كم خطوة يجب المشي يوميًا؟

7 أو 10 آلاف خطوة لتحسين الصحة والوقاية من الأمراض: أيهما أفضل؟

جمانة الصباغ

بعدما كان التحدي الأكبر لدى خبراء الصحة والتغذية في الماضي، تشجيع الناس على المشي والحركة ولو لبعض الوقت؛ باتوا اليوم أمام تحدٍ جديد، يتمثل في عدد الخطوات المطلوب إنجازها يوميًا للتمتع بصحةٍ جيدة.

نعم عزيزتي؛ فالناس تتناقش اليوم فيما إذا كانت 7000 خطوة يوميًا أفضل من 10 آلاف خطوة، وهو الرقم الذي لطالما سمعنا عنه من الأطباء والمختصين على مدار عقودٍ ماضية. حتى أن النقاش وصل إلى مرحلةٍ أشد، للبحث فيما إذا كان بالإمكان الاكتفاء ب 4 آلاف خطوة فقط في اليوم.

ماذا يعني ذلك؟ يتجادل البشر اليوم حول عدد الخطوات الأفضل، ويتناسون الفكرة الأساسية: أهمية المشي للحركة، سواء لبضع خطواتٍ كل يوم أو لتحقيق هدف ال 10 آلاف خطوة أو أكثر. المهم يا عزيزتي أن نواظب على المشي، مهما كان عدد الخطوات التي نصل إليها، لتحسين صحتنا وخفض خطر الوفاة المبكرة المرتبطة عادةً بأمراضٍ مزمنة مثل القلب والسكري وغيرها.

7 أو 10 آلاف خطوة؟

ليس مهمَا عدد الخطوات بقدر أهمية المواظبة على المشي
ليس مهمَا عدد الخطوات بقدر أهمية المواظبة على المشي

بالعودة إلى النقاش حول عدد الخطوات؛ فقد أشارت دراسةٌ واسعة نُشرت نتائجها في مجلة Lancit للصحة العامة، أن المشي 7000 خطوةٍ يوميًا قد يكون كافيًا لتعزيز قدراتكِ العقلية والمساعدة في الوقاية من مجموعةٍ من الأمراض المختلفة. وقد يكون هذا هدفًا أكثر واقعية من 10000 خطوة، التي غالبًا ما تُعتبر المعيار المطلوب لتحقيق هذه الغاية الأسمى.

ووجدت الدراسة أيضًا أن هذا الرقم (7000 خطوة) مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراضٍ صحية خطيرة، بما في ذلك السرطان والخرف وأمراض القلب. ويقول الباحثون إن هذه النتائج قد تُشجع المزيد من الناس على تتَبع خطواتهم كوسيلة عملية لتحسين صحتهم؛ وهو ما بات ممكنًا اليوم في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، المتمثلة في الساعات الذكية وغيرها من أدوات تتبَع الرشاقة والصحة.

ونقل موقع BBC عن الدكتورة ميلودي دينغ، الباحثة الرئيسية في الدراسة قولها: "لدينا تصورٌ مفاده أنه ينبغي علينا السير 10,000 خطوة يوميًا، لكن هذا التصور غير قائم على أدلةٍ علمية." إذ تُعادل عشرة آلاف خطوة مسافة خمسة أميال أو ثمانية كيلومترات تقريبًا؛ وتختلف المسافة الدقيقة من شخصٍ لآخر، وفقًا لطول الخطوة الذي يعتمد على طول المرء وجنسه (امرأة أو رجل) وكذلك سرعة المشي، حيث يميل المشاة الأسرع إلى اتخاذ خطواتٍ أطول.

ويمكن إرجاع رقم 10,000 خطوة إلى حملةٍ تسويقية في اليابان في ستينيات القرن الماضي. ففي الفترة التي سبقت دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، طُرح نوعٌ من عداد الخطوات يُسمى "مانبو-كي"، والذي يُترجم إلى "عداد 10,000 خطوة". وتقول الدكتورة دينغ إن هذا الرقم "أُخرج عن سياقه" وأصبح دليلًا إرشاديًا غير رسمي، فيما لا تزال العديد من أجهزة تتَبع اللياقة البدنية والتطبيقات توصي به.

