
موضة أم مصيدة.. كيف يغزو الفيب حياة أولادنا؟
إن كان الأمور "موضة" أو "ترند"، فقد تعدى حدود الموضة والترند في آنٍ معًا؛ فما يحصل حاليًا، هو انسياق واندفاع المراهقين وجيل الشباب نحو تدخين الفيب، وهو أحد أشكال السجائر الالكترونية التي حلَت محل السجائر العادية، بنسبةٍ كبيرة، بين جمهور المدخنين. حتى من لم يكن "مدخنًا" في السابق، بات اليوم يتباهى بحمل الفيب ونفثه أمام الناس بكل ثقة.
في السنوات الأخيرة، برزت السجائر الإلكترونية – أو ما يُعرف بـ "الفيب" – كبديلٍ عصري لما يُعرف بالسجائر التقليدية. وتُسوّق هذه الأجهزة بوصفها أكثر أمانًا، وأقل ضررًا، وأداةً مساعدة للإقلاع عن التدخين. لكن، هل هذه الادعاءات مدعومة علميًا؟ وهل الفيب حقًا أقل ضررًا؟
بين الشباب، يستخدم 89.4% من مستخدمي السجائر الإلكترونية الفيب المُنكَه، وتُعد نكهات الفواكه الأكثر شيوعًا. وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين جربوا السجائر الإلكترونية هم أكثر عرضةً، بسبع مرات، للبدء في تدخين السجائر التقليدية خلال عام.
لهذا يحث الأطباء وخبراء الصحة، على وجوب الإقلاع عن التدخين بكافة أنواعه وأشكاله ومسمياته، وعلى رأسها الفيب vape الذي قد يتسبب بالوفاة في بعض الأحيان. وتُشكّل الوفيات المرتبطة بالتدخين الإلكتروني مصدر قلقٍ متزايد، لا سيما بسبب إصابات الرئة المرتبطة ببعض منتجات التدخين الإلكتروني. وبينما لا تزال الأرقام العالمية الدقيقة لعام 2025 قيد الدراسة، تشير الدراسات إلى أن الأمراض المرتبطة بالتدخين الإلكتروني ساهمت في آلاف الحالات حول العالم. وفي الولايات المتحدة، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سابقًا عن أكثر من 2800 حالة دخول إلى المستشفى، بسبب إصابات الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية أو منتجات التدخين الإلكتروني (EVALI)، مع تأكيد وفيات.

يُحتفل باليوم العالمي للامتناع عن التدخين في 31 مايو من كل عام لرفع مستوى الوعي بمخاطر التدخين وتشجيع الناس على الإقلاع عنه. وتُسلّط هذه الحملة السنوية الضوء، على الآثار الضارة لاستخدام التبغ، وتدعم سياساتٍ لخفض معدلات التدخين عالميًا. وللإقلاع عن التدخين فوائد صحية فورية وطويلة الأمد؛ ففي غضون 20 دقيقة، يعود معدل ضربات القلب وضغط الدم إلى معدلهما الطبيعي. وبعد 24 ساعة، ينخفض خطر الإصابة بنوبةٍ قلبية، وفي غضون 72 ساعة، تبدأ وظائف الرئة في التحسن.
للإضاءة أكثر على تأثيرات السجائر الالكترونية، مثل الفيب، على صحة المراهقين، والجوانب الطبية والعلمية لهذا المنتج الذي أثار اهتمامًا واسعًا وجدلاً طبيًا كبيرين ؛ تحدثنا إلى الدكتورة جمانة أبودريع، طبيبة عامة في مستشفى الريم أبوظبي، وأفادتنا بالمعلومات القيَمة التالية..
ما هي السجائر الإلكترونية؟
هي أجهزةٌ إلكترونية تعمل بالبطارية، تقوم بتسخين سائلٍ يحتوي عادةً على النيكوتين، والبروبيلين غليكول، والجلسرين النباتي، بالإضافة إلى نكهاتٍ متنوعة. وعند تسخين السائل، يتحول إلى بخار يُستنشق من قبل المستخدم، بدلًا من الدخان الناتج عن احتراق التبغ في السجائر التقليدية.
لماذا يُقبل المراهقون على الفيب؟
للفيب مزايا عدة تجعل منه الخيار رقم واحد للمراهقين والشباب، الذين يودون التعرف على هذا المنتج وتجربته، تقول الدكتورة أبودريع، وهي كما يلي:
1. النكهات المغرية مثل الفراولة، العلكة، والمانجو.
2. سهولة الحصول عليه من الأسواق أو الإنترنت.
3. التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يُظهره كمنتجٍ عصري.
4. غياب الرائحة النفاذة التي تفضح تدخين السجائر العادية.
ما الفروقات بين الفيب والسجائر التقليدية؟
الفارق الجوهري يكمن في غياب عملية الاحتراق في السجائر الإلكترونية، وهو ما يُقلَل من إنتاج المواد المُسرطنة مثل القطران وأول أكسيد الكربون. وهذا ما دفع البعض لاعتبارها خيارًا "أقل ضررًا"، لكن "أقل ضررًا" لا تعني بالضرورة "آمنة".
