
نصيحة الخبراء: لأحلامٍ أكثر وضوحًا.. قلَلي من تناول الكافيين
قد يكون ممكنًا هندسة الكثير من الأشياء في حياتنا، والتخطيط لها كما نحب؛ لكن هل بإمكاننا جعل أحلامنا أفضل أو أكثر وضوحًا؟
المعروف أن الأحلام عبارة عن سلسلة من الصور والأفكار والانفعالات التي تحدث في العقل أثناء النوم، خاصةً في مرحلة حركة العين السريعة (REM). وبينما يعتبرها العلم وظيفةً بيولوجية ضرورية لعمل الدماغ ومعالجة الذكريات والمشاعر، يُنظر إليها في التحليل النفسي كرسائل من اللاوعي، وفي الثقافات والدين كظواهر تتراوح بين الوحي والتفريغ العاطفي.
يتضح من التعريفات الواردة سابقًا، أن العقل أو الدماغ البشري هو المسؤول بشكلٍ أساسي عن تشكيل الأحلام؛ وبالتالي فإن ما نمنحه لهذا الدماغ، يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبير على نوعية الأحلام وتكوينها. منها على سبيل المثال القهوة، أحد أشهر مشروبات الكافيين، التي تبيَن أن التقليل منها بصورةٍ تدريجية، قد يمنحنا أحلامًا أكثر وضوحًا. وكثيرًا ما يُشار إلى أن هذا النوع من الأحلام غالبًا ما يبدأ بالظهور خلال أيامٍ قليلة من خفض استهلاك الكافيين.
فماذا يقول العلم في هذا الشأن؟ الإجابة في السطور التالية.. نقلًا عن تشارلوت غوبتا، باحثة في مجال النوم في جامعة CQ الأسترالية، وكاريسا غاردينر زميلة باحثة بعد الدكتوراه في الأداء الرياضي والتعافي والإصابات والتقنيات الجديدة في الجامعة الكاثوليكية الأسترالية.
هل تزداد الأحلام وضوحًا بعد التخلي عن القهوة؟

لا شك في أن للقهوة منافع عدة، منها تعزيز اليقظة والنشاط وتحسين المزاج، بجانب فوائد أخرى لن نذكرها اليوم لأن السياق في هذه المقالة مختلف. لكن تقليل استهلاك الكافيين والموجود بشكلٍ خاص في القهوة، قد يمنحنا فوائد جمة؛ مثل تعزيز جودة النوم وتقليل عدد الذهاب للحمام في الليل، فضلًا عن الاحتفاظ بأسنانٍ أكثر بياضَا. إلا أنه ثمة تأثير سلبي نجنيه من خفض تناولنا للقهوة كل ليلة، يتمثل في ظهور أحلامٍ واقعية وحية (وأحياناً مخيفة) بحسب ما أفاد بعض الناس ممن بدأوا بالتقليل من تناول القهوة.
الجدير بالذكر أن الكافيين في القهوة يعمل على زيادة الشعور باليقظة والانتباه، من خلال تعطيل تأثير الأدينوسين (مادة كيميائية) في الدماغ. وتتراكم هذه المادة عادةً خلال النهار أثناء الحركة والنشاط، ومع حلول المساء، يؤدي هذا التراكم إلى زيادة الشعور بالنعاس. يعمد الجسم للتخلص من الأدينوسين خلال النوم، ما يتيح لنا الاستيقاظ مفعمين بالانتعاش، استعداداً لتراكمه من جديد على مدار اليوم التالي.
إن تناول الكافيين قد يُعطَل إشارات الأدينوسين، في حين أن التقليل منه قد يزيد من بقائه وتراكمه في الدماغ. والمعروف أن الكافيين يمتلك فترة نصف عمر تتراوح بين 3 - 6 ساعات، أي أن نصف الكمية التي نستهلكها تبقى في أجسامنا خلال هذه المدة وتستمر – وهو الأهم – في التأثير على الأدينوسين. لهذا، يجد كثيرون أن تناول الكافيين بعد الظهر أو في المساء، قد يُعيق لديهم عملية النوم بشكلٍ جيد خلال الليل.
