
تقلبات المزاج لدى الأطفال: أسباب خفية وطرق تعامل ذكية
هل بكى طفلكِ بعد لحظات من الفرح والضحك واللعب؟ لا داعي للدهشة، فـ تقلبات المزاج لدى الأطفال أمر شائع أكثر مما نتصور. من الطبيعي تمامًا أن يمروا بتقلّبات عاطفية تتراوح بين الفرح والحزن، يضحكون تارة، ويحزنون تارة أخرى، وقد يحدث ذلك أحيانًا دون سبب واضح! لكن، حين تصبح هذه التقلبات متكررة، شديدة، ومؤثرة على حياتهم اليومية، فربما تكون هذه إشارة إلى أن طفلكِ بحاجة إلى دعم أكثر واحتواء أعمق منك.
ليكون بمقدورك ذلك، يجب تثقيف نفسك جيدًا ومعرفة المزيد عن تقلبات المزاج لدى الأطفال، أسبابها، أعراضها، وطرق التعامل معها بذكاء. هذا هو موضوعنا اليوم، تابعي معي بدقة السطور التالية للحصول على نتائج مثمرة تصب في صالح طفلكِ.
ما المقصود تقلبات المزاج لدى الأطفال؟
تقلبات المزاج هي تغيّرات عاطفية مفاجِئة أو شبه مفاجئة، بين حالات مثل السعادة، الحزن، الغضب، والقلق. وهي شائعة الحدوث إلى حد ما عند الأطفال، بسبب النمو النفسي والعصبي. عادة ما تحدث هذه التقلبات في وقت قصير. ما يهم أن يتم فهمها جيدًا ومعرفة الفرق بينها وبين التقلبات العادية والمرضية.

ما الفرق بين التقلبات المزاجية العادية والتقلبات المرضية؟
تقول دكتورة أميرة داوود اختصاصية علاج شعورى وعلاج بالطاقة الحيوية دكتوراه صحة نفسية جامعة سيلينس إنجلترا أنه توجد فروقات جوهرية بين التقلبات المزاجية العادية والتقلبات المرضية. الأولى وهي التقلبات العادية عادة ما تكون خفيفة ومؤقتة، تحدث عند التعب، الجوع، التغير في الروتين، أو الاستجابة لموقف خارجي.
أما الأخيرة وهي التقلبات المزاجية المرضية فهي متكررة وحادة، وقد تستمر لفترات طويلة، مؤثرة جودة حياة الطفل مثل التأثير على النوم أو الأداء الاجتماعي أو المدرسي، وهي مثل اضطراب تقلبات المزاج التخريبية (DMDD)، ويمكن تمييزها عن غيرها من التقلبات من خلال نوبات الغضب المتكررة المزمنة والانفعالات العصبية الشديدة.
ومن أمثلة التقلبات المزاجية المرضية أيضًا، اضطراب المزاج ثنائي القطب، الذي وعلى الرغم من ندرة حدوثه بين صفوف الأطفال الصغار إلا أنه قد يسبب تقلبات حادة تحول دون ممارسة الطفل لحياته بشكل طبيعي.
وهنا تشدد د.أميرة على ضرورة مراقبة الأم لطفلها متقلب المزاج جيدًا، لأنه قد يعاني من تقلبات مزاجية مرضية، ما تتطلب الحاجة عرضه على المختصيين لتقييم حالته النفسية جيدًا، والبدء باتخاذ خطوات فعالة نحو العلاج.
ما الأسباب الخفية لحدوث تقلبات المزاج عند الأطفال؟
بحسب د.أميرة، تعود أسباب تقلبات المزاج لدى الأطفال إلى عوامل عديدة أبرزها ما يلي:
-
العوامل البيولوجية والوراثية
وهي مثل:
- وجود تاريخ عائلي من اضطرابات المزاج أو الاكتئاب.
- اضطراب الغدة الدرقية أو أمراض بدنية قد تؤثر على الحالة النفسية.
- اضطراب النواقل العصبية مثل السيروتونين أو الدوبامين.
- طبيعة النمو الدماغي للأطفال، بعض أنظمة التحكم العاطفي في دماغ الأطفال قد تكون غير ناضجة بالقدر الكافي.
-
العوامل النفسية والشخصية
وتشمل:
- سرعة استثارة الطفل بسبب ضعف تحمله وانعدام قدرته على ضبط انفعالاته أو صعوبة قدرته على ذلك.
- معاناة الطفل من صراع داخلي أو قلق أو خوف أو ضعف ثقته بنفسه.
-
العوامل البيئية والعائلية
أبرزها ما يلي:
- المشاكل والخلافات الأسرية المستمرة، وحدوث تغييرات مفاجئة في الأسرة).
- الضغوط المدرسية أو الاجتماعية مثل التنمر أو صعوبة تكوين علاقات اجتماعية.
- حدوث تغيرات في الروتين اليومي، مثل اضطراب النوم أو سوء التغذية.
- معاناة الأطفال من الصدمة نتيجة الفقد أو حدوث تغييرات مفاجئة في الأسرة مثل، وفاة قريب، أو طلاق).
- غياب الدعم العاطفي للطفل أو تجاهل مشاعره.
-
عوامل أخرى
مثل:
- الجوع أو العطش.
- قلة النوم أو التعب الشديد.
- الاستخدام المفرط للشاشات والتعرض للمحتويات العدوانية والعنيفة.
- المرض أو الألم الجسدي.

