البهاق الأعراض، والأسباب، والعلاج

البهاق: مرض مناعي صامت يُغيّر لون الجلد... لا قوة الإنسان

جمانة الصباغ

ببقعٍ بيضاء منتشرةٍ في أماكن مختلفة من الوجه والجسم، لم يخشَ الكثيرون من المشاهير مواجهة المجتمع والكشف عن إصابتهم بمرض البُهاق؛ هذا المرض الذي يُعدَ حالةً جلدية طويلة الأمد، حيث تفقد بُقع الجلد صبغتها وتصبح أفتح أو بيضاء تمامًا.

مشاهير واجهوه بشجاعة وصلابة، وآخرون اشتهروا به؛ من النجم الهندي العالمي أميتشاب باتشان، إلى العارضة الأمريكية ويني هارلو، مرورًا بالمغني المصري رامي جمال والمؤشرة وسيدة الأعمال اللبنانية كارن وازن، وغيرهم ممن لا تتسع لهم سطور هذه المقالة. جميعهم كانت لديهم الجرأة والقوة للحديث عن مرض البهاق، والتوعية حوله بالطبع، في محاولةٍ لكسر الصورة النمطية عن أن المشاهير لا يعانون من أية مشكلات تُنغص حياتهم.

يصيب البهاق الناس من جميع الأعمار والأعراق والأجناس حول العالم. إليكِ لمحة سريعة عن آخر الإحصائيات العالمية:

•       يُقدر معدل الانتشار العالمي بحوالي 0.5% إلى 1% من السكان، مع أن بعض الدراسات تشير إلى أنه قد يصل إلى 2.28% في بعض المناطق.

•       يُترجم هذا إلى ما يقرب من 70 إلى 100 مليون شخص مصابين بالبهاق حول العالم.

•       يُشكل الأطفال ما بين 20% و35% من جميع حالات البهاق.

•       تُصيب هذه الحالة الرجال والنساء على حد سواء، وهي موجودةٌ في جميع المجموعات العِرقية.

•       سُجلت أعلى معدلات انتشار البهاق في غرب آسيا، لتصل إلى 0.77%؛ فيما سُجلت أدنى المعدلات في شرق آسيا، بحوالي 0.12%.

•       في الولايات المتحدة، يُقدَر عدد المصابين بالبهاق ما بين 1.9 و2.8 مليون شخص، بما في ذلك الحالات غير المُشخصة.

البهاق الأعراض، والأسباب، والعلاج - رئيسية واولى
البهاق الأعراض، والأسباب، والعلاج 

على الرغم من شيوع البهاق، إلا أنه غالبًا ما يكون ذو تمثيلٍ ناقص في مناقشات الصحة العامة. لكن الوعي حوله يتزايد، وكذلك الأبحاث. وفي كل عام، وتحديدًا في 25 يونيو، يُحتفل باليوم العالمي للبهاق؛ وهو مناسبةٌ عالمية ومحلية لرفع الصوت والوعي حول هذا المرض الجلدي المزمن الذي يُؤثر على مظهر الجلد، لكن تأثيراته قد تمتد إلى الحالة النفسية، وهوية الشخص المصاب، والتعامل المجتمعي معه.

للوقوف أكثر على حيثيات هذا المرض؛ أسبابه وأعراضه وطرق علاجه، تحدثنا إلى الدكتورة رنا أبو طراب، أخصائية الأمراض الجلدية في مستشفى فقيه الجامعي – دبي والتي وافتنا بالمعلومات التالية..

ما هو البهاق؟ وماذا يحدث في الجلد عند الإصابة بهذا المرض؟

البهاق حالةٌ جلدية مُزمنة، تفقد فيها بقعٌ من الجلد صبغتها وتصبح أفتح أو بيضاء تمامًا. ويحدث هذا بسبب تلف الخلايا الصبغية - وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج الميلانين، الصبغة التي تُعطي الجلد لونه - أو تمنعها عن العمل بشكلٍ صحيح. يمكن أن تؤثر هذه الحالة على أي جزءٍ من الجسم، ولكنها أكثر شيوعًا في الوجه واليدين والذراعين والقدمين وحول فتحات الجسم مثل العينين والفم. كما يمكن أن تؤثر أيضًا على الشعر، فتتحول ألوانه إلى الأبيض أو الرمادي، وحتى داخل الفم أو الأنف.

من الضروري التنويه إلى أن البهاق لا يُعدَ مرضًا مُعديًا أو مُهددًا للحياة، ولكنه قد يُخلَف آثارًا عاطفية ونفسية بالغة، خاصةً في المجتمعات التي يحتل فيها المظهر أهميةً اجتماعية كبيرة. ورغم أن السبب الدقيق غير مفهوم تمامًا، يُعتقد أنه اضطراب مناعي ذاتي بحسب ما تشير الدراسات الحديثة، وقد يرتبط بعوامل وراثية أو يُحفزه التوتر أو حروق الشمس أو إصابات الجلد.

إذن، البهاق مرضٌ متعدد العوامل، تتداخل فيه آلياتٌ عدة، هي كما يلي:

1.     الاستجابة المناعية الذاتية: حيث يهاجم جهاز المناعة خلايا الميلانوسايت، كما في أمراضٍ مثل الثعلبة والغدة الدرقية.

