
عالم الزفاف بين الرومانسية والتقنية: مصممون عرب يكتبون مستقبل الموضة
في عالمٍ يشهد تحولًا جذريًا بفعل التكنولوجيا، برز عدد من المصممين العرب ليعيدوا رسم ملامح الموضة من منظورٍ مستقبليّ يجمع بين الفنّ، الابتكار، والاستدامة. لم يعد القماش وحده ساحة الإبداع، بل باتت الأكواد الرقمية والعوالم الافتراضية مسرحًا جديدًا للفخامة. من إيلي صعب الذي فتح أبواب الميتافيرس للأزياء الراقية، إلى رامي قاضي الذي جمع بين الإنسان والآلة في عرض أزياء سيبراني مدرك للبيئة، وصولًا إلى هلا الغرباوي التي دخلت عالم الـNFT كأول مصممة سعودية تُعيد تعريف مفهوم الامتلاك في الموضة، وسعيد قبيسي الذي استخدم الذكاء الاصطناعي لتجسيد الأنوثة في قالب مستقبلي مفعم بالرهافة.
هؤلاء المبدعون لا يواكبون المستقبل فحسب، بل يصنعونه خطوة بخطوة، وفستانًا بعد آخر، في رحلةٍ تُثبت أن الموضة العربية قادرة على أن تكون في قلب الثورة الرقمية العالمية، حاملةً رؤيتها الخاصة لعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا، والحلم بالجمال.
إيلي صعب في عالم الميتافيرس: خطوة فاخرة نحو مستقبل الموضة الرقمية
في مارس عام 2022، أطلقت دار الأزياء اللبنانية إيلي صعب رسميًا حضورها في عالم Metaverse، لتصبح من أوائل العلامات الفاخرة في المنطقة التي خاضت تجربة الموضة الرقمية. وجاءت هذه الخطوة بالتعاون مع منصة UNXD المتخصصة في الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، ضمن فعاليات أسبوع الموضة فيDecentraland Metaverse، حيث قدّمت الدار عرضًا رقميًا عاكسًا لأناقتها المعهودة ورؤيتها المستقبلية.
وقد عبّر إيلي صعب جونيور، الرئيس التنفيذي للدار، في حينها عن توجه العلامة نحو آفاق جديدة قائلاً: "نتحدث عن عقود من الحرفية والرؤية المستقبلية من خلال استكشاف العلاقة بين المادي والميتافيزيقي". وأوضح أن احتضان العالم الرقمي شكّل وسيلة لتوسيع حدود العلامة وجذب مجتمعات جديدة، مع الحفاظ على هوية الدار القائمة على الفخامة والدقة الفنية.
لم تقتصر هذه المبادرة على تجربة رقمية فحسب، بل عكست رؤية إيلي صعب في تشكيل مستقبل الموضة بطريقة أكثر وعيًا واستدامة. فاستثمار الدار في المجال الافتراضي جاء انسجامًا مع التوجه العالمي نحو تقليل الأثر البيئي لصناعة الأزياء، عبر خلق بدائل رقمية للعروض المادية وتقديم أزياء رقمية قابلة للارتداء في العوالم الافتراضية، مما يحدّ من الهدر في الأقمشة والموارد.

وفي سياق فساتين الزفاف، مثّلت هذه الخطوة منصة لتجديد العلاقة بين الحلم والابتكار، إذ سمحت الدار بتصوّر فساتين زفاف رقمية تحمل توقيع إيلي صعب، تجمع بين الرومانسية المعهودة في تصاميمه والدقّة التقنية في تنفيذها. هذا التوجه رسّخ مكانة الدار كعلامة تستلهم الماضي وتعيد تعريف الفخامة للمستقبل، مؤمنةً بأن الأناقة الحقيقية يمكن أن تزدهر حتى في أكثر العوالم الافتراضية حداثة.
رامي قاضي: رؤية نحو مستقبل الأزياء بين العالمين الواقعي والرقمي

