
غددٌ لعابية مُجدَدة لمكافحة جفاف الفم.. يحويها بنكٌ حيوي من تطوير مايو كلينك
قد يكون شهر رمضان، هو أكثر الأوقات التي نعاني منها من مشكلة جفاف الفم؛ نظرًا للصيام ساعاتٍ طويلة خلال النهار دون طعامٍ أو شراب.
لكن ما قد لا يعرفه البعض، هو أن جفاف الفم مشكلةٌ شائعة أيضًا خلال فصل الصيف؛ نتيجةً لزيادة فقدان السوائل من الجسم بسبب الحرارة والتعرق، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بعدم الراحة وتقرحات الفم وتسوس الأسنان. لذا من الضروري شرب كمياتٍ كافية من الماء في الصيف لمكافحة هذه المشكلة، وتجنَب الأطعمة والمشروبات التي تُسبَب الجفاف، واستخدام بدائل اللعاب إذا لزم الأمر، والمتوفرة في الصيدليات، لترطيب الفم.
لكن ثمة سببًا آخر لا يمكن إغفاله، يمكن أن يؤدي إلى جفاف الفم المزمن الذي يعاني منه الملايين حول العالم، ألا وهو تضرر الغدد اللعابية. هذه الغدد مسؤولةٌ عن إنتاج اللعاب الذي بدوره يلعب دورًا هامًا في ترطيب الفم والحفاظ على صحة الفم والأسنان؛ وعندما لا تُنتج الغدد اللعابية ما يكفي من اللعاب، يحدث جفاف الفم (زيرو ستوميا)، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة.
وفي حين أن العلاجين الكيميائي والإشعاعي لسرطان الرأس والرقبة يُعدان من أكثر الأسباب شيوعًا للإصابة بهذه الحالة، إلا أن جفاف الفم المزمن قد يحدث أيضًا نتيجةً للتقدم في العمر واستخدام أدوية معينة وعوامل أخرى تشمل السكري والسكتة الدماغية وداء الزهايمر وفيروس نقص المناعة البشري. مع عدم وجود علاجٍ شافٍ للأسف في الوقت الحالي، لهذه الحالة.

إلا أن باحثي مايو كلينك، تمكنوا من تأسيس أول بنكٍ حيوي في العالم يضم نماذج عضوية مُصغرة (أورغانويدات) من أنسجة الغدد اللعابية البشرية، مما يمهّد الطريق لأبحاثٍ تهدف إلى إيجاد علاج شافٍ.
هذا الإنجاز العلمي المهم يستحق الإضاءة عليه، في ظل التطورات الطبية المتعددة التي نشهدها في عصرنا الحالي، خصوصًا مع الاستخدام المكثف والصحيح للتكنولوجيا المتطورة، في سبيل صحة ورفاه المجتمعات. لذا دعينا نتعرف أكثر عزيزتي، من خلال مقالة اليوم، علا تفاصيل هذا البنك والآمال التي يحملها لملايين البشر حول العالم ممن يعانون من مشكلة جفاف الفم.
ما هو البنك الحيوي لتجديد الغدد اللعابية؟
يُعلَق الدكتور ناجاراجان كانان، المؤلف الرئيسي في تصريحٍ حول الدراسة المنشورة في مجلة إن بي جيه للطب التجديدي (NPJ Regenerative Medicine) بالقول: "يتغلب هذا المُورد الفريد المتمثل في البنك الحيوي، على عقبةٍ رئيسية طالما واجهناها في هذا المجال، ألا وهي محدودية الحصول على عيناتٍ قياسية من أنسجة لعابية مناسبة لأبحاث تجديد الغدد اللعابية. كما تضع هذه المجموعة حجر الأساس لتطوير علاجٍ تجديدي، خاصةً لحالة جفاف الفم المقترنة بالعلاج الإشعاعي." والدكتور كانان هو أيضًا مدير مختبر مايو كلينك لبيولوجيا الخلايا الجذعية والسرطان.
تجدر الإشارة إلى أن حوالي 70% من المرضى المصابين بسرطان الرأس والرقبة ممن يخضعون للعلاج الإشعاعي، يعانون من تضررٍ دائم في غددهم اللعابية. وينتجُ عن ذلك انخفاضٌ في جودة الحياة بسبب الشعور المستمر وكأن الفم مُبطن بالقطن. وبجانب الشعور بالانزعاج، يمكن أن يؤدي جفاف الفم المزمن إلى صعوباتٍ في المضغ والكلام والبلع، كما قد يتسبب في تسوس الأسنان. يقول الدكتور جيفري جانوس، اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة في مايو كلينك في ولاية فلوريدا وأحد المشاركين في الدراسة: "يمكن أن يستمر جفاف الفم حتى بعد انتهاء العلاجات الإشعاعية بفترة طويلة: "يُعدَ هذا من أكبر المخاوف التي أسمعها من المرضى المصابين بسرطان الرأس والرقبة. وللأسف فإن الحلول العلاجية المتاحة تجاريًا محدودة لهؤلاء المرضى."
تتمثل أحد أساليب البحث الواعدة في زراعة الخلايا المتجددة النادرة بأعدادٍ أكبر، بحيث تتمكن من مساعدة الأشخاص مستقبلًا على الاستشفاء ونمو خلايا غدد لعابية جديدة وسليمة. ويتكون البنك الحيوي من عينات جُمعت من 208 متبرع؛ وقد اكتشف الباحثون بالفعل، بفضل هذا المستودع، مؤشراتٍ حيوية لخلايا ناضجة مُنتجة للعاب، وبمساعدة خريطة بروتينية عالية الدقة، حدَدوا الأصل النسيجي المحتمل لخلايا لعابية نادرة ذاتية التجدد.
