
رئيسة التحرير مي بدر تكتب: مرآة الروح ودفتر الحياة
في هذا العالم الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، أصبحت الدراما ملاذا ومرآة للكثيرات منا. فهي ليست مجرد وسيلة ترفيه أو سرد حكايات على شاشة، بل مساحة نعيش فيها، ونتأمل، ونفهم أنفسنا والآخرين. ولا أبالغ إن قلت إنها مرآة تعكس أحيانا كل تفاصيل حياتنا، فنحن لا نتابع الأعمال الدرامية فقط لنملأ وقت فراغنا، بل لنملأ فراغا عاطفيا أو فكريا. فكل لحظة نعيشها في مسلسل أو مسرحية أو فيلم، تمس شيئا ما في ذاكرتنا، وأعماقنا، أو في مستقبل نخشاه ونحلم به. لذلك قال جان كوكتو: "السينما تخلق الذكريات، والمسرح يوقظها، والدراما تمنحها صوتا ووجها". وقد أثبتت الدراما أنها قادرة على أن تسهم في تغيير مجتمعات، وتُحرّك ساكنا في القلب والعقل.
في العالم العربي، لم تكن نجمات الدراما مجرد ممثلات، بل رائدات وصاحبات موقف. من سعاد حسني التي كشفت هشاشة المرأة القوية، إلى منى واصف التي أعطت للشخصية التاريخية لحما ودما وهيبة، إلى نادين لبكي التي جعلت من الكاميرا مرآة للوجع الاجتماعي.. هؤلاء لم "يُجسّدن" شخصيات، بل كتبن فصولا جديدة في وجدان الجمهور.
ولأن الدراما حياة أخرى تُعاش بعمق أكبر، لم تكن طريقها سهلة، فهي تتطلب شجاعة لاكتشاف الذات خلال تمثيل الأدوار المعقدة، كما تطلبت من فاتن حمامة وحياة الفهد، ويسرا، وغيرهن ممن أصبحن جزءا من الذاكرة العربية.
وفي خضم هذه الرحلة الفنية والإنسانية، تبرز في مشهدنا الخليجي المعاصر النجمة السعودية إلهام علي، العاشقة للفن، والمتصالحة مع الألم، والصادقة مع ذاتها. ليست فقط بطلة "شارع الأعشى"، بل واحدة من الأسماء التي تعيد تعريف الدراما السعودية.
اختارت "إلهام" الفن طريقا، لا الشهرة، وصنعت من التنمّر درعا، ومن الحلم سلاحا: "ألمي وقود دفعني إلى الأمام"، وهي جملة لا تعبر عن تجربة شخصية فقط، بل عن سر الدراما كلها: أن نحول الألم إلى فن، والمحنة إلى حكاية تُروى.
في هذا العــدد نحتفـــي بالدرامـــا. لا بصفتها منتَجا ثقافيا أو شاشة مضيئة فقط، بل بصفتها أسلوب حياة. نحتفي بها لأنها تعلّمنا أن نسأل، وأن نشك، وأن نحلم.. لأنها تمنحنا، كما يقول مارسيل بروست، "القـــدرة علـــى العيش أكثر من حياة واحدة."