ما هي أعراض تقلبات المزاج لدى الأطفال التي تحتاج إلى تقييم مهني عاجل ؟
بحسب د.أميرة، توجد أعراض عديدة لتقلبات المزاج لدى الأطفال، وهي تحتاج إلى تدخل عاجل من قبل المختصين، لأنها قد تشير إلى اضطراب نفسي أو عاطفي ، أبرزها وأهمها على الإطلاق ما يلي:
- نوبات غضب متكررة أو شديدة تستمر لوقت طويل جدًا، قد تتخطى تصل إلى 3 مرات في الأسبوع.
- الغضب أو الحزن لفترات طويلة خلال اليوم سواء في المنزل أو المدرسة.
- اضطرابات وتغيرات ملحوظة في النوم مثل الكوابيس، والأرق.
- فقدان الشهية.
- تراجع مفاجئ في المستوى الدراسي للأطفال في عمر المدارس، وضعف الأداء الأكاديمي.
- تعذر تكوين علاقات اجتماعية ناجحة ومستمرة مثل الصداقات والعلاقات الاجتماعية الأخرى.
- الحزن والعزلة وفقدان الحافز للعب أو انعدام الرغبة في ممارسة الأنشطة المسلية مع الأطفال الآخرين.
- تغير سلوك الأطفال إلى سلوكيات غير مرغوب فيها أغلب الوقت.
- وجود نزعة عدوانية تجاه الآخرين.
كيف يمكن مراقبة الطفل متقلب المزاج بشكل فعال؟
يمكن مراقبة الطفل متقلب المزاج بشكل فعال يساهم في الاكتشاف المبكر للمشكلة، لتسهيل تقييم وضع الطفل بدقة من خلال تطبيق الخطوات التالية:
- تدوين ملاحظات يومية عن سلوك الطفل ومدة حدوثها.
- التعامل مع الطفل بلطف وسؤال عن أسباب حزنه وبكائه.
- مراجعة الروتين اليومي للطفل وتسجيل أي تغييرات في سلوك الطفل، وعاداته الغذائية، وطبيعة نومه، وعلاقته بأصدقائه، ويومه الدراسي.
- تسجيل مرات حدوث تقلبات المزاج لدى الأطفال.
- استشارة المختصين عند ظهور أي ملاحظة غير طبيعية على الطفل.
كيف يمكن للأم احتواء الطفل متقلب المزاج؟
يمكن التعامل مع تقلبات المزاج لدى الأطفال من خلال التزام الأم بتطبيق النصائح التالية:
- التعامل مع الطفل متقلب المزاج بهدوء وحكمة وصبر.
- وضع روتين يومي ثابت للطفل ومعاونته على الالتزام به، فالنوم المنتظم، وتحديد وقت للعب، ووقت للعائلة يخلق بيئة آمنة وهادئة للطفل لتعزيز مزاج الطفل وتحسين حالته النفسية.
- تنمية المهارات العاطفية لدى الطفل، وتعليمه التنفس العميق، والعد إلى عشرة، وممارسة الرسم أو الكتابة كطريقة للتعبير.
- تعليم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره وما يزعجه بسهولة.
- مكافأة السلوك الجيد وتسليط الضوء على سلوكيات الطفل الإيجابية.
- توفير مساحة للطفل وتهدئته بمشاركته اللعب والأنشطة المحببة إليه مثل القراءة أو الرسم أو الاستماع لموسيقى خفيفة.
- تعزيز التواصل مع الطفل وتخصيص وقت ثابت وكافي له يوميه.
- التنسيق مع المدرسة لتعزيز بيئة الطفل المدرسية وتحفيزه على التحصيل الدراسي الجيد.

هل يمكن وقااية الأطفال من التقلبات المزاجية؟
توجد بعض الخطوات الاستباقية التي يمكن اتخاذها لتقليل تقلبات المزاج لدى الأطفال بحسب د.أميرة داوود مثل:
- غرس مهارات الاستقلال العاطفي (مثل التعبير بالكلام، وممارسة التهدئة الذاتية).
- تعزيز التواصل العائلي وتقوية الروابط العائلية.
- تعليم الطفل كيفية التعامل مع الضغوط وتعويده على ممارسة التمارين الرياضية، وتمارين التنفس.
- تقليل وقت استخدام الشاشات لتفادي تأثيراتها المدمرة على الطفل.
- تهيئة بيئة نوم صحية للطفل.
- دعم الطفل عاطفيًا ونفسيًا بشكل دائم وعدم انتظار مرات وقوعه أو تعرضه لتقلبات مزاجية شديدة مرضية.
خلاصة القول:
إن تقلبات المزاج لدى الأطفال قد تكون ظاهرة طبيعية في العديد من الحالات، خاصة أثناء النمو والتغيّرات النفسية المرتبطة بمرور الطفل من مرحلة عمرية إلى أخرى. يجب التدخل العاجل، إذا تفاقمت وتكررت بشكل يؤثر على الحياة اليومية للطفل.