د. ميرنا شوبح

خاص "هي": الموسيقى.. مفتاح استخدميه لتنمية ذاتكِ وزيادة رفاهيّتكِ!

مجلة هي

تُلامِس الموسيقى قمة العبقرية البشرية، تُناشدُ العقل وكذلك الإحساس. تجمعُ بين الجماليات والعلوم والانفعالات. تخترق حميمية الإنسان بشكل مباشر وطبيعي. الموسيقى أعمق من أي تعبير. تُسكِت ثرثرة العالم الخارجي وتَذوب في أسرارِ مَكنونات النفس البشرية لتُوَفِرَ لها وصولا غير عادي إلى السحر والأحلام وبالتالي إلى الصحة الجسدية والنفسية والرفاهية.  إن المرأة العصرية، في عجلة من أمرها، عندما تقعُ تحت سحرِ الأصوات في التجربة الموسيقية، فإنها تلتقطُ أنفاسَها وتُعيد التواصلَ مع ذاتِها وأحاسيسِها. الموسيقى لها تأثيرات مذهلة. يكفي بعضُ النغمات لتثيرَ الرغبةَ الشديدة في الرقص. كذلك تجعل الموسيقى المرأة أكثر رومانسية: فهي تُساهم في إفراز الدوبامين في الدماغ والذي يسمى هرمون السعادة. وتُقلِّل الموسيقى من القلق والألم، وتُخَفِّض ضغطَ الدم، كما أنها تُحَفِّزُ المناطق الحركية والذاكرة والعواطف لدى المرأة.

هكذا تُساهم الموسيقى بالتنمية الذاتية واستقلالية المرأة. يمكن التحقق من ذلك بشكل خاص مع المراهقات، اللواتي قد يلجأن للاستماع إلى عدة أنماط من الموسيقى، بروح البحث عن الذات، وشخصية خاصة بهن، والتماهي مع هذا الفنان أو ذاك أو مع أسلوب حياة معينة. يمكن أن تكون الموسيقى أيضا بمثابة تعبير عن التميز عن عالم البالغين والآباء بشكل عام، من أجل تحديد حاجز أوضح في الانتقال من الطفولة إلى مرحلة البلوغ. الموسيقى هي واحدة من أكثر الطرق فعالية للتعبير عن الأفكار والتأملات والمشاعر. وبالتالي، فإنها تخدم المرأة الحزينة للتخلص من الأفكار الكئيبة والسلبية، حيث الكلمات وحدها ليست دقيقة بما فيه الكفاية لترجمة شعورها بالضيق.  ويمكن كذلك للمرأة الراغبة في الاستقلالية والتميز أن تجد في الموسيقى أداة لإيصال رسالتها ومشاركتها مع اللواتي يشعرن بنفس التوق والرغبة مثلها.

إن ذوق المرأة واختياراتها الموسيقية ترتبط بالأهداف التي تسعى اليها. تستخدم المرأة موسيقاها المفضلة لتنظيم مزاجها ومستوى الطاقة لزيادة او الحفاظ على بعض الحالات العاطفية (مثل الاسترخاء والإثارة) او لتقليل او تعديل الحالات العاطفية غير المرغوب فيها (الإجهاد والتعب).

إن الموسيقى التي تختارها المرأة تزودها بأفكار وتَمَثُّلات لـ "المكان" حيث ترغب في "الوجود" او "الذهاب" عاطفياً وجسدياً.

تختار المرأة الموسيقى التي تثير المشاعر التي ترغب بها أي الموسيقى التي قد تعمل على إعادة الحالات او المواقف العاطفية بهدف استرجاع المشاعر التي رافقت حالة ذلك الوقت.

إن الموسيقى المفضلة هي التي تدغدغ عواطفها وذكرياتها الرومانسية: المرأة لا تنسى وتردد موسيقى لها ذكريات ترتبط بموقف عاطفي مع حبيبها او أخرى مرتبطة بالبعد او الهجر.

في عالم اليوم سريع الخطى والمتطلب، فإن سماع الموسيقى أو العزف على آلة موسيقية يهدئ التوتر والقلق ويسمح للمرأة بالتركيز وتصفية ذهنها.

تسمح الموسيقى للمرأة باستعادة حالة الرفاهية بعد عاطفة قوية أو موقف مرهق. أظهرت العديد من الدراسات أن الموسيقى تقلل من هرمون الكورتيزول، هرمون التوتر.  