لا شكّ أنّ المصمم اللبناني رامي قاضي رائد في عرض الأزياء السيبراني المدرك للبيئة منذ عام 2020، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، والذي أتى بمثابة تعبير عن مواكبة التطورات التكنولوجية وفكرة الاتصال العالمي التي تنتجها تلك التقنيات. كرائد في تكنولوجيا الأزياء، اتطلق قاضي في رحلة الموضة الرقمية من خلال عرض مجموعات الأزياء الراقية في Metaverse حيث أطلق أول مجموعة NFT لربيع وصيف 2022 بعنوان lucid Algorithms كأول تعاون بين الإنسان والآلة.

هذا، وانطلقت مسيرة رامي قاضي عام 2011 من خلال تصميم فساتين راقية في مشغله في بيروت، وظهر على ساحة الموضة العالمية في عام 2014 عندما عرض مجموعاته خلال أسبوع الموضة في باريس. من العلامات الفارقة في مسيرته هي مجموعة كوتور لربيع وصيف 2020، والتي تضمنتفستانًا مصنوعًا من البلاستيك المُعاد تدويره، ما منح رامي قاضي امتيازالريادة كأول مصمّم شرق أوسطي يقيم عرضًا للأزياء الإلكترونية، يسلّط الضوء من خلاله على قضايا حيوية مثل الطبيعة المستدامة ومكافحة تغيّر المناخ.
عن تجربته الرائدة كأول مصمم عربي يدخل عالم الـ "أن أف تي"، قال رامي قاضي لـ "هي" : منذ انطلاقتنا ونحن نواكب التطوّرات التقنية ونسعى كي نكون جزءاً منها، ونحرص على أن تتضمن مجموعاتنا آخر اتجاهات التكنولوجيا؛على سبيل المثال، مجموعة Glow in the Darkتكوّنت من فساتين تشّع بالضوء في العتمة، كما تم تصميم فساتين مصنوعة من مادة البلاستيك في إطار انخراطنا في عملية إعادة التدوير بهدف الحفاظ على البيئة، حيث نستخدم كل الموارد كي نصمّم فساتين مستدامة. وفي عودة إلى الماضي، نذكّر أنني أول أول مصمم عربي عرض أزياءه في العالم الإلكتروني، وعندما سمعت عن "أن أف تي"و "الويب 3"، قمت بدراسة حيثية ومتابعة لمدة 4 شهور لفهم ميزات هذه التقنية في عالم الأزياء. فصمّمت أول مجموعة تجمع بين عالم الهوت كوتور والـ "أن أف تي"في العالم العربي. حقيقة، لم يكن الأمر سهلا حيث واجهنا وفريق العمل عالماً جديداً، ما استوجب شرحاً مفصلاً لمتابعينا وزبائننا عن التقنية الحديثة.

