"ديفيد غيّام" David Ghiyam 

خاص "هي".. كيف يمكن لـ"التجلي" أن يساعدك على عيش أفضل حياة؟

جويل تامر

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتشابك فيه الطموحات مع الضغوط اليومية، يبحث الكثيرون عن طريق يفتح لهم أبواب التوازن والوفرة والسعادة. وبينما يُنظر إلى "التجلي" غالباً كفكرة رومانسية أو ممارسة سطحية مرتبطة بالتفكير الإيجابي، يكشف لنا "دايفد غيّام" David Ghiyam– المعلم الروحي العالمي المعروف، الذي يتابعه ملايين الأشخاص حول العالم، والذي يستضيف فعاليات تحويلية في مختلف أنحاء العالم، والمؤسِّس المشارك لعلامة MaryRuth Organics، إحدى أكبر علامات الصحة والعافية على مستوى العالم – أن التجلي أعمق بكثير من مجرد رغبةٍ أو تمني. إنه علمٌ روحي قائم على الانسجام مع قوانين كونية خفية، قادر على إعادة تشكيل وعينا وواقعنا، وقيادتنا نحو أسمى نسخة من ذواتنا.

اليكم مقال الرأي التالي بقلم "ديفيد غيّام" David Ghiyam 


لقد أدركت حقيقةً مذهلة، بعد خمسة وعشرين عاماً من دراسة وتعليم علم "القبّالة" (Kabbalah) وبعد أكثر من عشرين ألف ساعة قضيتها في إرشاد الأفراد؛ حين يفهم الناس على وجه اليقين الآليات الروحية لعملية التجلي، يتبدل واقعهم تبدلاً عجيباً. تتغير طريقة تفكيرهم، ويتغير نسيج خبرتهم الحياتية على نحو شبيه بالمعجزة. لكن هذا في واقع الأمر ليس سوى النتيجة الطبيعية للتناغم مع القوانين الكونية الروحية التي تحكم هذا الوجود. 

يظن كثيرون أن التجلي لا يعدو كونه أن يتخيل المرء ما يريد ثم ينتظر تحققه. غير أن حقيقة التجلي أعمق من ذلك بكثير؛ فهي تقوم على فهم أن الطاقة الكامنة فيما ترغب فيه موجودة سلفاً وتناديك بالفعل. إن شعورك المفاجئ برغبةٍ في أن تكون طرفاً في علاقة مثالية، أو تحقيق تطور مهني لافت، أو حتى طلب أمر بسيط مثل فنجان قهوة، ليس نزوةً عابرة؛ بل هو تجلي تلك الرغبة وقد غرس بذوره في وعيك هامساً.. "تعال واكشفني". 

ما وراء التفكير الإيجابي 

إن أكثر ما ألاحظه من التباسات في مجال العافية والتنمية الذاتية هو الظن بأن التجلي ليس سوى نسخة متقدمة من التفكير الإيجابي. كثيراً ما يُنصح الناس بتكرار عبارات التأكيد، وتخيل أهدافهم، والتحلي بطاقة إيجابية طيلة الوقت. ولا بأس في هذه الممارسات، لكنها تغفل الجوهر الأعمق، تلك "التقنية الروحية" الكفيلة بإحداث التحول الحقيقي المستدام. 

لا يحدث التجلي الحق إلا حين ندرك أننا كائنات جُبلت لتكون أوعية قابلة لتلقي فيضٍ لا نهائي من نور الخالق. وليس في الأمر طرحٌ ديني تقليدي، بل هو إيمانٌ بنظام روحي يدبر واقعنا. فما نراه في عالمنا المادي ليس سوى واحد بالمائة من حقيقة ما يجري فعلاً. فهناك قوى خفية، طاقاتٌ روحية تعمل ليل نهار خلف الكواليس لتأتيك تماماً بما تحتاجه روحك كي تنمو وتبلغ حد الإشباع. وتعلمنا حكمة "القبالة" القديمة ألا حدود لما يمكننا تلقيه. فطاقة الإشباع التي ننشدها جميعاً، سواء في مساراتنا المهنية أو علاقاتنا الشخصية أو صحتنا أو نمونا الذاتي، هي طاقة غير محدودة، رحيمةٌ رؤوفة، وقد مُنحت لنا منذ البدء. والعامل الوحيد الذي يقيد استفادتنا منها هو مدى سعة وعائنا الداخلي لتلقيها. 

التأثير الحقيقي للتحول

إن عيش أفضل حياةٍ لنا ليس مرهوناً بأن نحصل على كل ما نظن أننا نريده، بل في توسيع قدرتنا على تلقي ما يريد الخالق أن يمنحنا إياه. فما يريده لنا الخالق أعظم مما قد تتصوره رؤيتنا القاصرة. 

