منها التطريز العسيري.. كيف طورت الحرف اليدوية مهارات المرأة السعودية عبر الأجيال؟

منها التطريز العسيري.. كيف طورت الحرف اليدوية مهارات المرأة السعودية عبر الأجيال؟

رحاب عباس المواردي

من مغزل الجدّة إلى منصات التصدير العالمية، حيث حكايات الأجداد التي ترويها النقوش على بيوت الشعر، وألوان "التطريز العسيري" التي تزين الجدران كقصائد بصرية، هناك إرثّ حي تنسجه أنامل سعودية عبر الأجيال. ليست مجرد حرف يدوية، بل كانت مدارسَ غير نظامية تُعلّم الصبر والإبداع، وتخيط من خيوط "السدو" ثقة امرأةٍ تبني هويتها وتُسهم في اقتصاد وطنها.

إنها رحلةٌ بدأت بعقدةٍ في نول، ولا تزال تغزل مشاريعها الوطنية لتصل إلى العالمية من نافذة الابتكار، حيث باتت كل تطريزة خطوةً نحو التمكين، وكل قطعة فخار شهادة على إبداعٍ لا يعرف الحدود.

من هذا المنطلق، سنغوض معًا عبر موقع"هي" في عالم الحرف اليدوية، وكيف حوّلت المرأة السعودية الخامات البسيطة "من صوف وطين وسعف" إلى روائع تزين اليوم أرقى المعارض، وكيف استطاعت أن تنسج من تراثها مهاراتٍ عصريةً جعلتها رائدة أعمالٍ وسفيرةً لتراثها؛ بناءً على توصيات خبيرة تطوير الذات الدكتورة روان الغامدى من جدة.

ما هي الحرف اليدوية أبدعت في صناعتها المرأة السعودية؟

حرفة السدو لصناعة السجاد أحد الحرف اليدوية التي أبدعت في صناعتها المرأة السعودية بالمناطق الصحراوية
حرفة السدو لصناعة السجاد أحد الحرف اليدوية التي أبدعت في صناعتها المرأة السعودية بالمناطق الصحراوية

ووفقًا للدكتورة روان، لا تزال المرأة السعودية تُبهرنا بإتقانها العديد من المجالات، وخصوصًا تميزها عبر الأجيال في صناعة مجموعة رائعة من الحرف اليدوية التي تعكس ثقافة وتراث كل منطقة، أبرزها:

 فن التطريز العسيري

هو فن تطريز معقد بالألوان الزاهية مثل (الأحمر والأسود والأخضر) يشكل رسومًا هندسية أو نباتية أو رموزًا ذات دلالة ثقافية لمنطقة عسير. وهو أشهر ما ارتبط باسم المرأة السعودية عالميًا. فقد كانت المرأة السعودية  تزين به جدران منزلها (من الداخل والخارج) وكذلك الملابس والقطع. الجدير بالذكر، أنه تم تسجيل "القط العسيري" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي كرمز لإبداع المرأة في المنطقة.

حرفة السدو

هي حرفة نسج صوف الإبل والماعز باستخدام "المغزل" و"النول" اليدوي لصناعة بيوت الشعر (الخيام)، والمرافق (السجاد)، و"الزنابيل" (الأكياس)، ومفارش الجلوس. علمًا أنها منتشرة في نجد، حائل، والمناطق الصحراوية. حيث تتميز بدقة النقوش والرسوم الهندسية المتوارثة وألوانها المميزة (كالأحمر، الأسود، الأبيض، والأصفر). وهي حرفة تتطلب صبرًا ومهارة عالية.

 صناعة الحلي والمجوهرات التقليدية

يتم استخدام مواد مثل (الفضة، والعقيق، والخرز الملون، والعظام لصناعة الحلي) مثل "المخانص" (أساور فضية)، و"المرازن" (أقراط تقليدية)، وقلائد العقيق. منتشرة في المنطقة الجنوبية مثل (جازان)، والمنطقة الشرقية، والمنطقة الشمالية. علمًا أن هذه الصناعة تميزت بالتفاصيل الدقيقة والنقوش المميزة التي تختلف من منطقة لأخرى، وغالبًا ما تحمل رموزًا ثقافية.

صناعة الفخار والخزف

صناعة الفخار أحد الحرف اليدوية التي حافظت عليها المرأة السعودية من الاندثار عبر الأجيال
صناعة الفخار أحد الحرف اليدوية التي حافظت عليها المرأة السعودية من الاندثار عبر الأجيال

هي عبارة عن تشكيل الطين لصناعة أواني الطهي، وجرار التخزين، وأدوات المائدة، والتحف التزيينية. منتشرة في منطقة الأحساء، والقصيم، والجوف. الجدير بالذكر، أن المرأة السعودية برعت في تشكيل الفخار وتزيينه بالنقوش والحفر التي تعبر عن البيئة المحلية، مع الحفاظ على التقنيات التقليدية في الحرق والتلوين.

