الفحص المبكر يقلل وفيات مرض سرطان الرئة

في يومه التوعوي.. دعواتٌ للفحص المبكر لتقليل الوفيات بسرطان الرئة

جمانة الصباغ

 

بين أكثر الآفات المقيتة التي اخترعها الإنسان أو دخلت حياته عن طريق الصدفة، يبقى التدخين هو أبشعها وأكثر مقاتةً على طول التاريخ.

 

كيف لا؟. والتدخين يُودي بحياة الملايين من الناس حول العالم كل سنة؛ وتأثيراته السلبية لا تقتصر على المدخنين فقط، بل أن العديد ممن يعانون من "التدخين السلبي" يقعون فريسة هذه العادة السيئة.

 

يتعرض المدخنون للكثير من الأمراض والمشاكل الصحية الخطيرة، على رأسها أمراض القلب وسرطان الرئة الذي يصادف اليوم 1 أغسطس، اليوم العالمي للتوعية به. وسرطان الرئة هو واحدٌ من أكثر أنواع السرطان شيوعًا حول العالم، وأخطرها أيضًا؛ إذ يُعتبر أكثر نوع سرطان مُسبب للوفاة حول العالم. لكن ولحسن الحظ، يمكن مع الاكتشاف والعلاج المبكّر؛ إنقاذ حياة الملايين من المُصابين به.

 

حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2020، وصل عدد حالات الإصابة الجديدة بسرطان الرئة حوالي 2.21 مليون، مع إجمالي عدد وفيات ما يُقارب 1.80 مليون حالة؛ وهذا ما جعله أكثر أنواع السرطان المُسببة للوفاة بنسبة تُقدّر بـ 25% من إجمالي حالات الوفيات الناجمة عن السرطان. ويُعتبر سرطان الرئة أكثر شيوعًا لدى الرجال ؛ نظراً لأن التدخين يُعتبر عاملاً أساسياً للإصابة. لكن مع تزايد أعداد النساء المُدخّنات في الوقت الحاضر، فإن نسب الإصابة بسرطان الرئة بدأت تتزايد لدى النساء أيضًا.

 

الفحص المبكر والعلاج المتقدم يُخفَضان أعداد الوفيات

الدكتور خالد حسن خبير اورام الرئة من كليفلاند كلينك

هذا ما أكده خبير طبي من منظومة الرعاية الصحية العالمية كليفلاند كلينك؛ مشيرًا إلى أن الفحص المبكر والتقدّم المستمر في خيارات العلاج، من شأنهما التقليل من خطورة سرطان الرئة وتغيير السمعة السيئة التي ترتبط به باعتباره أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا بالإنسان.

 

وقال الدكتور خالد حسن، المختص بعلاج سرطان الرئة في كليفلاند كلينك، أن الطبّ يشهد حقبةً مثيرة للاهتمام في مجال علاج سرطان الرئة؛ لافتًا إلى أن العقدين الماضيين شهدا تطورات كبيرة في العلاج الجهازي الشامل. علاوةً على العلاجات المناعية والمُوجَهة، والعلاجات القائمة على الأجسام المُضادة، والتي طُرحت جميعها بجانب خيارات العلاج الكيماوي التقليدية؛ هذا بالإضافة إلى التقدّم المُحرز في العلاجات الجراحية والإشعاعية.

 

ورأى الدكتور حسن أن اليوم العالمي لسرطان الرئة، الذي يصادف الأول من أغسطس، "فرصةٌ لطرح هذا المرض على طاولة النقاش الصريح، وتشجيع الأفراد المُعرَضين لخطر الإصابة به على الخضوع للفحص". وأضاف: "علينا أن نوصل للعالم رسالة مفادها أن الكشف المبكر عن المرض يجعله أكثر قابليةً للعلاج، وحتى إذا اكتُشف في مرحلة متأخرة؛ تظلّ هناك العديد من خيارات العلاج الجديدة الفعالة التي ينبغي النظر فيها."

 

وأشار خبير علاج أورام الرئة إلى أن الأبحاث أظهرت،أن معدل الوفاة بسرطان الرئة يمكن أن ينخفض بنسبة تصل إلى 20% إذا خضع الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و80 عامًا، ولديهم تاريخ طوله عشرون عامًا من التدخين؛ لفحوص سنوية باستخدام أشعة مقطعية منخفضة الجرعة، سواء كانوا ما زالوا يدخنون أم أقلعوا خلال 15 عامًا مضت، ما يدلّ على أهمية الفحوصات المنتظمة. لكنه أوضح أن غير المدخنين والأشخاص الأصغر سنًا، ليسوا بمنأىً عن الإصابة بسرطان الرئة؛ الذي تُحفّزه أحيانًا طفرات جينية معينة، على عكس الضرر التراكمي للحمض النووي الناجم عن التدخين.

 

فتوحات طبية في علاج سرطان الرئة

 

وبحسب الدكتور حسن، فإن التقدّم في علاج الأورام الطبية على مدى العقدين الماضيين جعل العلاج اليوم أكثر دقّة وتخصيصًا؛ فبدلًا من تحليل السرطان من منظور نسيجي، يُجري الخبراء الآن تحاليلهم للمرض على المستوى الجزيئي، باحثين عن طفرات معينة في الحمض النووي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، ويمكن استهدافها بأدوية معينة.

