الأزياء والثقافة وجهان لعملة واحدة!

الأزياء والثقافة وجهان لعملة واحدة!

مجلة هي

بقلم مصممة الأزياء هلا الغرباوي 


ليس بالضرورة التعبير عن علاقة الثقافة بالأزياء من خلال دمج الملابس التراثية لبلد معين فقط أو الاستلهام منها! بل هناك طرق عدة نستطيع أن نعبّر من خلالها عن مفهوم "علاقة الثقافة بالأزياء".

مما لا شك فيه أن الثقافة تلعب دورا كبيرا في المجتمع. لذلك ليــــــــس من الغريب أن يقال إن الثقافة تؤثر في الأزياء والصناعة أيضا. الأزياء هي في الأساس ثقافة، وعندما تتغير الثقافة، تتغير معها الأزياء أيضا. هنـــــــاك الكثير من التاريخ الخفي وراء الملابس. تذكري دائما أنك ترتدين جزءا من الثقافة! ولكن السؤال الأهم هو كيف؟

سفر مصممي الأزياء أو عملهم وتعاونهم مع مصممين آخرين أو علامات تجارية أخرى من مختلف أنحاء العالم هي بـــحـــد ذاتــــها تــعد ثقافة! كيف؟ من خلال تقديم فكرة التبادل الثقافي. حدث هذا عندما تواصل معي فريق تسويق الــــعـــــلامـــــة التـــجـــــاريــــة العــالــمــيــة PINKO لتصميم مجموعة خاصة موجـــــــهة لدول الخلـــــــيج، وكانت تـــــضم قطع CAPE طويلة مــــــستوحـــــــاة من العبـــــــــــاءة الخــلــيــجــيـــــة، ولكن بنظرتي كمــصــمــــمـــــة ووجــــــود DNA علامـــــتي التجارية وDNA علامة PINKO الإيطالية، فكان هذا الدمج والتبادل الثقافي في التصاميم.

اليوم نحن المصممين ندمج العناصر المستوحاة من ثقافتنا في الملابس بطريقة عصرية، سواء كان هذا الدمج واضحا أو خفيا متمثلا في صورة استلهام مشاعر وأحاسيس. أنا بصفتي مصمـــــمة أزياء أستـــــلهم من "قوة المــــرأة وتمكـــــــينـــــــها"، ومن قوتها في التفكير واتخاذ القرار، ومن طريقتها في التعبير عن ذاتها وتحملها المسؤولية، ومن قدرتها على تولي مناصب ريادية وإيصال صوتها وتنفيذ رغباتها، ومن كونها امرأة لها كيان ووجود وصوت مسموع، فتمكين المرأة ودعمها جزء من الثـــقافة في وجهة نظري، لأن المرأة ببساطة هي نصف المجتمع، والمجتمع ليس بمجتمع من غير وجود المرأة!

على سبيــــل المـــــثال، أثــــرت الـــــحــــــــــركة النــــسويـــــــــة في الغرب في الستــــينيات والسبعـــــينيات في الموضــــــــة والأزياء من خلال فكرة تعزيز المساواة بين الجنسين. بدأت النساء في ارتداء الــــبدلات الرسمــــية، ورفـــــضن الملابس التقليدية، وفضلن أزياء مريحة وعملية. يعكس هذا التحول في الملابس حركة ثقافية أوسع نـــحو المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

الملابس التي نرتديها تمثل من نحن، وأهم من ذلك من نريد أن نكون. الأزياء تتحدث نيابة عنا، إنها تقريبا مثل اللغة! تساعد على عكس من نحن من الداخل والخارج. لا توفر هذه الإشارات تأكيدا ذاتيا وتعزيزا للثقة لمرتديها فحســــب، بل توفـــــر إشــــــارات مـــرئيــــــة للآخــــــرين حول كيفية التعامل معهم والتعرف إليهم، إننا نخلق اختزالا "بصريا" لمن نحن! عندما أرتدي تصاميمي يستغرق الأمر بعض الوقــــــت حـــــــتـــــى أصبــــــح "هـــلا الغـــربــــــاوي"، حيـــث إن الإنسان يتقمص شخصية "إحساس" اللبس الذي يرتـــديـــــه، وهذا تحديدا ما أريد أن أوصله لمرتدي "هلا الغرباوي"، وهو ثقافة "قوة وتمكين المرأة" التي تأتي من دولة تدعم المرأة، وتحافظ على حقوقها.

