تعرفي إلى أهمية العزف على الآلات الموسيقية لتطوير الذات

الآلات الموسيقية أصوات تهزّ الأعماق لتطوير الذات.. كيف ذلك؟

رحاب عباس المواردي

هل تُصدّقي أن عزف البيانو 20 دقيقةً يوميًا يبني روابطَ عصبيةً أقوى من لغزٍ رياضيٍ معقدٍ، و أن ضربات الطبولِ تذيب هرمونات التوترِ كما تذيب النار الشمع؟. نعم، هذا ليس خيالًا بل حقيقةٌ أكدتها جامعات مثل ستانفورد وهارفارد: "تُنشط الموسيقى 7 مناطقَ في الدماغِ معًا، كأنكِ تُدربي جيشًا من الخلايا لخدمة إمكانياتكِ الكامنة".

وبالتالي ماذا لو لم تكن الآلات الموسيقية مجرد أدواتٍ؟، بل مرآة تعكس تحولاتِ روحكِ، ومختبراتٍ تدربُكِ على ثلاث معجزات "الصبرِ حين يتشقق إصبعُكِ على وترِ العود. الإبداعِ عندما تُخطئ النوتةَ فتُحدث لحنًا جديدًا.الانضباطِ وأنتِ تُكرري المقطعَ ذاته مئةَ مرةٍ، حتى يصيرَ الدماغُ أوركسترا تنتظم فيها فوضى حياتكِ.

لذا، أؤكد لكِ أنا محررة مجلة هي "رحاب عباس" أن الآلات الموسيقية ليست خشبًا أو معدنًا، بل أسلحةٌ سرية لقتلِ ضعفكِ، ومركبات فضائية تستكشفُ أكوانَ شخصيتكِ. فما رأيكِ أن تختاري معي آلتكِ الموسيقية لتجعليها سفير ثورتكِ على ذاتكِ القديمة؟.

من هذا المنطلق، تتّبعي السطور القادمة عبر موقع "هي" للتعرفي على أهمية الآلات  الموسيقية لتطوير ذاتكِ، وأبرز المهارات المكتسبة منها، بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي الدكتورة مي محمود من القاهرة.

هل الآلات الموسيقية بمثابة صوت يهزّ الأعماق ويُعيدّ تشكّيل الروح؟

الآلات الموسيقية قادرة على تحويل ارتعاش أصابع الخوف على لوحة المفاتيح إلى ثقة تُعزف بنغمات من حديد
الآلات الموسيقية قادرة على تحويل ارتعاش أصابع الخوف على لوحة المفاتيح إلى ثقة تُعزف بنغمات من حديد

ووفقًا للدكتورة مي، نعم.. فوراء كواليس الآلات الموسيقية علم خفي يهمسّ لنا بنغمات تُعيد تشكيل الروح وتسعى دومًا إلى إرتقاء الذات.  كما أن أوتار أي آلة صامة قادرة على تحويل ارتعاشَ أصابعِ الخوف على لوحة المفاتيح إلى ثقةٍ تُعزفُ بنغماتٍ من حديد، وتُغير عُزلةَ القلقِ إلى ارتعاشة إيقاع في جماعةِ الفرقة الموسيقية.

لذا، أقول دومًا لأي امرأة أو فتاة " لا تتعلّمي الموسيقى لتصبحي عازفة، بل لتكتشفي أن أعظم سمفونيةٍ ستؤلفها حياتكِ هي تلك التي تُعزف على أوتار روحكِ بعد أن هُذبت بالصبر والإرادة".

