
تجيب عليه أخصائية تغذية: هل تحمل حمية البحر المتوسط مفتاح إطالة العمر؟
هل يمكن للأكل، أن يرسم طريقكِ لحياةٍ أطول وأكثر صحة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو النظام الغذائي الأنسب لإطالة العمر؟
على مدار العقد الماضي تقريبًا، أكدت سلسلةٌ طويلة من الدراسات أن اتباع نظامٍ غذائي متوسطي قد يُحدث فرقًا كبيرًا في صحة الجسم والعقل. من منا لم يسمع بعد عن حمية البحر الأبيض المتوسط Mediterranean Diet وفوائدها الصحية الجمة؛ إذ يمتاز هذا النظام الغذائي باعتماده شبه الكلي على الخضراوات والفواكه والبقوليات الطازجة والكاملة، مع كميةٍ معتدلة من الأسماك الزيتية. ويبدو أنه يساعد في كل شيءٍ تقريبًا، من فقدان الوزن إلى تحسين صحة القلب.
في عام 2025 الحالي، وجدت دراساتٌ مختلفة أن النظام الغذائي المتوسطي يرتبط بتحسين صحة الدماغ، وانخفاض خطر الإصابة بالسرطان، وخفض ضغط الدم، وحتى انخفاض خطر الإصابة بالإمساك المزمن. على سبيل المثال، أشارت الأبحاث التي تبحث في كيفية مساعدة النظام الغذائي المتوسطي في حماية الذاكرة، إلى أن له تأثيرًا فريدًا ومفيدًا على الأمعاء، مما قد يؤثر على ما يحدث في أجزاءٍ أخرى من الجسم.

مع مرور الوقت، ابتكر بعض الباحثين نسخًا مُعدَلة من النظام الغذائي المتوسطي العام، وذلك للمساعدة في علاج مشاكل صحية محددة، والتي يظهر الكثير منها مع تقدم الجسم بالعمر. من أشهر هذه النسخ، النظام الغذائي النظام الغذائي المتوسطي الأخضر ونظام MIND الغذائي؛ ومؤخرًا، وجد فريقٌ بحثي من إسبانيا أن اتباع نظامٍ غذائي متوسطي منخفض السعرات الحرارية يرتبط بتحسين إدارة الوزن وكثافة العظام.
يُركّز النظام الغذائي الأخضر المتوسطي على الأطعمة النباتية الكاملة والطازجة، ولا يحتوي على أي لحوم. وقد صُمّم هذا النظام ليس فقط ليكون أكثر صداقةً للبيئة، بل أيضاً ليكون أفضل في تقليل الدهون الحشوية - وهي نوعٌ من الدهون التي تتراكم حول الأعضاء، وقد تُسبب تلفها. أظهرت أبحاثٌ حديثة أن هذا النظام قد يُساعد أيضاً في إبطاء شيخوخة الدماغ وخفض مستويات السكر في الدم. أما النظام الغذائي MIND - الذي يجمع بين عناصر النظام الغذائي المتوسطي الكلاسيكي والنهج الغذائي لوقف ارتفاع ضغط الدم (DASH) - فقد صُمّم خصيصاً لمكافحة التدهور المعرفي.
بالعودة إلى محور موضوعنا اليوم؛ انضمي إلينا عزيزتي اليوم، للتعرف على مزايا حمية البحر المتوسط على إطالة العمر وفق ما صرَحت به كارولين ويليامز، دكتوراه، أخصائية تغذية مُسجلة لموقع Eating Well.
هل تساعد حمية البحر المتوسط على إطالة العمر؟
بحسب ويليامز؛ فإن اتباع النظام الغذائي المتوسطي يمكن أن يزيد من متوسط العمر المتوقع ويُقلَل من خطر الوفاة المبكرة. وثمة 6 طرق تساعدكِ بها الحمية المتوسطية على العيش لفترةٍ أطول، وفقًا لأخصائية التغذية الأمريكية.
النظام الغذائي المتوسطي، المعروف أيضًا بإسم حمية البحر الأبيض المتوسط، هو ما يعتبره الكثيرون "المعيار الذهبي" فيما يتعلق بالتغذية. ويرجع ذلك إلى أن تناول زيت الزيتون والأطعمة الغنية بالنباتات لا يزال يُنسب إليه الفضل في تحسين الصحة وتقليل خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة في المستقبل. وكانت دراسةٌ نُشرت عام 2022 في مجلة PLOS Medicine أشارت إلى أن اتباع النظام الغذائي المتوسطي يمكن أن يُضيف سنواتٍ - قد تصل إلى عقد - إلى عمركِ!
