
للاستفادة من فوائدها الجمة: ما هو أفضل وقت لشرب القهوة؟
يُفضَلها البعض صباحًا وفور الاستيقاظ من النوم، فيما لا يرى آخرون ضيرًا في تناولها حتى في منتصف الليل؛ كما كان يحدث مع والدي رحمه الله، الذي كثيرًا ما كانت يستيقظ خلال الليل وهو يعاني من الأرق، ليتوجه إلى المطبخ ويُعدَ لنفسه كوبًا من القهوة المغلية على النار قبل أن يعود للنوم من جديد. والمدهش، أنه كان يستغرق في النوم كما لو أنه لم يتناول القهوة إطلاقًا!
هل يعني ذلك أن يفعل معظمنا ما كان يفعله والدي؟ العلم يجيب ب "لا" جازمة وقطعية، مشيرًا إلى أن تناول القهوة في المساء يمكن أن يزيد من الأرق واضطرابات النوم. وما كان ينجح مع والدي قد لا ينجح مع غيره، لذا من الضروري دومًا معرفة الوقت الصحيح لشرب القهوة والاستفادة منها.
وهو ما سوف نسبر أغواره في مقالة اليوم، بمناسبة اليوم العالمي للقهوة الذي يُصادف الأول من أكتوبر من كل عام؛ وذلك وفقًا لمعلومات جمعناها من موقعي Cleveland Clinic
و National Heart, Lung and Blood Institute.
ما هو الوقت الصحيح لشرب القهوة؟

ينقل موقع Cleveland Clinic عن أنتوني دي مارينو، أخصائي تغذية معتمد، قوله أن الناس يستمتعون حول العالم بقهوتهم الصباحية؛ مضيفًا أنها عادةٌ شائعة، وقد يشعر البعض بالقلق في حال أزعج شيءٌ ما طقوسه الصباحية هذه.
يعتمد الكثيرون على فنجان قهوة صباحي فور سماع صوت المنبه لبدء يومهم بنشاط؛ بل حتى أن منهم من يضبطون المؤقت لتحضير القهوة قبل النهوض من السرير. لكن ماذا عن الفنجان الثاني أو الثالث أو حتى الرابع، بما أنه سبق وربطت إحدى الدراسات بين شرب القهوة باعتدال - حوالي ثلاثة إلى خمسة أكواب يوميًا - وانخفاض مخاطر الوفاة المبكرة.
بحسب دي مارينو، فإن تأخير شرب القهوة لا يعني بالضرورة "أفضل وقتٍ" لتناولها؛ بل إن استهلاك هذا المشروب الغني بالكافيين يعتمد علينا بالمطلق وعلى تركيبة جسمنا. يحتوي كوب القهوة على ما يقرب من 100 ملليغرام من الكافيين، مع أن هذه الكمية تختلف باختلاف نوع البن المطحون وطريقة تحضيره. ويقول دي مارينو: "بما أن الكافيين مُنبه، فإن شرب القهوة أول شيء في الصباح يساعدكِ على الاستيقاظ". وإحدى طرق تحقيق ذلك هي زيادة كمية الكورتيزول في الجسم. الكورتيزول، المعروف أحيانًا بهرمون التوتر، هو المادة الكيميائية التي يفرزها جسمكِ استجابةً للخطر - تلك المواقف التي تتطلب القتال أو الهروب. صحيحٌ أن صباحكِ العادي ليس خطرًا بالعادةً (حتى لو لم تكن من مُحبي الاستيقاظ مبكرًا!)، إلا أن جسمكِ يفرز الكورتيزول تلقائيًا بعد الاستيقاظ، "ليساعدك على أن تكوني أكثر يقظة ووعيًا بما يحيط بكِ عند استيقاظكِ من النوم" يضيف دي مارينو.
تبلغ مستويات الكورتيزول ذروتها عادةً بين الساعة 7 و8 صباحًا، ثم تنخفض تدريجيًا على مدار اليوم، لتصل إلى أدنى مستوياتها منتصف الليل وأثناء النوم. وبهذه الطريقة، يساعد الكورتيزول جسمكِ في الحفاظ على دورة النوم والاستيقاظ، المعروفة باسم الإيقاع اليومي. لكن التأثيرات المُحفزة للقهوة التي تحتوي على الكافيين في الصباح الباكر، يمكن أن تزيد من إنتاج الكورتيزول. قد يرحب بعض الأشخاص بهذه الدفعة الإضافية لأجسامهم، بينما يشعر آخرون بالقلق أو التوتر أو حتى الانفعال أكثر.
وفق دي مارينو، "تختلف حساسية كل شخص، أو استجابته الداخلية، للكافيين". ويمكن أن تؤدي مستويات الكورتيزول المرتفعة بشكلٍ مزمن - الناتجة عن التوتر أو الإفراط في تناول الكافيين أو عوامل أخرى - إلى التهابٍ يُسبَب تلف الخلايا. ويضيف أخصائي التغذية قائلًا: "عندما تظل مستويات الكورتيزول مرتفعةً، فأنتِ أكثر عرضةً لزيادة الوزن، ومرض السكري، وأمراض القلب، وغيرها من المشاكل الصحية."
أما في الليل؛ فقد يكون شرب القهوة في وقت متأخر غير سديد، إلا إذا كنتِ تعملين في نوبة عمل متأخرة في المستشفى أو غيرها. ويشرح دي مارينو هذه النقطة بالقول: "يتراوح عمر النصف للكافيين بين ساعتين وعشر ساعات، حسب عملية الأيض لديكِ". بمعنى آخر، قد يستغرق جسمكِ ساعتين أو عشر ساعات للتخلص من نصف الكافيين الموجود في كوب واحد من القهوة.
