الشيخوخة عملية حتمية لكل فرد

هل يمكن إبطاء الشيخوخة في الجسم.. إليك الإجابة

جمانة الصباغ

ليس الجلد والوجه وحدهما من يتعرض لزحف الشيخوخة والتجاعيد التي تؤرق من يُصاب بها خاصةً النساء، وإنما هناك أيضاً شيخوخة الجسم التي قد تصيب أعضاء وأجهزة الجسم على اختلافها لأسباب عدة أهمها الالتهاب.

والشيخوخة عمليةٌ حتمية للإنسان وحتى الحيوان، تحدث للجميع في مرحلة متقدمة من العمر وإن تفاوتت درجاتها بين شخص وآخر حسب الجينات المتوارثة في الجسم كما أشار موقع Verywellhealth.

أما فيما يخص أسباب حدوث الشيخوخة، فقد انقسم الجسم الطبي بين فريقين، النظريات المبرمجة للشيخوخة، والضرر أو نظريات الخطأ. بمعنى آخر، يشير الفريق الأول لبرمجة موجودة مسبقاً في الجسم تؤدي به إلى الشيخوخة مع التقدم بالسن، فيما يتحدث الفريق الثاني عن "ضرر" خارجي متمثل بصورة خاصة بالالتهاب، يقف وراء الشيخوخة التي تأخذ أشكالاً عدة منها الشعر الأبيض والتجاعيد وقصر القامة وضعف العضلات والعظام والمفاصل.

فلنتعرف مفصلاً في موضوعنا اليوم على هاتين النظريتين، وماذا تعني النظرية المناعية، وهل يمكنها المساعدة في إبطاء شيخوخة الجسم؟

الشيخوخة مبرمجة أم طارئة عن ضرر ما

الرياضة ونمط الحياة يبطئان الالتهاب المسبب للشيخوخة
الرياضة ونمط الحياة يبطئان الالتهاب المسبب للشيخوخة

بحسب مقال نشرته مجلة "الشيخوخة والمرض" في العام 2010، تشير النظريات المبرمجة إلى أنه وعلى الرغم من محاولات الكثيرين "الحفاظ على صحتهم"، فإن الجسم مبرمج مسبقاً لتحمل وزر الشيخوخة حسب العمر. فيما تهتم نظريات الضرر بكيفية مساهمة البيئة وأسلوب الحياة في التسبب بشيخوخة أجسامنا.

فيما يشير موقع Healthline إلى أن النظرية المناعية هي نظريةٌ مبرمجة للشيخوخة، فيها يفقد جهاز المناعة في الجسم قدرته على محاربة المرض والعدوى مع الوقت. وتؤكد هذه النظرية اعتدال عملية شيخوخة الإنسان وهي شكلٌ معتدل لظاهرة مناعية ذاتية طويلة. أي أن الشيخوخة التي تنطوي على سلسلة معقدة من العمليات، يشتبه المختصون في تحكم الجهاز المناعي بها بدرجة كبيرة.

وبما أن العلم لم يتوصل بعد لفهم عملية الشيخوخة بصورة كاملة، فإن نظريات مثل النظرية المناعية للشيخوخة تظهر في الأفق. وتستند هذه النظرية على مبدأ حدوث تغيرات في الوظائف الفسيولوجية للجسم مع التقدم بالسن، بما فيها وظائف جهاز المناعة. وهو ما أثبته خبراء طبيون بتوصلهم لنتيجة مفادها أن وظيفة المناعة تتضاءل مع السن، ما يزيد من بعض المشكلات الصحية المعروفة بين كبار السن، منها مخاطر أمراض الجهاز التنفسي كالبرد والأنفلونزا مروراً بالأمراض الالتهابية المزمنة، مثل التهاب المفاصل والنقرس.

وفيما تشير بعض البيانات إلى أن التغيرات في وظيفة الجهاز المناعي لكبار السن، يمكن أن تُشكَل أحد أعراض عملية الشيخوخة، فإن الأطراف التي تؤيد النظرية المناعية للشيخوخة تعكس هذه العلاقة، مشيرين إلى أن الأعراض الشائعة للشيخوخة مثل الأمراض المزمنة، قد تنتج عن تغيرات في جهاز المناعة.

جهاز المناعة.. هل يُصاب بالشيخوخة

يواجه جهازنا المناعي الالتهابات المسببة للشيخوخة
يواجه جهازنا المناعي الالتهابات المسببة للشيخوخة

لا يمكن إنكار دور الجهاز المناعي في حمايتنا من العديد من الأمراض الناتجة عن الفيروسات والبكتيريا، كما أن له دورٌ رئيسي في التعرف على الخلايا السرطانية والسموم والمساعدة بإزالتها. وبالتالي فإن تغييرات الجهاز المناعي المصاحبة للشيخوخة، قد يكون لها تأثيرٌ مباشر على طول عمر الشخص؛ وكلما تقدم الإنسان بالعمر، زادت احتمالية إصابة جهازه المناعي بالشيخوخة أيضاً.

وتشير أبحاث إلى أن ضعف جهاز المناعي المرتبط بالشيخوخة، والمعروف أيضاً بإسم "الشيخوخة الالتهابية"، قد يتسبب بحدوث بعض الجوانب المعروفة لعمليات الشيخوخة في الجسم بشكل جزئي أو أكبر. كما يعتقد بعض العلماء أن الالتهاب المزمن، قد يسهم في حدوث مجموعة كاملة من الأمراض المزمنة والخطيرة مثل السرطان ومرض ألزهايمر.

