فن الراحة النشطة.. بوصّلتكِ إلى مناطق في شخصيتكِ لم تعرفيها من قبل
هل تعلّمين أنكِ عندما تمارسين اليوغا أو تمشين في الطبيعة، لا تستريحين جسديًا فقط، بل تخلّقين مساحة للحدس والحكمة الداخلية، لتكتشفين نقاط قوتكِ الحقيقية التي قد تختبئ تحت ضغوط الحياة؟
وهل تعلّمين أنكِ عندما ترسمين أو تكتبين أو تزرعين، تمارسين حرية أن تكوني أنتِ؟؛ وهل تعلّمين أنكِ عندما تتعلمين مهارة جديدة أو تقرأين كتابًا خارج تخصصكِ، لا تضيفين معلومات فقط، بل توسعين حدود شخصيتكِ؟.
وهل تُدركين أن كل ماسبق ذكره يندرج تحت "فن" ربما تجهلينه؟. نعم، فهذه الأنشطة ليست هوايات، بل طرق للتعبير عن "فن الراحة النشطة"، ذلك المفهوم الذي يمنحكِ الإذن بأن تملئي كأسكِ أولًا، ليس كرفاهية، بل كضرورة. إنه الوعي بأن تطوير شخصيتكِ لا يحدث فقط وأنتِ تتحدين نفسكِ، بل أيضًا وأنتِ تستمعين إليها.
وبما أن تطوير ذاتكِ ليس سباقًا يجب أن تفوزين فيه، بل يحتاج إلى عناية؛ فإن الراحة النشطة هي الماء الذي يروي جذوره، والشمس التي تمنحه الدفء، والاهتمام الذي يجعل أزهار شخصيتكِ تتفتح.
من هذا المنطلق، تعلّمي عبر موقع "هي" كيف يصبح فن الراحة النشطة أداة لتطويل شخصيتكِ، بناءً على توصيات خبيرة تطوير الذات والعلاج السلوكي الدكتورة فريدة عبد العليم من القاهرة.
ما هو فن الراحة النشطة؟

ووفقًا للدكتورة فريدة، فن الراحة النشطة هو مفهوم مثير للاهتمام يتجاوز مجرد الجلوس والاسترخاء. إنه نهج واعٍ وإيجابي للراحة يهدف إلى تجديد الطاقة العقلية والجسدية بشكل أعمق؛ من خلال استخدام الأنشطة التي تنطوي على حركة أو تفكير أو إبداع بدرجة خفيفة إلى معتدلة، بهدف استعادة النشاط والحيوية بدلاً من الخمول التام؛ وبالتالي هو "الانتقال من كونكِ متلقيًا سلبيًا (مثل مشاهدة التلفاز) إلى كونكِ مشاركًا فاعلًا في عملية استرخائك (نزهة على الأقدام أو ركوب الدراجة).
لماذا يعتبر فنًا وما هي فوائده الرئيسية؟
وتابعت دكتورة فريدة، يطلق عليه "فن" لأنه يتطلب الوعي الذاتي "معرفة ما يحتاجه جسمكِ وعقلكِ حقًا في لحظة معينة (هل تحتاجين إلى هدوء أم إلى تحفيز؟ هل تحتاجين إلى العزلة أم إلى التواصل؟)". التوازن "العثور على النقطة المثالية حيث يكون النشاط محفزًا بما يكفي ليكون ممتعًا، وغير مرهق بما يكفي ليكون مجهدًا". التجريب "تجربة أنشطة مختلفة لمعرفة ما يناسبكِ شخصيًا".
أما عن فوائده الرئيسية فهي:
- تجديد أعمق للطاقة بدلًا من تسلية العقل فقط، إذ تعيد الراحة النشطة شحن طاقتكِ الجسدية والعقلية معًا.
- تقليل التوتر حيث تساعد الأنشطة مثل (المشي في الطبيعة أو اليوغا) على خفض هرمون الكورتيزول "هرمون التوتر".
- تعزيز الإبداع بإشراك العقل في أنشطة جديدة تفتح مسارات عصبية مختلفة وتُدعم التفكير الإبداعي.
- منع الملل والروتين لأن الراحة النشطة تكسر حدة الروتين اليومي وتضفي معنى جديدًا على أوقات الفراغ.
- تحسين المزاج لأن النشاط البدني الخفيف يطلق الإندورفين، وهي هرمونات "السعادة" الطبيعية في الجسم.