شيءٌ جميل فعلًا ويستحق معرفة المزيد عنه؛ وهو ما يطرح السؤال التالي..
لماذا يُعد النظام الغذائي المتوسطي صحيًا للغاية؟
درست الدراسة النرويجية نتائج التحليلات التلوية والبيانات التي جُمعت في دراسة "العبء العالمي للأمراض"، التي فحصت أسباب الوفاة، وانتشار 369 مرضًا وإصابة، و87 عامل خطر في أكثر من 204 دولة ومنطقة. واستخدم الباحثون هذه العوامل لإنشاء نموذجٍ تنبؤي عالي يحسب عمر الشخص بناءً على نظامه الغذائي؛ ثم استخدم الباحثون هذا النموذج لتقدير عمر الفرد عند اتباع النظام الغذائي الأمريكي القياسي، وقارنوا ذلك بتقدير عمر الشخص نفسه عند اتباعه "نظامًا غذائيًا مُحسّنًا" يعكس النظام الغذائي المتوسطي.
وجاءت تأثيرات اتباع نظام غذائي متوسطي على طول العمر كما يلي:
• زيادة في متوسط العمر المتوقع بمقدار 13.0 و10.7 سنوات للذكور والإناث على التوالي، عند تبنَي النظام في سن العشرين.
• زيادة في متوسط العمر المتوقع بمقدار 11.7 و10.0 سنوات للرجال والنساء على التوالي، عند تبنَي النظام في سن الأربعين.
• زيادة في متوسط العمر المتوقع بمقدار 8.8 و8.0 سنوات للرجال والنساء على التوالي، عند تبنَي النظام في سن الستين.
• زيادة في متوسط العمر المتوقع بمقدار 3.4 سنوات للمشاركين عند تبنَي النظام في سن الثمانين.

هذه التوقعات المُبهرة، تُبرز التأثير القوي للنظام الغذائي المتوسطي على الصحة. ولكن كيف يُضيف اتباع حمية البحر المتوسط هذه السنوات الإضافية تحديدًا؟
يتفق الخبراء على أن السبب هو التآزر الجماعي لجميع مكونات النظام الغذائي: مثل مضادات الأكسدة، والمواد الكيميائية النباتية، وأحماض أوميغا 3 الدهنية، والألياف، وليس مجموعةً غذائية واحدة مُحددة. لتعمل هذه المكونات معًا على تحسين الصحة، والأهم من ذلك، تقليل خطر الإصابة بالأمراض، مما يُضيف سنواتٍ إلى عمركِ بكل بساطة.
إليكِ 6 طرق (من بين العديد) يُساعدك النظام الغذائي المتوسطي من خلالها، على إطالة عمركِ كما أوردها الموقع نقلًا عن ويليامز:
1. يُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية: وفقًا لدراسة نُشرت عام 2019 في مجلة Circulation Research، لفت انخفاض معدل الإصابة بأمراض القلب لدى سكان الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، انتباه الباحثين الأمريكيين؛ ودفعتهم هذه النتائج إلى دراسة النظام الغذائي المتوسطي التقليدي.
بعد أكثر من 60 عامًا، لا تزال الأبحاث تشير إلى أن الالتزام بحمية البحر المتوسط يُقلَل بشكلٍ كبير من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وأمراض الشريان التاجي. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه يمكن اتباع النظام الغذائي المتوسطي بغض النظر عن موقعكِ الجغرافي، ويمكن تخصيصه ليناسب احتياجاتكِ وتفضيلاتكِ وحالتكِ الصحية.
2. يُقلَل من آثار التوتر ويُخفَف الالتهاب: على الرغم من محدودية الدراسات التي أُجريت على البشر، إلا أن دراسةً نُشرت عام 2018 في مجلة Nutrients وجدت أن اتباع النظام الغذائي المتوسطي يبدو أنه يُقاوم الالتهاب المرتبط بالتوتر. والمعروف أن التوتر يزيد من مستويات الكورتيزول، ما يزيد بدوره من مؤشرات الالتهاب في الدم. ويمكن أن يتحول هذا الأمر إلى "عاصفةٍ التهابية" قد تؤدي إلى تلفٍ تأكسدي بسبب الجذور الحرة، واختلال التوازن الهرموني، وضعف جهاز المناعة، ما يجعل الجسم أكثر عرضةً للأمراض.