تفاصيل الدراسة

بالنظر إلى حيثيات الدراسة المذكورة أعلاه، فقد حلَلت الأبحاث والبيانات السابقة حول صحة ونشاط أكثر من 160,000 بالغ حول العالم. وبالمقارنة مع من ساروا 2000 خطوة يوميًا، وُجد أن 7000 خطوة ارتبطت بانخفاض خطر الإصابة بأمراضٍ خطيرة على النحو الآتي:

•       أمراض القلب والأوعية الدموية - انخفاض بنسبة 25%

•       السرطان - انخفاض بنسبة 6%

•       الخرف - انخفاض بنسبة 38%

•       الاكتئاب - انخفاض بنسبة 22%.

ومع ذلك، يشير الباحثون إلى إن بعض تلك الأرقام قد تكون أقل دقةً من غيرها لأنها مستمدةٌ من عددٍ قليل من الدراسات.

بين 4 أو 7 آلاف خطوة: هل ثمة فروقات كبيرة؟

فيما يشبه التناقض المُحبَب صراحةً، فإن مراجعة الباحثين في دراسة لانست لا تتوقف عند 7000 خطوة فقط؛ بل إنها تشير إلى أنه حتى عدد الخطوات المتواضع، حوالي 4000 خطوة يوميًا، يرتبط بصحةٍ أفضل مقارنةً بنشاط منخفض جدًا يبلغ 2000 خطوة فقط يوميًا. وفي معظم الحالات الصحية، تميل الفوائد إلى الاستقرار بعد 7000 خطوة، على الرغم من وجود فوائد إضافية للمشي لمسافاتٍ أطول للقلب.

"الأمر يتعلق بالخروج والتنزه"؛ هذا ما يؤكده جون سترايد، رجل بريطاني تحدث ل BBC عن تجربته المثمرة مع المشي كل يوم. وأضاف إنه يتجاوز هذا المعيار – إذ غالبًا ما يصل إلى 16,000 خطوة يوميًا – مشيرًا إلى اعتقاده بوجوب عدم التركيز على الأرقام بل على السعي للحركة. ويترجم هذا الاعتقاد بالعبارة الآتية: "الأمر يتعلق بالخروج والتنزه، وفوائده على صحتنا العقلية ملموسة، ولكن ليس من السهل قياسها كعدد الخطوات البسيطة."

كان جون البالغ من العمر 64 عامًا، بدأ بالمشي يوميًا بعد إصابته بنوبةٍ قلبية عام 2022 - مستوحيًا من والد زوجته، الذي أصيب بنوبةٍ قلبية في نفس العمر. وتحدث عن تلك التجربة قائلًا: "أعيشُ في بلدةٍ ريفية في دورست، وعادةً ما أمشي لمدة ساعة كاملة في الصباح. أنا الشخص الوحيد الذي يخرج للمشي بدون كلب." معتبرًا أن عدّ خطواته اليومية على هاتفه هو بمثابة تحدِ جيد بالإضافة إلى جني فوائد صحية: "تصلُ إلى مستوى معين، وتفكر، حسنًا، يمكنني الاستمرار في المشي."

بين الوقت والتوقيت: معايير تؤخذ في الاعتبار

يُقوَي المشي مناعة الجسم ويُعزز الراحة النفسية والفكرية
يُقوَي المشي مناعة الجسم ويُعزز الراحة النفسية والفكرية

تُركز معظم إرشادات التمارين الرياضية على الوقت المُخصص للنشاط البدني بدلاً من عدد الخطوات. فعلى سبيل المثال، تُوصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط الهوائي المعتدل أو 75 دقيقة من النشاط الهوائي القوي أسبوعيًا. وتقول الدكتورة دينغ إن هذه النصيحة قد يصعب على الناس فهمها أحيانًا، لكن الإرشادات الحالية لا تزال تُؤدي غرضًا مهمًا. موضحةً: "هناك أشخاصٌ يسبحون أو يركبون الدراجات أو لديهم إعاقات جسدية لا تسمح لهم بالمشي." لكنها تُشير في الوقت ذاته إلى إمكانية إضافة توصية بشأن عدد الخطوات التي يجب على الناس القيام بها كإضافة.