لماذا فن الراحة النشطة مهم لتطوير ذات المرأة؟
وأضافت دكتورة فريدة، لأنه ترفًا، بل هو ركيزة أساسية وحجر زاوية في عملية تطوير الذات، فهو المحرك الذي يمكّن أي امرأة من النمو بشكل مستدام من دون التعرض للاحتراق أو الركود؛ وذلك للأسباب العميقة التالية:
يمنع الاحتراق ويضمن الاستمرارية
بما أن تطوير الذات رحلة مستمرة وليس سباق عدو؛ فإن الإجهاد المستمر والعمل الدؤوب من دون راحة حقيقية يؤديان حتمًا إلى "الاحتراق النفسي". وبالتالي الراحة النشطة ستعمل كـ "صمام أمان"؛ لإنها تخلق مسافات آمنة بين فترات التركيز المكثف، مما يسمح للعقل والجسم بإعادة الشحن. هذا يعني أنه يمكنكِ الاستمرار في النمو على المدى الطويل من دون الانهيار.
يُعزز المرونة العصبية والتعلم
بما أن الدماغ لا يتعلم بشكل جيد وهو مرهق؛ فإن الراحة النشطة، خصوصًا التي تتضمن أنشطة جديدة "ستحفز تكوين روابط عصبية جديدة". على سيل المثال: "عندما تتعلمين عزف قطعة موسيقية جديدة أو تذهبين في مسار طبيعي غير مألوف، فإنكِ تُحدثي تحديًا خفيفًا لعقلكِ". هذا التحدي يقوي الروابط بين الخلايا العصبية ويعزز "المرونة العصبية"، وهي أساس أي تعلم جديد. إنها طريقة لجعل دماغكِ أكثر قابلية لاكتساب المهارات والمعرفة التي تسعي إليها.
يُولد أفكارًا وحلولًا إبداعية
أفضل الأفكار غالبًا ما تأتي عندما نبتعد عن المشكلة، وليس عندما نركز عليها بعنف. وبالتالي الأنشطة مثل (المشي، السباحة، أو العمل في الحديقة) ستسمح للعقل بالدخول في حالة "الانتشار" حيث يعمل على معالجة المعلومات في الخلفية. علمًا أن خلال هذه الفترات، غالبًا ما تظهر رؤى وحلول إبداعية للمشاكل التي كنتِ تعملين عليها، لأن عقلكِ حر في الربط بين الأفكار بطرق غير تقليدية.
يُعلّمكِ الوعي الذاتي
بما أن تطوير الذات يبدأ بمعرفة الذات، فإن الراحة النشطة توفر مساحة للتواصل مع نفسكِ بعيدًا عن ضغوط الأداء. على سبيل المثال: "عندما تمارسين اليوغا، أو تكتبين في دفتر اليوميات، أو حتى أثناء الرسم"، أنتِ تستمعين إلى جسدكِ (هل هو متوتر؟) ومشاعركِ (ما الذي يقلقني حقًا؟). هذه الممارسة تعمق فهمكِ لذاتكِ، ودوافعكِ، ومخاوفكِ، وهو أمر لا يقدر بثمن لأي مسيرة تطوير ذاتي.
يُحسن الصحة النفسية والجسدية
لا يمكنكِ تطوير ذاتكِ إذا كانت صحتكِ النفسية والجسدية منهكة. وبما أن التوتر والقلق يضعفان الإرادة والتركيز؛ فإن الراحة النشطة ستُخفض مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) وتطلق الإندورفين. لتكون النتيجة "عقل أكثر صفاءً، ومزاج أفضل، وطاقة أعلى" لمواجهة تحديات النمو.
يُوازن بين "الإنسان الفاعل" و"الإنسان الكائن"
في سعينا الدائم لتحقيق الأهداف (الإنسان الفاعل)، ننسى أحيانًا قيمة "الوجود" بمجرد ما نحن عليه (الإنسان الكائن). وبما أن فن الراحة النشطة هو الجسر بين هذين الجانبين، وهدفه ليس الإنتاجية فقط، بل الاستمتاع باللحظة والوجود؛ فإن هذا التوازن سيمنعكِ من تعريف قيمتكِ فقط من خلال إنجازاتكِ "وهو درس أساسي في التطور الشخصي السليم".
يبّني عادات إيجابية بديلة
بما أن تطوير الذات يتعلق غالبًا باستبدال العادات السلبية بأخرى إيجابية، فإن الراحة النشطة تملأ الفراغ الذي قد تتركه العادات السيئة. على سبيل المثال: "بدلًا من قضاء ساعات في التمرير السلبي على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تشعرين بالملل ( عادة سلبية)، يمكنكِ التعود على الذهاب في نزهة سريعة أو قراءة كتاب (عادة إيجابية).

وأخيرًا، فن الراحة النشطة هو تحويل وقت الفراغ من حالة "عدم فعل شيء" إلى حالة من "الفعل الهادف" الذي يغذي الروح والجسد والعقل. هو إدراك أن أفضل استرخاء قد لا يكون في التوقف التام، بل في الانخراط في نشاط مختلف عما تقومين به في عملكِ أو حياتكِ الروتينية. ومن دون هذا الفن، يصبح تطوير الذات مجرد قائمة مهام مرهقة، قد تنجزيها لفترة ولكنكِ سرعان ما ستصابين بالإرهاق وتفقدين شغفكِ.