
توقف عضلة القلب المفاجئ: كيف يُمكن لكل ثانية أن تُشكَل حياة؟
خطرٌ صامت لا يُظهر أية علاماتٍ تحذيرية، ويمكن أن يؤدي إلى مضاعفاتٍ خطيرة من الضروري الحذر منها.
عما نتكلم هنا؟ عن توقف القلب المفاجئ، أو توقف عضلة القلب المفاجئ؛ ولمن لا يعلم، فإن عضلة القلب هي العضلة التي تُشكَل جدار القلب، وهي مسؤولةٌ عن ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم. تتكون من خلايا عضلية قلبية خاصة مرتبطةٍ ببعضها البعض، وتعمل بشكلٍ لا إرادي؛ يمكن أن تتعرض عضلة القلب للاعتلال أو التلف لعدة أسباب، مما يؤثر على وظيفتها في ضخ الدم والوصول إلى النهاية المحتومة: توقف القلب المفاجئ والوفاة.
لا شك في أن الاعتناء بصحة أجسامنا، وعلى رأسها صحة القلب، تقع في سُلم أولويات الجميع دون استثناء؛ وهي حاجةٌ مُلحَة يصرَ عليها خبراء الصحة والأطباء، لتجنَب أية أمراض أو مشكلات صحية (كتوقف القلب المفاجئ) من الحدوث والتعرض لمضاعفاتٍ لا تُحمد عُقباها. لذا ارتأينا في مقالة اليوم، وحرصًا منا على موقع "هي" على التثقيف الصحي العالي والموثوق من المصادر الطبية، الحديث مع أحد الأخصائيين في حالات العناية المُركَزة والإسعاف السريع للحالات الصحية المفاجئة والخطيرة مثل توقف القلب.
فكان لنا هذا اللقاء الممتع مع الدكتور محمود مدحت أبوموسى، أخصائي طب العناية المُركَزة في المستشفى الدولى الحديث في دبي؛ الذي قدم لنا مشكورًا شرحًا تفصيليًا حول أسباب توقف عضلة القلب المفاجئ، خطوات الإنقاذ، وكيفية حماية أنفسنا ومن نحب من هذه المشكلة.
ما هو توقف عضلة القلب؟
وفقًا للدكتور محمود، فإن توقف عضلة القلب يُعرف طبيًا بأنه "توقفٌ كهربائي ميكانيكي كامل للقلب، حيث تفشل الخلايا القلبية في توليد أو نقل الإشارات الكهربائية التي تتحكم في نبض القلب، مما يؤدي إلى توقف القلب عن ضخ الدم نهائيًا إلى المخ والرئتين وسائر الأعضاء الحيوية."
في غرف العناية الُمركزة، لا تساوي الدقيقة 60 ثانية كما هو معتاد؛ فكل ثانيةٍ حاسمة بين الحياة والموت. في هذا السياق، يوضح الدكتور محمود أن توقف عضلة القلب المفاجئ هو ما يُعرف طبيًا أكثر باسم السكتة القلبية المفاجئة (Sudden Cardiac Arrest)؛ في هذه اللحظة الحرجة، ينقطع تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى الدماغ والأعضاء الحيوية، ويبدأ العدَ التنازلي الذى يحتاج إلى استجابةٍ دقيقة وسريعة تتجاوز حدود الزمن الطبيعي.
يشرح الدكتور محمود هذه اللحظات بالتالي: "في علم الإنعاش، لا نقول إن المريض مات إلا إذا توقف القلب مع غياب أي محاولة إنعاشٍ فوري. الجسد يمكن أن يعود للحياة، لكن بشرط ألا نهدر الدقائق الذهبية."
من الطبيعي أن نبحث عن أسباب توقف عضلة القلب المفاجئ، للتوعية حولها، وضمان المحافظة على صحتنا درءًا لهذه المشكلة الخطيرة وغيرها. وهو ما أفادنا به الدكتور محمود في السطور الآتية..
ما هي الأسباب الطبية الأكثر شيوعًا لتوقف عضلة القلب المفاجئ؟
يكون توقف القلب في كل الحالات ناتجًا عن مشكلةٍ قلبية مباشرة، بل قد تكون هناك أسبابٌ تنفسية تؤدي إلى التوقف القلبي؛ وهنا يكمن الفرق الجوهري الذي يجب على الفريق الطبي التعامل معه بدقةٍ وسرعة. إن الفهم الدقيق للفرق بين الأسباب المختلفة لتوقف القلب المفاجئ، ليس مجرد معلومةٍ نظرية، بل هو مفتاح نجاح الإنعاش وإنقاذ الحياة. وكأطباء عناية مُركزة، يقول الدكتور محمود، "نتحمل مسؤولية اتخاذ القرار الصائب في اللحظة المناسبة."
