يساعد الدعم النفسي على تقوية المناعة

الدعم النفسي.. سر الشفاء الخفي في رحلة سرطان الثدي

عبير عباس
26 أكتوبر 2025

يُعدّ مرض سرطان الثدي من أكثر التجارب التي تهزّ كيان المرأة نفسيًا وجسديًا، فهو لا يختبر جسدها فقط، بل روحها وقدرتها على الصمود. وبينما تتركز الأنظار عادة على العلاج الدوائي والعمليات الجراحية، يغيب عن كثيرين أن أهمية الدعم النفسي لمريضات سرطان الثدي لا تقل أبدًا عن العلاج الطبي. فالمريضة تحتاج إلى من يمنحها الأمان، ويشاركها الخوف، ويذكّرها بأن هذه الرحلة وإن كانت مؤلمة، فهي قابلة للعبور.

منذ لحظة سماع التشخيص، تتغير تفاصيل الحياة اليومية للمرأة، ويصبح لكل كلمة أو تصرف من المحيطين بها أثر مباشر على معنوياتها. ولهذا فإن الدعم النفسي في تلك المرحلة ليس رفاهية، بل ضرورة علاجية. وتوضح استشاري الأورام دكتورة جيهان أبو العز أن الحالة النفسية الجيدة تساهم بشكل مباشر في استجابة الجسم للعلاج وتحسن النتائج، فالمريضة التي تدخل رحلة العلاج بإيمان وهدوء تكون فرصها في الشفاء أعلى بكثير.

تمنح الأنشطة اليومية المريضة طاقة إيجابية
تمنح الأنشطة اليومية المريضة طاقة إيجابية

حين يصبح الدعم طوق نجاة

تقول دكتورة جيهان إن الحالات التي تتمتع بدعم نفسي مستمر تظهر عليها مؤشرات التعافي بشكل أسرع. وتشير إلى أن أهمية الدعم النفسي لمريضات سرطان الثدي تكمن في أنه يهيئ المريضة لتقبّل المرض ومواجهة التغيرات الجسدية الصعبة مثل تساقط الشعر أو استئصال الثدي دون انكسار. فالدعم هنا لا يُقاس بالكلمات وحدها، بل بالشعور الذي يتركه في قلب المريضة، وبالطمأنينة التي يمنحها لها وجود من يحبها بجانبها.

ولأن الصدمة الأولى عادة ما تكون الأقسى، فإن اللحظات التي تلي التشخيص تحتاج إلى احتواء صادق من العائلة. فالمريضة تمر بتقلبات مزاجية حادة بين الخوف والرفض والغضب، وهنا يتجلى دور الأسرة. فوجود الأم أو الأخت أو الزوج إلى جوارها يخلق توازنًا عاطفيًا يعينها على مواجهة الألم. وتؤكد دكتورة جيهان أن الكلمة الطيبة والمساندة اليومية تصنع فارقًا لا يمكن للدواء وحده تعويضه.

قوة العائلة تبدأ من التفاصيل الصغيرة

في كثير من الأحيان، تكون التفاصيل البسيطة هي التي تصنع الفارق الحقيقي في حياة المريضة. لحظة النظر في المرآة بعد تساقط الشعر، أو بعد العملية الجراحية، يمكن أن تكون قاسية جدًا، لكن كلمة تشجيع أو لمسة حانية من الزوج أو الأبناء قادرة على تحويل تلك اللحظة من انكسار إلى بداية جديدة. وتوضح دكتورة جيهان أن الزوج الواعي بدوره العاطفي يستطيع أن يمنح شريكته الثقة بنفسها من جديد، عبر مواقف صغيرة تذكّرها بأنها ما زالت جميلة ومحبوبة، وأن هذه المرحلة مؤقتة وستنتهي.

وتضيف أن من واجب الأسرة التعامل بصبر مع المريضة خلال فترات التوتر أو التقلبات المزاجية، فالتفهم والاحتواء يخففان من حدة القلق ويمنحانها راحة داخلية. كما تشدد على أهمية المعرفة الطبية الصحيحة، فالمريضة التي تفهم مراحل علاجها تشعر بالسيطرة على الوضع وتقلّ مخاوفها. القراءة من مصادر موثوقة، وطرح الأسئلة على الطبيب، كلها خطوات بسيطة لكنها تخلق وعيًا وطمأنينة تسهل رحلة العلاج.

