صحة المراهقين والشباب من جيل زد

خط الدفاع الأول لحماية جيل زد: كيف يساعد الأهل أولادهم في رحلة البلوغ والشباب

جمانة الصباغ

جيل زد Gen Z هو جيلٌ فريد من نوعه؛ يتميز بتقنيته العالية، واهتمامه بالقضايا الاجتماعية، وتركيزه على الصحة النفسية، مما يجعله جيلًا مؤثرًا في مختلف جوانب الحياة.

يُعتبرون الجيل الأول الذي نشأ مع توفر الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي كأمرٍ طبيعي؛ عادةً ما يكونون متكيفين مع التكنولوجيا ومتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ يهتمون بالقضايا الاجتماعية والبيئية والصحية ويظهرون وعيًا متزايدًا بالصحة النفسية، حتى ويطالبون بدعمها. لكنهم كغيرهم من الأجيال السابقة، لا بدَ سيمرون بمراحل عمرية مختلفة من حياتهم، على رأسها مرحلة البلوغ والمراهقة؛ حيث التحديات الصحية أكبر، والمشاكل النفسية تتعاظم مع تغيَر الجسم واضطرابات الهرمونات المستمر، ناهيكِ عن بدء التعرف على مسائل حساسة لم تكن في بالهم من قبل، مثل العلاقات العاطفية والجنسية وغيرها.

من هنا؛ يبقى التثقيف الواعي والصحيح من قبل المجتمع قاطبةً، متمثلًا في المقام الأول بالأهل والمدرَسين والمختصين، حاجةً ملحة لتوجيه بنات وأبناء هذا الجيل نحو التوعية والمعرفة الصحية السليمة، بعيدًا عن كمَ المعلومات المغلوطة والآراء غير المُوفقَة للكثير من الأفراد الذين يتخذون من منصات التواصل الاجتماعي، وسيلةً سهلة لتصيَد الشباب وحشو رؤوسهم وعقولهم بأفكارٍ ومعلوماتٍ خاطئة.

صحيحٌ أن السوشيال ميديا تضم العديد من الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية ذوي الكفاءة العالية والمرجعية الصحيحة؛ لكنها لا تخلو أيضًا من مؤثرين وأشخاصٍ يسعون للكسب المادي من خلال الترويج لعلاجاتٍ ومعلوماتٍ صحية لا تنطبق على الجميع بذات الدرجة. وهنا يأتي دور الأهل والمجتمع في المدرسة وغيرها، لتصحيح هذا المسار من خلال تثقيف جيل زد بكافة المعلومات الصحيحة لما ينتظرهم من تغييرات في مراحل البلوغ والمراهقة.

صحة المراهقين والشباب من جيل زد-رئيسية واولى
صحة المراهقين والشباب من جيل زد

موقع "هي" يشارك في هذه الحملة؛ من خلال التحدث إلى المختصين في مجال الرعاية الصحية في المنطقة، واستطلاع آرائهم وتوجيهاتهم الصحية الصحيحة لكافة قارئات الموقع ومن يهمهم. لذا توجهنا بالحديث إلى الدكتورة إيناس عثمان، استشارية طب الأسرة في مستشفى فقيه الجامعي – دبيhttps://www.fuh.care/؛ لمعرفة المزيد منها عن صحة المراهقين والشباب من جيل زد في مرحلتي البلوغ والمراهقة، التحديات الصحية، وأهمية التثقيف الصحي من قبل الأهل والجسم الطبي. فإذا كنتِ عزيزتي تبحثين عن المصدر الموثوق لمعرفة المزيد عن هذه المواضيع، ما عليكِ سوى متابعة مقالتنا اليوم..

ما هي المراهقة؟

مرحلة المراهقة من أكثر المراحل حساسيةً في حياة الإنسان؛ إذ تشهد تحولاتٍ بيولوجية ونفسية واجتماعية حادة. وفي زمن السوشال ميديا والمحتوى الرقمي السريع، أصبح التثقيف الصحي للأبناء مهمةً حتمية لكل أسرة؛ ليس فقط لحمايتهم من المعلومات المغلوطة، وإنما أيضًا لبناء وعيٍ صحي ونفسي سليم، يُحصَنهم ضد ضغوطات الحياة.

ما هو البلوغ ومتى يحدث؟

البلوغ هو المرحلة التي تبدأ فيها الهرمونات الجنسية بالعمل في الجسم، مما يؤدي إلى تغيَراتٍ جسدية وعاطفية تُمهّد الطفل ليصبح بالغاً.