2.     الإجهاد التأكسدي (Oxidative Stress): والذي يُساهم في تحفيز موت الخلايا الصبغية.

3.     عوامل وراثية: أكثر من 40 جينًا تمَ ربطهم بزيادة خطر الإصابة بالبهاق، أبرزهم الجين NLRP1.

4.     عوامل بيئية ومُحفزات موضعية: مثل الجروح، الحروق، التهابات الجلد المتكررة، أو التعرّض للمواد الكيميائية.

ما هي أعراض البهاق؟

كما أسلفنا؛ من أبرز أعراض البهاق ظهور بقعٍ جلدية تفقد صبغتها، فتتحول إلى لونٍ أفتح أو أبيض تمامًا.

وفيما يلي أبرز الأعراض الرئيسية لهذا المرض:

•       فقدان لون الجلد بشكلٍ غير منتظم، وغالبًا ما يكون متماثلًا على جانبي الجسم.

•       تبييض أو شيب مبكر لشعر فروة الرأس والرموش والحواجب واللحية.

•       فقدان لون الأغشية المخاطية، مثل داخل الفم أو الأنف.

•       تغيَرات في لون شبكية العين أو القزحية (مع أن الرؤية لا تتأثر عادةً).

•       زيادة الحساسية لأشعة الشمس في المناطق قليلة الصبغة، مما قد يؤدي إلى حروق الشمس.

يمكن أن تتطور الحالة ببطءٍ أو بسرعة، ويختلف مدى فقدان الصبغة بشكلٍ كبير من شخصٍ لآخر. إذ قد يعاني بعض الأشخاص من بقعٍ صغيرة قليلة فقط، في حين قد يعاني آخرون من فقدانٍ واسع النطاق للتصبغ.

يظهر البهاق بشكلٍ أكبر على الوجه والشفاه وحول العينين
يظهر البهاق بشكلٍ أكبر على الوجه والشفاه وحول العينين

هل البهاق يُسبَب الحكة؟

سؤالٌ يطرح نفسه، والإجابة: قد يكون كذلك! مع أن الحكة ليست عرضًا شائعًا للبهاق، إلا أن بعض الأشخاص يعانون منها، خاصةً في المناطق التي تتشكل فيها بقعٌ جديدة أو حيث يكون الجلد مُلتهبًا. قد يكون سبب هذه الحكة:

1.     التهاب الجلد نتيجة استهداف الجهاز المناعي للخلايا الصبغية.

2.     جفاف أو تهيَج المناطق قليلة الصبغة، وهي أكثر حساسيةً للعوامل البيئية كالشمس أو الرياح.

3.     حساسية الأعصاب، مما قد يزيد من الشعور بالحكة في المناطق المصابة.

من المثير للاهتمام أن بعض الأشخاص يُبلغون عن شعورٍ بوخز أو حرقان قبل بدء فقدان الصبغة. لذا، فبينما لا يكون البهاق نفسه مؤلمًا عادةً، إلا أن هذه الأحاسيس قد تكون مؤشراتٍ مبكرة على حدوث تغيرات. في حال كانت الحكة مُستمرةً أو مُزعجة، فقد تُساعد المرطبات أو الكريمات المضادة للالتهابات أو حتى العلاج بالضوء في التخفيف منها.

كيف يؤثر البهاق على الصحة النفسية؟

تصوَري أن صديقتكِ أو أختكِ أو حتى إبنتكِ المراهقة، بدأت تعاني من ظهور بقع البهاق البيضاء في جسمها ووجهها؛ ماذا تتخيلين شعورها تجاه ذلك؟

لا شك أنه الاضطراب والخوف والقلق من نظرة المجتمع إليها، وهو ما قد يتسبب لها بتحدياتٍ عاطفية ونفسية عدة منها:

•       تدني احترام الذات ومشاكل في صورة الجسم: يشعر العديد من المصابين بالبهاق بالخجل أو الحرج، خاصةً في الثقافات التي يرتبط فيها المظهر ارتباطًا وثيقًا بالقبول الاجتماعي.

•       القلق والاكتئاب: تُظهر الدراسات أن المصابين بالبهاق لديهم معدلاتٌ أعلى من القلق والاكتئاب، خاصةً عندما يُصيب البهاق أكثر من 5% من سطح الجسم، أو عندما تظهر الحالة على الوجه أو اليدين.

•       الانسحاب الاجتماعي والعزلة: قد يدفع الخوف من الحكم أو سوء الفهم الناس إلى تجنب المواقف الاجتماعية، مما قد يُعمّق مشاعر الوحدة.

•       الوصمة والتمييز: في بعض المجتمعات، لا يزال البهاق يُساء فهمه؛ مما يؤدي إلى انتشار الخرافات الضارة أو الإقصاء الاجتماعي، وهو ما قد يكون ضارًا بشكلٍ خاص للمراهقين والأشخاص ذوي البشرة الداكنة.

