"هي" تُحاور "آيدان أوبراين".. ما لا يقوله لكِ أحد عن النجاح: كل شيء يبدأ بتغيير عقليتكِ
في عصر يركّز فيه كثيرون على الاستراتيجيات، والأدوات، والتخطيط طويل المدى لتحقيق النجاح، يأتي "آيدان أوبراين" Aidan O’Brien ليقلب المعادلة رأسًا على عقب، واضعًا العقلية (Mindset) في قلب الرحلة نحو التميز والتأثير الحقيقي. بخبرة تمتد لأكثر من 15 عامًا، عمل خلالها مع شركات "فورتشن 500"، وفرق تنفيذية، ومؤسسين وروّاد أعمال حول العالم، استطاع "أوبراين" أن يُحدث نقلة نوعية في مفهوم القيادة والأداء، مستندًا إلى مزيج نادر من الإدراك النفسي العميق والفهم التجاري الحاد.
من خلال برامجه ومداخلاته المؤثرة، لمس "آيدان" حياة ما يقارب المليون شخص حول العالم، وكان له أثر مباشر على فرق مبيعات في الإمارات تولّد أكثر من 50 مليون يورو سنويًا. لكن، وكما يشير بنفسه، فإن ما يقدّمه لا يتعلّق فقط بتحسين الأداء أو مضاعفة الأرباح، بل يبدأ من مكان أعمق بكثير: العقلية، أو ما يسميه بـ"السرد الداخلي".
في هذا الحوار الخاص مع "هي"، يكشف "آيدان أوبراين" لماذا يرى أن 80% من النجاح يُبنى على العقلية، لا على القدرات أو الأدوات. يشرح كيف يشكّل حوارنا الصامت مع الذات مواقفنا، قراراتنا، وحتى مستقبلنا. ويوضح كيف أن التخلي عن المعتقدات القديمة، والعودة إلى النسخة الأصيلة من أنفسنا، ليس رفاهية فكرية، بل أساس لا غنى عنه للنجاح المستدام.
من القيادة الذاتية إلى اتخاذ قرارات مصيرية، ومن العلاقات الشخصية إلى البيئة المهنية، يؤكد "أوبراين" أن التحول الحقيقي لا يبدأ من الخارج، بل من الداخل — من تلك النسخة التي نعرف أنها موجودة في أعماقنا، وتنتظر فقط أن نمنحها الإذن لتتجلى. اليكم ما قاله "أوبراين":
خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت علامتي التجارية بمثابة بوابة خفية للتغيير الحقيقي؛ إذ يُعرف عني أنني أساعد الشركات على النمو، وأُطوّر مهارات القادة إلى أعلى المستويات، وأسهم في تحويل الطموحين إلى مبدعين حقيقيين — رغم أن جوهر ما أقدّمه هو في الواقع شخصي وعميق للغاية.
إنها الخطوة الأولى التي أتخذها مع كل فرد وكل شركة. بدءًا من الوعي والتوافق، مرورًا بالصورة الذاتية وتحديد الهوية ووصولاً إلى الأفكار والحديث مع الذات والمعتقدات ولغة الجسد والطاقة والسلوك. وفي النهاية، يتعلق الأمر كله بالعقلية وطريقة التفكير.
فإننا عمومًا نفعل الأشياء لسبب واحد فقط؛ لأننا نشعر بالرغبة في فعلها، فإن لم تكن لدينا الرغبة في تناول الطعام الصحي أو ممارسة الرياضة أو ادخار المال أو إجراء مكالمة ما أو الترويج لأعمالنا أو العمل على علاقاتنا أو خوض المحادثات الصعبة، فإننا عادةً لن نفعل ذلك. وهذا ما يغفل عنه معظم الناس، فأنهم يعتقدون أن النجاح يتمحور فقط حول بذل المزيد وصقل المهارات والاستراتيجيات والعمل "بجد أكبر". ونعم، كل ذلك مهم، ولكن ما يأتي أولاً هو العقلية الصحيحة.