بالنسبة للجنسين، يحدث البلوغ في مراحل عمرية مختلفة، مع تفاوت في التغييرات الجسدية كالآتي:

•       الإناث 8 – 13 سنة: نمو الثديين، بدء الدورة الشهرية، وتوزيع الدهون في الجسم.

•       الذكور 9 – 14 سنة: تضخم الخصيتين، خشونة الصوت، زيادة الطول، نمو العضلات، وظهور شعر الجسم.

بحسب الدكتورة عثمان، من الضروري للأهل مراقبة علامات البلوغ والتأكد من أنها تحدث في الإطار الزمني الطبيعي. فحدوث البلوغ في سنٍ مبكرة (كما يحدث في منطقة الخليج حاليًا) أو متأخرة، قد يكون مؤشرًا على وجود اضطراباتٍ هرمونية تحتاج إلى تقييمٍ طبي متخصص.

لماذا البلوغ المبكر في الخليج ظاهرةٌ مقلقة؟

في منطقة الخليج، يلاحظ الأطباء زيادةً واضحة في حالات البلوغ المبكر، لا سيما بين الفتيات. وتتحدث الدكتورة عثمان عن هذه الظاهرة بالقول: "كثيرًا ما نستقبل في العيادات، أُسرًا يقلقون من ظهور علامات البلوغ لدى بناتهنَ في أعمارٍ صغيرة جدًا. وهنا يبدأ القلق الطبي، لأنه في كثيرٍ من الحالات يكون البلوغ المبكر مرتبطًا بعوامل بيئية وغذائية أكثر منه وراثية."

أبرز العوامل المؤدية للبلوغ المبكر هي ما يلي:

1.     النظام الغذائي غير الصحي: منها الأطعمة المُصنعة، الوجبات السريعة، والمشروبات الغازية والمُحلاة.

2.     مُغريات السوبرماركت: وفرة الوجبات الجاهزة والحلويات التي ترفع نسب السُمنة.

3.     السُمنة المفرطة: ترفع من مستوى بعض الهرمونات مثل الإستروجين، الذي قد يُسرَع عملية البلوغ لدى الإناث.

4.     قلة النشاط البدني: نمط الحياة الكسول المرتبط بالجلوس أمام الشاشات معظم الأوقات.

5.     المواد الحافظة والمُنكهات الصناعية: التي قد تحتوي على مواد مؤثرة هرمونيًا.

لهذا البلوغ المبكر مخاطر صحية عدة لا يجب إغفالها، سواء من الأهل أو مقدمي الرعاية الصحية؛ لأنها تتضمن:

•       تأثيرًا نفسيًا سلبيًا والشعور بالخجل والانعزال.

•       قِصر القامة النهائي نتيجة نضج العظام مبكرًا.

•       اضطرابات نفسية وهرمونية في المراحل اللاحقة من الحياة.

وتنصح استشارية طب الأسرة في مستشفى فقيه الجامعي في مثل هذه الحالات: "للوقاية من البلوغ المبكر، يجب تحسين نوعية الغذاء المُقدم للأطفال، والتقليل من الأطعمة الجاهزة، مع تشجيعهم على ممارسة الرياضة بانتظام. الصحة تبدأ من نمط الحياة اليومي في المنزل."

كل هذا لا بدَ سيساعد جيل زد في التحضَر مسبقًا لتحدياتٍ صحية، سيمرون بها في مرحلتي المراهقة والشباب، نستعرضها في الفقرة التالية..

يحتاج الأهل لتوعية أولادهم وتثقيفهم صحيًا بغية المحافظة على صحتهم النفسية
يحتاج الأهل لتوعية أولادهم وتثقيفهم صحيًا بغية المحافظة على صحتهم النفسية

ما هي التحديات الصحية للمراهقين والشباب؟

وفقًا للدكتورة عثمان، ثمة العديد من المشكلات والتحديات الصحية التي تقضَ مضجع المراهقين والشباب من جيل زد، تشمل:

1.     حب الشباب: بسبب فرط النشاط الهرموني.

2.     القلق بشأن شكل الجسم والمظهر العام: خاصةً في ظل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي تُسوَق للأسف، لفكرة الجسم المثالي.

3.     اضطرابات النوم: بسبب السهر واستخدام الهواتف قبل النوم.