ولدى سؤاله عمّا إذا ما كان ينتابه الخوف جرّاء هذا التطور التقني الهائل، أجاب: " لا أعتقد أنّ هناك مكاناً للخوف عند الإنخراط في أيّ تطوّر تقني، بل يتحتّم علينا دائماً التطلّع إلى الجانب الإيجابي الذي تخلقه التكنولوجيا، من خلال توظيف التقنيات الحديثة في تنفيذ تصاميم أزياء جديدة. فالتكنولوجيا سمحت لنا بتحويل مادة البلاستيك إلى مواد جديدة لصناعة فساتين مستدامة، وهذا لا شكّ يساهم في مواجهة تحديّات تغيّرات المناخ والأزمة الناتجة عنها". وأضاف، "حالياً، الـ"أن أف تي" تشجع العالم كي يهتموا بالأفاتر في العالم الإفتراضي وشراء ثياب افتراضية أيضاً؛ وهذا يفتح الباب واسعاً أمام المصمّمين للعمل على خط جديد يكسرالحواجزالتي قد تقمع الأفكار والإبداعات، فاتحة الباب على مصراعيه لسلّة من الإبتكارات غير المقيّدة أو المحدودة؛ من هنا، ننظر إلى التطوّر كفرصة لتوسيع صناعة الأزياء".
هلا الغرباوي: مزيج من الأصالة والابتكار في عالم الأزياء
تُعد المصممة السعودية هلا الغرباوي من أبرز الأسماء الصاعدة في عالم الموضة السعودي، وقد شاركت ضمن مبادرة "100 براند سعودي"التي أطلقتها هيئة الأزياء لتسليط الضوء على المواهب الوطنية الواعدة.
تتميّز هلا الغرباوي برؤيتها الفريدة التي تمزج بين الروح الشرقية واللمسات الغربية في تناغم يُجسّد الحرية والأناقة والأنوثة، مع دفء التفاصيل التقليدية التي تضفي على تصاميمها عمقًا وهوية خاصة. فرغم تصادم هذه العوالم أحيانًا، إلا أنها تنجح في إيجاد خيطٍ مشترك يجمع بينها في انسجام فنيّ راقٍ.
قادها شغفها الكبير بالحرفة ودقتها في التفاصيل إلى القبول في جامعة ESMODالعالمية للفنون والأزياء، حيث تخرّجت عام 2016 متميزة بموهبتها وابتكارها وحسّها الجمالي العالي.
وخلال فترة دراستها، تابعت هلا الغرباوي عدة دورات تدريبيةفيبرلين والسعودية ودبي وبيروت، مما أضاف إلى خبرتها بعدًا عالميًا. وفي عام 2017، بينما كانت لا تزال تتابع دراستها في ESMOD، حققت إنجازًا لافتًا بفوزها بجائزة HempelAward الدولية الخامسة والعشرين لمصممي الأزياء الشباب، لتُعرض مجموعتها الأولى لاحقًا على منصات أسبوع مرسيدس بنز للموضة في بكين وبرلين.
في حديث خاص إلى "هي" عن تجربة NFT، قالت هلا الغرباوي: " عند دراستي لمرحلة الماجستير تخصص إدارة أزياء، كنا ندرس مواد تهتم بالتكونولوجيا وعالم الأزياء الرقمي والابتكار في التصاميم و الأفكار. فقررت دخول عالم الأزياء الرقمي منذ تلك اللحظة والفكرة موجودة في بالي، فالابتكار في هذا المجال لا حدود له".
واضافت، "بحثت و تعمقت في البحث في عالم الـ NFT و رأينا علامات تجارية عالمية دخلت هذا المجال بمختلف الطرق مثلاً كلعبة الكترونية أو محل تجاري الكتروني أو بتقنية 3D كعملات و رموز رقمية لا يمكن استبدالها، والأصل دائماً يكون مع المخترع أو المصمم، فيها بيع و شراء و استثمار للمستقبل" .
وتابعت، "كمصممة أزياء طموحة و شغوفة قررت التقدم في مجالي وعدم الاكتفاء بالرسم على ورق و خياطة التصميم، لما للتكنولوجيا الحصة الأكبر في المستقبل و اهتمام الجيل الجديد به، و هذا أيضا حسب استطلاع "ماكينزي" المهتم في العالم الأزياء و حسب توقعاته، فنعم مستقبل الأزياء سيتجه "أون لاين" والتكنولوجيا في المستقبل فكلها مسألة وقت ليس إلا، وأنا مع التطور والتقدم والاختلاف والتميز و التفرد".
الذكاء الاصطناعي بلغة الأنوثة: سعيد قبيسي يرسم ملامح المستقبل في مجموعاته

