
سرطان الجلد.. الخطر الصامت تحت أشعة الشمس: كيف نحمي أنفسنا منه؟
ليس بالضرورة أن تكوني على الشاطئ لتحترقي.. فتلف الجلد لا يقتصر على التعرَض الدائم والمباشر لأشعة الشمس، بل قد تكون له أسبابٌ أخرى.
يصادف شهر مايو الحالي، الشهر العالمي للتوعية بسرطان الجلد Skin Cancer؛ ومن خلاله يحثَ أطباء الجلدية في الإمارات، المقيمين في الدولة، على إعادة النظر في كيفية حماية أنفسهم من شمس الشرق الأوسط. ومع وصول ما يقرب من 1000 وافد جديد يوميًا، وكثيرٌ منهم غير معتاد على مستويات الأشعة فوق البنفسجية الشديدة في المنطقة؛ يُحذَر الخبراء من أن تلف الجلد هنا لا يقتصر على أيام الشاطئ أو أمسيات حمامات السباحة.
فوفقًا للسجل الوطني للسرطان في الإمارات العربية المتحدة، يُعدَ سرطان الجلد الآن رابع أكثر أنواع السرطان شيوعًا في الإمارات؛ حيث يُمثَل حوالي 6-7% من جميع حالات السرطان الجديدة، ويتم تشخيص حوالي 400 حالة جديدة كل عام. ومن المثير للقلق أن الأطباء المحليين أفادوا بأن حالات سرطان الجلد قد تضاعفت خلال العقد الماضي، مدفوعًا بالتعرض الشديد لأشعة الشمس، وشيخوخة السكان، وتأخر إجراء الفحوصات.

ويقول الدكتور بارول ثاكور، المؤسس المشارك لمركز أثينا للأمراض الجلدية: "يصل الناس وهم يفكرون: لطالما أسمرتُ بشرتي في إسبانيا أو فلوريدا، لذا أعرفُ كيف أتعامل مع الشمس. لكن مؤشر الأشعة فوق البنفسجية هنا قد يصل إلى مستوياتٍ عالية على مدار العام، وليس فقط في الصيف. ولتوضيح ذلك، يمكن أن يتجاوز مؤشر الأشعة فوق البنفسجية في دبي 11، وهو ما يُصنف على أنه (متطرف)، مقارنةً بمؤشر الأشعة فوق البنفسجية الصيفي المعتاد في لندن والذي يبلغ 4 أو 5 درجات فقط." وفي حين يربط الكثيرون سرطان الجلد بالسكان ذوي البشرة الفاتحة، تُظهر بيانات دولة الإمارات أن هذا المرض يصيب كلاً من المواطنين الإماراتيين والمقيمين الدائمين، وأن الفجوة بين الجنسين آخذةٌ في التقلص. وفي عام 2023، تمَ تشخيص أكثر من 330 حالة سرطان جلد غير ميلانيني وحوالي 70 حالة سرطان ميلانيني، مع وجود حالاتٍ أكثر بقليل لدى الإناث مقارنة بالذكور. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن جميع أنواع البشرة وألوانها مُعرضةٌ للخطر، وأن العادات الوقائية ضروريةٌ للجميع.
أيضًا، في ظل الهوس العالمي بالمظهر البرونزي، تزداد ظاهرة التشميس واستخدام أجهزة السولاريوم بشكلٍ ملحوظ، دون إدراكٍ كافٍ للمخاطر الصحية الخطيرة المترتبة على ذلك. فسرطان الجلد لم يعد مرضًا نادرًا، بل أصبح من أكثر أنواع السرطان شيوعًا؛ ومع ذلك يمكن الوقاية منه بسهولة إن وُجد الوعي الكافي. الحقيقة أن سرطان الجلد يمكن بسهولة الوقاية منه، إلا أن الوعي المجتمعي في هذه المسألة لا يزال ضعيفًا؛ ما يُعرّض أعدادًا متزايدة من الأشخاص، خاصةً من فئة الشباب، إلى خطر الإصابة بمضاعفات المرض الخطيرة، وربما، المميتة في بعض الأحيان.

