
من الخلايا إلى المشاعر: فهم الصدفية علميًا ونفسيًا.. من خلال سبر الأعراض والأسباب
نحرص جميعًا، باستثناءاتٍ قليلة، على الظهور بأفضل الصور وأجملها على الإطلاق؛ سواء في المجتمع وخلال المناسبات، أو عند التقاط الصور مثل السيلفي وغيرها. معظم الناس على وجه البسيطة، يرغبون في التمتع ب "وجهٍ جميل، بشرة نقية، وملامح شبابية"؛ لكن بعض الأمراض الجلدية قد لا تُساعد في تحقيق هذه المعادلة على الدوام.
منها الصدفية، وهو مرضٌ جلدي مُزمن يصيب الملايين حول العالم، ويترك آثاره السلبية على الصحة الجسدية والنفسية على حدَ سواء. الصدفية Psoriasis ليست مجرد حالةٍ جلدية مُزمنة، بل يمكن وصفها بتجربةٍ حياتية مُعقدة تؤثر على الجسد والنفس والعلاقات الاجتماعية. كثيرٌ من المصابين بها يصفون شعورهم بسبب بالقول "أشعرُ أنني مدفونة وأنا على قيد الحياة"، في إشارةٍ إلى الألم الخفي الذي لا يراه الآخرون.
للصدفية تأثيراتٌ سلبية عدة، منها:
1. التأثير النفسي والاجتماعي: والمتمثل في
• القلق والاكتئاب: تشير الدراسات إلى أن المصابين بالصدفية مُعرَضون للاكتئاب واضطرابات القلق بمعدلٍ أعلى من غيرهم، حتى في الحالات الخفيفة.
• وصمةٌ اجتماعية: كثيرون يشعرون بالإحراج من مظهر الجلد، ويتجنَبون الأماكن العامة مثل المسابح أو الصالات الرياضية، خوفًا من نظرات الآخرين.
• العزلة: بعض المرضى يصبحون منطوين، خاصةً الأطفال والمراهقين الذين يتعرضون للتنمر.
• المعاناة الجسدية: بسبب الحكة والألم، ويصفها البعض بأنها إحساسٌ حارق قد تؤدي إلى النزيف جراء الخدش. ما يجعل حتى المهام اليومية البسيطة، مثل ارتداء الملابس أو النوم، تصبح تحديًا كبيرًا بسبب الأعراض. ولا ننسى بالطبع مضاعفات الصدفية الصحية التي تشمل التهاب المفاصل الصدفي، أمراض العيون، السكري وارتفاع ضغط الدم.
2. التأثير على العمل والحياة المهنية: بحيث يشعر مرضى الصدفية بتمييزِ وظيفي صارخ، ويواجهون صعوبة في الحصول على فرص عمل أو يتعرضون للتمييز من الزملاء. ناهيكِ عن انخفاض أو إعاقة الإنتاجية المطلوبة بسبب الألم أو الإجازات المرضية.
كثيرٌ من المشاهير العرب والعالميين، تحدثوا علنًا عن تجربتهم المريرة مع الصدفية، ما ساهم في رفع الوعي وكسر الوصمة المرتبطة بالأمراض الجلدية. منهم نجلاء فتحي، كيم كارداشيان، بريتني سبيرز، وكارا ديلفين.
هؤلاء المشاهير ساهموا في تسليط الضوء على الصدفية كحالةٍ صحية لا يجب الخجل منها، بل يمكن التعايش معها والتعامل معها بوعيٍ وعناية. وبمناسبة الشهر العالمي للتوعية من مرض الصدفية الذي يُصادف شهر أغسطس الحالي، ارتأينا على موقع "هي" التحدث مع الدكتورة منى علي، أخصائية الأمراض الجلدية في مجموعة مستشفيات السعودي الألماني بالإمارات، لإطلاعنا على أسباب وأعراض هذه الحالة الجلدية، فضلًا عن أحدث العلاجات والنصائح الطبية والحياتية للمرضى؛ وهل ننسى المفاهيم الخاطئة حولها؟ بالطبع لا، فقد خصَصتُ لها كمحررة "هي"، جزءً لا بأس به في هذه المقالة لدحضها بطريقةٍ علمية بحتة. إليكِ التفاصيل..
ما هو مرض الصدفية؟
توضح الدكتورة منى أن الصدفية عبارةٌ عن اضطرابٍ مناعي، يُسرّع من دورة حياة خلايا الجلد؛ ففي الشخص السليم تتجدد خلايا الجلد كل 28 يومًا تقريبًا، بينما لدى مريض الصدفية قد تتجدد خلال 3–7 أيام، ما يؤدي إلى تراكمها بسرعة وتشكَل بقع سميكة حمراء مغطاة بقشورٍ فضية.
هذا المرض قد يصيب أي فئةٍ عمرية، وله عوامل وراثية وبيئية ترفع من احتمالية ظهوره. مع الإشارة إلى أن الصدفية تمرَ بفترات نشاط وهدوء، وقد تمتد آثارها إلى المفاصل وأعضاء أخرى.

في آخر الأرقام والإحصائيات، فإن:
• أكثر من 125 مليون شخص حول العالم مصابون بالصدفية.
• حوالي 30% من المرضى قد يصابون بالتهاب المفاصل الصدفي.
• نسبة الإصابة عالميًا تتراوح بين 2% و3% من السكان، والنسبة في الشرق الأوسط قريبة من المعدلات العالمية.
