نصائح غذائية للنساء لتقليل الانتفاخ وتحسين الهضم
هل حصل يومًا أن استيقظتِ صباحًا وأنتِ تشعرين بأن بطنكِ ممتلئة أكثر من المعتاد؟ أو أن ملابسكِ المريحة بالأمس، باتت اليوم تضغط على خصركِ بلا سببٍ واضح؟ كثيرٌ من النساء يعانينَ من هذه اللحظات المزعجة، التي تجعل اليوم يبدو أثقل حتى قبل أن يبدأ. ورغم أن الانتفاخ يُعد عرضًا بسيطًا في ظاهره، إلا أنه قد يشير أحيانًا إلى عادات غذائية لا تناسب الجسم أو إلى إيقاع يومي يحتاج إلى تعديل بسيط.
بحسب استشاري التغذية العلاجية الدكتور محمد أسعد، فإن أغلب النساء اللاتي يشتكينَ من الانتفاخ لا يعانينَ من مشكلة صحية خطيرة، بل من "أسلوب حياة غير متناغم مع طبيعة أجسامهنَ". موضحًا أن الهضم عملية ذكية، لكنها تحتاج منا لبعض العناية والهدوء، كما تحتاج الزهرة إلى ضوءٍ وماءٍ باعتدال.
البداية من الملاحظة: متى ولماذا يحدث الانتفاخ؟
ربما تلاحظين أن الانتفاخ يزداد بعد تناول أطعمة معينة، أو في أوقات التوتر، أو خلال الأيام التي تسبق الدورة الشهرية. هذا الارتباط ليس صدفة، فالجهاز الهضمي شديد الحساسية لتغيّرات الهرمونات والمزاج والعادات اليومية. وهنا ينصح الدكتور أسعد بأن تبدأ كل امرأة بالتنبه جيدًا إلى جسمها: متى تشعر بالراحة، ومتى يبدأ الانزعاج. ويقول: "تلك الملاحظات الصغيرة هي أول مفاتيح العلاج، لأنها تُظهر نمط العلاقة بين الطعام والمعدة."

أطعمة تخفف الانتفاخ وتدعم الهضم
هل تعلمين أن بعض الأطعمة يمكنها أن تعمل كصديقٍ حقيقي لمعدتكِ؟ الفواكه الغنية بالألياف مثل البابايا والأناناس، تساعد على تنشيط الإنزيمات الهضمية، بينما يعمل الخيار والكوسة على تهدئة بطانة الأمعاء بفضل محتواهما العالي من الماء. ويمكنكِ أيضًا الاعتماد على الزنجبيل، الذي يُعد من أقوى محفزات الهضم الطبيعية.
ويؤكد الدكتور أسعد أن إدخال هذه الأطعمة تدريجيًا إلى النظام الغذائي يصنع فرقًا حقيقيًا في شعور الجسم اليومي. ويضيف: "ليس المطلوب اتباع نظام قاسٍ، بل توازن بسيط يعيد للجهاز الهضمي طاقته الطبيعية. عندما تأكلين ما يناسبكِ، سيُخبركِ جسمكِ بذلك بوضوح."
المشروبات الطبيعية التي تساعدكِ على الراحة
كم مرة سمعتِ نصيحة "اشربي أعشابًا دافئة بعد الأكل"؟ قد تبدو جملة تقليدية، لكنها صحيحة تمامًا. فبعض المشروبات تمتلك قدرة مدهشة على تهدئة المعدة وتخفيف الغازات. فالنعناع مثلًا يرخي عضلات الجهاز الهضمي، اليانسون يقلل التقلصات، بينما يعمل الكمون على طرد الهواء الزائد.
وإذا كنتِ من محبي الطعم المنعش، جربي ماء الليمون الفاتر في الصباح، فهو يساعد على تحفيز الكبد والهضم، كما يمنح شعورًا بالنشاط. أما الشمر، فيصفه الدكتور أسعد بأنه "أقرب ما يكون إلى صديقٍ قديم للمعدة" نظرًا لاحتوائه على زيوت طبيعية تخفف الانتفاخ وتمنح راحة فورية.
العادات اليومية التي تصنع الفرق
هل تأكلين وأنتِ تتحدثين على الهاتف أو تتسمرين أمام الشاشة؟ أو تنتهين من الوجبة في دقائق؟ هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يجعل الجهاز الهضمي يختنق في صمت؛ فالهضم ليس عملية ميكانيكية فقط، بل يحتاج إلى حالةٍ من الهدوء والتركيز.
