لماذا يُعدَ الجيل Z أكثر عرضةً لمشكلات الصحة النفسية

في مرماها مباشرةً: نصائح لمساعدة الجيل Z على مواجهة مشكلات الصحة النفسية بنجاح

جمانة الصباغ

"من المعاناة خرجت أقوى النفوس، وأعظم الشخصيات تحمل ندوبًا." – جبران خليل جبران

مقولةٌ شهيرة منسوبة إلى المفكر والفيلسوف اللبناني العالمي جبران خليل جبران؛ وهي تصفَ كيف أن التجارب الصعبة والمِحن التي يمرَ بها الإنسان، يمكن أن تجعله أقوى وأكثر مرونة. الندوب، في هذا السياق، ليست مجرد علامات جسدية، بل هي تجارب حياتية تترك بصمةً على الشخصية وتُساهم في تشكيلها.

جميلٌ هذا القول، لكن تطبيقه على أرض الواقع، قد لا يكون بنفس الروعة والبساطة التي جاء عليها. خاصةً إذا ما كانت المعاناة النفسية تُداهم جيلًا بأكمله، ينضج ويكبر وسطها، ويُكافح بشدة للتخلص من براثنها المُحكمةِ حوله دون هوادة. نتحدث هنا عن الجيل Z أو جيل زد، الذي يشهد صراعاتٍ كبيرة مع الصحة النفسية، تجعله في مرماها طوال الوقت؛ خصوصًا أنه معتمدٌ بشكلٍ أساسي على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، التي تُشكَل تحديًا كبيرًا للجميع لتحقيق "الشكل الأفضل، الجسم الأرشق، والحياة الأمثل" كما يُروَج البعض لها من خلال هذه المنصات.

هذا الجيل يواجه تحدياتٍ فريدة فيما يخص مشكلات الصحة النفسية، لكنه أيضًا يتمتع بوعيٍ غير مسبوق تجاهها يجعله في بحثٍ دائم نحو الحلول القصيرة والطويلة الأمد. وهو ما يجعل من الضروري على جميع فئات المجتمع، وبصورةٍ خاصة الأمهات والآباء والمُرَبين والمدرسين وغيرهم، التعاون وتضافر الجهود لفهم تلك المشكلات وتأثيراتها على بنات وأبناء هذا الجيل، بهدف مساعدتهم على تجاوزها بأقل الأضرار والندوب التي يتحدث عنها خليل جبران.

بريمال باتل مُدرَب وشريك في نادي هيلثي مايندز
بريمال باتل مُدرَب وشريك في نادي هيلثي مايندز

إيمانًا منا بدور الإعلام الهادف نحو تثقيف وتوعية الأجيال الحالية والقادمة حول كافة المسائل الصحية والنفسية التي تهمهم؛ وانطلاقًا من دور موقع "هي" البارز في الإضاءة على مختلف المواضيع الصحية الشائكة ومحط المناقشة، اخترتُ أنا محررة صحة ورشاقة على هذا الموقع الحديث إلى بريمال باتل، شريك في نادي هيلثي مايندز، للوقوف على معاناة الجيل Z من مشكلات الصحة النفسية، وكيف نُساعده لتجاوزها بشكلٍ صحيح. إليكِ عزيزتي تفاصيل المقابلة..

مرحبًا بكَ بريمال معنا اليوم على موقع "هي"؛ للاستفادة من خبرتكَ الواسعة كرائد أعمال وقائد ومُدرَب، هل لكِ أن تُخبرنا ما الصحة النفسية، ولماذا هي مهمة لجيل زد؟

شكراً على هذه الاستضافة؛ بالفعل هناك حديثٌ متزايد اليوم عن الصحة النفسية أكثر من أي وقتٍ مضى. الصحة النفسية تشمل الرفاه الاجتماعي والعاطفي والنفسي، وتؤثر في كيفية شعور الأفراد وتفكيرهم وتصرفهم. يتغير العالم من حولنا بوتيرةٍ سريعة، مع تأثيراتٍ سياسية واقتصادية واجتماعية وتقنية تؤثر في قدرة جيل زد (وجيل ألفا كذلك الأمر) على التأقلم فيما يخص الأداء الأكاديمي، التقدم المهني، العلاقات، والسعي نحو جودة الحياة.

الجميع عرضة لمشكلات الصحة النفسية؛ لكن برأيكَ، لماذا يعاني جيل زد وجيل ألفا من هذه المشاكل بقدرٍ أكبر عن الأجيال الأخرى؟

يبدو أن هناك ضغطًا أكاديميًا أكثر الآن، ووعيًا أكبر بقضايا الصحة النفسية لهذه الأجيال، بفضل التعرَض المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي. كما زالَ الوصم الاجتماعي المرتبط بمناقشة هذه القضايا وأصبح الموضوع شائعًا للحديث عنه دون حرج؛ لكن هذا، إلى جانب البيئة التنافسية المتزايدة، أدى في المقابل إلى مشكلات تجاه احترام الذات والثقة بالنفس.