منتجات السعف والخوص

يتم استخدام سعف النخيل لصناعة سلال، ومقاطع، ومراوح، وحصير، وقبعات، وأطباق بتصاميم متنوعة. منتشرة في المنطقة الشرقية (الأحساء والقطيف)، وجازان. الجدير بالذكر، أن المرأة السعودية أبدعت في تطويع هذه المادة الطبيعية لصناعة منتجات عملية وجميلة، مع إضافة لمسات زخرفية من الألوان والخيوط.

المباخر والتحف الخشبية المنقوشة

هوعبارة عن نحت وتزيين المباخر (التي تستخدم للبخور) والأطباق الخشبية برسومات ونقوش تقليدية. منتشرة في منطقة المدينة المنورة، نجران، عسير. وهنا برعت المرأة السعودية في نقش الرسوم المعقدة التي تروي حكايات التراث، مستخدمة أدوات بسيطة لكن بنتائج مبهرة.

التّلي أو التهذيب

هو تطريز خاص بحواف الملابس النسائية مثل "المدرعة" التقليدية أو أطراف العباءات باستخدام خيوط الذهب والفضة. منتشر في منطقة حائل وغيرها. علمًا أنه يتطلب دقة بالغة في عمل شبكة من العقد المُتسقة لتُشكل أشكالًا هندسية متناظرة.

كيف تحافظ المرأة السعودية على تراثها اليدوي من الاندثار؟

دمجت المرأة السعودية التراث بالحدثة من خلال تطريز العباءات ببشكل عصري ومتطور
دمجت المرأة السعودية التراث بالحدثة من خلال تطريز العباءات ببشكل عصري ومتطور

أكد دكتورة روان، أن المرأة السعودية لا تزال تُبدع في تطوير تراثها اليدوي بما يتناسب مع معايير العصر الحديث من خلال التالي:

  • دمج التراث بالحداثةمثل استخدام نقوش "القط" على الحقائب والعباءات العصرية.
  • التحول إلى مشاريع تجاريةعبر إنشاء علامات تجارية خاصة وبيع المنتجات عبر منصات الإنترنت.
  • المشاركة العالمية من خلال عرض منتجاتها في معارض دولية، مما جعلها سفيرة للتراث السعودي الأصيل.

ماذا عن المهارات التي اكتسبتها المرأة السعودية من الحرف اليدوية؟

اكتسبت المرأة السعودية من ممارسة الحرف اليدوية مهارات متنوعة منها إدارة المشاريع  والتسويق والتفاوض
اكتسبت المرأة السعودية من ممارسة الحرف اليدوية مهارات متنوعة منها إدارة المشاريع  والتسويق والتفاوض

وأضافت دكتورة روان، لقد اكتسبت المرأة السعودية من ممارسة الحرف اليدوية مجموعة واسعة ومتنوعة من المهارات، والتي يمكن تصنيفها إلى عدة مستويات؛ وذلك على النحو التالي:

المهارات الحرفية والتقنية الأساسية

هي المهارات المباشرة المتعلقة بتصنيع المنتج، أبرزها:

  • مهارات فنية دقيقةمثل (النسيج (في حرفة السدو، (التطريز (كما في فن القط العسيري، النحت على الخشب (في صناعة المباخر)، والتشكيل بالطين (في صناعة الفخار).
  • معرفة المواد الخام من خلال كيفية اختيار الصوف، والقطن، والخيوز، والطين، والخوص، ومعالجتها لتصبح صالحة للاستخدام.
  • إتقان الأدوات باستخدام الأدوات التقليدية وكيفية تطويعها لتحقيق التصاميم المطلوبة.
  • فنون التصميم واللون من خلالتطوير حس فني عالٍ في تنسيق الألوان، وابتكار الأشكال الهندسية والنقوش المتناغمة التي تعبر عن الهوية المحلية.

المهارات الشخصية والإدارية

وهي المهارات التي تطورت مع تحول الحرفة من نشاط منزلي إلى مشروع اقتصادي؛ أبرزها:

  • إدارة المشاريع الصغيرة مثل "تخطيط الإنتاج، حساب التكاليف، تحديد أسعار البيع، وإدارة الوقت بين المسؤوليات المنزلية والعمل".
  • التسويق والمبيعات مثل "كيفية عرض المنتج، إقناع العملاء، والمشاركة في المعارض المحلية والدولية".
  • التواصل والتفاوض من خلال التفاعل مع الزبائن والموردين والجهات الداعمة مثل (برنامج "بارع" أو البنوك).
  • تعزيز الثقة بالنفس من خلال الاعتماد على الذات، تحقيق دخل مادي، والحصول على تقدير المجتمع للمنتج الذي تقدمه.