ينصح الدكتور أسعد النساء بالتعامل مع الطعام "كما نتعامل مع طقسٍ مقدّس"، أي ببطء وامتنان. فالمضغ الجيد وحده كفيل بتقليل الانتفاخ بنسبة كبيرة، لأنه يمنح الإنزيمات الوقت الكافي للعمل. كما يشدد على أهمية الحركة اليومية: "حتى عشرة دقائق من المشي بعد الوجبة تساعد الجسم على الهضم السليم وتمنع تراكم الغازات."
التوازن بين الماء والملح والسكر
ربما لا تتوقعين أن قلة شرب الماء قد تكون سببًا مباشرًا للانتفاخ، لأن الجسم حين يشعر بنقص السوائل يحتفظ بكل قطرة داخله، مما يسبب التورم والامتلاء. والحل بسيط: اشربي الماء بانتظام على مدار اليوم، وليس دفعة واحدة.
يشير الدكتور أسعد إلى أن الإفراط في الملح والسكر يفاقم المشكلة، لأنهما يغيران توازن السوائل في الجسم ويؤثران على البكتيريا المفيدة في الأمعاء. لذا يقترح أن تستبدلي الحلويات الثقيلة بالفواكه الطازجة أو الزبادي بالعسل، وأن تُقللي الملح في الطعام تدريجيًا حتى يتكيف الذوق لديكِ.
متى يكون الانتفاخ مؤشرًا يستحق الانتباه؟
في أغلب الأحيان، يكون الانتفاخ مؤقتًا وبسيطًا. لكن إذا صاحبته آلامٌ شديدة أو تغيّرات مفاجئة في الوزن أو الشهية، فهنا يجب استشارة الطبيب. ويوضح الدكتور أسعد أن بعض اضطرابات القولون أو التحسس من الجلوتين قد تُظهر أعراضًا مشابهة، ولا يمكن التمييز بينها إلا من خلال فحص متخصص.
ويشير إلى أن "الوعي بالجسم أهم من القلق منه"؛ فبدلًا من الخوف من كل عرضٍ بسيط، من الأفضل تتبع الإشارات والتصرف بعقلانية. ويضيف: "جسد المرأة يتغير باستمرار، لكن معرفتها به تمنحها قوة وثقة، لا قلقًا."
الجانب النفسي وتأثيره على الهضم
قد يبدو الحديث عن المشاعر وسط مقالٍ عن الطعام غريبًا، لكنه ضروري. فالتوتر والقلق من أكثر مسببات الانتفاخ شيوعًا لدى النساء، وعندما يكون الذهن مشغولًا، يتباطأ الهضم بشكل تلقائي. لذلك، ينصح الدكتور أسعد بتخصيص لحظاتٍ للهدوء بعد الوجبة، سواء بالتنفس العميق أو عبر ممارسة التأمل الخفيف.
ويقول: "يستجيب الجهاز الهضمي للحالة المزاجية مثلما يستجيب للطعام. فكلما كانت المرأة أكثر هدوءًا، كان الهضم أكثر سلاسة". ولهذا السبب، يرى أن الراحة النفسية جزء لا ينفصل عن النظام الغذائي الصحي.
روتين يومي متوازن
تخيلي أن يومكِ يبدأ بكوب من الماء الدافئ مع القليل من الليمون، ثم وجبة إفطار بسيطة غنية بالألياف، تتبعها مشية قصيرة قبل العمل. هذه الخطوات الصغيرة قد تبدو عادية، لكنها تمنح الجهاز الهضمي إيقاعًا منتظمًا. في المقابل، فإن السهر الطويل وتناول الطعام في أوقاتٍ متأخرة يربكان هذا الجهاز ويؤديان إلى تراكم الغازات.
وهنا يؤكد الدكتور أسعد أن الانضباط البسيط في المواعيد أهم من أي حمية معقدة. "يحب الجسم الإيقاع المنتظم، وكلما التزمتِ بروتين مريح ومتوازن، قلت مشكلات الانتفاخ تدريجيًا."
الرسالة الأخيرة للنساء
في النهاية، تذكّري أن هدف العناية بالجهاز الهضمي ليس الجمال الخارجي فقط، بل الراحة الداخلية أيضًا. والشعور بالخفة والطمأنينة بعد الطعام هو رسالة من جسدكِ يقول فيها: "شكرًا لأنكِ تستمعين إليّ."
لا يوجد نظام غذائي مثالي يصلح للجميع، بل هناك علاقة خاصة بين كل امرأة وجسدها. استمعي إليه، جربي، لاحظي، وامنحي نفسكِ الفرصة لتتعلمي منها. فالهضم الجيد ليس وصفة جاهزة، بل رحلة من التوازن والوعي والاهتمام.