ما التحديات التي تزيد من مشاكل الصحة النفسية لدى جيل زد؟

بالتأكيد، أثَرت الأحداث العالمية المتسارعة على الصحة النفسية لهذه الفئة. وأدَت هذه الأحداث إلى عدم يقينٍ اجتماعي واقتصادي وبيئي وعائلي وصحي وسياسي، مما زاد من القلق والاكتئاب والعزلة لديهم. وقد فقدت هذه الفئة القدرة على التفاعل الاجتماعي الفعّال، خصوصًا في اللقاءات الواقعية.

كيف يعرف جيل زد وجيل ألفا إن كانوا يعانون من القلق أو الاكتئاب؟ ولماذا زادت هذه المستويات عندهم؟

تشمل العلامات العامة للقلق والاكتئاب الحزن المستمر أو المتزايد، زيادة التهيَج، اضطرابات النوم، فقدان الشهية، وصعوبة في التركيز. كما أن التعرَض الكبير للعالم الرقمي، يخلق تركيزًا قصير المدى، ما يؤدي غالبًا إلى عدم القدرة على إنجاز المهام والمشاريع دون تشتت.

كيف تؤثر ضغوط الإعلام والتعرَض المبكر للعالم الرقمي على زيادة المشاكل النفسية لدى جيل زد؟

خلقت الوسائط الرقمية والاجتماعية عالمًا يُقارن فيه جيل زد (وغيرهم) أنفسهم بالآخرين باستمرار، ما يزيد الضغط للسعي نحو الكمال – فإتقان صورةٍ مثالية على الإنترنت أصبح هوسًا للجميع! وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة القلق والاكتئاب، وغالبًا ما يكون سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدلات الانتحار لدى الفئات الأصغر سنًا.

الصورة المثالية التي تُروَج لها منصات التواصل الاجتماعي تزيد من مشكلات جيل زد النفسية
الصورة المثالية التي تُروَج لها منصات التواصل الاجتماعي تزيد من مشكلات جيل زد النفسية

هل كان لجائحة كوفيد-19 تأثيرٌ على الصحة النفسية لجيل زد، وكيف؟

بسبب الإغلاق، شعر الكثير من الشباب بالعزلة الشديدة، ما أدى إلى زيادة الاكتئاب والقلق. وقد أثَرت الجائحة على التعليم وسرّعت الانتقال إلى عالم التواصل الافتراضي، فلم يشعر كثيرٌ من جيل زد بالحاجة إلى بذل جهدٍ أكبر في التواصل الواقعي، ما جعلهم يفقدون قدرتهم على التواصل الفعّال مع جماهير أوسع وأكثر تنوعًا.

ما هي علامات الاحتراق النفسي (Burnout)، وكيف يمكن الوقاية منه؟

للاحتراق النفسي أعراضٌ محددة، منها التعب المزمن، زيادة التهيَج، فقدان الدافع، والشعور بالعجز. يتطلب التغلب على الاحتراق بنودًا عدة؛ منها العناية الذاتية، وضع حدود واضحة، والصدق والصراحة في التعبير عما تحتاجه وتريده من الآخرين. من المهم أيضًا طلب الدعم من الخبراء أو الأصدقاء أو العائلة.

ما الآثار طويلة الأمد للمشكلات النفسية غير المُعالجة؟

هناك بالتأكيد ضررٌ شخصي وعام. فعلى المستوى الفردي، يزيد الشعور بالإرهاق؛ القلق والاكتئاب وضعف القدرة على أداء المهام اليومية؛ صعوبات في العلاقات؛ مشاكل صحية جسدية محتملة؛ حزن مستمر، تهيَج، وشعور بالعجز؛ فضلًا عن تلمَس تغييراتٍ مفاجئة في أنماط النوم.

أما فيما يخص بيئة العمل لجيل زد ممن يعملون، فهناك آثارٌ سلبية يعانون منها تشمل انخفاض معنويات الفريق ودوافعه؛ تدنَي الإنتاجية؛ زيادة تكلفة الغياب عن العمل، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.

