النساء والصرع

النساء والصرع: رعايةٌ آمنة لكل امرأة.. وعلاجاتٌ مُخصصة لتحسين جودة الحياة

جمانة الصباغ
22 ديسمبر 2025

للمرأة خصوصيتها وتكوينها الخاص بها، الذي يجعلها عرضةً للعديد من المشكلات الصحية والأمراض. لهذا وجب عليها الاعتناء بصحتها على الدوام؛ كما ينبغي على المحيطين بها تقديم الدعم والعناية المطلوبة، لتبقى محافظةً على سلامتها وقدرتها على القيام بالمهام المطلوبة منها.

من الأمراض التي تُصيب النساء، نذكر الصرع؛ وهو اضطرابٌ عصبي يؤثر على المرأة، ويتطلب رعايةً خاصة بسبب التغيَرات الهرمونية التي قد تؤثر على النوبات وفعالية الأدوية. تشمل التحديات الفريدة تأثيرات الدورة الشهرية، الحمل، والولادة؛ وقد تزيد النوبات في مراحل معينة من الدورة الشهرية (صرع حيضي) بسبب بعض التقلبات الهرمونية مثل ارتفاع هرمون الإستروجين وانخفاض البروجسترون. كما أن هناك مخاوف خاصة فيما يتعلق بالحمل، إذ قد تحتاج المرأة لرعايةٍ طبية إضافية لضمان صحتها وصحة الجنين.

للتعرف عن كثب على النساء والصرع؛ تحدثنا إلى الدكتورة ماريا رباني، طبيب استشاري في طب الأعصاب بمعهد الأعصاب في كليفلاند كلينك أبوظبي والتي أجابت على أسئلتنا بالآتي..

ما هي أنواع الصرع والنوبات المختلفة التي يمكن أن تُصيب المريضات؟

تخصيص علاجاتٍ خاصة للنساء يساعد في تحسين معاناتهنَ مع الصرع
تخصيص علاجاتٍ خاصة للنساء يساعد في تحسين معاناتهنَ مع الصرع

يمكن للصرع أن يتسبّب في أنواعٍ مختلفة من النوبات، يجري تصنيفها بناءً على موضع بدايتها في الدماغ. وبشكل عام، تُقسَم النوبات إلى نوبات بؤرية ونوبات معمّمة.

تنشأ نوبات الصرع البؤرية في منطقة محدّدة من الدماغ؛ وقد تظهر بأعراض دقيقة، مثل فقدان لحظي للوعي، أو إحساسٍ غريب في المعدة، أو تغيّر مفاجئ في الحالة العاطفية، أو حركات صغيرة ومتكرّرة. قد تكون هذه النوبات خفيفةً جدًا لدرجة أن المريضة قد لا تدرك أنها تتعرّض لنوبة، بل تشعر فقط أن شيئاً ليس على مايرام.

أما نوبات الصرع المعمّمة، فتشمل جانبي الدماغ منذ بدايتها. ويمكن أن تتراوح بين نوبات الغياب القصيرة، التي يتلاشى فيها الوعي للحظات، والنوبات الأكثر شدّةً التي تترافق مع تصلّب الجسم واهتزازه.

لا تدرك الكثير من النساء أن النوبات ليست دائمًا واضحة. فقد تحدث أثناء الحديث، أو في لحظات الضغط النفسي، أو قد تُحفّزها التغيرات الهرمونية. ويساعد التعرّف إلى هذه الأنماط الدقيقة في ضمان تشخيصٍ أدق، وتمكين النساء من فهم حالتهنَ وإدارة النوبات بثقة أكبر.

كيف يتم رصد النوبات، متابعتها وتصنيفها داخل العيادة؟

يجري رصد النوبات من خلال تعاونٍ وثيق بين المريضة وفريق الرعاية. وتبدأ العملية بالاستماع بعناية إلى ما اختبرته المريضة، ما لاحظه الآخرون، وما حدث قبل النوبة وبعدها. وتُعدّ هذه المعلومات أساسيةً لتحديد منشأ النوبة.

ثم تُستكمل هذه المعطيات باستخدام أدواتٍ تشخيصية مثل تخطيط كهربية الدماغ EEG وتسجيلات الفيديو التي تُقدّمها المريضة. كما يتم تشجيع المريضات على تتبّع العوامل اليومية التي قد تؤثر في نشاط النوبات، مثل النوم، مستوى التوتر، والتغيَرات الهرمونية. نوفّر لهنَ الإرشاد لاستخدام التطبيقات الصحية والتقنيات القابلة للارتداء، التي تُسهّل عملية الرصد والمتابعة. كما يتيح لنا هذا النهج المشترك، الذي يجمع بين الأدوات السريرية والتقنيات الحديثة، وضع خططٍ علاجية أكثر دقة.

كيف يتم وضع خططٍ علاجية مخصصة لكل مريضة؟

توضع خطط العلاج الشخصية اعتمادًا على الأدوات التشخيصية المتقدمة ومناقشات الحالات متعددة التخصصات. وبحسب الحالة، قد يضم الفريق أطباء الأعصاب، أطباء التوليد، جرَاحي الأعصاب، وغيرهم من المختصين لضمان تقديم الرعاية الأكثر فعالية.

