تعرفي إلى المرأة الرياضية عبر العصور المختلفة

عالم اللا منتهى.. مقارنة بين معايير الجمال التقليدية وصورة المرأة الرياضية الحديثة

رحاب عباس

تخيلي نفسكً في ملعب أولمبياد اليونان القديمة، حيث تُنحّت تماثيل الآلهة بجسد قوي يُجسد القوة والانسجام، بينما تُمنع النساء من المشاركة في المنافسات. الآن، انتقلي بذهنكِ إلى ملاعب اليوم حيث تلمع الأضواء على لاعبات كرة القدم أو لاعبات الجمباز اللواتي يُحطمن الأرقام القياسية بجسدٍ يعانق السماء. بين هذين المشهدين، تكمن رحلة معقدة من الصراع والتحول في معايير جمال المرأة الرياضية، التي ظلّت مرآة عاكسة لقيم المجتمعات، وأحلامها، وحتى مخاوفها.

في العصور القديمة، مثل إسبرطة، كانت القوة الجسدية للمرأة رمزًا للفخر؛ إذ تدربت الفتيات على الركض والمصارعة لإنجاب أبناء أقوياء. لكن الجمال كان يُقاس هنا بالصلابة والقدرة على التحمل، لا بالرشاقة. بينما في روما، تحول التركيز إلى الجسد الأنثوي كعمل فني، حيث الجمال يرتبط بالتناسق العضلي مع الحفاظ على "أنوثة" تُرضي النظرة الذكورية.

مع العصور الوسطى، اختفت المرأة الرياضية تقريبًا من السجلات، فالمجتمع رأى في جسدها أداةً للضعف أو الخطيئة. لكن في ثقافات مثل الفايكنج، ظهرت قصص نساء يُشاركن في التدريبات القتالية، كرمز للقدرة على الموازنة بين القوة والأمومة.

أما القرن التاسع عشر فشهد ولادة المرأة الرياضية الحديثة، لكن بقيود "راكبات الدراجات يرتدين التنانير الطويلة، والسباحات يُجبرن على استخدام أزياء تغطي الجسد بالكامل. الجمال هنا كان "الأناقة تحت الضغط"، حيث تُثبت المرأة أنها قادرة على المنافسة من دون أن تفقد رقتها.

وبحلول القرن العشرين، تحولت الرياضة إلى ساحة حرب للهوية. لاعبات مثل بيبي ديدريكسن تحدين الصورة النمطية بجسد عضلي، لكن المجتمع قاومهنّ بمعايير جمال تعتمد على النحافة. حتى الإعلانات كانت تروج للرياضة كوسيلة لخسارة الوزن، لا لبناء القوة.

المرأة الرياضية بين عبر العصور المختلفة وتنافس لا ينتهي
المرأة الرياضية بين عبر العصور المختلفة وتنافس لا ينتهي

اليوم، وفي عصر حروب الهاشتاغات وجسمانية الإنفلونسرز، تُعيد المرأة الرياضية كتابة القواعد: فجمالها قد يكون في عضلاتها البارزة، أو في ندبات الإصابات التي تحكي قصص الانتصار، أو حتى في تحدّيها لمعايير العرق والجنس والسن.

هنا السؤال، هل نحن أخيرًا أمام عصرٍ يُحتفى فيه بالجسد الرياضي كتجسيدٍ للقوة والإرادة، بعيدًا عن قيود الماضي؟ أم أن الصراع بين "الأنثى" و"الرياضية" ما زال يُلقِي بظلاله؟

وللإجابة على هذا  السؤال، تتبعّي السطور القادمة عبر موقع "هي" لاكتشاف هذه الرحلة؛ فهي ليست مجرد تغيّر في المظهر، بل هي سرد عن كيف تُعيد المرأة تعريف نفسها في كل عصر، بين مطرقة التوقعات وسندان أحلامها؛ من خلال المقارنة بين معايير الجمال التقليدية وصورة المرأة الرياضية الحديثة.