• نحو 25% من المصابين يعانون من اكتئاب أو قلق نتيجة المرض.
• الصدفية تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة الأيض (السُمنة، ارتفاع ضغط الدم، واضطراب الدهون).
ما هي أسباب الصدفية والعوامل المُحفزة لمرض الصدفية؟
تؤكد الدكتورة منى أن الوراثة هي أبرز أسباب مرض الصدفية، خاصةً إذا ما كان أحد الوالدين أو الأقارب مصابًا بها من قبل.
أما الأسباب الأخرى لهذه المشكلة الجلدية المُزمنة، فتتضمن:
• اضطراب الجهاز المناعي: أي حدوث نشاطٍ زائد في الخلايا التائية يُسبَب التهابًا مفرطًا في الجلد.
• التوتر النفسي: من أبرز مُحفزات نوبات الصدفية.
• الأدوية: مثل حاصرات بيتا أو الليثيوم.
• إصابات الجلد أو الالتهابات البكتيرية: منها التهاب الحلق بالمُكورات العقدية من النوع النقطي).
• الطقس البارد والجاف.
• التغيرات الهرمونية.
لا يسعنا هنا إغفال الحديث عن أنواع الصدفية الرئيسية، والتي تُوردها لنا الدكتورة منى كما يلي:
1. الصدفية القشرية (الأكثر شيوعًا).
2. الصدفية النقطية.
3. الصدفية العكسية.
4. الصدفية البثرية.
5. الصدفية المُحمرة للجلد (وهي الأقل شيوعًا والأكثر خطورة).
ما أعراض الصدفية؟
يمكن أن تتشابه أعراض الصدفية مع عدة أمراض جلدية أخرى، مما يجعل التشخيص الدقيق تحديًا حتى للأطباء المختصين. وحدَدت الدكتورة منى تلك الأعراض بالآتي:
• بقع حمراء مغطاة بالقشور.
• جفاف وتشقق الجلد مع حكة أو حرقة.
• تغيَرات في الأظافر (مثل التشققات، وانفصال الظفر).
• تيَبس وآلام في المفاصل في حال التهاب المفاصل الصدفي.
للأسف، تُعدَ الصدفية من الأمراض الجلدية التي قد تُخلَف مضاعفاتٍ صحية ونفسية عديدة منها:
• التهاب المفاصل الصدفي.
• زيادة خطر أمراض القلب والشرايين.
• مقاومة الأنسولين والسكري.
• اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب.
وهو ما يؤكد على ضرورة عمل الفحوصات اللازمة والخضوع للعلاجات المناسبة، فور تشخيص الإصابة بالصدفية، لتجنب تلك المضاعفات.

ما هي طرق علاج الصدفية؟
وفقًا لأخصائية الأمراض الجلدية في مجموعة مستشفيات السعودي الألماني بالإمارات، فإن
"العلاج يهدف للسيطرة على الأعراض وتقليل النوبات، ويتم تحديده حسب شدة المرض ومساحة الجلد المصابة والحالة الصحية العامة للمريضة."
وتشمل خيارات العلاج:
1. العلاجات الموضعية: كالكريمات والمراهم.
2. العلاج الضوئي: باستخدام الأشعة فوق البنفسجية وتحت إشرافٍ طبي.
3. العلاجات الجهازية: أقراص أو حقن مُثبطة للمناعة.
4. العلاجات البيولوجية الحديثة: تستهدف الخلل المناعي بدقة وتمنح نتائج طويلة الأمد، لكنها تتطلب متابعة وفحوصات دورية.
لحسن الحظ، أن التطور التقني والعلمي والطبي، لم يغفل عن مشكلة الصدفية التي تُشكَل تحديًا كبيرًا للمصابين به. وبات بإمكان هؤلاء المرضى، التمتع بأحدث تلك التطورات الطبية وعلى رأسها:
• العلاجات البيولوجية، مثل مُثبطات IL-17 و IL-23 التي أظهرت نسب تحسَنٍ تتجاوز 80% خلال الأشهر الأولى من الاستخدام.
• دراساتٌ حديثة أظهرت أن اتباع حمية البحر المتوسط، قد تُقلَل من حدة الأعراض.
• الاهتمام بالصحة النفسية أصبح جزءًا أساسيًا من خطة العلاج الشاملة.
ما هي المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الصدفية؟
أكدَت لنا الدكتورة منى أن الجُمل التالية، هي محض شائعات ومفاهيم خاطئة حول الصدفية، لا ينبغي الأخذ بها:
1. الصدفية ليست مُعدية.
2. ليست بسبب سوء النظافة.
3. ليست حساسية جلدية عابرة.
في الختام؛ توجهت الدكتورة منى من خلال موقعنا إلى مريضات ومرضى الصدفية ببعض النصائح التي قد تُساعدهم على التقليل من حدة هذا المرض والتعامل معه بشكلٍ فعالة.
ونصائحها جاءت على النحو الآتي:
• حافظوا على ترطيب الجلد باستخدام كريمات مناسبة.
• استخدموا شامبوهات خاصة إذا كانت فروة الرأس مصابة بالصدفية.
• تجنَبوا التدخين والكحول.
• قلَلوا من التوتر بممارسة الرياضة أو اليوغا.
• اتبَعوا نظامًا غذائيًا صحيًا.
• التزموا بالخطة العلاجية المحددة لكن، وتابعوا مع الطبيب المختص حتى خلال فترات التحسن.