باحثو مايو كلينك يطورون أداة ذكاء اصطناعي لاكتشاف العَدوى في مواضع الجراحة

العدوى بعد الجراحة: أداة ذكاء اصطناعي متطورة تكشف مواضعها

جمانة الصباغ
30 سبتمبر 2025

 

نحتاج أحيانًا لاتخاذ قرارٍ صعب، للخضوع لعمليةٍ جراحية بغية علاج مشكلةٍ صحية ما.

حدث هذا الأمر معي منذ عدة سنوات، عندما اضطرتُ لاتخاذ قرار إجراء عملية جراحة للديسك في ظهري، بعدما حذّرني الطبيب من أنه في حال لم أفعل ذلك، فإن الشلل سيصيب كاحلي. كان الألم كبيرًا والخوف من شلل الكاحل يسيطر عليَ، فوافقتُ بسرعة على الجراحة.

يومها، لم أكن أفكرُ بالتداعيات التي تصيب بعض الناس بعد الجراحة، ومنها العدوى في المستشفى؛ ولحسن حظي، لم أتعرض لهذا الموقف الصعب، لكن كثيرًا من الناس يغادرون المستشفى بعد الجراحة للعودة إليها بعد حين، بسبب انتقال العدوى الجراحية إليهم.

حسب أحدث الإحصاءات حول عدوى مواضع الجراحة حتى عام 2025:

1. الإحصاءات العالمية

تُصاب بعض الحوامل بالعدوى بعد الجراحة القيصرية
تُصاب بعض الحوامل بالعدوى بعد الجراحة القيصرية

•       نسبة الإصابة العامة: تتراوح بين 1% إلى 5% من العمليات الجراحية حول العالم، لكنها قد تصل إلى 20% في العمليات عالية الخطورة مثل الطوارئ أو العمليات التي تشمل مرضى يعانون من السُمنة أو السكري.

•       في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل: تصل نسبة الإصابة إلى 11% من العمليات الجراحية، وفي بعض المناطق مثل أفريقيا، تُصاب حتى 20% من النساء بعد الولادة القيصرية بعدوى في الجرح.

•       في الولايات المتحدة وحدها: تُسجل أكثر من 500,000 حالة سنويًا، مما يؤدي إلى 400,000 يوم إضافي في المستشفيات وتكلفة تتجاوز 900 مليون دولار.

2. الخليج والعالم العربي

لا توجد قاعدة بيانات موحدة تغطي كل دول الخليج والعالم العربي، لكن التقارير تشير إلى:

•       تفاوتٍ كبير في نسب الإصابة حسب الدولة والمنشأة الطبية.

•       الدول ذات البنية التحتية الصحية المتقدمة مثل السعودية وقطر والإمارات، تُسجل نسبًا أقل من المتوسط العالمي.

•       بحسب تقارير الصحة العامة، تُسجل السعودية معدلات عدوى منخفضة نسبيًا في المستشفيات الكبرى، خاصة في الرياض وجدة، بفضل اعتماد بروتوكولات مكافحة العدوى العالمية.

•       نسبة الإصابة بعدوى الجراحة في دولة الإمارات بلغت 3.4% فقط، وهي أقل من المعدل العالمي البالغ 4%.

•       الدول ذات الموارد المحدودة قد تسجل نسبًا أعلى، خاصةً في العمليات الطارئة أو الولادات القيصرية.

لتفادي هذه المشكلة وتبعاتها الصحية والمالية المُرهقة، ليس فقط على المرضى وإنما الجسم الطبي أيضًا؛ طوّر باحثو مايو كلينك نظام ذكاءٍ اصطناعي قادر على اكتشاف أنواع العدوى المختلفة في مواضع الجراحة بدقةٍ عالية، وذلك من خلال صور الجروح التي يرسلها المرضى بعد العملية الجراحية، ما قد يُحدث تحولًا كبيرًا في طريقة تقديم الرعاية بعد العمليات الجراحية.