وعليه فأن أهم خطوة تكمن في "التخلي" أكثر من الإضافة. يجب عليك التخلي عن كل ما حصلته طيلة حياتك ولا يعبر عن ذاتك الحقيقة، يجب أن تتلاشى كل قصصك وأفكارك ومعتقداتك وحتى لغتك وأنماط سلوكك، كل ما لا يتوافق مع حقيقتك أو لم يُبنَ عليها، يجب أن يزول. ومن ثم فأن المقصد من هذا هو العيش على حقيقتك، كما أنت فعلاً. ويبدأ كل هذا بالوعي وهو جزء من العقلية الصحيحة. فعندما تكون رؤيتك مشوشة بالأوهام والخوف، وعندما تكون أفكارك مضطربة وتدور في حلقة مفرغة، وعندما تتزعزع ثقتك بنفسك وتكون طاقتك منخفضة، فإن أبسط الأفعال تبدو وكأنها عمل شاق وعبء. ولهذا خصصت فصلاً في كتابي القادم بعنوان "الوعي قبل الانضباط"؛ ولأنه لا أحد منا يود أن يجبر نفسه على المضي قدمًا في كل خطوة، بينما يمكنه إذا استيقظ تمامًا وأدرك من هو حقًا، أن يتصرف بحرية انطلاقًا من تلك الحقيقة والوعي. وذلك لأنه تتوافق عقليتُك، وتشعر بأنك على المسار الصحيح ومدركًا لذاتك وحاضرًا بكامل كيانك، فإنك تتخذ بطبيعة الحال قرارات أفضل. فتظهر بثقة أكبر وترفض المشتتات وتتحرك انطلاقًا من هذا المقصد، لا من العاطفة. لهذا السبب تشكل العقلية الصحيحة 80% من المعادلة. فهي المحرك الكامن وراء جميع السلوكيات التي يري البعض أنها تتطلب المزيد من "التحفيز" أو التنظيم للقيام بها.
تتجاوز العقلية مفهوم التحفيز بكثير، حيث إنها تتعلق بكيفية رؤيتك لنفسك وما تتمسك به في قرارة نفسك من قناعات حول قدراتك وما يمكنك فعله وحتى ما تعتقد أنك تستحقه. أتحدث في كتابي "العودة إلى ذاتي" عن فكرة أننا لا نحتاج إلى مزيد من قوة الإرادة، بل نحتاج إلى مزيد من الحقيقة. فعندما تبتعد عن حقيقتك، يبدو كل شيء أصعب ولا شيء يكون سهلاً. ولكن عندما تعاود الارتباط بما يهم حقًا وتتخلى عن الضجيج، يعود الصفاء والوضوح إليك وتعود طاقتك تلك هي العقلية الصحيحة.
العقلية الصحيحة هي الطريقة التي تري بها الموقف. فاستخدام عبارة "ماذا لو" لتحقيق نتيجة مرغوبة بدلاً من نتيجة سلبية، هي القدرة على الاستجابة للأشخاص والمواقف بدلاً من التفاعل معهم بدون وعي. وهي تمثل جودة صوتك الداخلي عندما تكون بمفردك، وجودة أفعالك حين لا يراك أحد. إن قرار المضي قدمًا في التزاماتك وتهيئة بيئتك والارتقاء بدائرتك الاجتماعية وحماية طاقتك وتركيزك، يرجع كله إلى العقلية الصحيحة.
وقرار اختيار الطريق الصعب وطلب المزيد والحلم بصورة أكبر والمجازفة بالرفض، يرجع كله إلى العقلية. كما أن قرار الاستمرار عندما لا تسير الأمور على ما يرام، رغم التعب، وحين تتسلل إليك الشكوك مرارًا وتكرارًا، كله نابع من العقلية.
تشكّل العقليةُ الطريقةَ التي تظهر بها في علاقاتك. فإذا كنت تعتقد أنك لا تستحق أو أن الناس لا يمكن الوثوق بهم، فإنك ستخرب علاقاتك. عقليتك تحدد قيادتك، فإذا كنت ترى العالم مكانًا تنافسيًا وشحيحًا، فستتصرف بدافع الخوف والسيطرة. أما إن كنت تؤمن بالنمو والوفرة، وتثق بمواهبك وخبراتك ورؤيتك، فإنك ستُمكّن نفسك وتلهم الآخرين وتخلق مساحة لتتجلى العظمة.
لهذا السبب، في عملي وحياتي الخاصة، لا أبدأ بالاستراتيجية، بل بالعقلية والوعي. أبدأ بذلك الحوار الذي يدور خلف الكواليس، ذلك الذي لا تخبر به أحدًا، والذي تخوضه يوميًا مع نفسك وتنكر حتى وجوده.
هل تريد سماع بعض الأخبار السارة؟ أن نسختك التي تمتلك النجاح الذي تريده! تلك النسخة موجودة بالفعل! كل ما عليك هو أن تكتشفها وتختار العودة إليها. هذا هو جوهر كتابي؛ أن التحول لا يتعلق بالموافقات الخارجية أو المدخلات أو التقدير من الآخرين، بل يتمحور حول العودة إلى ذاتك الحقيقية، ذلك الجزء منك الذي لا يتشتت ولا تساوره الشكوك ولا يشعر بالانفصال. أنت الذي موجود سلفًا، أنت الذي تجلس منتظرًا من يوقظك ويُفعّلك، تلك النسخة التي تقرأ هذا المقال الآن.
لذا، إذا أردت تغيير حياتك، فغيّر عقليتك وإذا أردت مضاعفة أعمالك، فارتقِ بعقليتك وإذا كنت تطمح إلى القيادة والتأثير على مستوى أعلى، فوسّع أفق عقليتك.
قد لا تكون العقلية وطريقة التفكير كل شيء، لكنها بالفعل الشيء الذي يؤثر في كل شيء.