أولًا: الأسباب القلبية لتوقف القلب المفاجئ
• الرجفان البطيني (Ventricular Fibrillation): وهو أكثر الأسباب شيوعًا
إيقاعٌ قلبي فوضوي لا يسمح بأي نبضٍ فعال، ويُعدَ السبب الأول لمعظم حالات السكتة القلبية؛ وهو اضطرابٌ كهربائي يجعل القلب يرتجف دون ضخ فعلي. هنا لا مجال للتأخر، فكل دقيقةٍ تأخير في بدء الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) تُقلَل من فرص نجاة المريض بنسبة 7-10%. تعاملنا مع مرضى توقف قلبهم بشكلٍ مفاجئ نتيجة رجفان بطيني، وكانت الصدمة الكهربائية الفورية هي التي أعادت القلب للحياة خلال ثوانٍ.
• التسارع البطيني بدون نبض (Pulseless VT): حيث ينبض القلب بسرعةٍ شديدة، لكنها غير فعالة لضخ الدم.
• الجلطة القلبية الحادة (Acute Myocardial Infarction): وهي الانسداد المفاجئ للشرايين، الذي يُوقف قدرة القلب على الضخ.
ثانيًا: الأسباب التنفسية لتوقف القلب المفاجئ
لدى بعض المرضى، خاصةً الأطفال أو مرضى الجهاز التنفسي أو الحالات الحرجة في وحدات العناية؛ يكون السبب الرئيسي لتوقف القلب نقص الأوكسجين (Hypoxia) الناتج عن فشلٍ تنفسي حاد، وتشمل هذه الحالات:
• فشل تنفسي حاد نتيجة التهاب رئوي شديد، أو أزمة ربوية مُهددة للحياة.
• انسداد مجرى الهواء (مثل جسمٍ غريب، أو تضيَق شديد في القصبة الهوائية).
• توقف التنفس نتيجة جرعة زائدة من أدوية مُثبطة للجهاز العصبي المركزي.
• التسمم بغاز أول أكسيد الكربون أو حالات الغرق.
في هذه الحالات، يكون توقف القلب ثانويًا لنقص الأوكسجين، ويُعدَ دعم التهوئة وتوفير الأوكسجين أولوية قصوى، مع بدء الإنعاش القلبي. وفي بعض هذه الحالات، قد لا تكون هناك حاجةٌ فورية لجهاز الصدمات، بل الحاجة لإجراءاتٍ أخرى، مثل الإنعاش القلبي الرئوي أو الأدوية، قبل استخدام الجهاز أو بدلاً منه. ويعتمد ذلك على سبب توقف القلب والوقت منذ توقفه، بالإضافة إلى حالة المريض.
ما هي خطوات الإنقاذ لتوقف القلب المفاجئ؟
خارطة طريق بين الموت والحياة؛ يقول الدكتور محمود: "من خبرتي في وحدات العناية المُركزة، أرى يوميًا أن استجابة الفريق خلال الدقائق الذهبية هي ما يُحدَد مصير المريض. ووفقًا لبروتوكولات العناية، فإن ترتيب خطوات الإنعاش الفعّال يجب أن يتم بسرعة وبلا تردد:
1. تقييم الاستجابة والتنفس: التحقق بسرعة من وعي المصاب والتنفس الطبيعي.
2. طلب الدعم الطبي العاجل: الاتصال بالإسعاف مع تحديد الحالة كمشتبهٍ بها لتوقف القلب.
3. بدء الضغطات الصدرية العميقة: بمعدل 100-120 ضغطة بالدقيقة، بعمق 5-6 سم للبالغين.
4. التهوئة الاصطناعية إذا كان المسعف مُدرَبًا: 30 ضغطة تليها نفسين.
5. الاستعانة بجهاز الصدمات الكهربائية (AED): يُقيّم هذا الجهاز تلقائيًا، حالة القلب ويعطي صدمةً كهربائية في حال الرجفان البطيني.
6. نقل المريض سريعًا إلى وحدة الطوارئ مع استمرارية الإنعاش.
ويوضح الدكتور محمود: "الصدمات الكهربائية هي الحل الوحيد القادر على إعادة ضبط كهرباء القلب في حالات الرجفان البطيني، وكل دقيقة تأخير في استخدام الصدمات تُقلل فرص النجاة 10%."

لحسن الحظ؛ تتوفر في دولة الإمارات، وتحديدًا إمارة دبي، خدمات الإسعاف السريعة والجاهزة عند كل نداء، لإنقاذ حياة المرضى ممن يتعرضون لإصاباتٍ صحية عدة منها توقف القلب المفاجئ. ويُطلعنا الدكتور محمود على دور الإسعاف المهم في هذه الحالة، في الفقرة الآتية..