باحثو مايو كلينك يطورون أداة ذكاء اصطناعي لاكتشاف العَدوى في مواضع الجراحة

باحثو مايو كلينك يطورون أداة ذكاء اصطناعي لاكتشاف العَدوى في مواضع الجراحة  - رئيسية واولى
باحثو مايو كلينك يطورون أداة ذكاء اصطناعي لاكتشاف العَدوى في مواضع الجراحة

تُقدم الدراسة المنشورة في حوليات الجراحة (Annals of Surgery) مسارًا متكاملًا مبنيًا على تقنية الذكاء الاصطناعي، وضعه الباحثون؛ يمكنه تحديد أماكن الشقوق الجراحية تلقائيًا، وتقييم جودة الصورة، ورصد مؤشرات العدوى في الصور التي يرسلها المرضى عبر البوابات الإلكترونية. وقد دُرِّب النظام باستخدام أكثر من 20,000 صورة مأخوذة من أكثر من 6,000 مريض في تسعة مستشفيات تابعة لمايو كلينك.

ويقول كورنيليوس ثيلز، دكتور الطب التقويمي، واختصاصي جراحة أورام الكبد والقناة الصفراوية والبنكرياس في مايو كلينك وأحد المؤلفين الرئيسيين المشاركين في الدراسة: "لقد كان الدافع وراء ذلك هو الحاجة المتزايدة إلى متابعة الشقوق الجراحية لدى مرضى العيادات الخارجية في الوقت المناسب. هذه العملية، التي يديرها حاليًا اختصاصيو الرعاية السريرية، تستغرق وقتًا طويلًا، وقد تؤخر تقديم الرعاية. ولكن نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طوَرناه يمكنه المساعدة في فرز هذه الصور تلقائيًا وتحسين الاكتشاف المبكر للعدوى وتيسير عملية التواصل بين المرضى وفرق الرعاية."

يستخدم نظام الذكاء الاصطناعي نموذجًا مكونًا من مرحلتين. أول مرحلة هي الكشف عما إذا كانت الصورة تحتوي على شقوقٍ جراحية، تليها المرحلة الثانية المتمثلة في تقييم ما إذا ثمة مؤشرات تدل على وجود عدوى في هذه الشقوق. وقد حقق نموذج Vision Transformer دقةً بلغت 94% في الكشف عن الشقوق الجراحية و81% في مقياس المساحة تحت المنحنى في تحديد مواضع العدوى.

وتقول هالة مُعادي، دكتورة في الطب، وحاصلة على الدكتوراه زميلة جراحة الكبد والقنوات الصفراوية والبنكرياس في مايو كلينك والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "يضع هذا العمل الأساس للعناية بالجروح بعد الخضوع للجراحة بمساعدة تقنية الذكاء الاصطناعي، والذي من شأنه تحويل أسلوب متابعة المرضى بعد الجراحة. ويكتسب هذا الأمر أهميةً خاصة مع ازدياد انتشار العمليات الجراحية في العيادات الخارجية والاعتماد على الرعاية التفقدية الإلكترونية."

يأمل الباحثون أن تساعد هذه التقنية المرضى على تلَقي استجاباتٍ أسرع، وتقليل التأخير في تشخيص العدوى، ودعم تقديم رعايةٍ أفضل لأولئك الأشخاص الذين يتعافون من الجراحة في المنزل. ومع المزيد من التحقق من دقة الأداة، يمكنها العمل كأداة فحصٍ أولية تُنبِّه اختصاصيي الرعاية السريرية للشقوق التي تستدعي الانتباه. كما تُمهَد أداة الذكاء الاصطناعي لتطوير خوارزميات قادرةٍ على رصد مؤشرات العدوى الخفية، ربما قبل أن يستطيع فريق الرعاية تمييزها بالعين المجردة. وسيتيح ذلك العلاج المبكر، وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض، وخفض التكاليف.

