علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن

أحدث التطورات في علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن.. تشهدها السعودية

جمانة الصباغ

إيمي واينهاوس Amy Winehouse، مغنية وكاتبة أغاني إنجليزية، حصدت خمس جوائز غرامي عام 2008، منها جائزة أفضل فنانة جديدة، وجائزة تسجيل العام، وجائزة أغنية العام عن أغنية "Rehab"؛ إلا أن تدخينها المفرط وتعاطيها للمخدرات أثّرا سلبًا على رئتيها . واعترفت في مقابلة إذاعية لاحقة عام 2008 أنها اكتشفت إصابتها بانتفاخ الرئة في مرحلةٍ مبكرة، وتوفيت واينهاوس بعد ثلاث سنوات بسبب تسممٍ كحولي عن عمر يناهز 27 عامًا.

يُرجح أن تكون واينهاوس من المشاهير الذين أصيبوا بمرض الإنسداد الرئوي المزمن COPD، وهو مرضٌ يصيب الجهاز التنفسي ويمكن أن يتسبب بالوفاة في حالاتٍ عديدة.

ليست إيمي وحدها من عانى من هذا المرض، لكنها من القلة الذين وافتهم المنية بسببه؛ في حين نجح آخرون في تجاوزه والتعايش معه، بل والتوعية حوله. فها هي كريستي تورلينجتون Christy Turlington العارضة الشهيرة وواحدة من "أجمل نساء العام" لعام 2013 بحسب مجلة Glamour؛ كشفت في العام 2006 عن إصابتها بانتفاخ الرئة في مرحلةٍ مبكرة. وكانت تورلينجتون بدأت التدخين في سن الثالثة عشرة، ثم أقلعت عنه في السادسة والعشرين بعد وفاة والدها بسرطان الرئة؛ وهي الآن ناشطةٌ مناهضة للتدخين. ومنذ تشخيص إصابتها، شاركت تورلينجتون في أربعة ماراثونات وألّفت كتابًا عن ممارسة اليوغا.

مرضى الإنسداد الرئوي المزمن حول العالم، يعيشون يوميًا معاناةٍ شديدة من صعوبة التنفس وضيق الصدر بسبب انتفاخ الرئة. وهو ما يدفع بالأطباء والجسم الطبي في مختلف أنحاء العالم، للبحث مليًا عن كافة العلاجات الحديثة وتطوير القديم منها، للإرتقاء بحياة هؤلاء المرضى وتحسين جودة حياتهم وإبطاء تطور الحالة، إذ لا يتوافرعلاج شافٍ تماماً لهذا المرض حتى الآن. ويرتكز العلاج المتوافر في التحفيز الإقلاع عن التدخين كعنصرٍ رئيسي، إلى جانب استخدام مُوسعات الشعب الهوائية والأدوية التي تؤخذ عن طريق الاستنشاق وتساعد في تخفيف ضيق التنفس. كما يُوصى ببرامج إعادة التأهيل الرئوي التي تجمع بين التمارين الرياضية والدعم التعليمي والنفسي. وفي بعض الحالات، قد يحتاج المريض إلى الأوكسجين المنزلي أو التدخل الجراحي. ويساهم الالتزام باللقاحات الموسمية، مثل لقاح الإنفلونزا والمكورات الرئوية، في الوقاية من التدهور المفاجئ الذي قد يهدد حياة المرضى.

قبل الخوض في أحد تطورات علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، فلنتعرف وبشكلٍ موجز على حيثيات هذا المرض في المملكة العربية السعودية في السطور التالية..

