كوني مَن حلمت أن تكونيها في صغرك.
فاليوم، أنا هي. وأعلم أن تلك الطفلة كانت ستفتخر بي.