
عين غين.. لكي يرتدي أولادنا ثقافتنا "صُنعت بحب للغة العربية والكرة الأرضية"
لم أخطط يومًا لأن أصبح مؤسِسة لعلامة تجارية بهويّة "عربية"، ولكنني كنت دومًا مهتمة بتثبيت الهوية العربية لدى أولادي، فحرصت على تنمية حبهم للغتنا وثقافتنا. منذ صغري أحببت لغتنا "العربية"، الفصحى والعامية بلهجاتها المختلفة، ولم أكن أميل لمن يفضلون الحديث بالإنجليزية على العربية.

تخرجت من مدارس نجد الأهلية في المملكة، ثم حصلت على شهادتي البكالوريوس في "علم النفس" والماجستير في "التنمية الدولية وحقوق الإنسان والمرأة" من أمريكا، وعدت إلى المملكة لأعمل في القطاع التنموي غير الربحي. كانت بدايتي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ثم انتقلت إلى مؤسسة الملك فيصل الخيرية.وخلال هـذه السنوات قمت بإدارة مختلف المشاريع البارزة في مختلف المجالات الاستراتيجية والتنفيذية فيالبرامج والعلاقات العامة والإعلام وإدارة المنتديات والفعاليات والموارد البشرية، وما زلت حتى اليوم أشغل منصب مديرة العلاقات العامة والإعلام في مؤسسة الملك فيصل الخيرية وجائزة الملك فيصل.
لم يكن هذا المسار المهني بعيدًا عن رسالتي الشخصية، بل كان امتدادًا لها.وعندما أصبحت أماً، بدأت الحكاية تأخذ شكلاً آخر. كان ذلك في عام 2010عندما أنجبت طفلي الأول، حاتم.كنت أبحث عن محتوى عربي جميل أقدمه له، شيء يشبه ثقافتنا، يحمل لغتنا بروح محببة. لكنني صُدمت بكمّ الفراغ الموجود في السوق. لم أجد ما يليق بطفل عربي، لا في القصص، ولا في أغاني الأطفال (ما عدا القديم منها الذي لا زلنا نعشقه) ولا في الرسوم المتحركة (التي تأتي إما مدبلجة عن الأجنبي، أو محدودة وذات جودة أقل إن كانت عربية الصنع). كان المحتوى الترفيهي باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أفضل بكثير مما هو متوفر باللغة العربية، ولاحظت بأن لذلك تأثير كبيرعلى ميل معظم أطفالنا لتداول اللغة الإنجليزية بدلاً من العربية بيتهم ومع أهلهم، وهو أمر مخجل ومحزن. فحضارتنا العربية جميلة، ولغتنا فريدة، وثقافتنا هائلة، وتراثنا متنوع، وفنوننا فائقة، فلم هذه الفجوة في المحتوى العربي الترفيهي لأطفالنا؟

حينها، ولدت البذرة الأولى لفكرة صناعة شيء ترفيهي يضيف إلى المحتوى العربي للأطفال بجودة تنافس جودة المحتوى الغربي.
ثم رزقت بابنتي هيفاء عام 2012 ،ومضت بعدها عدة سنوات حملت معها بعض التحديات والمحطات الصعبة كالمرض وغيره، ثم رزقت بابنتي غيداء في أواخر عام 2019. وظل مشروعي لإثراء المحتوى العربي للأطفال يراود عقلي ويلامس قلبي. وغدت الفكرة تتحول مع كل عام يمضي، فانتقلت من فكرة الرسوم المتحركة بالعربي، إلي قصص أطفال بالعربي، إلى أغاني أطفال عربية، إلى اكسسوارات لغرف الأطفال بالعربي، إلى ديكورات حفلات وأعياد ميلاد بالعربي. كثرت الأفكار وتشتت الذهن وتعددت العوائق وبقي شيء واحد ثابت: رغبتي بإثراء نمط حياة أطفالنا بشيء جميل بالعربي.
وفي بداية عام 2021، أثناء الحجر الصحي لجائحة كورونا، اتصلت بمعلّمي – مديري السابق في منظمة الأمم المتحدة د. المصطفى بن المليح، الذي كان يعلم بفكرة مشروعي منذ ولادتها قبل 10 سنوات ويؤمن بقدرتي على تحقيقها، فجاءت كلماته في ذلك اليوم لتدفعني دفعة أخيرة لا رجعة فيها، فخطوت أولى خطواتي نحو تحقيق مشروعي، ورست الفكرة على تصميم وتصنيع ملابس عصرية وصديقة للبيئة للأطفال منذ ولادتهم وحتى سن 14 عاماً، تتخللها كلمات وعبارات عربية تحكي قصصاً بمختلف اللهجات.