 

ويتولى فريق طبّي متعدّد التخصصات التعامل مع حالات الإصابة بسرطان الرئة في مرافق الرعاية الصحية المتقدمة، مثل كليفلاند كلينك؛ حيث يتعاون أطباء الأورام ومختصو الأشعة وجراحو الصدر ومختصو أمراض الرئة وخبراء الأمراض وخبراء سرطان الرئة، لوضع خطة علاجية خاصة بالمريض لتحقيق أفضل النتائج المرجوّة.

الاقلاع عن التدخين يسهم في علاج سرطان الرئة وتقليل وفياته

ويأخذ الأطباء في الاعتبار ثلاثة عوامل لتحديد العلاج الأنسب، وفقًا للدكتور حسن؛ الذي أوضح أن أولها يتمثل في تحديد نوع سرطان الرئة والخصائص الجزيئية للمرض، يليه عامل مرحلة الإصابة بالسرطان، الذي يبدأ بالمرحلة الأولى، وهي الموضعية، وصولًا إلى الرابعة، وهي مرحلة انتشار السرطان. أما العامل الثالث، فيتمثل في النظر في الحالة الصحية وظروف المريض، كمدى لياقته للجراحة، على سبيل المثال.

 

وأشار إلى أن المرض، إذا اكتُشف مبكرًا وكان في المرحلة الأولى، والمريض بصحة جيدة؛ تظلّ إزالة الورم عن طريق الجراحة الخيار المفضل، نظرًا لأنها تتيح أفضل فرصة لإزالة جميع الخلايا السرطانية حتى لا تتكرر الإصابة. وأضاف: "تُعدّ الجراحة سبيلًا إلى الشفاء في حوالي 80% من مرضى المرحلة الأولى. أما إذا كان المريض غير قادر أو راغب في الخضوع لعملية جراحية، فمن المرجح أن يخضع لشكل من أشكال الإشعاع الموجّه، كالعلاج بالإشعاع التجسيمي."

 

وتابع قائلًا: "سيتبع العلاجات الجراحية أو الإشعاعية، إذا كان المريض مصابًا في المرحلتين الثانية والثالثة، العلاجُ الجهازي الذي شهد تطورات كبيرة في العقدين الماضيين. أما في المرحلة الرابعة، فلن يكون للجراحة أو الإشعاع أي دور، وسيكون العلاج جهازيًا شاملًا، نظرًا لانتشار السرطان إلى أعضاء أخرى."

 

وفيما يتعلق بالتطورات الحاصلة في العلاج الجهازي، أشار الدكتور حسن إلى أن العلاج الكيماوي ظلّ "المعيار الذهبي للعلاج" لسنوات عديدة؛ لكنه أوضح أن ثلاثة فتوحات طبية مهمّة أدّت إلى زيادة خيارات العلاج زيادة كبيرة. أولها حدث في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما وجد العلماء أن العديد من سرطانات الرئة تُحفَزه طفراتٌ جينية مُحدّدة؛ فطوّروا أدويةً فموية لاستهدافها، واستمر تطوير المزيد من الأدوية مع تحديد المزيد من الطفرات.

 

وجاء الفتح الثاني مع تطوير أدوية العلاج المناعي في منتصف العقد الثاني من هذا القرن؛ والتي يمكن تحمَل آثارها وتُعد أخطارها وآثارها الجانبية أقلّ مقارنةً بالعلاج الكيماوي مثلًا، لأنها تُسخّر جهاز المناعة في الجسم لمحاربة السرطان. وأضاف الدكتور حسن موضحًا في هذا الصدد: "عادةً ما تختبئ الخلايا السرطانية من جهاز المناعة، لكن أدوية العلاج المناعي تجعل من الممكن تحديدها والوصول إليها لاستئصالها."

 

ويمثل "التحالف" بين الأدوية والأجسام المضادة الفتح الطبي الثالث؛ إذ تنتشر الأجسام المُضادّة المصحوبة بأدوية العلاج الكيماوي في الدم وترتبط بمُستقبلات مُحدَّدة في الخلايا السرطانية، لتُطلق الدواء في الخلية لتدميرها. وتتمثل فائدة هذا النهج في استهدافه الخلايا السرطانية وحدها بدلًا من تعريض الجسم كلّه للعلاج الكيماوي.

 

الوقاية مهمةٌ كذلك الأمر

 

من جهة ثانية، شدّد خبير أورام الرئة على أهمية الوقاية من سرطان الرئة؛ بالرغم من أن العلاجات الجديدة، بجانب الفحص المنتظم، يمكن أن تساعد كثيرًا في تقليل معدّلات الوفاة الناجمة عن السرطان. وانتهى إلى القول: "ثبت تمامًا أن العديد من حالات سرطان الرئة، تنشأ عن تعاطي التبغ لسنوات. لذلك فإن تشجيع الأفراد على الامتناع عن التدخين أو الإقلاع عنه، بما يشمل السجائر ومضغ التبغ وتدخين الشيشة والسيجارة الإلكترونية، من شأنه أن يُقلَل كثيرًا من الإصابة بسرطان الرئة والوفيات المرتبطة بها."

 

في الختام، لا تدعي سرطان الرئة يفتك بكِ وبمن تحبين؛ وبادري لتشجيع نفسكِ وغيركِ ممن يدخنون، على التوقف فورًا عن هذه العادة السيئة لتقليل مخاطر الإصابة بسرطان الرئة والوفيات الناجمة عنه. وليكن شعاركِ في الحياة: عمرٌ مديد نتنعم فيه بالصحة والحياة، بدلًا من سنوات قصيرة نقضيها بالمرض بسبب التدخين وغيره من الآفات السلبية التي تُدمر صحتنا وحياتنا.