مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول

مقاومة الإنسولين وارتفاع الكورتيزول: كيف تتغيّر من العشرين إلى الخمسين

جمانة الصباغ
10 نوفمبر 2025

داء السكري هو بالتأكيد، واحد من أكبر التحديات الصحية التي يواجهها الناس؛ ليس فقط لأنه مرضٌ لم تتوصل الجهات الطبية لعلاجٍ شافي له، بل كونه يحمل الكثير من المضاعفات الصحية التي تنجم عنه، والتي تصل إلى أعضاء عدة في الجسم مثل القلب والأطراف والنظر وغيرها.

ارتفاع معدل السكر في الدم أو انخفاضه، هي أكثر المُسميات التي نسمعها عن هذا المرض؛ إنما هناك أيضًا مشكلةٌ أخرى ينبغي عدم إهمالها، تتمحور حول داء السكري ويمكن أن تُشكَل خطرًا على صحة المصابين بها. والمقصود بها مقاومة الأنسولين Insulin Resistance التي يُطلعنا الدكتور غسان الددح؛ استشاري أمراض الباطنية والسكري في المستشفى السعودي الألماني عجمان على ماهيتها، وارتباطها بارتفاع الكورتيزول مساءً، وكيف تتغير هذه المشكلة منذ العشرين وحتى الخمسين.

ما هي مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول؟

وفقًا للدكتور الددح؛ تُعدّ مقاومة الإنسولين وارتفاع هرمون الكورتيزول في المساء من أبرز الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر على توازن الجسم، الوزن، والنوم. ومع التقدم في العمر، تتبدل طريقة استجابة الجسم للتوتر والطعام والنوم، فيحدث تباينٌ واضح في مستويات هذه الهرمونات عبر مراحل العمر المختلفة.

لفهم هذه الظاهرة، يجب أن نُدرك أن الأنسولين هو الهرمون المسؤول عن إدخال السكر (الغلوكوز) إلى الخلايا لاستخدامه كمصدرٍ للطاقة، بينما الكورتيزول هو هرمون التوتر الذي يرفع مستوى السكر في الدم عند الحاجة للطاقة السريعة. ولكن عندما يبقى الكورتيزول مرتفعًا بشكلٍ مزمن، خصوصًا في المساء؛ فإن الجسم يصبح أقل حساسيةً للإنسولين، فتبدأ مقاومة الإنسولين بالظهور، وهي من أبرز أسباب زيادة الوزن، اضطرابات النوم وارتفاع خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

الدكتور غسان الداده استشاري أمراض الباطنية والسكري في المستشفى السعودي الألماني عجمان
الدكتور غسان الددح استشاري أمراض الباطنية والسكري في المستشفى السعودي الألماني عجمان 

ما العلاقة بين الأنسولين والكورتيزول؟

يُحفَز الكورتيزول الكبد على إنتاج السكر، بينما يعمل الأنسولين على خفضه. لذا وفي حال ارتفاع الكورتيزول لفترةٍ طويلة، يتعب البنكرياس ويُفرز المزيد من الإنسولين، لكن الخلايا لا تستجيب له كما ينبغي، فتظهر مقاومة الأنسولين. وتُعدَ هذه الحالة الخطوة الأولى نحو السُمنة، ارتفاع الضغط، والسكري من النوع الثاني.

ولأن الكورتيزول الطبيعي يجب أن يكون مرتفعًا في الصباح ومنخفضًا مساءً؛ فإن أي اضطرابٍ في هذه الدورة يؤدي إلى اضطرابات في دورة النوم، ضعف المناعة، وزيادة الالتهابات.

في العشرينيات: البداية الخفية للخلل الهرموني

في هذه المرحلة؛ يكون الجسم بقمة نشاطه الأيضي، والهرمونات تعمل بكفاءةٍ عالية. إلا أن أنماط الحياة الحديثة — كالسهر، العمل لساعاتٍ طويلة، وتناول الوجبات السريعة — تبدأ بإحداث خللٍ بسيط إنما مستمر، في توازن الكورتيزول والأنسولين.

من أبرز أسباب هذه المشكلة في العشرينيات:

1.     السهر الطويل أمام الشاشات وقلة النوم.

2.     الإفراط في تناول الكافيين.

3.     تناول الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكريات.

4.     التمارين الرياضية المُكثَفة في ساعات المساء.

لتأتي النتائج السلبية على النحو الآتي:

•       اضطراب النوم وصعوبة الاستيقاظ صباحًا.

•       زيادة خفيفة في دهون البطن.

•       الرغبة في تناول السكريات ليلًا.

لعلاج المشكلة في عمرٍ صغير (العشرين)، ينصح الدكتور الددح باتباع الخطوات التالية:

1.     النوم المنتظم وتقليل وقت الشاشات قبل النوم.

2.     تجنّب الكافيين بعد الرابعة مساءً.

3.     تناول وجبات متوازنة تحتوي على بروتين وألياف.

4.     ممارسة التأمل أو التنفس العميق قبل النوم لتقليل الكورتيزول.

في الثلاثينيات: تصاعد الضغوط وبداية مقاومة الأنسولين

تزداد في هذه المرحلة التزامات الحياة؛ العمل، الأسرة، والمسؤوليات المالية، مما يجعل التوتر حالةً مُزمنة لا طارئة. ومعها يرتفع الكورتيزول مساءً، فيمنع الأنسولين من أداء وظيفته بشكلٍ طبيعي.

من أبرز الأسباب:

1.     الإجهاد النفسي والذهني المستمر.

2.     تناول الطعام في أوقاتٍ متأخرة.