من ناحيةٍ أخرى، يجد الكثيرون القوة والمرونة من خلال مجموعات الدعم والعلاج النفسي وتقبَل الذات. وغالبًا ما ينصح أخصائيو الصحة النفسية بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وممارسات اليقظة الذهنية، والتواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم تجارب مماثلة، للمساعدة في بناء الثقة بالنفس والتمتع بالرفاهية العاطفية التي يستحقونها.

كيف يتم تشخيص البهاق؟

غالبًا ما يكون التشخيص سريريًا، ويُعزَز باستخدام أدوات مثل:

1.     الفحص البصري: حيث يفحص طبيب الجلدية عادةً الجلد، بحثًا عن بقعٍ بيضاء مميزة.

2.     اختبار مصباح وود Wood Lamp: يساعد هذا الضوء فوق البنفسجي على إبراز المناطق ناقصة الصبغة بشكلٍ أوضح، خاصةً على درجات البشرة الفاتحة.

3.     خزعة الجلد: في بعض الحالات، قد تُؤخذ عينةٌ صغيرة من الجلد لتأكيد غياب الخلايا الصبغية.

4.     فحوصات الدم: يمكن أن تكشف هذه الفحوص عن أمراض المناعة الذاتية المُصاحبة، مثل أمراض الغدة الدرقية، أو داء السكري، أو فقر الدم.

الدكتورة رنا أبو طراب أخصائية الأمراض الجلدية في مستشفى فقيه الجامعي
الدكتورة رنا أبو طراب أخصائية الأمراض الجلدية في مستشفى فقيه الجامعي

هل بالإمكان علاج البهاق؟

للأسف، ليس هناك علاجٌ نهائي للبهاق؛ لكن ثمة علاجاتٍ متوفرة حاليًا ذات خياراتٍ متعددة لتحسين المظهر، إبطاء أو تثبيت الحالة، إعادة التصبَغ، بالإضافة إلى تحسين الحالة النفسية والاجتماعية.

وتشمل هذه الخيارات التالي:

1.     العلاجات الموضعية: باستخدام كريمات الكورتيزون للمناطق الصغيرة وفي المراحل المبكرة للمرض. منها كريمات Pimecrolimus و Tacrolimusالتي تُعدَ فعالةً وآمنة، خاصةً على الوجه والمناطق الحساسة.

2.     العلاج الضوئي:ويُجرى 2-3 مرات أسبوعيًا.

3.     العلاج الجراحي: وفيها تتم زراعة الجلد أو الميلانوسايت للحالات الثابتة لأكثر من عام.

4.     التقشير والتلوين الجلدي (Micro-pigmentation): للمناطق الصغيرة مثل الشفاه.

5.     إزالة التصبغ: في الحالات التي يغطي فيها البهاق معظم الجسم، يتم استخدام كريمات لتفتيح ما تبقى من الجلد الداكن (Monobenzone).

ما آخر مستجدات الطب الحديث فيما يخص البهاق؟

شهد علاج البهاق تقدمًا ملحوظًا مؤخرًا، لا سيما مع ظهور مثبطات JAK، وهي فئة من الأدوية التي تُعدّل جهاز المناعة:

•       روكسوليتينيب Ruxolitinib (أوبزيلورا): هو أول علاجٍ موضعي للبهاق معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وقد أظهر نتائج واعدة في استعادة الصبغة، خصوصًا في الوجه. وقد شهد حوالي 50% من مستخدمي هذا العلاج، لعودة تصبغٍ ملحوظة بعد عامٍ واحد من الاستخدام المتواصل.

•       العلاج بالخلايا الجذعية والحقن النسيجية: ما زالت تحت الدراسة

كيف ينبغي التعامل مع مرض البهاق؟

تشير الدراسات إلى أن نحو 60% من مرضى البهاق يعانون من القلق الاجتماعي، وانخفاض تقدير الذات والاكتئاب؛ لذا تؤكد الدكتورة رنا ومستشفى فقيه الجامعي، على أهمية توفير الدعم النفسي، والإرشاد، ومجموعات الدعم المجتمعية إلى جانب العلاج الطبي.

كما يمكن لهؤلاء المرضى، اتباع بعض النصائح اليومية التي تُخفَف من عبء هذه الحالة على صحتهم النفسية والجسدية، منها:

1.     استخدام واقي شمس واسع الطيف بمعامل حماية 50+.

2.     تجنَب التعرض للشمس وقت الذروة.

3.     ارتداء ملابس واقية.

4.     تقبّل الذات وتعزيز الثقة بالنفس.

في الختام؛ تُوجَه الدكتورة أبو طراب رسالةً إلى جميع قارئات "هي" والمهتمات بصحتهمض وصحة أحبائهنَ، في اليوم العالمي للبهاق: "كأخصائية أمراض جلدية، أرى كل يوم كيف يمكن لمرضٍ جلدي مثل البهاق أن يُغيّر حياة المريض ليس فقط في مظهره، بل في نظرته لنفسه. لذا فإن رسالتي لكل مريضة: لونكِ المختلف هذا هو جزءٌ منكِ، وليس دافعًا للخجل؛ تعاملي معه على أنه علامةٌ على صمودكِ وجمالكِ الحقيقي."