4.     السلوكيات الخطرة: مثل التدخين أو تجربة الكحول نتيجة ضغط الأقران أو الفضول.

5.     الاضطرابات النفسية: كالاكتئاب، القلق، واضطرابات الأكل.

6.     قلة الوعي بالصحة الجنسية والإنجابية.

يمكن تخفيف هذه التحديات أو علاج الصعب منها، من خلال قيام الدور والمجتمع الراعي للمراهقين والشباب، بدورهم الرئيسي في تثقيف هذا الجيل بشكلٍ جيد وصحيح.

وتؤكد الدكتورة عثمان على أن التثقيف الصحي السليم، هو الحصن الأول للمراهقين؛ فهو  ضرورةٌ لتجنيب المراهقين الوقوع في أخطاء قد تؤثر على صحتهم مستقبلاً. التثقيف هنا لا يشمل فقط الجانب الجسدي، بل يتضمن أيضاً:

•       النظافة الشخصية.

•       الصحة الجنسية الآمنة.

•       الصحة النفسية وإدارة المشاعر.

•       أسس التغذية السليمة.

وتضيف: "التثقيف الصحي الصحيح يجب أن يبدأ في المنزل ويستكمل في المدارس، مع مراعاة استخدام لغةٍ تناسب وعي المراهقين دون تخويفٍ أو تهوين."

كيف يتحدث الأهل مع أولادهم عن الصحة والبلوغ؟

إليكِ نصائح الدكتورة عثمان القيَمة في هذا المجال:

1.     ابدأوا بالحديث في وقتٍ مبكر وبشكلٍ تدريجي، قبل أن تأتيهم المعلومة من مصادر غير موثوقة.

2.     كونوا مستمعين جيدين، دون إصدار أحكامٍ أو انتقادات.

3.     استخدموا كتبًا علمية مُبسَطة أو مقاطع فيديو موثوقة للتوضيح.

4.     شجعوا الحوار المستمر بينكم وبينهم، واجعلوا الحديث عن الصحة جزءًا من النقاشات العائلية العادية.

5.     أظهِروا تقبلًا للتغيَرات النفسية والجسدية لأبنائكم، وذكَروهم بأنها جزءٌ طبيعي من الحياة.

ما هذه النصائح وغيرها من التوجيهات التي يُسديها مقدمو الرعاية الصحية للأهل، سوى طوق نجاة، يحمي أبناء وبنات جيل زد من العديد من المشكلات النفسية التي قد تواجههم في مواجهة ما يحدث داخل أجسامهم من تغييراتٍ غير مسبوقة؛ لأن ذلك كله له تأثيرٌ على صحتهم النفسية كذلك الأمر. والأرقام لا تكذب..

فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ فإن 16% من المراهقين يعانون اضطراباتٍ نفسية، معظمها يظهر بين 14 و19 سنة. والمراهقون الذين يقضون أكثر من 4 ساعات يوميًا على السوشيال ميديا، هم أكثر عرضةً للقلق والاكتئاب بنسبة تصل إلى 45%.

الدكتورة إيناس عثمان استشارية طب الأسرة في مستشفى فقيه الجامعي
الدكتورة إيناس عثمان استشارية طب الأسرة في مستشفى فقيه الجامعي

وتُنبَه الدكتورة عثمان إلى هذه التداعيات بالقول: "لا ينبغي التقليل من أهمية الصحة النفسية للمراهقين، فأي تغيَرٍ في السلوك أو المزاج يستدعي الحديث مع مختصٍ نفسي."

وفي رسالتها الأخيرة للأهل، تؤكد على الأسس التالية:

•       المراهقون بحاجةٍ إلى دعم وليس رقابة صارمة.

•       كونوا قدوةً في التعامل مع أجسادكم وصحتكم أمام بناتكم وأبنائكم.

•       شاركوهم الرياضة، التغذية الصحية، والحوار الهادئ عن كل ما يُقلقهم.

•       لا تخافوا من التثقيف المبكر، فالوقاية دائمًا أفضل من العلاج.

بهذه المنهجية الواعية، يمكن للأهل أن يكونوا خط الدفاع الأول في حماية صحة جيل زد الجسدية والنفسية، وتربيتهم ليصبحوا شاباتٍ وشبانًا واثقين بأنفسهم، مدركين لما يواجههم من تحدياتٍ في هذا العالم سريع التغيَر والمليء بالتحديات والمشاكل.