إن الثقافة التي ولدت فيها والثقافة المحيطة بي تؤثر في وجهة نظري الشخصية المميزة والفريدة من نوعها، حيث إنني عشت 14 عاما في مدينة برلين الألمانية. عشت ودرست فيها، وكانت نقطة انطلاق علامتي التجارية، دراستي كانت في جامعة عالمية تعرفت فيها إلى شخصيات مختلفة من بيئات وجنسيات مختلفة، الفائدة كانت أكبر من مجرد دراستي مع كم هائل من معلومات وأفكار مختلفة أثرت بي وأثرت بها "إيجابا". دربت أكثر من 50 طالبا وطالبة من جامعات عالمية حول العالم، كم استفدت وأفدت؟ كمية المعلومات والثقافات المختلفة المتبادلة في حينها؟ مثّلت بلدي أفــضــــل تمــثــيـــــل. ودرست واجتهدت وثابرت وعملت واكتسبت أصدقاء ومعلومات وثقافات مختلفة، هذا برأيي أهم شيء يمكن للمصمم أن يفعله، لأن الأزياء ببساطة عبارة عن ثقافة متبادلة ورسالة يجري إيصالها من خلال هذه الأزياء. إن مزج التجارب الثقافية والأزياء الحالية هو الطريقة التي يجري بها تطوير قصة ذات أسلوب فريد. ومن المهم أن نطلق عليها قصة، لأن الثقافة تعكس التاريخ والأزياء التي تتطور باستمرار.

تلعب الأزيـــــاء أيضــــا دورا في تــعــزيــــــز الــشـــموليــــــة والتــنــــــــوع. في الســـنـــوات الأخـــــيرة كان هنـــــاك طلب متزايد على التـــــنوع والــشــمـــوليــــة في صناعة الأزيــــــاء. يتبنى المصممون نماذج من مختلف الأعـــراق وأنواع الأجسام والأعمار، متحدين معايير الجمال "المــقاســــات الضيقة" التي سادت لعقود من الزمن. يعكس هذا التحول في صناعة الأزياء حركة ثقافية أكبر نحو القبول والاحتــفاء بالتفرد أو التميز.

يتأثر التصــــــمــيـــم واختيــــــار الــقــمـــــــاش أيــضـــا بالـثــقـــــافة. يمكن للمصممين على سبيل المثال، اختيار واستخدام المواد من مـــــصادر محلية ومنتشرة في مكان معين. وهذا ســــوف يــــــــساعد على إنشاء شعور قوي بين المجتـمع. إذا أردنا أن نفهم الأزياء وأنماطها، فيجــــب علـــينا أولا أن نفــــــهم محـــــيـــطــنـــــــــا من حيث الـــطــــــريقــــــــة الــــتي نعــيــــــش بها. البيئة المحيطة بنا هي مجتمعنا وثقافتنا، وهم الأشخاص الذين يؤثرون في أسلوب حياتنا.

الثقافة ليست مجرد مصدر إلهام، إنها الروح ذاتها التي تبث الحياة في الملابس التي نرتديها. تعتبر الأزياء بمنزلة مرآة للتراث الثقافي للمجتمع، وهو ما يؤثر في استخدام المواد والمنسوجات في الأزياء. الأزياء ليست مجرد وسيلة للتعبير الشخصي، ولكنها تتشكل أيضا من خلال البيئات الثقافية التي تُمارس فيها.

ولـــــكــــــل مـــــــصمـــــــم طـــــمــــــوح أقـــــــول: احــتــــضـــــن تــــراثـــــك بــطـــريقــــــــــتك الخــــاصـــــــــــــة، واكتـــــــشف هويتك، وانسج رواياتـــــــــــــك الخـــــاصة ورسالتــــــك من خلال إبداعك، فأنت الذي تصنع "ثقافتك".

Credits

    هلا الغرباوي
    مصممة أزياء