المهارات الفكرية والاستراتيجية

وهي مهارات مميزة اكتسبتها الروادات والحرفيات المتميزات، أبرزها:

  • الابتكار والتطوير من خلال القدرة على تطوير الحرف التقليدية لتناسب ذوق العصر الحديث، مثل دمج فن "القط" في منتجات الأزياء أو الديكور المعاصر.
  • نقل المعرفة من خلالمهارة تعليم الآخرين، حيث أصبحت حرفيات متمكنات مدربات معتمدات ينقلن مهاراتهن إلى الجيل الجديد.
  • التكيف مع متطلبات السوق من خلال فهم احتياجات السوق المحلي والعالمي وتكييف المنتجات وفقًا لها مثل "تصغير أحجام بعض القطع لتناسب السياح".
  • الوعي الرقمي من خلالتعلم استخدام منصات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية لتسويق وبيع المنتجات، مما وسع نطاق عملها بشكل كبير.

المهارات الاجتماعية والثقافية

  • الإحساس العالي بالمسؤولية تجاه الحفاظ على الهوية الثقافية السعودية ونقلها للأجيال القادمة.
  • تعزيز الروابط الاجتماعية وفرصة للاجتماعات النسائية وتبادل الأحاديث، مما يقوي أواصر المجتمع.
  • بروز نماذج لسيدات سعوديات أصبحن رائدات أعمال مؤثرات يقودن مشاريع حرفية كبرى توظف نساء أخريات.

المهارات النفسية

  • تتطلب معظم الحرف اليدوية وقتًا طويلًا ودقة متناهية، مما ينمي صفات الصبر والمثابرة.
  • يُساعد العمل على تفاصيل معقدة على تنمية القدرة على التركيز والتفكير بشكل إبداعي لحل المشكلات التقنية التي قد تواجهها أثناء الصناعة.

كيف تحول دور المرأة السعودية في مجال الحرف اليدوية إلى شريك مبدع في الاقتصاد الوطني السعودي؟

من مغزل الجدّة إلى منصات التصدير العالمية هكذا أبدعت المرأة السعودية في مجال الحرف اليدوية عبر الأجيال
من مغزل الجدّة إلى منصات التصدير العالمية هكذا أبدعت المرأة السعودية في مجال الحرف اليدوية عبر الأجيال

أكدت دكتورة روان، أن المرأة السعودية تلعب دورًا جوهريًا في تحويل مجال الحرف اليدوية من ممارسة تقليدية إلى شريك مميز في الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال:

الدعم المؤسسي

تهدف رؤية المملكة 2030 إلى زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد. وضمن هذا الإطار، أطلقت وزارة الثقافة خلال هذا العام "2025" برامج تدريبية متخصصة ودعمًا ماديًا ولوجستيًا للحرفيات.

التمكين الاقتصادي

تُسهم المشاريع الحرفية في خلق مصادر دخل للمرأة، مما يمكنها من تحقيق استقلاليتها المالية. علمًا أن التقديرات تشير إلى أن حجم سوق الحرف اليدوية في السعودية يقدر بمليار ونصف ريال سنويًا.

برامج التدريب

توجد برامج ومبادرات متخصصة مثل أكاديمية نفيسة شمس للفنون والحرف، والتي ساهمت في تدريب أكثر من 17,000 سيدة منذ تأسيسها عام 2006، مما يؤكد على أهمية التدريب المستمر لنقل المهارات.

نقل التراث عبر الأجيال

تمثل الحرف اليدوية وسيلة لنقل المعرفة والتراث من جيل إلى آخر، حيث تتعلم الفتيات هذه المهارات من أمهاتهن وجداتهن، مما يحافظ على استمرارية الهوية الثقافية.

تعزيز الثقة والمكانة الاجتماعية

ينمي إتقان الحرف اليدوية مهارات مثل الإبداع والدقة والصبر، كما أن مشاركتها في المعارض والفعاليات المحلية والدولية يعزز ثقتها بنفسها ومكانتها في المجتمع.

التكيف مع العصر

تعمل الجهات المعنية على إنشاء منصات تسويقية رقمية للحرف اليدوية، مما يمكن الحرفيات من عرض وبيع منتجاتهن بشكل أوسع، ويضمن استمرارية هذه الحرف في العصر الحديث.

وأخيرًا، تظهر تطور مهارات المرأة السعودية عبر الحرف اليدوية مسارًا متكاملًا يجمع بين الأصالة والحداثة. فقد انتقلت هذه المهارات من كونها نشاطًا منزليًا للحفاظ على التراث إلى مشاريع اقتصادية تساهم في تمكين المرأة وتنمية المجتمع، بدعم من الرؤية الوطنية والبرامج التدريبية المتخصصة لتكون شريكًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والثقافية للمملكة.