3. خفض خطر الإصابة بالسرطان وتكراره: أشارت دراسةٌ نُشرت عام 2019 في مجلة Nutrients إلى أن النظام الغذائي الغني بمضادات الأكسدة والمُركبات المضادة للالتهابات (كالحمية المتوسطية) له تأثيرٌ وقائي ضد طفرات الخلايا السرطانية؛ كما يمكن لهذه المُركبات أن تُقلَل من نمو الخلايا السرطانية وانتشارها. علاوةً على ذلك، قد يُقلَل النظام الغذائي المتوسطي من خطر تكرار الإصابة والوفاة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان الثدي والقولون والمستقيم والبروستاتا، وفقًا لمقال نُشر عام 2022 في ذات المجلة.
4. يُقلَل خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني ومضاعفاته: يُقصّر تشخيص الإصابة بداء السكري من النوع الثاني متوسط العمر بست سنواتٍ، في المتوسط، بسبب المضاعفات وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. ومع ذلك، ووفقًا لمقال نُشر عام 2020 في مجلة Nutrients، فإن الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي يُقلَل من خطر الإصابة بهذا المرض بنسبة 20٪.
بالنسبة للمُشخّصين أو المُصابين حاليًا بداء السكري من النوع الثاني، أشارت الأبحاث إلى أن اتباع هذا النظام الغذائي يُمكن أن يُخفَض من خطر حدوث المضاعفات، ويُقلّل من مقاومة الأنسولين، كما يُخفّض قيم A1C (اختبار الهيموجلوبين السكري الذي يُقيس متوسط مستويات السكر في الدم لديكِ على مدى الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية).
5. يُبطئ التدهور المعرفي: يبدو أن اتباع حمية البحر المتوسط يُبطئ فقدان الذاكرة والتدهور المعرفي المرتبطين بالعمر، وكانت النتائج أكثر وضوحًا لدى الأشخاص الذين التزموا به بشكلٍ وثيق. والأفضل من ذلك، أن الأبحاث المنشورة في مجلة Nutrients عام 2021 أشارت إلى أن هذا النظام مُفيدٌ لمن لا يُظهرون حاليًا أي علاماتٍ لفقدان الذاكرة أو الخرف، وكذلك لمن يُظهرون علامات.
كذلك؛ قد يُقلل الالتزام الدقيق بهذا النظام الغذائي من خطر تطور الخرف المرتبط بالعمر إلى مرض الزهايمر، وذلك وفقًا لدراسة نُشرت عام 2021 في مجلة Neurology.
6. يُعزَز كثافة العظام: تشير مجموعةٌ من الدراسات المحدودة، إلى أن اتباع حمية البحر المتوسط يمنع هشاشة العظام في مراحل متقدمة من العمر، وذلك من خلال تقليل فقدان العظام والعضلات المتوقع والمرتبط بالشيخوخة.

وفي اجتماعها السنوي عام 2018، قدمت جمعية الغدد الصماء نتائج دراسةٍ تُظهر أن الالتزام المتزايد بالنظام الغذائي المتوسطي، يرتبط بارتفاع كثافة العظام وتحسين صحة العظام وكتلة العضلات لدى النساء بعد انقطاع الطمث، بغض النظر عن العلاج الهرموني وتاريخ التدخين وممارسة الرياضة في الماضي أو الحاضر.
في الختام؛ يمكن القول أن حمية البحر الأبيض المتوسط ليست مجرد نظامٍ غذائي فحسب، بل هي أسلوب حياةٍ متكامل يُحتفى به علميًا وثقافيًا، وله ارتباطٌ وثيق بإطالة العمر وتحسين جودة الحياة بحسب العديد من الدراسات والأبحاث التي أُجريت على مدار العقود الماضية.
ما يُميَز هذه الحمية هو التآزر الجماعي لجميع مكونات النظام الغذائي من مضادات أكسدة، مواد كيميائية نباتية، أحماض أوميغا 3 دهنية، وألياف، لتحسين الصحة، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض، مما يُضيف سنواتٍ إلى عمركِ بكل بساطة.