ما هي الأضرار الصحية المحتملة لتدخين الفيب؟
من الضروري معرفة المخاطر الصحية المرتبطة بالفيب، قبل الاقدام على تجربته وتدخينه؛ تؤكد أبودريع. وتتمثل تلك المخاطر بالآتي:
• النيكوتين والإدمان
يحتوي الفيب غالبًا على النيكوتين، وهي مادةٌ تُسبَب الإدمان بسرعة، خصوصًا لدى المراهقين. وقد أظهرت دراساتٌ أن النيكوتين يؤثر على نمو الدماغ، وبشكلٍ خاص في الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرارات وضبط السلوك.
• التهاب وتلف الرئتين
بعض المواد الكيميائية في سوائل الفيب، مثل ثنائي الأسيتيل (Diacetyl )، تمَ ربطها بأمراضٍ خطيرة مثل BRONCHIOLITIS OBLITERANC أو POP CORN LUNG؛ وهو مرضٌ يُسبَب تندباً دائماً في الشُعب الهوائية.
• مشاكل في التركيز والتعلم
يمكن للنيكوتين أن يؤثر على الأداء الدراسي، من خلال تأثيره على التركيز والذاكرة قصيرة المدى.
• مضاعفات أخرى غير متوقعة
في بعض الحالات، تمَ توثيق حالات إصابةٍ حادة في الرئة (مثل EVALI) بسبب استخدام سوائل مجهولة المصدر أو تحتوي على THC .

هل يُساعد الفيب في الإقلاع عن التدخين كما يُروَج له؟
بينما يُروّج للفيب كوسيلةٍ للإقلاع عن التدخين، إلا أن النتائج متباينة. فبعض الدراسات وجدت أن الانتقال إلى الفيب قد يُقلَل من عدد السجائر التي يتم تدخينها يوميًا، لكن في كثيرٍ من الحالات يتحول المستخدم إلى "مُدخنٍ مزدوج"، يستخدم كليهما مما يحدَ من الفائدة الصحية المرجوّة.
ما النصائح التي تُسديها للأهل والمراهقين، لحماية الجيل القادم من إدمانٍ جديد؟
مع الانتشار المتزايد للسجائر الإلكترونية بين المراهقين، تقع على عاتق الأهل مسؤوليةٌ كبيرة في التوعية والحماية. وإليكم بعض النقاط المهمة لضمان حماية أحبتكم من مخاطرها:
1. التواصل المفتوح والهادئ
تحدثي مع أبنائكِ عن مخاطر الفيب دون إصدار أحكام. إنَ الحوار الهادئ والمبني على احترام وجهة نظر المراهق، يكون أكثر فعاليةً من التوبيخ والمنع.
2. المعرفة تساوي الحماية
احرصي على فهم كيفية عمل السجائر الإلكترونية، وأنواع السوائل المستخدمة، حتى تتمكني من مناقشتها بوعي مع أطفالكِ. فالمراهقون عادة ما يثقون أكثر بمن يُظهر معرفةً بما يتحدث عنه.
3. النكهات ليست بريئة
تشير الأبحاث إلى أن النكهات الجذابة – مثل العلكة، والفواكه، والحلويات – هي ما يجذب المراهقين أساسًا لتدخين الفيب. يمكنكِ التوضيح لهم أن تلك النكهات تُستخدم كوسيلةٍ تسويقية للتغرير بهم، وليست مؤشرًا على الأمان.
4. تأثير النيكوتين على الدماغ النامي
يجب التوضيح للمراهقين أيضًا، أن النيكوتين يؤثر بشكلٍ مباشر على نمو الدماغ، ويزيد من احتمالية الإصابة بمشكلاتٍ في التركيز، والذاكرة، والتحكم في الانفعالات – وهي وظائف حيوية في مرحلة المراهقة.
5. مراقبة السلوك دون تجسس
من المهم أن يكون هناك وعيٌ بسلوك الأبناء، دون اختراق خصوصياتهم. علاماتٌ مثل تغيّر المزاج، أو السعال المتكرر، أو روائح غير مألوفة قد تكون إشاراتٍ لاستخدام الفيب.
6. تقديم البدائل والدعم
بدلًا من الاكتفاء بالنهي، قدمي بدائل إيجابية مثل الرياضة، الفن، أو التطوع. كما يُستحسن الاستعانة باختصاصي نفسي أو مرشد مدرسي، إذا كانت الابنة أو الابن مُدمنين بالفعل.
في الختام؛ السجائر الإلكترونية ليست موضةً عابرة، بل هي مُنتجٌ مصمم لجذب فئة الشباب وتحقيق الأرباح على حساب صحتهم، تشير الدكتورة أبودريع. لذا فإن التوعية بمخاطرها واحتواء المراهقين، هما السلاح الأقوى للأهل في مواجهة هذه الظاهرة المتزايدة.
لا تترددي عزيزتي في شرح الجوانب السلبية المختلفة للفيب على صحة أبنائكِ وأحبتكِ؛ شاركيهم قصصًا وتجارب حقيقية لأشخاصٍ وقعوا فريسة هذه العادة السيئة، وقدمي لهم العون والنُصح (دون إصدار الأحكام أو النهي القاسي) كي تُساعديهم في الإفلات من براثن هذه المصيدة، والتنعم بالصحة والعافية كما تنشدين.