لماذا تُسمى عضلة الساق ب القلب الثاني للجسم؟

القلب الثاني: كيف تحافظ عضلة الساق على ضخ الدم في جسمكِ؟

جمانة الصباغ

هل تعلمين عزيزتي أن لديكِ قلبًا ثانيًا؟

عندما يُذكر القلب، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان ذلك العضو العضلي النابض الذي يوجد في صدر الإنسان، والذي لا يتوقف عن العمل لحظةً واحدة منذ ولادتنا وحتى آخر لحظةٍ في حياتنا. ولكن هل فكرتِ يومًا أن هناك عضوًا آخر في جسمكِ، يعمل بطريقةٍ تشبه القلب، وله دورٌ حيوي في ضخ الدم؟

نعم، إنها عضلة الساق، وتحديدًا عضلات الربلة (عضلة بطة الساق)، والتي يُطلق عليها العلماء أحيانًا إسم "القلب الثاني" لجسم الإنسان.

التفسير العلمي: لماذا عضلة الساق تُلقّب بالقلب الثاني؟

لفهم هذا التوصيف، علينا أولًا أن نتعمق قليلاً في كيفية دوران الدم في الجسم؛ يشرح لنا الدكتور هشام طايل، أخصائي أمراض القلب التداخلي في المستشفى الدولي الحديث دبي.

يقوم القلب بضخ الدم المؤكسج (المحمّل بالأوكسجين) إلى جميع أعضاء الجسم عبر الشرايين. وبعد أن يستخدم الجسم الأوكسجين، يعود الدم غير المؤكسج محمّلًا بثاني أوكسيد الكربون عبر الأوردة إلى القلب، ليُضخ مجددًا إلى الرئتين من أجل إعادة الأوكسجين إليه.

وهنا تظهر المشكلة: الدم في الأطراف السفلية، مثل القدمين والساقين، يجب أن يصعد عكس الجاذبية ليصل إلى القلب. فكيف يتم ذلك؟

الجواب هو: بمساعدة عضلات الساق؛ عندما تنقبض هذه العضلات أثناء الحركة (مثل المشي أو الجري أو حتى الوقوف والحركة البسيطة)، فإنها تضغط على الأوردة الموجودة بينها، مما يدفع الدم إلى الأعلى باتجاه القلب. وتمنع الصمامات الوريدية في تلك الأوردة، الدم من الرجوع للأسفل. هذا يشبه تمامًا عمل القلب في دفع الدم عبر الجسم، ولهذا السبب تحديدًا تُسمى عضلة الساق بـ"القلب الثاني".

ماذا نفهم من ذلك أيضًا؟ أن أي ضعف في عضلات الساق، قد تكون له تداعياتٌ كبيرة على الدورة الدموية في الجسم وسيرورتها؛ وهو ما يجيب عليه الدكتور طايل في التالي..

الدكتور هشام طايل أخصائي أمراض القلب التداخلي في المستشفى الدولي الحديث
الدكتور هشام طايل أخصائي أمراض القلب التداخلي في المستشفى الدولي الحديث

كيف يؤثر ضعف عضلات الساق على الدورة الدموية؟

إذا كانت عضلات الساق ضعيفةً، أو إذا قضى الشخص فتراتٍ طويلة جالسًا أو واقفًا دون حركة؛ فإن الدم يتجمع في الأطراف السفلية بسبب ضعف الضخ الوريدي العائد إلى القلب. وهذا التجمع قد يؤدي إلى عدة مشاكل:

1. الدوالي الوريدية

تُعد من أبرز نتائج ضعف عضلات الساق. والدوالي هي أوردة متضخمة وملتوية، تحدث نتيجة لارتفاع الضغط داخل الأوردة بسبب تراكم الدم.

2. تورم الساقين والكاحلين

يحدث بسبب تجمع السوائل في الأنسجة، كنتيجةٍ طبيعية لضعف حركة الدم العائدة إلى القلب.

3. الإرهاق والشعور بالثقل في القدمين

الدم الراكد يعني نقص الأوكسجين وتراكم الفضلات في الأنسجة، ما يؤدي إلى شعورٍ بالثقل والتعب حتى بعد جهدٍ بسيط.

4. تجلَط الدم

في بعض الحالات الخطيرة، قد يؤدي ركود الدم إلى تكوين جلطاتٍ دموية؛ وهو أمرٌ مُهدد للحياة إذا انتقلت هذه الجلطة إلى الرئتين (الانسداد الرئوي).

5. ضعف الأداء البدني العام

يُقلَل ضعف عودة الدم إلى القلب من كفاءة الدورة الدموية، كما يؤثر في قدرة الجسم على أداء المجهود البدني بكفاءة.

من هذا المنطلق، ينبغي علينا دومًا تحريك عضلة الساق وتقويتها، لتبقى قادرةً على القيام بمهامها الحيوية.

كيف يمكنكِ تقوية وتنشيط "قلبكِ الثاني"؟

لحسن الحظ، عضلات الساق تستجيب بشكلٍ ممتاز للتمارين البسيطة والمنتظمة. إليكِ بعض الطرق الفعالة لتحفيز القلب الثاني وتقويته كما أفادنا بها الدكتور طايل:

1. المشي اليومي

يُعدَ من أسهل وأهم الوسائل لتحفيز عضلات الساق. ويُفضل المشي لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًا؛ يُحفَز المشي انقباض عضلات الساق بطريقةٍ طبيعية ومنتظمة.

