الوقاية من السكري 3 خطوات لتجنب الإصابة

تغييراتٌ بسيطة في نمط الحياة.. يمكن أن تُقلَل خطر إصابتكِ بداء السكري

جمانة الصباغ

داء السكري لم يعد مجرد تحدٍ صحي فردي، بل تحوَل إلى أزمةٍ عالمية مُتفاقمة ووباءٍ يُهدد حياة الأفراد والمجتمعات والأنظمة الصحية والاقتصادات على حد سواء. وبعدما كان هذا المرض مرتبطًا بكبار السن، فإننا نجد اليوم العديد من الشباب والأطفال يقعون فريسةً له، واللوم الأكبر يقع في هذا الأمر على نمط الحياة المتسارع وغير الصحي، الذي وجدنا أنفسنا نغرق فيه يومًا بعد يوم.

صحيح أن التقدم الحضاري والتكنولوجي له ميزاتٌ إيجابية عديدة، لكنه على المقلب الآخر أثرَ بطريقةٍ سلبية على أسلوب حياتنا؛ فالأكل بات جاهزًا وسريعًا معظم أوقات الأسبوع، الحركة شبه معدومة أو منخفضة بسبب التكاسل المترافق مع تصفَح الهواتف والحواسيب، والتوتر المتصاعد يسيطر على أغلبنا ويحرمنا النوم والراحة.

كل هذه السلبيات لا بدَ أن تنعكس على صحتنا ورفاهنا، وبالفعل فإن نسبة الإصابة بداء السكري (بجانب أمراضٍ أخرى عديدة) في تزايد جراء "نمط الحياة غير الصحي" الذي نعيش فيه.

الوقاية من السكري 3 خطوات لتجنب الإصابة - رئيسية واولى
الوقاية من السكري 3 خطوات لتجنب الإصابة 

فما الحل إذن؟ بعض التعديلات أو التغييرات البسيطة في أسلوب الحياة الغذائي والحركي، يمكن لها أن تُخفَض من مخاطر داء السكري بنسبةٍ تصل إلى 31% كما وجدت دراسةٌ جديدة نتعرف على تفاصيلها معًا اليوم بناءً لمقالة عن هذا الموضوع نشرها موقع مجلة Women’s Health المختص بصحة النساء.

ما هي خطوات الوقاية من السكري؟

إذن؛ توصلت دراسةٌ جديدة إلى أن الأشخاص الذين يقومون بثلاثة تعديلاتٍ بسيطة في حياتهم لم يُخفَضوا مخاطر السكري فحسب، بل فقدوا الوزن أيضًا.

وسواء كان داء السكري من النوع الثاني وراثيًا في عائلتكِ، أو لديكِ تصميم بالغ لبذل قصارى جهدكِ لتجنب الإصابة به؛ فمن المفيد معرفة العوامل التي يمكنكِ اتخاذها لتقليل خطر الإصابة بهذا المرض الذي يعاني حوالي واحد من كل 10 أمريكيين منه داء السكري، غالبيتهم مصابون بداء السكري من النوع الثاني، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). في حين أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يُسجلان أعلى معدل انتشار عالمي للسكري بين البالغين (20–79 سنة)، بنسبة 16.2%، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 19.3% بحلول عام 2045.

إلا أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تشير أيضًا إلى أنه يمكن الوقاية من العديد من حالات داء السكري من النوع الثاني، من خلال إحداث تغييراتٍ في نمط الحياة. وثمة بحثٌ جديد الآن يشير إلى أن مزيجًا محددًا للغاية من ثلاث عاداتٍ صحية سهلة، يمكن أن يُقلَل بالفعل من خطر الإصابة بالمرض بنسبة تصل إلى 31%.

ما هي تفاصيل الدراسة؟

وجدت الدراسة، التي نُشرت في مجلة Annals of Internal Medicine، أن الأشخاص الذين أجروا هذه التغييرات في نمط الحياة لم يُقلَلوا من خطر الإصابة فحسب، بل فقدوا أيضًا شيئًا من وزنهم ونجحوا في تقليص محيط خصرهم (معلومةٌ مثيرة للغاية، أليس كذلك؟).

فما الذي تتضمنه هذه التغييرات في نمط الحياة، ولماذا تُعدّ فعّالة في الوقاية من داء السكري؟ إليكِ كل ما تحتاجين معرفته، وفقًا للخبراء.

في هذه الدراسة، حللَ الباحثون بيانات ما يقرب من 5000 مشارك في تجربة PREDIMED-Plus السريرية، وهي أكبر تجربةٍ عشوائية في مجال التغذية ونمط الحياة في أوروبا. وعمل الباحثون على تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، مجموعة تدخل ومجموعة ضابطة؛ ثم تابعوا حالتهم الصحية لمدة ست سنوات. في بداية الدراسة، تراوحت أعمار جميع المشاركين بين 55 و75 عامًا، وكانوا يعانون من زيادة الوزن أو السُمنة، بالإضافة إلى متلازمة التمثيل الغذائي (وهي مجموعةٌ من الأعراض التي تزيد من خطر الإصابة بمرض السكري وغيره من الحالات الصحية)؛ لكنهم لم يكونوا مصابين بداء السكري من النوع الثاني.

