الحاجة إلى الاستقلال وحرية الرأي أحد أشكال الاحتياجات النفسية غير الملباة

هل تعانين من الجوع النفسي .. دكتورة نفسية تقدم لكِ وصفة علاجية ممتازة

ريهام كامل

هل شعرتِ يومًا بالوحدة المؤلمة أثناء اندماجك بمحادثة أو وجدت نفسكِ غاضبة بشكل لا يُفهم من أجل خطأ بسيط مثل طلب طعام خاطئ؟ كردود الأفعال الشديدة هذه تكون عادةً مبالغ بها مقارنةً بالحدث نفسه، لكنها ليست حقيقية ولا تعكس شخصية الفرد. على عكس ذلك تُشير هذه الردود أو الانفعالات إلى الاحتياجات النفسية غير الملباة و الساكنة بأنفسنا و التي تستحق الاستكشاف والتفهم بدلاً من الحكم عليها دون محاولة فهمها.

في الدراسة الحديثة التي تقدمها الدكتورة تشاسيتي، الأخصائية النفسية المرخصة ومديرة العيادة في مركز ثرايف للصحة النفسية والأستاذة في جامعة الشارقة الأمريكية (AUS)، التي تعرض فيها اكتشافاً مميزاً لمفهوم الاحتياجات النفسية الغالبة و التي تكون غير ملباة وغالباً ما يتم تجاهلها. وبفضل سنوات الخبرة في علم النفس السريري، تكشف الدكتورة تشاسيتي عن ما يشكل هذه الاحتياجات غير الملباة وكيفية ظهورها وتفاقمها في الحياة اليومية، مما يؤدي إلى ردود فعل عاطفية مفرطة في الحالات التي تبدو عادية ولا تحتاج إلى ردود فعل انفعالية.

ولتوضيح مفهوم الاحتياجات النفسية غير الملباة، وللتركيز أكثر على ردود الأفعال العاطفية المفرطة في المواقف التي لا تستدعي ذلك، نقدم لكم إفادة شاملة من الدكتورة تشاسيتي من خلال طرح الأسئلة التالية والإجابة عليها لفهم أعمق وتوضيح أكبر للموضوع.

ما هي الاحتياجات النفسية غير الملباة؟

ينتشر مفهوم الاحتياجات النفسية الغير ملباة عبر العديد من النظريات النفسية، وغالبًا ما يشار إليها بإصابات التعلق،أو الجروح الغير مشفية، أو الاحتياجات النفسية الأساسية. قد يُشار إليها أيضًا باعتبارها جزءًا هامًا من هرم الاحتياجات الأكبر، أو جروح الطفل الداخلي، أو الظل، أو الاحتياجات المليئة بالتكيف (أو المعتقدات الأساسية)، أو الأفكار اللاواعية. وتمثل هذه الاحتياجات جروحًا نفسية عميقة الجذور تؤثر بشكل كبير على سلوك الفرد وعلاقاته وصحته النفسية العامة.

ما الذي يسبب الاحتياجات النفسية غير الملباة؟ 

الاحتياجات النفسية غير الملباة مثل الحاجة إلى الحب والقبول والاهتمام

تشير الدكتورة تشاسيتي إلى أن الاحتياجات النفسية غير الملباة، أو "الجوع النفسي"، تشمل أكثر من مجرد الضروريات الأساسية للبقاء مثل الطعام والمأوى والملابس. فمنذ الطفولة يحتاج الأفراد أيضًا إلى الرعاية العاطفية، مثل الحب والقبول وحرية التعبير عن المشاعر وارتكاب الأخطاء. وعدم تلبية هذه الاحتياجات خلال الطفولة يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات عاطفية ونفسية طويلة الأمد، موضحة أهمية هذه الاحتياجات حيث أن غيابها من الممكن أن يؤدي إلى جروح نفسية عميقة و طويلة الأمد تؤثر على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الشخصية والعمل".