خلال السنوات الأخيرة، قدّم المصمم اللبناني سعيد قبيسي تجارب غير مسبوقة في عالم الكوتور، مزج فيها بين الإبداع الإنساني والذكاء الاصطناعي ليعيد تعريف الفخامة من منظور تكنولوجي متقدّم. لم تكن المجموعات مجرّد استعراض للتقنيات الحديثة، بل محاولة واعية لاستكشاف ما يمكن أن يولده التعاون بين الخيال البشري والعقل الاصطناعي من جمال يتجاوز المألوف.
استعان قبيسي بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مراحل التصوّر الأولى لتصميماته، حيث سمح للآلة بأن تكون شريكة في توليد الأفكار البصرية والأنماط المعمارية الدقيقة، قبل أن تتولى اليد البشرية ترجمة هذه الرؤى إلى أقمشة مترفة تُحاكي الضوء والحركة. فكانت النتيجة مجموعة تتنفس بين العالمين: واقعية في ملمسها، حالمة في هيئتها، وذات بعد مستقبلي يلامس الخيال.
جاءت التصاميم حاملة مزيجًا من الهيكلية الصارمة والأنوثة الرقيقة، فظهرت الفساتين بخطوط منحوتة وتفاصيل دقيقة من التفتا والحرير المخرّم، تلتف حول الجسد كأنها نبض من الضوء. أما لوحة الألوان فتنقلت بين العاجي والرمادي المعدني والذهبي الخافت، لتوحي بعلاقة متينة بين التكنولوجيا والرفاهية.
من خلال هذه التجارب، أراد سعيد قبيسي أن يبرهن أنّ الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن الإبداع البشري، بل امتداد له، وأن الفخامة في المستقبل لن تُقاس فقط بما تُطرّز به الأقمشة، بل بما تحمله من فكرة ورؤية وتوازن بين العقل والوجدان.

وفي عالم فساتين الزفاف، فتح قبيسي آفاقًا جديدة أمام العرائس الباحثات عن التفرد، مقدّمًا تصاميم تُجسّد الحلم بأسلوب مستقبلي لا يفقد جوهر الرومانسية. فكل فستان بدا كأنه وُلد من خيال رقمي، لكنه يحمل في نسيجه روح الحرفة اللبنانية الأصيلة التي لا تُختزل في زمن أو تقنية.
عن هذه التجارب، قال سعيد قبيسي في حديث خاص لـ "هي": "تسهم التكنولوجيا في رسم ملامح مشهد الأزياء دائم التطور والتغيّر في جميع مراحله، ابتداءً من التصميم والتصنيع وصولاً إلى عملية البيع وتوفير تجارب تفاعلية للمستهلكين". وتابع، "أرى أن التقنيات التكنولوجية تضفي أثراً إيجابياً علىقطاع الأزياء، ولا سيما في ظل تقاطع عالم التكنولوجيا مع الأزياء، حيث يمكن الاستفادة من التجارب الافتراضية التي تسمح للعملاء بتصوّر إطلالاتهم، الأمر الذي يقلل من نسبة المرتجعات. كما توفر هذه التقنيات الحديثة تجارب أزياء شخصية تستفيد من تحليلات البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتعزز تميز عروض الأزياء والتجارب الرقمية التي تتيح للعملاء المشاركة بشكل فعّال في مختلف الفعاليات. ونعتزم في قطاع الأزياء مواكبة التطور السريع الذي تشهد التكنولوجيا لتحقيق الاستفادة القصوى منها".

وعن التحديات التي يواجهها، قال: "نواجه عند توفير تجربة الصور الرمزية ثلاثية الأبعاد تحديات تتمثل في القدرة على منح العميل تصوراً واقعياً لإطلالته، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال جهودنا الساعية إلى توفير أدوات متقدمة لاختبار القماش وقياسه وتحليله لإبراز خصائصه الفيزيائية والبصرية التي تناسب العميل. ولذا، نحرص على دراسة هذه العملية وتجربتها بشكل واقعي في متجرنا قبل وضعها قيد التنفيذ وتطبيقها على الصور الرمزية ثلاثية الأبعاد".