نغتنم هذه الفرصة اليوم، لنرفع الصوت عاليًا تجاه التوعية واليقظة من سرطان الجلد؛ وذلك مساهمةً منا على موقع "هي" في تثقيف الناس حول مخاطر هذا المرض وتداعياته السلبية على حياتهم. لهذا توجهنا بالحديث إلى الدكتورة سارة يعقوب، طبيبة جلدية وتجميل من مستشفى قطينة في دبي، للوقوف أكثر على أنواع وأسباب سرطان الجلد، وكذلك سُبل علاجه والوقاية منه، كي يبقى منبرنا منبر توعية هادفة لتحسين صحة ورفاه قارائاتنا.
سرطان الجلد - الأعراض والأسباب
بحسب الدكتورة يعقوب، فسرطان الجلد Skin Cancer هو نموٌ غير طبيعي في خلايا الجلد، يحدث في الغالب نتيجة تلف الحمض النووي (DNA) في هذه الخلايا بسبب التعرض للأشعة فوق البنفسجية (UV)، سواء من أشعة الشمس الطبيعية أو من أجهزة التسمير. ويتطور هذا التلف ببطء على مدار سنوات، مؤديًا إلى فقدان السيطرة على نمو الخلايا؛ مما يتسبب بظهور أورامٍ سرطانية قد تكون سطحية أو تمتد إلى الأنسجة الداخلية إن لم تُعالج في الوقت المناسب.
وتجدر الإشارة إلى أن سرطان الجلد ذو أنواعٍ ثلاث أساسية، من الضروري معرفتها؛ وهي كما يلي:
1. سرطان الخلايا القاعدية (Basal Cell Carcinoma – BCC): يُمثَل حوالي 80% من حالات سرطان الجلد؛ وعادةً ما يظهر في مناطق الجلد المعرضة أكثر للشمس، مثل الوجه والرقبة. يتميز هذا النوع بنموٍ بطيء، ونادرًا ما ينتشر إلى أعضاء أخرى، لكنه قد يُسبَب تشوهًا إذا لم يُعالج مبكرًا.
2. سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous Cell Carcinoma – SCC): أقل شيوعًا من BCC، لكنه أكثر عدوانية؛ ينمو بشكلٍ أسرع ويمكن أن ينتشر إلى الغدد الليمفاوية أو الأعضاء المجاورة، ويظهر غالبًا على هيئة بقع متقشرة أو قروح لا تلتئم.
3. الميلانوما (Melanoma): أخطر أنواع سرطان الجلد على الإطلاق، يبدأ غالبًا على هيئة شامة تتغير في الشكل أو اللون أو الحجم؛ ويتميز بسرعة انتشاره إلى الأعضاء الداخلية، ما يجعله مُهددًا للحياة إذا لم يُكتشف مبكرًا.
بدأنا بالحديث عن احتمالية التعرض للحروق في حال التعرض للشمس وأجهزة التسمير؛ لكن الواقع يُحتَم علينا، القاطنين في منطقة الخليج العربي، التعرض لأشعة الشمس خلال تنقلاتنا اليومية وخروجنا للسباحة والاستجمام خصوصًا في الصيف. فمتى يكون هذا التعرض خطيرًا؟ هذا ما نكتشفه في السطور التالية..

التعرض للشمس: أين تكمن الخطورة؟
لربما تعلمين عزيزتي، أن أشعة الشمس تنبعث منها أشعة فوق بنفسجية (UV) بنوعيها:
1. UVA: تخترق الجلد بعمق، تُسبَب تلفًا في الكولاجين، تُسهم في شيخوخة البشرة، وترتبط بسرطان الجلد.
2. UVB: مسؤولة عن الحروق الشمسية، وتلعب دورًا كبيرًا في تلف الحمض النووي، مما يؤدي إلى تحفيز نمو الخلايا السرطانية.
أخطر أوقات التعرض للشمس هي ما بين الساعة 10 صباحًا و4 مساءً، حيث تكون الأشعة في ذروتها. حتى في الأيام الغائمة أو الباردة، يمكن للأشعة فوق البنفسجية اختراق الغيوم والتسبب بأضرار؛ لذا لا تتهاوني في حماية نفسكِ حتى خلال هذه الأوقات.