كيف يمكن اكتشاف الاحتياجات النفسية غير الملباة؟

يوفر العلاج بالمخطط (Schema Therapy) إطارًا قيمًا لفهم هذه الاحتياجات النفسية غير المُلباة من خلال عدسة "المخططات المُبكرة غير القادرة على التكيف" (Early Maladaptive  حيث تطورت هذه المخططات استجابةً لظروف الطفولة المبكرة المزمنة والضارة والمهملة، وهي عبارة آليات تكيف دفاعية كانت في البداية وقائية، لكنها غالبًا ما تصبح من"مهارات البقاء على الحياة" الغير قادرة على التكيف في وقت لاحق من الحياة.

من أجل ذلك تؤكد الدكتورة تشاسيتي على أهمية التعرف على هذه المخططات ومعالجتها لأنها تظهر في أشكال مختلفة، وتشمل ما يلي:

الارتباطات الآمنة و التواصل

نحن بحاجة إلى الشعور بالأمان والاستقرار والرعاية والتقدير والقيمة من خلال الشخصية المتوقعة و المحبة. بدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بألم عميق من الرفض والهجر والنقص والخجل وعدم الانتماء.

الاستقلالية

نحن بحاجة إلى الشعور بالدعم ونحن ننمو في هويتنا (القدرة على الاستكشاف والحصول على التوجيه) والشعور بالقدرة على القيام بشيء ما. بدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بالاعتماد المفرط، والتداخل، وعدم الكفاءة، والانشغال بالفشل أو المرض.

الحدود الواقعية

نحن بحاجة إلى تعلم أن ليس كل يوم هو حفلة أو للاستمتاع فقط، وأن الأفعال لها عواقب، وأنه يجب علينا أن نكون مسؤولين، وأن نضحي في المدى القصير من أجل المكاسب طويلة الأجل، وأن نبني القدرة على تحمل الإحباط لنصبح بالغين وأصحاء ومتوازيين. وبدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بأننا نستحق أكثر من الآخرين، وأننا نعاني من صعوبة في التحكم بالنفس والانضباط الذاتي اللازم لتحقيق الأهداف القيمة.

 حرية التعبير عن الاحتياجات والمشاعر

ليس كل احتياج يمكن تلبيته وليس كل شعور يمكن العناية به، ولكن هذا الاحتياج يتعلق بالقدرة الأساسية على الشعور بمجموعة من المشاعر دون الشعور بالخزي أو العار، أو أن يُطلب منا التوقف عن ذلك.

وقد نلجأ إلى كبت مشاعرنا أو إخفائها أو التضحية بها بطريقة غير صحية تتركنا معتمدين عاطفياً على موافقة أو اعتراف الآخرين، في حالة لم يتم تلبية هذا الاحتياج.

العفوية واللعب

إذا رأيتِ طفلاً يلعب، ستلاحظين كم هو غير منظم و يقوده ما يلاحظه في البيئة حوله. بدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نضع ضغطًا هائلًا على أنفسنا والآخرين للوصول إلى الكمالية ونشعر بالذنب المستمر لعدم كوننا منتجين، وقد نشعر بأننا غير مستحقين للأشياء الجيدة.

ما هي طرق الشفاء وكيف يمكن معرفة توقيت ظهور الاحتياج النفسي غير المُلبى؟

الوعي والتعرف على متى وكيف تؤدي هذه الاحتياجات النفسية غير المُلباة إلى ردود فعل عاطفية غير مناسبة هما أولى الخطوات للشفاء. وهنا تنصح الدكتورة تشاسيتي الذين يعانون من هذه الأعراض بمراقبة أنماط حياتهم والنظر في مشاعرهم، حيث يمكن أن يكون ذلك بوابة لاكتشاف الذات والتعافي، مؤكدة على أن الاعتراف بهذه الاحتياجات يسمح لنا ببدء عملية الشفاء، مما يؤدي في النهاية إلى حياة أكثر صحية و رضا.

والآن يُسعدنا أن تشاركونا الرأي، هل سبق وأن تمكنتم من اكتشاف بعض الاحتياجات النفسية غير الملباة؟ ماذا فعلتم بعدها؟