يتطلب هذا التحول ما أسميه "الفعل الروحي"؛ أي أن نتجاوز الأنماط التفاعلية التي تبقينا عالقين في دوامات النقص والتقييد. فعندما ننقاد إلى الخوف أو نستسلم للغضب أو نرزح تحت وطأة الشعور بانعدام الأمان، نكون واقعين آنذاك تحت سطوة "الأنا" التي لا ترى سوى ذلك الواحد بالمائة الظاهر من الواقع. أما حين نتروى ونتصل بحكمة الروح الساكنة في أعماقنا، فنختار رد فعلنا انطلاقاً من يقيننا بمحبة الخالق، فإننا بذلك ندخل حيز التسعة وتسعين بالمائة الخفي؛ حيث تتحقق المعجزات فوراً. 

لقد شهدت هذا التحول مراراً وتكراراً في ندواتي المباشرة وجلسات التدريب الفردية. فعلى سبيل المثال: بقيت امرأة دون شريك حياة لمدة اثنتين وعشرين سنة، وإذا بها تجد رفيق روحها فجأةً ما أن تخلت عن حنقها تجاه زوجها السابق وفتحت وعاء قلبها لتلقي الحب. وكذلك تجاوز رائد أعمال سقف عائداته المعتاد حين كف عن العمل بعقلية الندرة، وأخذ يؤمن بأن مشروعه قناة يتدفق عبرها فيض الوفرة اللانهائية. 

تطبيق التجلي في حياة عصرنا 

كيف يتسنى لنا إذن تطبيق هذا في حياتنا اليومية؟ ابدأ بتغيير علاقتك بالرغبة ذاتها. بدلاً من التفكير على النحو "أريد هذا الأمر لكنني لا أناله في الغالب"، اعلم أن مجرد رغبتك فيه دليل على أن تحققه موجود بالفعل. لقد وضع الخالق تلك الرغبة في قلبك لأن البركة المقابلة لها جاهزةٌ لتظهر إلى العيان. 

بعد ذلك، أشرك الخالق في ممارستك التجلي. بدلاً من أن تقول في سرّك "أنا أستحق الأشياء الجيدة"، قل: "إن الخالق يريد لي بركاتٍ لا نهائية، وأنا أختار أن أنفتح لها بكل كياني". يربطك هذا التحول الدقيق بمصدر الوفرة اللامتناهي، ويحول دون أن تحصر نفسك ضمن حدود ما تظن "الأنا" أنك تستحقه. 

انتبه للناس والظروف التي يرسلها الخالق إلى حياتك. فكثيراً ما تأتي أعظم تجلياتنا عبر قنوات غير متوقعة. تلك المحادثة العفوية التي تخوضها مصادفةً، وتلك الفرصة المباغتة التي تطرق بابك، وذلك الشخص الذي يظهر في اللحظة المناسبة تماماً.. ليست أحداثاً عشوائية على الإطلاق، بل هي استجابةُ النظام الروحي للطاقة المتناغمة التي تبثها. 

روحك اللامتناهية

ربما كانت هذه النقطة أهم من كل ما سبق؛ تذكر أنك أقوى بكثير مما تظن. فروحك لا حد لها، وهي متصلة بالقوة المبدعة ذاتها التي تدبر أمر الكون بأسره. وكل تحد تواجهه ما هو إلا فرصة لتوسيع وعائك وتلقي المزيد من النور. وكل قيد يعترضك ليس سوى دعوةً لتجاوز مستوى وعيك الحالي إلى آفاق أرحب. 

يحبك الخالق بقدر أكبر مما يستطيع عقلك أن يدرك، ويريد لك إشباعاً وسعادةً تفوق ما تظنه ممكناً. وليس هذا مجرد تمني ساذج، بل هو الحقيقة الجوهرية لوجودك. فلقد جئت إلى هذا العالم لتتلقى، ولتختبر الفرح، ولتجسد أسمى نسخة من حياتك.

حين تتناغم مع هذه الحقيقة، وتكف عن الإصغاء لتلك الأصوات التي تأمرك بأن تتضاءل أو ترضى باليسير، وحين تتذكر أن طاقة لا نهائية تحيط بك في هذه اللحظة وتوشك أن تنكشف عبر وعائك الفريد، عندئذ تبدأ في عيش أفضل حياة بحق. ليس لأنك أحرزت كل أهدافك الدنيوية، بل لأنك تذكرت من تكون حقاً. 

إن أفضل حياة ليست غايةً عليك أن تطاردها أو تجاهد لأجلها؛ إنها حقك الأصيل، الممنوح لك سلفاً، ولا تنتظر منك إلا أن توسع قابليتك لتلقيها. ويبقى السؤال: هل أنت مستعد للدخول في عالم الإمكانات اللامتناهية الذي يمثل إرث روحك الحقيقي؟