ما هي أهمية الآلات الموسيقية لتطوير الذات؟

وتابعت دكتورة مي، لا شك أن الآلات الموسيقية لها دور تحويلي فريد في تطوير الذات، إذ تجمع بين العلم والفن والتنمية البشرية لتُبرز أهميتها؛ وذلك على النحو التالي:

تُعيد تشكيل الدماغ "التنفس العصبي"

أثبتت دراسة جامعة هارفارد (2023) أن الموسيقيين لديهم مادة رمادية أكثر بنسبة 15% في مناطق الذاكرة، ما يُقلل خطر الخرف، ويُكافح الشيخوخة الدماغية. كذلك يُساهم العزف في بناء الروابط الدماغية، إذ يُنشط7 مناطق دماغية معًا (السمع، البصر، الحركة، الذاكرة، العاطفة) مما يخلق روابط عصبية جديدة، خاصة في الجسم الثفني المسؤول عن التنسيق بين فصي الدماغ.

تُساهم في تحقيق التوازن النفسي

أثبتت دراسة جامعة  McGillأن العزف يُخفض الكورتيزول بنسبة 68 % ويرفع الإندورفين، ويُكافح الاكتئاب. على سبيل المثال: "حركة الأصابع الإيقاعية (كالعزف على البيانو) تُنشط مراكز المكافأة في الدماغ، و(عزف الناي الشرقي) يُعلم التحكم في التنفس، مما يُحسن الاستجابة للقلق".

تُعزز التواصل الثقافي والهوية "جسر إنساني"

يربط العزف على آلات تراثية (كالعود أو الساز) الأفراد بجذورهم الثقافية "تعزيز الانتماء"؛ كما أن تعلّم آلات من ثقافات أخرى (كالساتو الياباني أو البانسبيرو الأنديزي) يُطور الانفتاح الفكري، ويُوسع الآفاق.

تزّيد إنتاجية الأداء المهني والعلمي

أثبتت دراسة معهد MIT للتقنية، "أن 30 دقيقة عزف صباحية تُحسن التركيز بنسبة 40 %، والأطفال الموسيقيون يُظهرون تفوقًا في الرياضيات والفيزياء بسبب فهمهم للإيقاع والأنماط، والارتجال الموسيقي ينمي التفكير التباعدي (خلق حلول غير تقليدية ومبدعة).

وبالتالي، العزف على الآلات الموسيقية ليس هواية فحسب، بل أداة تطوير فريدة، وتمرين يصقل الدماغ بالمرونة العصبية، والجسد بالتنسيق الحركي، والروحبالتعبير العاطفي.

ما هي أفضل الآلات الموسيقية لتطوير الذات؟

الجيتار أحد الآلات الموسيقية الفعالة لتطوير الذات وأسهلها للبدء بتعلم الأغاني البسيطة
الجيتار أحد الآلات الموسيقية الفعالة لتطوير الذات وأسهلها للبدء بتعلم الأغاني البسيطة

وأضافت دكتورة مي، استنادًا إلى أبحاث جامعة بيركلي "الموسيقى تُعيد تشكيل دماغكِ، ليس لتصبحي موسيقية أفضل فحسب، بل إنسانة أكثر مرونة وإبداع". وبالتالي تعلُّم الموسيقى هو تمرين متكامل للعقل والروح، يُحرركِ من قيود الخوف ويُطلق إمكانياتكِ الكامنة. سواءً عبر دورات مثل "المايسترو أونلاين" أو التطبيقات التفاعلية؛ لذا ابدئي اليوم لتعزفي على آلة خوفكِ قبل أوتار آلتكِ، وستكتشفي أن الحياة نفسها سمفونية قادرة على التحوُل من الفوضى إلى الانسجام؛ بعد التعرف على أفضل الآلات الموسيقية لتطوير الذات وتأثيرها على مهاراتكِ الشخصية والعقلية، وذلك على النحو التالي:

البيانو/الأورج.. تطوير التنسيق العقلي والانضباط

بما أن عزف النوتات يتطلب بكلتا اليدين في وقت واحد، ما يُحدث ذلك تنشيطًا متوازيًا لنصفي الدماغ، ويُحسّن القدرة على حل المشكلات المعقدة؛ فإن أبحاث جامعة بركلي وجدت  أن "عازفي البيانو يتمتعون بقدرات فائقة في التخطيط الاستراتيجي، والمهارات المستهدفة (التركيز، التنسيق بين اليدين والعينين، الذاكرة المتعددة المهام).