مرض الانسداد الرئوي المزمن: ارتفاع معدلات الإصابة في السعودية

التدخين سببٌ رئيسي وراء مرض الانسداد الرئوي المزمن الذي يتسبب بضيق التنفس
التدخين سببٌ رئيسي وراء مرض الانسداد الرئوي المزمن الذي يتسبب بضيق التنفس

يُعد َمرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) أحد أبرز التحديات الصحية التي تصيب الجهاز التنفسي؛ ويصيب الملايين حول العالم، مما يجعله من الأسباب الرئيسية للمرض والوفاة. ويتميز هذا المرض بتضيَقٍ دائم في مجرى الهواء، يعيق تدفق الهواء من وإلى الرئتين، وغالبًا ما يتطور تدريجيًا نتيجة التعرض الطويل للمواد المهيَجة، كدخان التبغ أو المُلوثات البيئية.

شهدت المملكة العربية السعودية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإصابة والوفيات الناتجة عن هذا المرض خلال العقود الأخيرة. فبحسب الإحصاءات، تجاوز عدد المصابين بحلول عام 2019 حاجز 430 ألف حالة، وهو ما يُمثَل زيادةً لافتة قاربت 330% مقارنةً بعام 1990. كما ارتفع معدل الانتشار المعياري بحسب العمر من حوالي 1,380 حالة لكل 100,000 نسمة إلى أكثر من 2,050 حالة خلال نفس الفترة، في مؤشرٍ على تفاقم العبء الصحي المرتبط بالمرض.

وعلى صعيد الوفيات، سجّلت المملكة أكثر من ألفي حالة وفاة مرتبطة بالانسداد الرئوي المزمن في العام 2019، بزيادة تقارب 48% مقارنةً بثلاثة عقود مضت. وتشير هذه الأرقام إلى أن المرض يُمثَل ما نسبته 1.65% من مجموع الوفيات السنوية في البلاد.

إذا ما بحثنا عن أسباب ارتفاع معدلات الإصابة في المملكة السعودية، يمكن القول أنها تعود إلى عدة عوامل؛ أبرزها التدخين بكافة أشكاله، والذي لا يزال يُشكَل عاملًا رئيسيًا في تفاقم حالات المرض. كما يلعب تلوث الهواء دورًا محوريًا، سواء في الأماكن المفتوحة أو داخل المنازل، بالإضافة إلى التعرض المهني للغبار والمواد الكيميائية في بعض بيئات العمل.

تطوراتٌ مهمة في علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن

يشهد علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن العديد من العلاجات الحديثة
يشهد علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن العديد من العلاجات الحديثة

وحول ذلك قال الدكتور محمد عمر زيتوني، استشاري الأمراض الصدرية في المملكة العربية السعودية: "يُعتبر التدخين من أبرز أسباب الإصابة بهذه الحالة الصحية، نظرًا لتسبَبه بتضيق القصبات الهوائية بمرور الوقت وتلف الحويصلات الهوائية والرئتين. ومن أهم أعراض المرض ضيق التنفس مع الجهد، وصفير الصدر، والسعال مع بلغم. وعند حدوث التهابٍ فيروسي يُصاب المريض بتعبٍ واضح ويستغرق وقتًا أطول للتعافي. كما يعتقد المرضى عادةً أن الأعراض مرتبطةً بالتقدم بالعمر، لاسيما وأن المرض أكثر شيوعًا لدى كبار السن".

وأضاف: "كان يُعتقد لفترةٍ طويلة أن هذا المرض لا يمكن علاجه، وكنا نعتمد بشكلٍ أساسي على مُوسعات القصبات وبعض الأدوية لتخفيف الأعراض فقط. لكن التطورات الحديثة أظهرت أن ما يصل إلى 40% من المرضى يعانون من التهابٍ مزمن في الشُعب الهوائية يمكن علاجه، ما قد يُقلَل من فرص دخولهم إلى المستشفى ويُحسَن جودة حياتهم بشكلٍ ملحوظ".