ماذا عن أجهزة التسمير وضررها على البشرة، وكيف تتسبب بالإصابة بمرض سرطان الجلد؟ تجيبنا الدكتورة يعقوب عن هذا السؤال في التالي.
أجهزة السولاريوم: التسمير السريع مقابل صحة البشرة
أجهزة التسمير أو "السولاريوم" تعمل على بث الأشعة فوق البنفسجية بتركيزاتٍ عالية، لتسريع اسمرار الجلد. ورغم انتشارها في مراكز التجميل والنوادي، إلا أن استخدامها يرتبط بارتفاعٍ مؤكد في معدلات سرطان الجلد، خاصة الميلانوما.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن استخدام أجهزة السولاريوم قبل سن الثلاثين، يزيد من خطر الإصابة بالميلانوما بنسبة 75%. وقد تمَ تصنيف السولاريوم ضمن قائمة المواد أو الوسائل "المُسرطِنة للبشر"؛ مع التنويه إلى أنه لا توجد جرعة "آمنة" من التسمير الصناعي، حتى وإن كانت الجلسة قصيرة. تذكري هذا الأمر، في المرة القادمة التي تُغريك هذه الأجهزة لاستخدامها ولو لمدةٍ قليلة.
الميلانوما على سبيل المثال، تظهر على شكل شامة في البداية؛ فكيف أُميَز بين الشامة الحميدة والأخرى الخبيثة. أو بمعنى آخر، ما هي علامات الإنذار المبكرة التي يجب أن نلتفت لها في حال حدوث سرطان الجلد؟ الإجابة في السطور التالية..
علامات الإنذار.. كيف نراقب بشرتنا؟
الكشف المبكر هو حجر الأساس في العلاج الفعّال، تؤكد الدكتورة يعقوب من مستشفى قطينة . لذلك يُوصى بفحص الجلد دوريًا ومراقبة أي تغيّرات في الشامات أو ظهور بقعٍ جديدة.
إليكِ قاعدة ABCDE لفحص الشامات (وتتضمن الرمز، المؤشر والتفسير):
• A Asymmetry : عدم تناسق الشامة من الجانبين.
• B Border : حواف غير منتظمة أو غير واضحة.
• C Color : تعدَد الألوان داخل الشامة.
• D Diameter : قطر الشامة أكبر من 6 ملم.
• E Evolving : تغيَر في الشكل أو اللون أو الحجم بمرور الوقت.
بالإضافة إلى علاماتٍ أخرى تستوجب مراجعة الطبيب:
• ظهور بقعة جديدة سمراء أو حمراء أو داكنة اللون.
• شامة تسبّب حكة أو نزيفًا.
• قروح لا تلتئم بعد أسابيع.
• نمو جلدي مفاجئ.

عوامل تزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد
من الضروري للجميع التنبه إلى هذه العوامل، كونها تلعب دورًا بارزًا في زيادة خطر التعرض لهذا المرض:
1. التاريخ العائلي لسرطان الجلد.
2. البشرة الفاتحة أو الحساسة.
3. التعرض المتكرر لأشعة الشمس دون وقاية.
4. الإصابة بحروق شمسٍ شديدة في مرحلة الطفولة.
5. الاستخدام المتكرر لأجهزة السولاريوم.
6. وجود عدد كبير من الشامات أو الشامات غير الطبيعية.
سرطان الجلد: الوقاية تبدأ من الوعي
تستغل عيادة أثينا للأمراض الجلدية، إحدى العيادات الرائدة في دبي التي يُديرها أطباء الجلدية، شهر التوعية بسرطان الجلد؛ لتسليط الضوء على أن مناخ الصحراء يعني أن أضرار أشعة الشمس يمكن أن تحدث في غضون دقائق، وليس ساعات. ويتزايد التعرَض اليومي، مثل المشي لتناول وجبة الإفطار، أو الجلوس بجانب النافذة، أو قيادة السيارة، بسرعة. ويُحذر الأطباء من أن تأخير الفحوصات يساهم في ارتفاع مُطرد في كلٍ من الحالات غير الميلانية وحالات سرطان الجلد؛ لكن الخبر السار هو أن جميع حالات سرطان الجلد تقريبًا قابلةٌ للوقاية أو العلاج، إذا تم اكتشافها مبكرًا.