طُلب من المشاركين في مجموعة التدخل اتباع حمية البحر الأبيض المتوسط، وتقليل استهلاكهم اليومي من السعرات الحرارية بحوالي 600 سعرة حرارية، وممارسة نشاطٍ بدني معتدل بانتظام؛ كما حصلوا على دعمٍ متخصص للتحكم في فقدان الوزن. فيما التزمت مجموعة الضبط بحمية البحر الأبيض المتوسط، لكنها لم تحدَ من السعرات الحرارية، ولم تتَبع إرشاداتٍ مُحددة حول التمارين الرياضية، كما لم تتلقَّ دعمًا متخصصًا لفقدان الوزن.

في ختام الدراسة، وجد الباحثون أن المشاركين في مجموعة التدخل لديهم خطرٌ أقل بنسبة 31% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني مقارنةً بالمجموعة الأخرى. كما فقدوا ما معدله 7.3 رطل مقارنةً بـ 1.3 رطل في المجموعة الأخرى، وانخفض محيط خصرهم بمقدار 3.6 سنتيمتر مقارنةً بـ 0.3 سنتيمتر لدى المجموعة الأخرى.

يتبين من الأرقام أعلاه أن لنمط الغذاء بجانب الرياضة، دورٌ كبير في تعزيز خسارة الوزن وتقليل خطر السكري. لكن ليس أي نظامٍ غذائي، بل هو النظام الغذائي المتوسطي بشكلٍ خاص.

النظام الغذائي المتوسطي يحمي من داء السكري بنسبةٍ عالية
النظام الغذائي المتوسطي يحمي من داء السكري بنسبةٍ عالية

إذن؛ كيف يُساعد هذا النظام في خفض خطر الإصابة بمرض السكري؟

اتّبع جميع المشاركين في الدراسة النظام الغذائي المتوسطي، ويبدو أنه ساعد في إنقاص الوزن لديهم بشكلٍ عام. وفي حين أن فقدان الوزن يُمكن أن يُقلَل من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني لدى الأشخاص الذين يُعانون من زيادة الوزن أو السُمنة، إلا أن الأمر قد يتجاوز ذلك، وفقًا لجيسيكا كوردينج، أخصائية تغذية معتمدة، ومؤلفة كتاب "الكتاب الصغير للتغييرات الجذرية".

وتقول كوردينج في هذا الخصوص: "يحتوي النظام الغذائي المتوسطي بشكلٍ عام على نسبةٍ عالية من الألياف والدهون الصحية والبوليفينول، والتي ثبُتَ أن لها دورًا وقائيًا في الصحة بطرقٍ مُختلفة. كما أنه عادةً ما يكون هذا النظام منخفضًا بنسبة الدهون المُشبعة والسكريات والأطعمة فائقة المُعالجة، والتي رُبطت في الأبحاث بزيادة خطر الإصابة بالأمراض عند الإفراط في تناولها."

بدوره؛ يُشير الدكتور مير علي، المدير الطبي لمركز ميموريال كير الجراحي لإنقاص الوزن في مركز أورانج كوست الطبي في فاونتن فالي، كاليفورنيا، إلى أن النظام الغذائي المتوسطي يُشجع أيضًا على تقليل كميات الكربوهيدرات والسكريات. ويضيف: "هذا مفيدٌ ليس فقط لمرضى السكري، بل أيضًا لمساعدة المرضى على فقدان الوزن".

شرحٌ جميل ومُفصَل للنظام الغذائي الذي أسهم في تقليل خطر إصابة المشاركين في الدراسة بالسكري بنسبة 31%، لكن ماذا عن الرياضة ودورها في خفض هذا الخطر؟ إليكِ الإجابة..

ما الذي يُعتبر "نشاطًا بدنيًا معتدلًا"؟

في هذه الدراسة تحديدًا، مارسَ المشاركون أنشطةً مثل المشي السريع، وتمارين القوة، وتمارين التوازن. لذا، في هذه الحالة، يُعرّف النشاط البدني المعتدل بأنه أي تمرين يرفع معدل ضربات القلب دون أن يُسبَب ضيقًا في التنفس؛ ويبدو أن المشاركين مارسوا الرياضة بانتظام.

نعود إلى تقليل معدل السعرات الحرارية، والتي كما يتضح من نتائج الدراسة؛ كان لها دورٌ مساعد في تقليل مخاطر الإصابة بداء السكري. والسؤال الذي يطرحه أكثرنا هنا..