في ضوء كل ما تقدم؛ ما هي برأيكَ استراتيجيات المواجهة الفعالة للتعامل مع التوتر والقلق لدى الجيل Z؟

تُعدَ التمارين الرياضية المنتظمة وسيلةً جيدة للتعامل مع التوتر والقلق، كونها تُحسَن الدورة الدموية وتُزيد النشاط الجسدي. لكن الرياضة وحدها ليست كافية، بل يجب دمجها مع تغذيةٍ جيدة، نومٍ عميق ومتواصل معظم الليالي، وممارسة تمارين التأمل أو التنفس التي تُجدَد الدماغ؛ كما أن الحفاظ على علاقاتٍ اجتماعية جيدة مفيدٌ في هذه الحالة.

في الحالات المُزمنة للتوتر والقلق، أنصحُ أفراد جيل زد بضرورة طلب المساعدة المهنية.

كيف يمكن أن تساعد ممارسات اليقظة الذهنية (Mindfulness) والتأمل في الصحة النفسية؟

تساعد اليقظة والتأمل الأفراد على إدارة التوتر، تحسين التركيز، وتنظيم المشاعر. فقد صُممت هذه الممارسات لتمكين الأفراد من "العيش في اللحظة" وتقليل القلق أو التوتر حيال الماورائيات، من خلال تعزيز الاسترخاء والوعي الذاتي.

ما هي الموارد منخفضة التكلفة المتاحة للشباب لدعم صحتهم النفسية؟

تقدم العديد من المدارس خدماتٍ استشارية، وتوجد مراكز مجتمعية متاحة للشباب. هناك أيضًا العديد من المنصات الإلكترونية، مجموعات الدعم، الخطوط الساخنة، وتطبيقات الصحة النفسية، وكلها منخفضة التكلفة أو مجانية في كثيرٍ من الأحيان.

لماذا يُعدَ الجيل Z أكثر عرضةً لمشكلات الصحة النفسية-رئيسية واولى
لماذا يُعدَ الجيل Z أكثر عرضةً لمشكلات الصحة النفسية

كيف يمكن لجيل زد التحدث مع الأهل أو الأصدقاء حول صحتهم النفسية؟

أفضل طريقةٍ برأيي، هي الصراحة في التعبير عما يشعرون به، وفتح الحديث عما يحصل معهم. اختيار مكانٍ مريح وبدء النقاش ضمن أجواءٍ مسترخية، قد يؤدي إلى نتائج مفاجئة ومفيدة. لا تخافوا من الكلام والتعبير عما يجول في خواطركم.

تحدثت في أكثر من نقطة عن ضرورة الحصول على نومٍ عميق ومتواصل؛ ما دور النوم برأيكَ في الصحة النفسية؟

النوم عنصرٌ أساسي لتحسين الصحة النفسية، كما الجسدية. إذ يؤثر النوم على المزاج، المشاعر، الوظائف المعرفية، والتوازن العاطفي. في حين أن قلة النوم والأرق قد يزيدان من التوتر والقلق والهم والاكتئاب.

في عالمنا السريع اليوم، من الضروري إعطاء الأولوية لعادات النوم الجيدة، وأحد أفضل الممارسات هو تجنب استخدام الهاتف المحمول قبل النوم بساعةٍ على الأقل.

كيف يمكن لجيل Z وضع حدود لحماية صحتهم النفسية؟

ليس من السهل وضع الحدود، أفهمُ ذلك؛ لكنه أمرٌ ضروري ينبغي على هذا الجيل تعلَمه.

إليكم بعض النصائح:

1.      المحادثات: كونوا صريحين وواضحين بشأن حدودكم، وحدَدوا ما أنتم مستعدون لفعله أو عدم فعله. هذه المحادثات قد تكون صعبة لكنها مهمة؛ ركَزوا على استخدام كلمة "أنا" لتوضيح كيف تؤثر عليكم المواقف. تعلَموا قول "لا" في بعض الحالات أو الأحيان، أي رفض الطلبات أو الدعوات التي ترهقكم.

2.      حدود التكنولوجيا والهواتف: أعرفُ أنه أمرٌ صعب بعض الشيء، لكن من المهم التقليل من استخدام الهاتف خاصةً قبل النوم وبعد الاستيقاظ، لأنها تُشتَت التركيز.

3.      إنشاء روتين: اجعلوا العناية الذاتية أولوية، والالتزام بروتين سيمنحكم شعورًا بالتوازن والراحة.

4.      التوازن بين العمل والحياة: ضعوا حدودًا واضحة بين وقت العمل والوقت الشخصي.

في الختام؛ ينصح بريمال باتيل جيل زد ومعه جيل ألفا بضرورة التحلَي بالشجاعة لفتح باب الحديث عن الصحة النفسية. ويضيف: "إحموا وقتكم ومساحتكم وقولوا (لا) عند الضرورة؛ إسعوا لتكوين مجتمعٍ داعم يساعدكم ويُخفَف عنكم المعاناة جراء مشكلات الصحة النفسية."