3.     قلة الحركة والجلوس لفتراتٍ طويلة.

4.     اضطراب النوم المزمن.

ليُسفر عنها النتائج التالية:

•       زيادة دهون البطن رغم الأكل المعتدل.

•       الإرهاق المستمر.

•       مقاومة الأنسولين التدريجية.

لحسن الحظ، فطرق العلاج متاحة في الثلاثينيات؛ وتشمل الآتي كما وافانا بها الدكتور الددح:

1.     تنظيم الوجبات وتجنّب السكريات السريعة.

2.     المشي اليومي بعد الوجبات لتحسين حساسية الأنسولين.

3.     تناول مكمَلات المغنيسيوم وفيتامين B6 بإشراف الطبيب.

4.     الالتزام بروتين نومٍ ثابت وبيئة هادئة خالية من الإضاءة الزرقاء.

في الأربعينيات: تراجع الهرمونات وتباطؤ الأيض

في هذه المرحلة العمرية؛ تبدأ الهرمونات الجنسية (الإستروجين والتستوستيرون) بالانخفاض، ما يجعل تأثير الكورتيزول أقوى ويزيد من مقاومة الأنسولين. كما أن معدل الحرق ينخفض، فيزداد تراكم الدهون بسهولة في الجسم.

إضافة إلى انخفاض هذه الهرمونات؛ ثمة أسبابٍ أخرى وراء مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول مساءً في الثلاثينيات:

1.     قلة النشاط البدني.

2.     الالتهابات الصامتة الناتجة عن النظام الغذائي السيئ.

3.     تناول وجبات دسمة متأخرة.

لتظهر النتائج لهذه المشكلة على النحو الآتي:

•       زيادة الوزن حول الخصر.

•       ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.

•       اضطراب النوم.

كيف يكون العلاج؟ بحسب استشاري أمراض الباطنية والسكري في المستشفى السعودي الألماني عجمان الدكتورة غسان الددح، فإنه يتضمن ما يلي:

1.     اتباع نظام غذائي متوازن منخفض الكربوهيدرات وغني بالبروتين.

2.     ممارسة تمارين المقاومة للحفاظ على الكتلة العضلية.

3.     تقليل التوتر عبر التأمل والرياضة المعتدلة.

4.     النوم المبكر ودعم جودة النوم بالمغنيسيوم والميلاتونين الطبيعي عند الحاجة.

الرياضة والأكل الصحي من ضروريات تجنب مقاومة الأنسولين والكورتيزول في مختلف الأعمار
الرياضة والأكل الصحي من ضروريات تجنب مقاومة الأنسولين والكورتيزول في مختلف الأعمار

في الخمسينيات: الإجهاد الهرموني المُزمن وصعوبة التنظيم

في هذه المرحلة، يبدأ الجسم بفقدان قدرته الطبيعية على تنظيم الهرمونات بنفس الكفاءة السابقة، ويصبح الكورتيزول أكثر تأثيرًا، خصوصًا عند من يعانون من قلة النوم أو الأمراض المزمنة.

أبرز الأسباب لهذه المشكلة في الخمسين هي:

1.     التغيرات الهرمونية المرتبطة بالعمر.

2.     قلة الحركة وتراجع الكتلة العضلية.

3.     تناول أدوية طويلة الأمد مثل الكورتيزون أو أدوية الضغط.

أما النتائج السلبية، فتتضمن:

•       ارتفاع مستوى السكر رغم الحمية.

•       صعوبة فقدان الوزن.

•       أرق مُزمن وتعب صباحي.

•       ارتفاع خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

وفقًا للدكتور الددح، فإن علاج مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول مساءً في الخمسين ممكن، ويتخلص في النقاط الآتية:

1.     تناول العشاء الخفيف قبل النوم بأربع ساعات.

2.     ممارسة النشاط البدني المنتظم مثل المشي اليومي.

3.     تحسين جودة النوم عبر تجنّب الضوء الأزرق والمُهدئات غير الضرورية.

4.     المتابعة الطبية الدورية لفحص السكر التراكمي وضغط الدم والدهون.

5.     مناقشة الطبيب حول العلاجات الهرمونية المساندة عند الحاجة.

ما هي التوصيات العامة لتجنَب مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول؟

في جميع الأعمار، من الضروري اتباع بعض التوصيات العامة التي تحمي من مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول مساءً؛ والتي يُشدَد عليها الدكتور الددح في النقاط التالية:

1.     حافظي على جدول نومٍ ثابت لا يقل عن 7 ساعات.

2.     تناولي آخر وجبة قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل.

3.     قلَلي السكريات والمشروبات الغازية قدر الإمكان.

4.     قومي بممارسة رياضة خفيفة بعد العشاء، مثل المشي.

5.     اتبَعي بعض تقنيات خفض التوتر مثل التأمل، اليوغا، أو التنفس العميق.

6.     احرصي على الفحص الدوري للسكر والكورتيزول عند الشعور بالتعب المُزمن أو زيادة الوزن غير المبرّرة.

خلاصة القول؛ فإن مقاومة الأنسولين وارتفاع الكورتيزول مساءً هما انعكاسٌ مباشر لطبيعة الحياة التي نعيشها. فكلما زادت الضغوط وقَلّ النوم الجيد، اختلّت الهرمونات؛ لكن الخبر الجيد أن التوازن يمكن استعادته بتغييراتٍ بسيطة في النظام الغذائي، الحركة، والنوم. ومع الوعي والمتابعة الطبية المنتظمة، يمكن لكل سيدة، مهما كان عمرها، أن تُعيد ضبط هرموناتها وتحافظ على طاقتها وصحتها.