كما طوّر فريق البحث نموذج لإصابةٍ إشعاعية، مقترن بالبنك الحيوي، والذي يُوفر منصةً متكاملة لاكتشاف العلاجات الحيوية التجديدية الجديدة والمُخصصة. ويأتي هذا البحث كثمرة تعاونٍ بين مركز مايو كلينك للعلاجات الحيوية التجديدية وقسم طب المختبر وعلم الأمراض وقسم الأنف والأذن والحنجرة وهي واعدةٌ، كما أسلفنا، للملايين ممن يعانون بشدة من مشكلة تضرر الغدد اللعابية وتداعياتها المتمثلة في جفاف الفم.
الآن؛ لا بدَ من إلقاء نظرةٍ أعمق على ماهية الغدد اللعابية، وظائفها ومشاكلها وكيفية علاجها، في السطور التالية..

ما هي الغدد اللعابية؟
الغدد اللعابية هي غددٌ خارجية الإفراز، تقع حول الفم وتفرز اللعاب؛ ويحتوي الأخير على إنزيماتٍ تساعد في عملية الهضم، كما يحمي الأسنان من التسوس، ويحافظ على رطوبة الفم. هناك عدة أنواع من الغدد اللعابية، مثل الغدد الرئيسية والغدد الصغيرة.
1. الغدد اللعابية الرئيسية:
• الغدد النكافية (Parotid glands): تقع أمام الأذنين وهي أكبر الغدد اللعابية.
• الغدد تحت الفكية (Submandibular glands) : تقع تحت الفك السفلي.
• الغدد تحت اللسان: (Sublingual glands) تقع أسفل اللسان وهي أصغر الغدد اللعابية.
2. الغدد اللعابية الصغيرة:
• توجد في أنحاء الفم المختلفة مثل الشفاه وبطانة الفم والخدين والحلق.
• تساعد في الحفاظ على رطوبة الفم وحماية الأسنان واللثة.
ما هي وظائف الغدد اللعابية؟
الجميل أن هذه الغدد، ومعها اللعاب، ليست بسيطةً أبدًا؛ بل أن لها مزايا ووظائف مهمة وأساسية للإنسان. وتتمثل هذه الوظائف في الآتي:
• الهضم: يبدأ اللعاب عملية الهضم في الفم بفضل الإنزيمات التي يحتويها، مما يساعد على تكسير الطعام.
• البلع: يساعد اللعاب على ترطيب الطعام وتسهيل عملية البلع.
• حماية الفم: يحمي اللعاب الأسنان من التسوس ويساعد على منع نمو البكتيريا الضارة في الفم.
• التذوق: يُذيب اللعاب جُزيئات الطعام لتتمكن براعم التذوق من التعرف على النكهات.
• التحدث: يساعد اللعاب في حركة اللسان والكلام.
• الشفاء: يحتوي اللعاب على عوامل تساعد على التئام الجروح في الفم.
كغيرها من أجهزة الجسم الآخرى، يمكن أن تتعرض هذه الغدد لمشكلاتٍ صحية تنجم عنها بعض الأمراض والمتاعب الصحية.
ما هي مشاكل الغدد اللعابية؟
من الضروري تحرَي هذه المشاكل عن طريق الفحص الطبي، وبعد استشارة الطبيب المختص. ومشاكل الغدد اللعابية أربع تأتي كما يلي:
1. التهاب الغدد اللعابية: قد يحدث التهاب الغدد اللعابية بسبب العدوى أو انسداد القنوات اللعابية أو حصوات اللعاب.
2. تضخم الغدد اللعابية: قد يحدث تضخم الغدد اللعابية بسبب التهابٍ أو ورمٍ أو حصوات.
3. أورام الغدد اللعابية: يمكن أن تكون هذه الأورام حميدة أو خبيثة.
4. جفاف الفم: قد يحدث جفاف الفم بسبب نقص إفراز اللعاب.
كيف يتم علاج مشاكل الغدد اللعابية؟
يعتمد العلاج في المقام الأول على سبب المشكلة، وقد يشمل:
• المضادات الحيوية في حالة العدوى.
• مُسكنات الألم لتقليل الألم والتورم.
• إزالة الانسداد أو الحصوات.
• العلاج الإشعاعي أو الجراحة في حالة الأورام.
• علاجاتٌ أخرى ينصح بها الطبيب، لتخفيف جفاف الفم.
في الخلاصة؛ جفاف الفم أو ما يُعرف طبيًا بـ"Xerostomia" هو حالةٌ تحدث عندما تقلَ كمية اللعاب التي تفرزها الغدد اللعابية، مما يؤدي إلى شعورٍ مزعج بالجفاف داخل الفم. هذه الحالة قد تكون مؤقتة أو مُزمنة، وتعتمد على السبب الكامن وراءها مثل الأدوية أو العلاجات الكيميائية والإشعاعية فضلًا عن تضرر الغدد اللعابية.
نحتاج لتعزيز صحة اللعاب في الفم، للقيام بالعديد من الوظائف الحيوية والمهمة مثل المضغ والتذوق والشفاء. لذا لا تتهاوني عزيزتي في حال عانيتِ من مشكلة جفاف الفم لوقتٍ طويل، بادري لاستشارة الطبيب المختص لتحديد العلاج المناسب بأقرب فرصة.