وللعلم، فإن جهاز المناعة مؤلف من خلايا ومواد وأعضاء تعمل على إنتاج الغدة الصعترية والطحال واللوزتين ونخاع العظام والجهاز الليمفاوي وتخزين ونقل الخلايا والمواد ، مثل الأجسام المضادة والإنترلوكينات والإنترفيرون. ومع التقدم بالسن، تنخفض أعداد الخلايا المهمة في الجهاز المناعي وتقل فاعليتها. ويهتم علماء الشيخوخة بفئة خاصة من هذه الخلايا هي فئة خلايا الدم البيضاء والمسماة أيضاً "الخلايا الليمفاوية" ، والتي تقاوم البكتيريا الغازية والخلايا الغريبة الأخرى.

تنقسم الخلايا الليمفاوية إلى فئتين رئيسيتين:

الشيخوخة عملية حتمية لكل فرد
الشيخوخة عملية حتمية لكل فرد
  1. الخلايا البائية التي تنضج في نخاع العظم، وأحد وظائفها الرئيسية إفراز الأجسام المضادة استجابةً للعدوى أو المستضدات.
  2. الخلايا التائية التي تتطور في الغدة الصعترية، تشهد بعض التقلص في مرحلة البلوغ وهي نوعان فرعيان: تهاجم الخلايا التائية السامة للخلايا، الخلايا المصابة أو التالفة مباشرة. فيما تنتج الخلايا التائية المساعدة موادًا كيميائية قوية تُسمى اللمفوكينات ، تعمل على تعبئة مواد وخلايا الجهاز المناعي الأخرى.

وفيما يبقى عدد الخلايا التائية ثابتاً إلى حد ما مع التقدم بالسن، فإن الجزء منها الذي يتكاثر ويقوم بوظائفه، يشهد بعض الانخفاض. كما أن بعض علاجات السرطان كالعلاج الكيميائي والإشعاعي التي تدمر الخلايا التائية، تأخذ وقتاً أطول للتجدد لدى كبار السن مقارنًة بالشباب. ولا يجب أن ننسى أننا عرضة دوماً للفيروسات الشائعة والالتهابات البكتيرية والتي يمكن أن تؤثر على الجهاز المناعي بشكل كبير.

وقد أشار مقال نُشر في العام 2014 عن موضوعات متعددة التخصصات في علم الشيخوخة، إلى أن الأجسام كثيراً ما تتعرض لتهديدات خارجية من الفيروسات والبكتيريا؛ يقوم إزاءها جهاز المناعة بحمايتنا منها سواء عن طريق بعض التغييرات البسيطة في النظام العصبي أو انخفاض الشهية أو على صورة التهاب. ومع الوقت وتزايد التحديات الخارجية، يُصاب الجسم بالضعف والإرهاق ويفقد القدرة التامة على مواجهتها بفاعلية، ما يجعلنا نشعر بالتعب ومشاكل النوم والأمراض العقلية. ويُطلق على عملية ضعف الجهاز المناعي هذه تسمية "الالتهاب".

هل يمكن إبطاء الالتهاب

كون النظرية المناعية للشيخوخة هي نظرية مبرمجة، فإنها دلالةٌ على عدم قدرة الإنسان على فعل أي شيء لإبطاء عملية الشيخوخة بحسب ما أورد موقع Healthline. لكن هذا لا ينفي إمكانية نجاح نمط الحياة الصحي في إطالة العمر، ووفقاً لمقال نشرتها مجلة Journal of Clinical Investigation، فإن الالتهاب لا يحدث بشكل ثابت عند الجميع بل يتفاوت حسب المؤشرات الحيوية في جسم كل واحد منا. وهو ما يسعى الباحثون لتعزيزه بهدف تقوية جهاز المناعة لمواجهة الالتهاب مع العمر.

وفي هذا الصدد، يقترح MedlinePlus، وهي خدمة تابعة للمكتبة الوطنية للطب (NLM) ، أكبر مكتبة طبية في العالم ، وجزء من المعاهد الوطنية للصحة (NIHمواكبة اللقاحات لمساعدة جهاز المناعة على الاستجابة للعدوى. إضافة لاتباع نظام غذائي صحي، الإقلاع عن التدخين وشرب الكحول، والانتظام في ممارسة التمارين الرياضية التي يمكن أن تؤدي إلى إبطاء الالتهاب المرتبط بالعمر. ووجدت دراسة أُجريت عام 2020 في مجلة علم وظائف الأعضاء التطبيقي، أن برنامج تدريب القوة المنتظم يمكن أن يكون له تأثير مضاد للالتهابات على الجسم.

جديرٌ بالذكر أن العديد من النظريات الأخرى للشيخوخة يتفاعل بعضها مع بعض، وبالتالي لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى إجماع حول أيها يمكنه تفسير عملية الشيخوخة بشكل أفضل، بحسب مقال نُشر عام 2010 في مجلة Aging and Disease. إلا أن معظم العلماء يتفقون على أن نمط الحياة الصحي يساعد في الوقاية ليس فقط من الأمراض، وإنما في تأخير الشيخوخة من خلال إبطاء الالتهاب.

وهي النصيحة التي نوجهها لقارئات "هي" على الدوام، داعين من خلال موقعنا الجميع لتناول الأكل الصحي وفقدان الوزن الزائد والحرص على الرياضة والنوم الجيد، للتنعم بحياة أفضل وشيخوخة ليست مبكرة ليست فقط للجسم، وإنما أيضاً لجهازنا المناعي الذي يقوم بوظائف كبيرة ومهمة طوال حياتنا.