وتؤكد الدكتورة هالة مُعادي: "قد يعني ذلك للمرضى طمأنةً أسرع أو اكتشافًا مبكرًا للمشكلة. وبالنسبة لاختصاصيي الرعاية الصحية، سيتيح إعطاء الأولوية للحالات التي تحتاج لاهتمامٍ أكبر، لا سيما في المناطق الريفية أو البيئات ذات الموارد المحدودة."

الجدير بالملاحظة أن النموذج أظهر أداءً ثابتًا عبر مجموعاتٍ متنوعة، ما يُقلَل من المخاوف المتعلقة بالتحيز الخوارزمي. ورغم أن النتائج واعدة، يرى الفريق أنه لا يزال هناك حاجةٌ لمزيد من التحقق. ويقول حُجت صالحي نجاد، حاصل على الدكتوراه، وهو مستشار أول مشارك في أبحاث تقديم الرعاية الصحية في مركز كيرن لعلم تقديم الرعاية الصحية ومؤلف رئيسي مشارك: "أملنا هو أن تكون نماذج الذكاء الاصطناعي التي طوَرناها - ومجموعة البيانات الكبيرة التي تدربت عليها- قادرةً على إعادة تشكيل كيفية تقديم الرعاية التفقدية الجراحية بشكل جوهري. وتُجرى حاليًا دراسات استكشافية لتقييم مدى نجاح دمج هذه الأداة في الرعاية الجراحية اليومية."

العدوى بعد الجراحة: أسبابها وأعراضها

العدوى بعد الجراحة هي التهابٌ يصيب موقع الجرح جراء دخول البكتيريا، وتتطلب علاجًا بالمضادات الحيوية أو الجراحة لتنظيف الجرح. تشمل عوامل الخطر الُمسبَبة لها:

•       التقدم في السن.

•       ضعف جهاز المناعة.

•       الإصابة بداء السكري.

•       التدخين.

•       سوء التغذية.

فيما يخص الأعراض؛ فقد تظهر في الأيام الأولى أو الأسابيع التي تلي الجراحة، وتتضمن:

1.     في موقع الجرح: ألمٌ متزايد، احمرار، تورم، وحرارة.

2.     إفرازات: خروج صديد أصفر أو أخضر من الجرح، قد يكون ذو رائحةٍ كريهة.

3.     أعراض عامة: الحمى، وعدم تحسَن الألم بالأدوية الموصوفة، بالإضافة إلى الشعور بالغثيان أو القيء.

العدوى بعد الجراحة: طرق الوقاية

في حال لاحظتِ أيًا من علامات وأعراض العدوى بعد الجراحة، ينصحكِ الخبراء بوجوب مراجعة الطبيب على الفور. ولضمان بقائكِ سليمةً بعد الجراحة وعدم التعرض للعدوى، ما عليكِ سوى اتباع النصائح الآتية:

•       اتباع تعليمات الطبيب: الالتزام بتعليمات العناية بالجرح والنظافة العامة بعد العملية.

•       النظافة الجيدة: غسل اليدين بشكلٍ جيد قبل لمس الجرح أو تغييره.

•       العناية بالجرح: التأكد من الحفاظ على الجرح نظيفًا وجافًا قدر الإمكان.

خلاصة القول؛ أن العدوى بعد الجراحة قد تصيب البعض، لكن تفاديها ممكنٌ من خلال اتباع تعليمات الطبيب لجهة النظافة الشخصية والعناية الجيدة بالجرح. ما يعني أن الحاجة لإجراء أي عمليةٍ جراحية نحتاجها لتعزيز صحتنا ورفاهنا، لا يجب أن نتراجع عنه لمجرد الخوف من الإصابة بهذه العدوى.

وبما أن العناية الطبية العالية التي نشهدها في دول الخليج تُتيح لنا الشعور بالراحة والطمأنينة، ما علينا سوى الوثوق بالأجهزة الطبية وفعل ما ينبغي علينا فعله بعد الجراحة لتفادي العدوى.