بالنسبة للأشخاص الذين لديهم "جين قهوة" معين، فإن تناول كوبٍ من القهوة في وقتٍ متأخر من الليل لا يُمثَل مشكلة (يبدو أن والدي كان لديه هذا الجين دون أن يعلم!). يساعد جين CYP1A2 جسمكِ على تكسير الكافيين والتخلص منه - وبعض الأشخاص لديهم نسختان من هذا الجين - مما يساعدهم على تكسير الكافيين بشكلٍ أسرع من أولئك الذين لديهم نسخةٌ واحدة.
وإذا استطعتِ تناول جرعةٍ مضاعفة من الإسبريسو في الساعة العاشرة مساءً والنوم بعمق بعدها، فمن المحتمل أنك تستقلبين الكافيين بسرعة. في النهاية، فإن تحديد الوقت الأصح لشرب القهوة يعتمد عليكِ بصورةٍ خاصة وعلى تركيبة جسمكِ.
هل وقت تناول القهوة يعود علينا بمنفعة صحية أكبر؟
هذا ما يبدو؛ فقد سبق ربط شرب القهوة باعتدال - حوالي ثلاثة إلى خمسة أكواب يوميًا - بانخفاض مخاطر الوفاة المبكرة. وتشير دراسة جديدة نقل موقع National Heart, Lung and Blood Institute تفاصيلها والتي نُشرت في مجلة الجمعية الأوروبية لأمراض القلب، إلى أن وقت شرب القهوة قد يكون عاملًا جذريًا في هذه الفوائد الملحوظة. إذ وجد الباحثون أن البالغين الذين شربوا القهوة قبل الظهر، شهدوا أكبر انخفاض في الوفاة المبكرة لأي سبب، ومن أمراض القلب والأوعية الدموية بشكلٍ محدد.
لإجراء هذا التحليل، قام الباحثون بتقييم بيانات التغذية التي جُمعت من أكثر من 40 ألف بالغ أمريكي شاركوا في دراسة تغذيةٍ طويلة الأمد. شرب حوالي نصف المشاركين، 52%، القهوة؛ أكثر من ثلثهم، 36%، شربوا القهوة في الصباح. أما البقية، 16%، فقد شربوا القهوة طوال اليوم. وبعد ضبط مجموعةٍ متنوعة من العوامل، وجد الباحثون أن البالغين الذين حدّوا من استهلاكهم للقهوة بين الساعة 4 صباحًا و12 ظهرًا كانوا أقل عرضةً للوفاة لأي سبب بنسبة 16% على مدار ما يقرب من 10 سنوات، مقارنةً بالبالغين الذين لم يشربوا القهوة. كما كانوا أقل عرضة للوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 31%؛ فيما لم تشمل هذه الارتباطات الأشخاص الذين يشربون القهوة طيلة اليوم.
ويعتقد الباحثون أن فوائد شرب القهوة صباحًا قد تعود إلى عاملين:

• أولًا، شرب القهوة مع الكافيين في وقتٍ مبكر من اليوم، بدلًا من تناولها بعد الظهر أو المساء، يُعدَ أقل تأثيرًا على أنماط نوم الشخص، مما يدعم صحته العامة وصحته القلبية الوعائية.
• ثانيًا، قد تكون التأثيرات المضادة للالتهابات للقهوة، سواءً أكانت تحتوي على الكافيين أم لا، أقوى في الصباح؛ حيث تبلغ مستويات الالتهاب ذروتها في هذا الوقت. ويشير الباحثون إلى الحاجة للمزيد من الأبحاث لدراسة هذه الارتباطات وغيرها من الارتباطات المرتبطة بالفوائد الصحية للقهوة.
إذن، ما هو أفضل وقت لتناول القهوة؟
الحقيقة لا يوجد دليل علمي يدعم "أفضل وقت"؛ لكن تناول كوبٍ من القهوة بين منتصف الصباح وأواخره، بين الساعة 9:30 و11 صباحًا، قد يساعدكِ على جني أكبر قدرٍ من فوائد القهوة. فهذا هو الوقت الذي تبدأ فيه مستويات الكورتيزول بالانخفاض، وستحصلين على أقصى استفادة من تأثير الكافيين.
من ناحيةٍ أخرى، قد ترغبين في تناول كوب من القهوة الساعة 2 ظهرًا لتحفيزكِ على تجاوز فترة الكسل بعد الظهر. ويقول دي مارينو: "يشعر الكثير منا بالخمول أو انخفاض الإنتاجية بعد الغداء". وإذا لم تكن قيلولة قصيرة واردةً لديكِ، فقد يكفيكِ فنجانٌ من القهوة لإكمال يومكِ.
في الخلاصة؛ فإن القهوة صباحًا مفيدةٌ لكثيرين للاستيقاظ وتنشيط الجسم، وكوبٌ من القهوة بعد الظهر أو في الليل قد لا يُسبَب أي ضرر خصوصًا للأشخاص الذين لديهم جين القهوة. وبالتالي فإن اختيار الوقت الصحيح لشرب القهوة يعتمد عليكِ في المقام الأول، وأنتِ أكثر درايةً (وحسب تجاربكِ المستمرة مع القهوة) لمعرفة متى تشربين القهوة ومتى تتوقفين عن تناولها خلال النهار.