وتقول الدكتورة أكريتي سوبتي، الشريكة المؤسسة للعيادة: "الأمر لا يقتصر على العطلات أو أيام السباحة. حتى المشي إلى السيارة، أو الجلوس بالقرب من نوافذ المكتب، أو تناول الطعام في الهواء الطلق يُعرَض بشرتكِ لأشعة الشمس. لذا نُوصي بإعادة تطبيق واقي الشمس واسع الطيف بعامل حماية 50 كل ساعتين، حتى لو كنتِ في مكانٍ مُغلق بالقرب من أشعة الشمس." وتضيف: "سرطان الجلد لا يُفرَق بين الجنسين، ولكن مع التوعية والكشف المبكر واتباع عاداتٍ صحية، يمكن الوقاية منه بشكل كبير. نريد أن يفهم سكان الإمارات العربية المتحدة والمغتربون، المخاطر؛ وأن يتخذوا الإجراءات اللازمة قبل تفاقم الضرر."
سرطان الجلد: نصائح أساسية لحماية الجلد
بدورا، تقدم لنا الدكتورة يعقوب بعض النصائح المهمة والأساسية لتحقيق حمايةٍ جيدة للجلد تحول دون تعرَضه لسرطان الجلد. وهي كما يلي:
1. استخدام واقي شمس يوميًا بمعامل حماية (SPF) لا يقل عن 30، مع إعادة وضعه كل ساعتين.
2. تجنب التعرض للشمس في أوقات الذروة.
3. ارتداء ملابس واقية مثل قبعات واسعة، ونظارات شمسية، وأكمام طويلة.
4. تجنب أجهزة التسمير بالكامل.
5. الفحص الذاتي للجلد مرة شهريًا.
6. زيارة طبيب الجلد سنويًا حتى دون وجود أعراض ظاهرة.

ولا تنسي عزيزتي أن الأطفال هم أكثر عرضةً لهذا الخطر؛ فبشرة الأطفال رقيقة، وأكثر حساسية للأشعة فوق البنفسجية. لذلك فإن الحروق الشمسية في مرحلة الطفولة تُضاعف خطر الإصابة بسرطان الجلد في المستقبل. وهنا تبرز أهمية:
• حماية الأطفال بواقي الشمس عند اللعب أو السباحة.
• توعيتهم منذ الصغر بأهمية الوقاية.
• توفير أماكن مُظللة أثناء الأنشطة الخارجية.
رغم الترويج التجاري إلى أن السُمرة توحي بالصحة والجاذبية، إلا أن الحقيقة العلمية عكس ذلك. فاسمرار البشرة هو نتيجةٌ مباشرة لتلف خلايا الجلد ومحاولتها الدفاع عن نفسها.
لذا فالرسالة الأهم التي يطرحها الدكتور هنا هي: "لا تجعلي المظهر المؤقت للسُمرة يُعرَضكِ لمخاطر دائمة." بشرة صحية، نضرة، وخالية من السرطان، أجمل بكثير من لونٍ أسمر مُكتسب يدوم أيامًا، لكنه قد يترك أثرًا يدوم مدى الحياة.
في الختام؛ فإن كل دقيقة وقاية تُحدث فرقًا في حياتكِ لا محالة. سرطان الجلد ليس قدرًا محتومًا، بل مرضٌ يمكن الوقاية منه بنسبةٍ كبيرة من خلال إجراءاتٍ بسيطة وواعية. يكفي أن تُغيّري بعض العادات في حياتكِ اليومية، وتلتزمي بإجراءات الوقاية الأساسية، لتحمي نفسكِ وعائلتكِ من خطر حقيقي. وتذَكري دومًا: الصحة ليست مجرد رفاهية وحسب، بشرتكِ مسؤوليتكِ وعليكِ الاعتناء بها جيدًا.