بالعودة إلى واقعية الأحلام ووضوحها بعد تقليل الكافيين؛ فإن الكافيين يعمل على تعطيل إشارات الأدينوسين التي تُشعرنا بالنعاس. ويتراجع تأثير الأدينوسين بسبب الكافيين، لكن أثره يبقى موجودًا في الجسم وإن بشكلٍ أقل. وعند انتهاء مفعول الكافيين، تزيد رغبتنا بالنوم بصورةٍ مفاجئة، فيما يُطلق عليه الخبراء "انهيار الكافيين". ومن خلال تدخله بإشارات الأدينوسين، يمكن أن يتسبب الكافيين بإصابتنا باضطراب النوم وتقليل ساعاته؛ وغالبًا ما يظهر هذا التأثير في مرحلة النوم العميق التصالحي، المعروفة بمرحلة النوم غير المصحوب بحركة العين السريعة (NREM). إنما تُظهر الأبحاث أنه وبصورةٍ عامة، كلما تأخرنا في استهلاك الكافيين أو زادت كميته عن الحد الطبيعي، كلما كان له أثرٌ سلبيٌ أكبر على عملية النوم.
هل تقليل الكافيين يجعل أحلامنا أكثر وضوحًا؟

ليس هناك أبحاثٌ مباشرة كثيرة تجيب على هذا السؤال؛ إذ إن معظم الدراسات تُركَز على تأثيرات الكافيين على النوم، أكثر من تركيزها على ما يحدث داخل أحلامنا. لكن هذا لا يعني عدم جهلنا للصورة الكاملة بينهما، فنحن نعلم أن جودة النوم مرتبطٌ بشكلٍ وثيق وعميق بنوعية الأحلام.
وعلى الرغم من عدم وجود دليلٍ علمي مباشر، لكن كثيرين يروون التجربة ذاتها فيما يخص الاحلام: ما إن يُقلَلوا من استهلاك الكافيين، حتى تبدأ أحلامهم وخلال ليالٍ قليلة في أن تصبح أكثر وضوحاً وتفصيلاً، أو حتى أغرب من المعتاد؛ حتى أن بعضهم وصفها ب "السينمائية".
قد لا يؤدي تقليل الكافيين إلى وضوح الأحلام كما تُبيَن الأبحاث، لكن من المؤكد وجود احتمال بينهما. فخفض استهلاكنا للقهوة وهي من مشروبات الكافيين الأساسية، لا شك يجعلنا ننام أكثر ويُقلَل من استيقاظنا خلال الليل؛ وهو ما قد يزيد من تعافي الجسم من الكافيين وزيادة فترة النوم وانتظامها، ما يعني أيضًا زيادة حصة النوم المصحوب بحركة العين السريعة (REM)، وهي المرحلة المرتبطة عادةً بكثرة الأحلام.
لكن دعينا نتوقف قليلًا عند هذه النقطة: تقليل استهلاك الكافيين كل ليلة، لا يعني البدء فورًا برؤية أحلامٍ جلية وواضحة كما أبلغ كثيرون. فالنوم عملية مُعقدة، وتختلف بين شخصٍ وآخر؛ وبالتالبي فإن رؤية تلك الأحلام قد تتطلب وقتًا أطول لديكِ من زميلتكِ في العمل مثلًا أو زوجكِ، حتى أن تأثير هذه الأحلام قد يكون مؤقتًا لديكِ بحيت لا يدوم أكثر من بضعة أيام أو أسابيع، في حين يطول عند الآخرين. لذا من الضروري عدم تعميم هذه التجربة على الجميع.
في الخلاصة؛ فإن تقليل استهلاك الكافيين قد يُحسَن من جودة النوم بنسبةٍ عالية، وهو ما قد يجعلنا نستغرق بالنوم أكثر ونحصل على أحلام أعمق وأكثر وضوحًا، حتى وإن ظهرت مخيفة بعض الشيء لنا لواقعيتها الكبيرة. والأمر كله يعتمد على التوقيت؛ فكلما أبكرنا في تناول القهوة وغيرها من مشروبات الكافيين والطاقة قبل موعد النوم بساعات، كلما حصلنا على فرصٍ أكبر لتعزيز عملية نومنا وانعكاساتها الإيجابية على حياتنا وصحتنا.
ولا تنسي عزيزتي أن الكافيين مفيد للصحة، لغناه بمضادات الأكسدة والفيتامينات الضرورية لتعزيز صحة الجسم والعقل. لكن كميته الطبيعية ومواقيت تناوله، هي المعيار الأساسي لتوظيفه بشكلٍ جيد في هذه الناحية.