ما هو الدور الرائد لفريق إسعاف دبي (DCAS)؟
يُقدّم فريق مؤسسة خدمات الإسعاف بدبي (DCAS) نموذجًا يُحتذى في التعامل مع حالات توقف القلب. ما يُميَز هذا الفريق هو:
1. الاستجابة في أقل من 8 دقائق في معظم البلاغات.
2. تدريب المُسعفين على أعلى مستوى، باستخدام بروتوكولات عالمية (مثل ACLS و BLS).
3. استخدام أجهزة الصدمات القلبية المحمولة داخل سيارات الإسعاف.
4. البدء الفوري بالإنعاش القلبي قبل الوصول إلى قسم الطوارئ، مما يحافظ على تدفق الدم للدماغ والأعضاء الحيوية.
5. التكامل مع مراكز الطوارئ والمستشفيات، لتسليم الحالة بشكلٍ سلس ودون توقفٍ في الجهود.
وقد شهدتُ حالاتٍ متعددة نجح فيها طاقم DCAS في إعادة النبض لمرضى حتى قبل الوصول إلى المستشفى، ما يجعلهم في طليعة فرق الإنقاذ على مستوى المنطقة، يضيف الدكتور محمود.
ما بعد عودة النبض: ماذا يحدث في العناية المُركَزة؟
إذا نجحت جهود الإنعاش وعاد النبض، تبدأ رحلةٌ أخرى أكثر تعقيدًا في العناية المُركَزة، تتمثل في الخطوات التالية:
• المراقبة المتواصلة لنبض القلب والتنفس وضغط الدم.
• إجراء قسطرة قلبية فورية للبحث عن أي انسدادٍ في الشرايين.
• تطبيق بروتوكول تبريد الجسم (Therapeutic Hypothermia): أي تقليل حرارة الجسم لحماية خلايا المخ من التدهور الذي يُسبَبه نقص الأكسجين.
• تثبيت الضغط والدورة الدموية بأدويةٍ خاصة.
• إجراء تقييمٍ عصبي شامل لمعرفة مدى تأثير التوقف القلبي على الدماغ.
من الأشخاص الأكثر عرضةً لتوقف القلب المفاجئ؟
بحسب أخصائي طب العناية المُركَزة في المستشفى الدولى الحديث الدكتور محمود مدحت أبوموسى، فإن توقف القلب المفاجئ قد يكون أكثر شيوعًا لدى فئاتٍ معينة من المرضى، تشمل ما يلي:
1. مرضى الشرايين التاجية.
2. من لديهم تاريخٌ عائلي لأمراض القلب المفاجئة.
3. مرضى القلب الكهربائي.
4. الرياضيون الذين يعانون من أمراض قلبية مخفية؛ وقد شهد العالم عدة حالاتٍ لرياضيين محترفين انهاروا فجأةً خلال اللعب. هذه الحالات تؤكد أن توقف القلب لا يختار عمرًا أو لياقة، بل يتطلب استجابةً سريعة دون انتظار.
5. من يتناولون أدويةً تؤثر على كهرباء القلب دون إشرافٍ طبي.

كيف نحمي أنفسنا من توقف القلب المفاجئ؟
جئنا إلى مربط الفرس، كما العبارة العامية الشهيرة، والتي تعني "وصلنا إلى لبَ أو جوهر الموضوع".
الوقاية هي الركيزة الأساسية لحماية أنفسنا ومن نحب من حالاتٍ صحية عدة، منها على سبيل المثال توقف القلب المفاجئ الذي يؤكد الدكتور محمود أنه ضرورةٌ قصوى وحاجةٌ مُلحة. ويُلخَص لنا الوقاية بثلاث نقاط:
1. الكشف المبكر عن أي مشكلاتٍ في القلب، والفحوصات الدورية للقلب.
2. الاهتمام بنمط الحياة الصحي، مع الابتعاد عن التدخين والدهون المُشبعة.
3. نشر ثقافة الإنعاش القلبي الرئوي CPR وتوفير أجهزة الصدمات AED في الأماكن العامة.
يختم لنا الدكتور محمود هذه المقالة المهمة، بالقول: "لقد علَمتني العناية المُركزة أن الحياة قد تُختصر أحيانًا في دقيقةٍ واحدة. كل ثانية تصنع الفارق، والوعي بأهمية الإنعاش القلبي الفوري قد يُنقذ إنسانًا، ويُعيده لأسرته."
بدورنا؛ نضم صوتنا إلى صوت الدكتور محمود وغيرها من المختصين، وندعو من هذا المنبر إلى ضرورة اتباع كافة الخطوات الاحترازية والوقائية، التي تُعزَز صحتنا سواء في عمرٍ صغير أو كبير، بغية تجنّب الأسوأ والذي يتمثل في مضاعفاتٍ خطيرة مثل توقف القلب المفاجئ وتحوَل الحياة في لحظة إلى موتٍ محتوم.