اخترت اسم "عين غين" لفكرة جميلة وردت إلى ذهني ذات يوم وهي أن حرفي العين والغين متماثلين ومتتابعين بفارق نقطة، ولكن في الأبجدية العربية يأتي حرف العين الذي يرمز لل"عربي" قبل حرف الغين الذي يرمز لل"غربي"،فأردت أن أشير إلى أن "العربي" و "الغربي" كلمتين متماثلتين أيضاً بفارق نقطة ولكن العربي أولى من الغربي لأن العين قبل الغين.
لم تكن فكرة المشروع تجارية فقط، بل كانت محاولة لتقديم هويتنا العربية بطريقة عصرية وجذابة.استخدمت الحروف والكلمات العربية في تصاميم الأزياء، لكنها لم تكن مجرد حروف، بل رسائل صغيرة نرتديها، ونعرّف بها هويتنا للعالم. حرصت على أن تكون التصاميم قريبة من الجيل الجديد، تنبض بالحياة والبساطة والأناقة، وتحمل معاني مألوفة لكنها مُقدمة برؤية معاصرة.لم أردها تقليدية، ولا متحفيّة، بل نابضة ومتحركة، تمامًا كأطفالنا اليوم.
عملت مع 4 مصممات أزياء محترفات منبلدان وجنسيات مختلفة لكي أقدم منتجات متقنة وفائقة الجودة، واخترت تصنيع الملابس في مصر والهند وتركيا باستخدام أقمشة صديقة للبيئة وقطن عضويلإيماني بضرورة مساهمتنا في حماية كوكبنا وبيئتنا وتوفير الأفضل لأطفالنا.

كان زوجي "كريم إدريس" - ولا يزال- أكبر داعم لي، إضافة إلى بعض الأصدقاء والأقارب. أما والداي "غيداء وبشير"، الداعمان الأبديّان، فلهما الفضل الأكبر في حبي للغة العربية والثقافة العربية والعمل الجاد والمتقن.أطلقت المشروع بأولى منتجاتي منذ سنة في مايو ٢٠٢٤، من خلال متجر إلكترونيwww.ein-ghein.com يشحن الملابس لكل دول العالم. واليوم،بفضل الله، تُباع منتجاتي في عدة محال تجارية داخل المملكة وخارجها مثل هارفي نيكلز في مول الفيصلية ومتجر باتيرن Patternفي الرياض، وهومجرون Homegrownبفرعيه في جدة، والصالون الأزرق بفرعيه في قطر، وإيجو EGO بفرعيه في مصر، ومتجري ممزورلد وترنديول الإلكترونيين.
في خلال هذا العام، شاركت في بضعة معارض في المملكة وتعاونت مع جمعية سند لدعم أطفال مرضى السرطان بإهدائهم ملابس عين غين في عيد الأضحىوتخصيص نسبة من ريع مبيعاتنا لصالح الجمعية.
أعمل الآن على إطلاق مجموعة جديدة من الملابس قمت بتصويرها مع أطفال رائعين في حدائق جميلة في مدينة باريس، وآمل التوسع للمزيد من المحال التجارية في بلدان مختلفة.

تسعدني رؤية أطفال لا أعرفهم يرتدون ملابس "عين غين"، فأشعر بأن حلمي يتحقق، وبأنهم وجدوا في تصاميمنا وحروفنا وكلماتنا العربية جمالًا يستحق أن يُرتدى، وبأن هناك من يشاركني الرسالة نفسها التي رغب بالربط بين اللغة الجميلة والمظهر الأنيق، وبين الثقافة العريقة والحياة المعاصرة.