تساعد تقنيات التصوير المتقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي مع بروتوكول الصرع، التصوير المقطعي المحوسب بانبعاث الفوتون الواحد SPECT، أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET، في تحديد المناطق الدماغية التي تنشأ منها النوبات. كما يتيح تخطيط كهربية الدماغ بالفيديو Video EEG مراقبة النوبات في الوقت الحقيقي. في الحالات التي يصعب علاجها، يُوفّر تخطيط كهربية الدماغ ثلاثية الأبعاد SEEG، دقةً عالية من خلال زرع أقطابٍ كهربائية داخل الدماغ لرسم خريطة النشاط الكهربائي.

ومن خلال دمج هذه المعطيات مع مناقشات الفريق الطبي، نتمكن من وضع خطط علاجٍ شديدة التخصيص، سواء عبر تعديل الأدوية، أو دراسة خيارات الجراحة أو الأجهزة الطبية، أو مراعاة العوامل الهرمونية ونمط الحياة. الهدف دائمًا هو توفير رعايةٍ فعالة وآمنة لكل امرأة.

ما الاعتبارات الصحية الخاصة بالنساء المصابات بالصرع، مثل التأثيرات الهرمونية، التخطيط للحمل، وسلامة الأدوية؟

النساء والصرع - رئيسية
النساء والصرع 

تُواجه النساء المصابات بالصرع اعتباراتٍ صحية فريدة بسبب التغيَرات الهرمونية خلال الدورة الشهرية، الحمل وانقطاع الطمث؛ إذ قد تؤثر هذه التغيرات في تواتر النوبات وفعالية الأدوية المضادة للصرع. على سبيل المثال، قد تعاني بعض النساء من زيادةٍ في النوبات حول فترة الحيض، وهو ما يُعرف بالصرع المتعلّق بالدورة الشهرية، لذا قد يستلزم هذا النوع تعديلاتٍ علاجية خاصة.

ومن خلال التخطيط السليم، يمكن لمعظم النساء المصابات بالصرع خوض تجربة حملٍ آمنة وإنجاب أطفال أصحاء. يشمل ذلك مراجعة الأدوية وتعديلها لضمان السلامة، مواصلة السيطرة على النوبات، والتنسيق المستمر بين فريق الأعصاب وفريق التوليد.

يُعد فهم التأثيرات الهرمونية، الاستعداد للحمل بشكلٍ استباقي، وضمان سلامة الأدوية من العناصر الأساسية التي تساعد النساء على اجتياز هذه المراحل بثقة ودعم.

هل يمكنكِ التحدث عن حالة مريضة معينة، وكيف ساعدها العلاج على تحسين حياتها؟

في الآونة الأخيرة، قمنا بعلاج مريضةٍ شابة كانت تعاني لسنوات من نوبات مربكة، تضمنت مشاعر مفاجئة بالخوف، إحساس الرؤية المسبقة، تسارع نبضات القلب، ولحظاتٌ من ضعف الوعي. وعلى الرغم من تجربة عدة أدوية مضادة للنوبات، استمر تأثير المرض في حياتها اليومية.

في مركزنا الخاص بالصرع في كليفلاند كلينك أبوظبي، أجرينا تقييمًا شاملًا للحالة؛ شمل تصويرًا متقدمًا للدماغ ومراقبة ممتدة عبر تخطيط كهربائية الدماغ بالفيديو. ونظرًا لصعوبة تحديد مصدر النوبات، لجأنا لاستخدام تخطيط كهربية الدماغ ثلاثية الأبعاد SEEG، حيث تمَ زرع أقطابٍ كهربائية داخل الدماغ لرسم خريطة النشاط الكهربائي بدقة استثنائية.

ساعدتنا هذه التقنية في تحديد المنطقة الدقيقة التي بدأت منها النوبات، ما أتاح لفريق الجراحة تصميم خطة استئصالٍ دقيقة وآمنة. وبعد إجراء الجراحة في المستشفى، تخلصت المريضة من النوبات.

تعكس هذه القصة أهمية التشخيصات المتقدمة، التعاون متعدد التخصصات، والرعاية المدروسة في إحداث تحولٍ حقيقي في حياة المريضات.

في الخلاصة؛ فإن هو مرضٌ عصبي مزعج، يُفسد بهجة الحياة ويجعل المريضة في حال ترقبٍ مستمر للنوبات. وما يزيد الأمور تعقيدًا، هو التغيرات الهرمونية والحياتية التي تمرَ بها النساء عادة في مراحل مختلفة من حياتهنَ، ما يجعلهنَ بحاجة لعلاجات وبروتوكلات مخصصة لا تُراعي فقط حالتهنَ الصحية، وإنما تقدم لهنَ الحلول لحياة شبه طبيعية كبقية النساء من حولهنَ.