بدوره؛ يقول الدكتور دانيال بيلي، خبير الصحة والسلوكيات المستقرة من جامعة برونيل في لندن، إن الدراسة تدحض "الخرافة" القائلة بضرورة 10,000 خطوة يوميًا. وفي حين هذا الرقم يُعدَ هدفًا مناسبًا للأشخاص الأكثر نشاطًا، إلا أنه يقول إن السعي لتحقيق 5,000 إلى 7,000 خطوة قد يكون "هدفًا أكثر واقعية وقابلية للتحقيق" للآخرين. ويتفق الدكتور أندرو سكوت، المحاضر الأول في فسيولوجيا التمارين السريرية بجامعة بورتسموث، على أن العدد الدقيق ليس مهمًا؛ مضيفًا: "الأكثر هو الأفضل دائمًا"، ولا ينبغي على الناس القلق كثيرًا بشأن تحقيق هدفٍ محدد، خاصةً في الأيام التي يكون فيها النشاط محدودًا.

أما عظيم مجيد، طبيب عام وأستاذ في كلية إمبريال كوليدج لندن، فيشير إلى إن تقليل عدد الخطوات مفيدٌ لكبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة. ومع أن المشي، كما يقول، "يُعد نشاطًا لا يتطلب جهدًا كبيرًا"، إلا أن المصابين بأمراض القلب أو التهاب المفاصل أو أمراض الرئة المزمنة قد يجدونه أكثر صعوبةً.

المشي: فوائد صحية ونفسية جمة

سواء اتفقنا على عدد الخطوات الأصح لجني ثمار المشي أم لا، فلا بد أن نتفق على أن للمشي فوائد صحية وعقلية ونفسية عديدة لا مثيل لها.

وإذا أردنا استعرض تلك الفوائد، فإنها ستكون على النحو التالي:

• تعزيز مناعة الجسم: فالمشي يُقوي الجسم و يحميه من الامراض، كونه يساعد في تنشيط الدورة الدموية ويُعزَز مناعة الجسم بشكلٍ كبير.

• صحة القلب: أثبتت دراساتٌ عدة ان المشي يحمي الانسان من الموت المفاجئ ويقي من الاصابة بالازمات القلبية والسكتات الدماغية المفاجئة.

• حماية الجسم من السرطان: عندما يقوى جهاز مناعة الجسم عند المشي المتواصل، فإنه يصبح أكثر قدرةً على مكافحة السرطان والخلايا السرطانية من النشوء والانتشار في الجسم.

• تقليل مخاطر السكري وضغط الدم: إذ يحمي المشي من الاصابة بداء السكري، كما أنه يساعد في خفض ارتفاع ضغط الدم.

• تخفيف مشاعر التوتر و الاكتئاب: المشي من أفضل العلاجات الطبيعية للتوتر والاكتئاب، كونه يُسهم في تنشيط الرئتين وتحسين التنفس؛ وبالتالي يصبح الإنسان أكثر تحكماً بتنفسه وأعصابه. كما أن تنشق الهواء العليل أثناء المشي يريح الدماغ ويبعد عنه الافكار السوداوية والكئيبة.

• تقوية المفاصل و القدمين: يُعتبر المشي من أفضل التمارين المهمة لصحة المفاصل والقدمين، كونه يساعد على تحريكهما وتقويتهما من خلال الضغط المباشر عليهما.

• النوم الجيد: يساعد المشي و لو لنصف ساعة يومياً، في التخلص من مشاعر الارق وضمان نومٍ جيد في الليل.

• صحة البشرة و الشعر: المشي السريع يُحرك الدورة الدموية ويحافظ على نضارة البشرة والشعر الجيد، كونه يحافظ على توازن الهرمونات في الجسم.

في الختام؛ فإن المشي الذي يساعد على خسارة الوزن والتنحيف ونحت الجسم، يحمي من التعب والارهاق ويُعيد النشاط للجسم، يُقوي العظام والعضلات، وبالتالي فهو مثالي للسيدات خاصةً في مرحلة انقطاع الطمث ومحاربة هشاشة العظام، يُسهم في تأخير ظهور امراض الشيخوخة كما يحمي من الخرف و الزهايمر ويُساعد على تقوية الذاكرة والقدرات الذهنية، هو حاجةٌ ملحة لكل شخصٍ يرغب بالتمتع بالصحة سواء في شبابه أو عند التقدم بالعمر.

وسواء كانت خطوات المشي يوميًا تتراوح بين 4 أو 7 أو 10 آلاف فما فوق، فإن الهدف الأساسي عزيزتي يجب أن يكون المواظبة على المشي للاستمتاع بالصحة والرفاه على الدوام.