المثَال الجسدي

  • الرياضية التقليدية: تُركز على النعومة، الرشاقة، والبشرة الفاتنة، مع تشجيع السمات "الأنثوية" مثل "الجسم النحيل والوجه اللطيف". غالبًا ما كانت تُرتبط بالضعف الجسدي أو الاعتماد على الآخرين.
  • الرياضية الحديثة: تُبرز القوة العضلية، التحمل، واللياقة البدنية. إذ أن الجسم الرياضي يرمز إلى الطاقة والقدرة على الإنجاز، مع قبول السمات مثل "العضلات البارزة أو البشرة المُسمرة" بسبب التدريب.
تعرفي إلى مقارنة ممتعة بين الجمال التقليدي وصورة المرأة الرياضية عبر العصور المختلفة
تعرفي إلى مقارنة ممتعة بين الجمال التقليدي وصورة المرأة الرياضية عبر العصور المختلفة

الدور الاجتماعي

  • الرياضية التقليدية: تُصور المرأة كـ"زينة" أو كائن جمالي سلبي، يُتوقع منها الحفاظ على مظهرها لإرضاء المجتمع.
  • الرياضية الحديثة: تُمثل النشاط والمنافسة، حيث تُعَد الإنجازات الرياضية مصدرًا للفخر والتمكين، مع تحول التركيز من المظهر إلى الأداء.

الصحة والعافية

  • الرياضية التقليدية: قد تُعزز ممارسات غير صحية مثل "الحميات القاسية" لتحقيق جمال مثالي.
  • الرياضية الحديثة: تُشجع اللياقة والتغذية المتوازنة، لكن قد تواجه ضغوطًا مرتبطة بتحقيق أداء مثالي مثل "الإفراط في التدريب".

التمثيل الإعلامي

  • الرياضية التقليدية: تعكسها الإعلانات والأفلام التي تُركز على جاذبية المرأة كأداة جذب.
  • الرياضية الحديثة: تزداد ظهورًا عبر البطولات ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن بعض الوسائل لا تزال تختزل الرياضيات في مظهرهن بدلًا من مهاراتهن.

السياق الثقافي والتاريخي

  • الرياضية التقليدية: تختلف باختلاف الثقافات، لكن العديد منها يتأثر بأفكار أوروبية مركزية.
  • الرياضية الحديثة: تشهد تحولًا عالميًا نحو تقبل التنوع الجسدي، بفضل حركات مثل "الجسم الإيجابي" ونماذج مثل "سيرينا ويليامز".

التداخلات والتحديات

رغم التقدم، لا تزال بعض الرياضيات تواجه نقدًا لعدم توافقهن مع معايير الجمال التقليدية، مما يُظهر صراعًا بين القديم والحديث. مع ذلك، يُعتبر تصاعد الاحتفاء بالمرأة القوية دليلًا على تحول ثقافي نحو تقييم القدرات على المظهر

المرأة الرياضية منافس قوي في جميع المجالات الرياضية في عصرنا الحالي
المرأة الرياضية منافس قوي في جميع المجالات الرياضية في عصرنا الحالي

مقتطفات متنوعة لتطور صورة المرأة الرياضية عبر العصور المختلفة

واستكمالًا لحديثنا عن علاقة الجمال وصورة المرأة الرياضية الحديثة؛ جمعنا لكِ هذه المقتطفات المتنوعة:

العصور القديمة.. المشاركة المحدودة في سياق مجتمعي ذكوري

  • الحضارات المبكرة:في مصر القديمة، مارست النساء السباحة ولعبة الكرة، بينما شاركت النساء اليونانيات في المصارعة وسباق الخيل، بل وأقيمت نسخة مصغرة من الألعاب الأولمبية مخصصة للإلهة هيرا.
  • النظرة المجتمعية:رغم هذه المشاركات، كانت الرياضة تُعتبر نشاطًا ذكوريًا مرتبطًا بالتدريب العسكري، بينما حُصر دور المرأة في الأعمال المنزلية. في اليونان القديمة، مثلًا، كانت النساء تُقتلن عند الولادة أحيانًا، وتُباع كسلع للزواج.

العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر.. الإقصاء والتحولات

  • السيطرة الذكورية:في أوروبا خلال العصور الوسطى، أُقصيت النساء من الألعاب التنافسية، واقتصرت مشاركتهن على أنشطة غير رسمية. في روما، مثلًا، استُبعدت النساء من المسرح الرياضي، وحُظر عليهن حتى ارتداء الملابس المناسبة للحركة.
  • الاستثناءات النادرة: ظهرت استثناءات فردية، مثل "مشاركة النساء في سباقات الخيل أو ألعاب الكرة"، لكنها لم تكن جزءًا من النظام الرياضي الرسمي.

القرن العشرين.. بداية التمرد والاندماج الرسمي

  • الألعاب الأولمبية:في دورة باريس 1900، شاركت 22 امرأة في رياضات مثل "التنس والغولف"، لكن جوائزهن كانت دون مستوى الرجال مثل "وعاء خزفي بدل الميدالية الذهبية".
  • التحديات المبكرة: واجهت الرياضيات تمييزًا، مثل "إلغاء سباق 800 متر للسيدات في أولمبياد 1928 " بسبب ادعاءات بأنه "شاق جدًا"، ولم يُعاد حتى 1960.
  • التوسع التدريجي:بحلول 2012، شاركت النساء في جميع الألعاب الأولمبية، مع ظهور نجمات مثل سيرينا ويليامز (التنس) ويسرى مارديني (السباحة)، اللتين حطمن الصور النمطية.

التحديات المعاصرة.. بين التمثيل الإعلامي والتحيز الجنساني

  • التنميط:يُشار إلى البطولات النسائية بـ"كأس العالم للسيدات"، بينما تُقدَم بطولات الرجال كمعيار عام، ما يعزز الفصل بين الجنسين.
  • التحرش والتمييز: تواجه الرياضيات تحرشًا لفظيًا وجسديًا، سواء في المدرجات أو عبر الإنترنت، حيث تُختزل قيمتهن في المظهر بدل الإنجاز.
مشاركة النساء في جميع الألعاب الأولمبية باتت أحد الركائز التنافسية بين المرأة والرجل
مشاركة النساء في جميع الألعاب الأولمبية باتت أحد الركائز التنافسية بين المرأة والرجل

النماذج الملهمة والتحول الثقافي

  • التمكين عبر الإنجازات:رياضيات مثل سيرينا ويليامز (23 لقب جراند سلام) وإديث كلارك (أول مهندسة كهربائية في الولايات المتحدة) غيّرن الصورة النمطية عن النساء في المجالات التنافسية.
  • حركات الدعم:ساهمت حملات مثل "الجسم الإيجابي" وقوانين مثل "الباب التاسع" في الولايات المتحدة (الذي يمنع التمييز في التعليم الرياضي) في تعزيز الفرص.
  • التأثير الاجتماعي: أصبحت الرياضة أداة لتمكين المرأة، كما في قصة لاعبة كرة القدم حلا الخطيب، التي تحدت الصور النمطية في العالم العربي وعملت في مجال الإعلام الرياضي.

الفجوة المستمرة.. الأجور والتمثيل

  • الفروق المالية:حتى عام 2023، تتقاضى لاعبات كرة القدم المحترفات أجورًا أقل بنسبة 30-50% مقارنة بالرجال، رغم تحقيق إنجازات مماثلة.
  • التمثيل الإعلامي: تُغطى الأحداث الرياضية النسائية بنسبة 4% فقط من إجمالي التغطية الإعلامية العالمية، وفقًا لدراسات حديثة.

 بناءً على سبق، شهدت صورة المرأة الرياضية تحولًا من الإقصاء في العصور القديمة إلى التمرد على النمطية في العصر الحديث، لكن التحديات لا تزال قائمة، خاصة في اللغة الإعلامية والتمثيل العادل. كذلك يُعتبر الاحتفاء بالإنجازات منذ عام 2012"مشاركة النساء في جميع الألعاب الأولمية" دليلًا على التقدم، لكن الطريق نحو المساواة الكاملة يحتاج إلى تغيير ثقافي وقانوني مستمر.