وفي إطار جهود الحد من انتشار المرض، أطلقت وزارة الصحة السعودية سلسلةً من المبادرات، شملت إنشاء أكثر من 70 عيادة متخصصة لمساعدة الأفراد للإقلاع عن التدخين، وفرض قيودٍ صارمة على التدخين في الأماكن العامة. كما تنفذَ الجهات المعنية حملات توعوية دورية تستهدف تعزيز الوعي بمخاطر المرض وأهمية الوقاية، إلى جانب تدريب الكوادر الطبية على وسائل التشخيص والعلاج المبكر.

ويظل مرض الانسداد الرئوي المزمن تحديًا صحيًا متزايدًا؛ تتطلب مواجهته استراتيجياتٍ متكاملة تشمل التثقيف الصحي، تعزيز برامج الوقاية، وتحسين خدمات الرعاية التشخيصية والعلاجية، بما يسهم في تقليل العبء الصحي وتحسين حياة المرضى في المملكة.

مؤخراً، أطلقت شركة "سانوفي" علاجًا بيولوجيًا جديدًا، يُعدَ الأول من نوعه والمُوجه لنوعٍ معين من المرضى؛ إذ يُقلَل معدلات دخولهم للمستشفيات بنسبةٍ تبلغ نحو 30%. وقد أثبت هذا العلاج فعاليته في الحد من تفاقم المرض وتحسين وظائف الرئة، مما يُمثَل نقلةً نوعية في إدارة هذا المرض المعقدة.

وعلى عكس العلاجات التقليدية التي تُركَز بشكلٍ أساسي على تخفيف الأعراض باستخدام مُوسعات الشُعب الهوائية والستيرويدات، يعمل هذا العلاج البيولوجي على خفض عدد الخلايا الالتهابية المحددة، مثل الإيزينوفيل، التي تؤدي دورًا رئيسيًا في زيادة الأعراض لدى المصابين بهذا المرض.

علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن - رئيسية واولى
علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن 

يقدم العلاج الجديد يقدم نهجًا شاملًا لإدارة مرض الانسداد الرئوي المزمن، من خلال معالجة الأسباب الأساسية للالتهاب، ما يؤدي إلى تحسيناتٍ مستدامة في وظائف الرئة وتخفيف الأعراض. وقد أظهرت التجارب السريرية أن المرضى الذين يتلقون هذا العلاج، يعانون من تفاقماتٍ حادة أقل، ما يُقلَل من احتمالية حاجتهم لدخول المستشفيات والتدهور الكبير في صحتهم؛ ونتيجةً لذلك يستعيد المرضى قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية بمرونة أكبر، بما في ذلك المشي لمسافاتٍ طويلة، وصعود السلالم، والمشاركة في الأنشطة البدنية الخفيفة.

وحول هذا العلاج؛ قالت بريتي فوتناني، مدير عام الرعاية المتخصصة في سانوفي السعودية ودول الخليج: "أطلقت سانوفي أول دواءٍ بيولوجي لمرض الانسداد الرئوي على مستوى العالم ووفرَته اليوم في المملكة العربية السعودية، انطلاقًا من حرصها على دعم الأولويات الاستراتيجية الوطنية وشراكتها مع وزارة الصحة السعودية."

في الخلاصة؛ فإن علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، وإن لم يكن تامًا بشكلٍ نهائي، إلا أنه وبفضل بعض التطورات الحديثة التي نشهدها بين الحين والآخر يُتيح للأشخاص الذين يعانون منه تحسين جودة حياتهم. ويبقى دور التوعية هو الأساس في الحد من ارتفاع الإصابات، ومعها الوفيات، جراء هذا المرض العامل الأساسي في الحد من هذا المرض التنفسي الذي يصيب المدخنين بشكلٍ أساسي.

لذا ومن خلال موقع "هي"؛ نتوجه إلى جميع قارئاتنا العزيزات بالنصيحة الذهبية: الإقلاع عن التدخين، أو تشجيع من تحبون بالتخلي عن هذه الآفة السيئة، التي تُحوَل حياتكم إلى معاناة سواء مع مرض الانسداد الرئوي المزمن أو غيره من الأمراض التنفسية الأخرى.