2. تمارين رفع الكعب (Calf Raises)

قفِ بشكلٍ مستقيم وارفعي كعبيكِ عن الأرض لتقفي على أصابع قدميكِ، ثم انزلي ببطء. كرَري التمرين 3 مرات يوميًا بمعدل 15 إلى 20 تكرار؛ هذا التمرين يُقوي عضلات الربلة ويُحفَز الدورة الدموية.

3. الجلوس والحركة

إذا كنتِ تعمل في وظيفةٍ تتطلب الجلوس لفتراتٍ طويلة، حاولي الوقوف والتحرك لبضع دقائق كل نصف ساعة. كذلك يمكنكِ القيام بحركاتٍ دائرية للقدمين أو ثني الركبة ومدها أثناء الجلوس.

4. تمارين التمدد

بعض أوضاع التمرين مثل "وضعية الكلب المتجه للأسفل" تساعد على تحفيز الدورة الدموية وتنشيط عضلات الساق.

المشي وتحريك عضلة الساق يساعدان في قيامها بمهمتها الحيوية لضخ الدم
المشي وتحريك عضلة الساق يساعدان في قيامها بمهمتها الحيوية لضخ الدم

5. رفع القدمين

يساعد رفع القدمين إلى مستوى أعلى من مستوى القلب لبضع دقائق يوميًا، على تصريف الدم الراكد في الساقين، كما يُخفَف من التورم.

6. ارتداء الجوارب الضاغطة

في بعض الحالات، يُنصح بارتداء الجوارب الضاغطة لتحسين عودة الدم الوريدي وخاصةً لمن يعانون من الدوالي أو يقفون لفتراتٍ طويلة.

7. شرب الماء بكمياتٍ كافية

يؤثر الجفاف على كثافة الدم ويجعله أكثر لزوجةً، مما يعوق تدفقه. لذا فإن شرب كمياتٍ كافية من الماء يُسهم في تحسين الدورة الدموية.

ما هي الفئات الأكثر عرضة لمشاكل ضعف "القلب الثاني"؟

ليس الجميع مُعرَضًا بنفس الدرجة لمشاكل ضعف عضلة الساق، يؤكد الدكتور طايل. فيمت تُعدَ الفئات التالية أكثر حاجةً للعناية بهذا "القلب الثاني":

•       كبار السن

•       الموظفون الذين يجلسون لساعات طويلة

•       العاملون في المهن التي تتطلب الوقوف لفترات طويلة (كالمعلمين )

•       الحوامل

•       الأشخاص المصابون بالسكري أو أمراض الأوعية الدموية

•       الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة بانتظام.

ما دور التكنولوجيا في دعم القلب الثاني؟

خلال السنوات الأخيرة، ظهرت تقنياتٌ حديثة تساعد في دعم وظيفة القلب الثاني، منها:

•       الأجهزة الضاغطة الإلكترونية التي تُستخدم لتحفيز الدورة الدموية في المستشفيات.

•       الأحذية الطبية التي تدعم القدمين وتُقلَل من الضغط على العضلات.

•       أجهزة اللياقة المحمولة التي تُحفّز عضلات الساق باستخدام النبضات الكهربائية.

كيف كان مفهوم القلب الثاني في الثقافات القديمة؟

الملفت أن بعض الثقافات القديمة، كانت تدرك أهمية الساقين في الدورة الدموية بشكلٍ فطري، حتى وإن لم تكن تعرف المصطلحات العلمية الدقيقة. ففي الطب الصيني التقليدي، على سبيل المثال، يُعتبر تدليك القدمين والساقين من العلاجات الأساسية لتنشيط الجسم كله.

لماذا تُسمى عضلة الساق ب القلب الثاني للجسم؟-رئيسية واولى
لماذا تُسمى عضلة الساق ب القلب الثاني للجسم؟

خلاصة القول؛ في كل خطوة تخطينها، في كل وقفة تتحرك فيها عضلات ساقكِ، هناك عضوٌ صامت يعمل بجد من أجل أن يصل الدم إلى قلبكِ من جديد. هذا "القلب الثاني"، وهو عضلة الساق، لا تقل أهميته عن القلب الحقيقي في الحفاظ على حياةٍ صحية، خاصة فيما يتعلق بالدورة الدموية وصحة الأوردة.

إهمال هذا القلب قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة تبدأ بالتورم والدوالي، ولا تنتهي عند احتمالية تجلط الدم. في المقابل، فإن العناية به وتنشيطه لا تتطلب الكثير: بضع خطواتٍ يومية، تمارين بسيطة، والقليل من الحركة المنتظمة.

وفي زمن كثرت فيه الأمراض المرتبطة بقلة الحركة، يصبح إدراككِ أن لديكِ قلبًا ثانيًا مسؤوليةً شخصية وصحية، وقد تكون هذه المعرفة البسيطة بدايةً لحياةٍ أكثر صحة ونشاطًا.