ما هي الطريقة الأنسب لتقليل السعرات الحرارية؟

أولاً، تُحدد كوردينج الكمية المناسبة من السعرات الحرارية التي نحتاجها يوميًا، على أنها مسألةٌ شخصية للغاية، وتعتمد على عوامل مثل عمركِ، ونشاطكِ، وأهدافكِ الغذائية. ولكن إذا كنتِ ترغبين باتباع قاعدة "تقليل السعرات الحرارية" التي أوردتها هذه الدراسة للوقاية من داء السكري، فإنها تقترح تعديل نظامكِ الغذائي الحالي لمحاولة تقليل السعرات الحرارية الزائدة.

وتشرح قائلةً: "من الأساليب التي وجدُتها مفيدةً لعملائي هي استكشاف مصدر السعرات الحرارية الزائدة واتخاذ خطواتٍ صغيرة لتقليلها. على سبيل المثال، إذا كان شخصٌ ما يستهلك الكثير من السعرات الحرارية الزائدة من خلال كمياتٍ كبيرة من المشروبات السكرية، فقد يكون من المفيد البدء بتناول مشروباتٍ أصغر حجمًا أو تقليل عدد مرات تناولها". كما تقول كوردينج إن تناول المزيد من الأطعمة الغنية بالبروتين والدهون الصحية والألياف، قد يساعدكِ على الشعور بالشبع لفترةٍ أطول، وبالتالي تقليل احتمالية تناول سعراتٍ حرارية أكثر من حاجتكِ.

توفر المعاهد الوطنية للصحة أيضًا مخططًا إلكترونيًا لوزن الجسم، يساعدك في تحديد عدد السعرات الحرارية اليومية المناسبة بناءً على أهدافك، بالإضافة إلى عدد السعرات الحرارية التي يجب تناولها بعد تحقيق هذا الهدف. ولا تنسي أن العديد من تطبيقات الصحة والرشاقة المتوفرة اليوم، والتي يمكن تحميلها على الجوال واللاب توب، يمكن أن تُرشدكِ نحو خطةٍ غذائية صحية حسب احتياجاتكِ الخاصة. يبقى أن نؤكد على ضرورة استشارة طبيبٍ مختص أو أخصائية تغذية، لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع.

كيف يمكن لهذه التغييرات الثلاثة في نمط الحياة، أن تتكامل معًا لتقليل خطر الإصابة بداء السكري؟

في محاولةٍ لتلخيص كافة جوانب هذه الدراسة بغية الاستفادة منها؛ تشير كورين ميلر، الكاتبة على موقع Women’s Health إلى أن داء السكري هو بالفعل حالةٌ صحية مُعقَدة، لذلك يتطلب اتباع نهجٍ متعدد الجوانب لتقليل خطر الإصابة به، وفقًا للدكتور علي. ويضيف مير: "جميع هذه الأمور المذكورة في الدراسة تساعد في توجيه الجسم نحو تقليل إفراز الأنسولين وحرق الدهون، مما قد يُقلَل من خطر الإصابة بداء السكري."

ممارسة نشاطٍ بدني معتدل يُسهم في الوقاية من داء السكري
ممارسة نشاطٍ بدني معتدل يُسهم في الوقاية من داء السكري

يتفق ألبرت ماثيني، أخصائي التغذية المعتمد، والمؤسس المشارك لمختبر سوهو سترينث، مع هذا الرأي، واصفًا تلك التدخلات الثلاثة بأنها "السيناريو الأمثل" لتقليل خطر الإصابة بمرض السكري. وتؤيده أيضًا أخصائية التغذية كيري غانز، مؤلفة كتاب "حمية التغيير البسيط"، بالقول: "يُوفَر النظام الغذائي المتوسطي الكثير من الألياف والدهون الصحية والعناصر الغذائية الأخرى التي قد تساعد في التحكم بنسبة السكر في الدم". وبحسب غانز، يُساعد تنظيم استهلاك السعرات الحرارية على منع زيادة الوزن، وحتى فقدانٍ طفيف للوزن بنسبة 5 إلى 7% من وزن الجسم، ما ينعكس انخفاضًا بشكلٍ كبير من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. كما تُشير إلى أن النشاط البدني يلعب دورًا هامًا في هذه العملية، إذ يُساهم في خفض مستويات الجلوكوز في الدم وتحسين استخدام الجسم للأنسولين.

في الخلاصة؛ يبدو أن نتائج هذه الدراسة المهمة، تُقدم نصائح قيّمة تُساعدكِ في الوقاية من العديد من الأمراض، وفي مقدمها داء السكري. النظام الغذائي المتوسطي ذو ميزاتٍ غذائية عالية الفائدة، والالتزام به بجانب تقليل السعرات الحرارية اليومية والمواظبة على نشاطٍ بدني معتدل حسبما تحبين وتقدرين، سيعمل ليس فقط على خفض خطر إصابتكِ بالسكري؛ وإنما أيضًا على تحسين صحتكِ العامة سواء لجهة تعزيز "تناول الأكل الصحي، خسارة الوزن الزائد وتقوية الجسم".