الموسيقى المضادة للإجهاد هي قبل كل شيء الموسيقى التي تَسعَدُ المرأة بالاستماع إليها. وفقا للمعالجين بالموسيقى، لا يوجد نوع معين، حتى لو كانت الموسيقى ذات الإيقاع البطيء أو الموسيقى الكلاسيكية تفضي بشكل خاص إلى الاسترخاء.

وهنا نشير إلى أن الهدف الرئيسي من العلاج بالموسيقى هو تحسين نوعية الحياة وتحقيق إمكانات المرأة. يُسهِل العلاج بالموسيقى الاستكشاف والتعبير عن الذات والتواصل غير اللفظي للنساء. يتم تفسير الإنتاج الموسيقي للمرأة على أنه إسقاط، في شكل رمزي، لحالتها الداخلية. يقودها التفاعل الموسيقي مع المعالج إلى اكتشاف عناصر عن نفسها، ثم إخراج أفكارها ومشاعرها وتنظيمها وإعادة دمجها. يمكن للمعالج استخدام ما يسمى بالموسيقى "الاستقبالية"، أي الاستماع إلى الموسيقى المسجلة، سواء أعقبتها مناقشة / لفظية أم لا، وربما دمجها مع وسيط آخر (الرسم والرقص) أو تقنيات أخرى (التصور).

ويمكن أيضا استخدام الموسيقى النشطة، أي الإنتاج الموسيقي المباشر والغناء و/أو العزف على آلة موسيقية من قبل واحد على الأقل من الأشخاص الحاضرين، مع أو بدون ارتباط بوسيط آخر.

كما يسمح الانخراط في المجموعات الموسيقية للمرأة تعلم كيفية التفاعل كفريق واحد، وزيادة التضامن والاحترام والمسؤولية، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع. عندما تؤدي المرأة أنشطة موسيقية، فإنها تتطور في العمل الإيجابي، وتكتسب وسائل التعبير التقنية، وتخلق علاقات شخصية صحية، وتتبنى سلوكا اجتماعيا مناسبا، مما يساعدها على معرفة نفسها والآخرين.

الغناء للمرأة، سواء كانت هاوية أو محترفة، هو وسيلة جيدة للتعبير ويسهل التبادل والتفاعل مع الآخرين.

تساعد الموسيقى على تقوية الروابط الاجتماعية للمرأة عندما تجتمع النساء في مهرجان أو حفل موسيقي لدعم قضايا معينة.

إنه يجمع النساء حول نفس الشغف ونفس الهواية ومن جميع الأعمار أو الأديان أو الخلفيات الاجتماعية.  وقد لوحظ أن الموسيقى تولد زيادة في إفراز الأوكسيتوسين الذي يرتبط بزيادة الثقة والتعاطف والكرم وتحسين إحياء ذكرى الوجوه.

لطالما عانت امرأة تبلغ من العمر 32 عاما من الرهاب الاجتماعي والقلق.  كان لديها خوف من ارتكاب الخطأ وشعور سلبي تجاه نفسها. تعاني من عدوانية ملحوظة تحولها بانتظام ضد نفسها. ومع ذلك، فهي تعيش حياة مهنية دون الكثير من الصعوبات الواضحة، ولكن مع معاناة داخلية حقيقية. بدأت بورشة العلاج النفسي بالموسيقى من خلال العمل على تناغم الجسد، الصوت والانفعالات وذلك بهدف المساعدة على إيجاد الثقة في التحدث في ألاماكن العامة، وهذا ما جعل من الممكن إعادة تركيز أهداف هذا العلاج النفسي بوساطة موسيقية: أي قبول أن المنفعة والمتعة ليسا ممنوعين ويمكن اختبارهما في الحياة الشخصية والعملية. بعد عام من اتباعها ورش العمل المناسبة بانتظام، فسحت تلك المرأة المجال لارتجاليات موسيقية إبداعية جميلة. بموازاة ذلك، بدأت بتنظيم حياتها بشكل أفضل، وأخذت تسمح لنفسها بالنجاح في تنفيذ مشاريع الحياة الشخصية والعملية.

Credits

    بقلم د. ميرنا شوبح

    أخِصَّائية في عِلْم النَفْس العِيادي والتَحْليل النَفسي في مركز ثرايف للصحة النفسية ( Thrive Wellbeing Centre )