الكلمات التي تشفي قبل الدواء

أما على الجانب النفسي العلاجي، فيوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس دكتور أحمد هارون أن أهمية الدعم النفسي لمريضات سرطان الثدي تكمن في إتاحة المساحة لهن للتعبير عن مشاعرهن دون خوف من الحكم أو الانتقاد. فالكثير من المريضات يشعرن بالحزن أو الضعف أو الغضب، وهذه المشاعر طبيعية تمامًا. إن مجرد التحدث عنها بصراحة يساعد في تخفيف التوتر ويعيد للمريضة الإحساس بالتحكم في حياتها.

ويضيف دكتور هارون أن وجود بيئة داعمة لا يقتصر على الأسرة فقط، بل يمكن أن يمتد إلى مجموعات الدعم التي تضم نساء خضن التجربة نفسها. فالتواصل مع أخريات مررن بالمرض يمنح المريضة الإلهام والطمأنينة، ويذكّرها بأن الشفاء ممكن وأن الحياة تستمر. وتبادل القصص الإيجابية يساعد على بناء الثقة بالنفس وتجاوز الخوف.

أنشطة تعيد للحياة لونها

لكن الدعم النفسي لا يتوقف عند الكلمات والمشاعر فقط، بل يمتد إلى أسلوب الحياة اليومي. فالمشاركة في أنشطة بسيطة مثل المشي أو ممارسة اليوغا تساعد على استعادة التوازن النفسي. وينصح دكتور هارون بملء الوقت بأنشطة تبعث على السعادة كالرسم أو الكتابة اليومية أو قضاء وقت في الطبيعة، فذلك يخفف من الضغط النفسي ويُخرج الطاقة السلبية بشكل صحي. كما أن التواصل الاجتماعي مهم لتجنب العزلة، فكل لقاء دافئ أو محادثة صادقة يمكن أن تكون خطوة نحو التعافي.

ويرى الخبراء أن الجمع بين العلاج الطبي والدعم النفسي يخلق منظومة علاجية متكاملة. فالصحة الجسدية والنفسية لا تنفصلان، وما يؤثر في إحداهما ينعكس على الأخرى. لذلك من المهم أن تتبنى المستشفيات ومراكز العلاج نهجًا يشمل الرعاية النفسية ضمن برامجها، لتصبح رحلة العلاج أكثر إنسانية وأقل قسوة.

يساعد الدعم النفسي على تقوية المناعة
يساعد الدعم النفسي على تقوية المناعة 

حين يلتقي الطب بالإنسانية

في نهاية المطاف، يتفق الأطباء على أن سرطان الثدي ليس مجرد مرض يُعالج بالأدوية، بل تجربة إنسانية تحتاج فيها المرأة إلى من يمد لها يدًا من الطمأنينة. فكل كلمة دعم أو نظرة حب قد تكون علاجًا خفيًا يعينها على تجاوز الألم. إن أهمية الدعم النفسي لمريضات سرطان الثدي تتجلى في رفع المناعة، وتحسين فرص الشفاء، وإعادة الأمل في الحياة.

فالدعم النفسي ليس مجرد شعور عابر، بل هو جدار الحماية الأول الذي يمنع الانهيار، وجسر العبور نحو التعافي. المريضة التي تشعر بالحب والتفهم تكون أكثر قدرة على الالتزام بالعلاج وأكثر استعدادًا لمواجهة الألم بثقة.

خلاصة القول

رحلة سرطان الثدي ليست اختبارًا للجسد فقط، بل للروح أيضًا. ولعل ما تحتاجه المريضة أكثر من أي شيء هو من يصدق أنها قادرة على الشفاء. فالحب، والصبر، والاحتواء هي المفاتيح الحقيقية للعلاج، وهي ما يجعل الأمل ينتصر في النهاية.