الجيتار.. تعزيز الإبداع والتعبير العاطفي

يُعد من أسهل الآلات للبدء بتعلم الأغاني البسيطة خلال أسابيع قليلة لتعزيز مهارات (الارتجال، الصبر، التواصل الاجتماعي). كما أنه يُساعد في التعبير عن المشاعر عبر التأليف والغناء المصاحب، مما يعزز الذكاء العاطفي.

الكمان.. الصبر والدقة العالية

يتطلب أشهرًا لإتقان النغمات الأساسية، مما يُعلم تقبل التدرج في الإنجاز؛ وهنا أظهرت دراسة حديثة لمسح دماغي "أن عازفي الكمان لديهم روابط عصبية أقوى في مناطق التحكم الحركي الدقيق"، ما يُساهم ذلك في تدعم مهارات (الانضباط، التركيز الدقيق، التحمل).

الطبول (الإيقاعية) .. تنظيم الطاقة وتحسين التوقيت

إن تحويل الإيقاعات إلى لغة جسدية يُقلل التوتر ويرفع هرمون السيروتونين؛ كذلك يُعزز مهارات (الانضباط، العمل الجماعي، إدارة الإجهاد).

الناي/الناي الشرقي.. يُحقق التحكم الذاتي والتأمل

يُحسن الربط بين النَفَس والنغمات إدارة القلق ويُعلم "عيش اللحظة"؛ والتالي يُعزز مهارات (التحكم في التنفس، الصفاء الذهني، الصبر).

العود/الساز.. يُعزز التواصل الثقافي والثقة

يقوي الثقة بالنفس، الانفتاح الثقافي، والذاكرة السمعية.

ما هي الدروس المستفادة من تعلم العزف على الآلات الموسيقية؟

العزف الجماعي يُحسن مهارات الاستماع والتكيف الاجتماعي
العزف الجماعي يُحسن مهارات الاستماع والتكيف الاجتماعي

أشادت دكتورة مي، بمقولة عالم الأعصاب أوليفر ساكس: "الموسيقى تُطلق العنان لأعظم إمكانات الإنسان... تلك التي لم يكتشفها حتى نفسه بعد." لذا ابدئي اليوم، وستجدين أن الآلة التي ستختارينها ستصنع منكِ نسخةً أعمقَ وأقوىَ من ذاتكِ، بعد تعلم الدروس التالية:

  • التغلب على الخوف وتعلّم تقبل الفشل كجزء من النمو.
  • تحسن التركيز وتنظيم الوقت مما ينعكس على إنتاجية عملكِ وحياتكِ الشخصية.
  • تعلّم التكيف مع مستجدات الحياة من دون انهيار.
  • القدرة على حل المشكلات بطرق غير تقليدية.
  • الانسجام مع الآخرين والتغلب على نقاط ضعفكِ المرتبطة بالانطوائية.

كيف تبدئين رحلتكِ لتطوير ذاتكِ عبر العزف على الآلات الموسيقية؟

أكدت دكتورة مي، أن الموسيقى ليست مجرد أوتار وآلات، بل مرآة تُعيد صقل روح الإنسان. لذا، ابدئي رحلتكِ من اليوم فصاعدًا بخطوات بسيطة " اختاري آلة، خصّصي وقتًا، واستمتعي بالتغيير" بعد اتباع التعليمات التالية:

  • اختاري آلة تُحفزكِ عاطفيًا، وتتماشى مع شخصيتكِ
  • ادمجي التكنولوجيا واستخدمي تطبيقات مثل Yousician أو Simply Piano  لممارسة تفاعلية.
  • خصّصي 20 دقيقة يوميًا، فهي كافية لتحفيز المرونة العصبية وفقًا لدراسات جامعة ستانفورد.
  • انضمي لمجموعات موسيقية، لأن العزف الجماعي يُحسّن مهارات الاستماع والتكيّف الاجتماعي.