خاص لـ"هي": كاتبة السيناريو السعودية منال العويبيل.. خيال نقدي يعيد رسم المشهد المحلي

خاص لـ"هي": كاتبة السيناريو السعودية منال العويبيل.. خيال نقدي يعيد رسم المشهد المحلي

رهف القنيبط
29 مايو 2025

في زمنٍ تميل فيه الصناعة إلى اختزال الإنسان بعنوان، تقف منال العويبيل كاتبةً سعودية تُجيد التملّص من هذه القوالب. لا تعرّف نفسها بمسمى أو صفة وظيفية، بل كصانعة نص تبحث عن جوهر الإنسان والمكان من خلال الكلمة. شاركت في كتابة وتطوير مسلسل "شارع الأعشى"، الذي أعاد تقديم ملامح الرياض القديمة بطرح سردي يستحضر التحولات الاجتماعية والثقافية في أواخر السبعينيات.

كما ساهمت في معالجة النص لمسلسل "يوميات رجل عانس"، بدمج السرد الأدبي بالدراما التلفزيونية. وعلى شاشة قناة الثقافية، تقدم منال برنامج "سينماك" بالشراكة مع طارق الخواجي، حيث لا يكتفي الثنائي بعرض الأفلام، بل يعيدان تفكيكها وتحليلها كأدوات لفهم الإنسان والذاكرة والسينما.

في هذا اللقاء نغوض في رؤية منال العويبيل لمسار الدراما السعودية، تحديات الكُتّاب الجدد، غياب الصوت النسائي، وأهمية بناء معامل كتابة حقيقية تنقل المحتوى المحلي من مرحلة التجريب إلى صناعة مستدامة.

منال العويبيل
تقول لـ"هي": "أنا مع أن تكتب المرأة كل شيء، لا فقط عن المرأة"

من النص إلى السؤال: كيف تغيّرت الدراما السعودية؟

ترى منال أن التحوّل في المحتوى السينمائي والتلفزيوني السعودي منذ 2011 لا يُقاس فقط بالكَم، بل بالوعي المتنامي داخل النصوص. تقول منال لـ"هي": "في البداية، كنا نكتب لنُثبت قدرتنا على دخول المشهد، ثم أصبح السؤال: ماذا نريد أن نقول فعلًا؟ وأي نبرة تُشبهنا؟". رغم تحرر بعض الأعمال من القوالب النمطية، إلا أن التحديات المؤسسية ما زالت تحدّ من عمق الكتابة. وتضيف: "ما نفتقده في هذه المرحلة ليس الموهبة، بل الوقت الممنوح للنص كي ينضج، والمساحة التي تُمنح للكاتب كي يقود لا ينفّذ."

التحدي الأكبر: الصوت الشخصي للكاتب الجديد 

في ورش الكتابة التي أدارتها، لاحظت منال أن التحدي الأكبر أمام الكُتّاب الجدد لا يكمن في الأدوات، بل في الخوف من الإفصاح عن صوتهم الحقيقي. تقول منال لـ"هي": "غالبًا ما يبدأ كاتب السيناريو بخليط من التأثر والانبهار: يقلّد دون أن يشعر، ويبحث عن صدى خارجي قبل أن يطوّر نبرة داخلية". وتتابع: "أفضل ما قد تقدمه الورش هو بيئة تشجع على المحاولة بنفس اهتمامها بوقت التسليم... وحين يُحيط بالنص فريق كتابة منسجم ومرن، يصبح الكاتب أكثر قدرة على الإصغاء للصوت الخفي داخل الحدث والشخصيات."

المرأة الكاتبة: ليست مسألة تمثيل بل نبرة 

لا تؤمن منال بأن تأثير الكاتبة يُقاس بعدد الشخصيات النسائية، بل بعمقها ونضجها داخل العمل. تقول لـ"هي": "أنا مع أن تكتب المرأة كل شيء، لا فقط عن المرأة. أن تكتب لأنها ترى زاوية لم تُكشف بعد". وتشير إلى أن غياب المرأة في بعض النصوص لم يعد عارضًا بل خطأ يجب أن يُسأل عنه، مضيفة: "المرأة الكاتبة لا تحتاج أن تُبرر صوتها، بل أن تتمسك به، وتمنحه ما يكفي من الوقت والصدق لينضج."

منال العويبيل
مسلسل "شارع الأعشى" .. شاركت منال في كتابة وتطوير العمل السعودي

قضايا لم تُكتب بعد… وسؤال الحاضر والماضي

تشير منال إلى أن هناك قضايا كثيرة لم تُتناول بعد بالشكل الكافي، ليس بسبب المنع، بل لأن المنتجين لم يلتفتوا إليها بعد. تقول منال لـ"هي": "أنا مهتمة جدًا بسيرة المكان – المدن الطرفية، الأحياء القديمة... وأتمنى أن ترى سلسلة (مدن صغيرة، قصص كبيرة) النور قريبًا". وتضيف: "نحن لم نروِ بعد حتى ١٠٪ من حكاياتنا، ليس لأننا لا نملك القصص، بل لأن استدامة الإنتاج المحلي لم تصل بعد إلى مستوى يُنصف هذا العمق."

ما الذي يجعل السيناريو قابلاً للدعم؟ 

عن تجربتها في تقييم النصوص، تؤكد منال أن النص الجيد يجب أن يُقنع المقيم بالتوقف والعودة إليه. تقول منال لـ"هي": "أبحث أولًا عن وضوح الفكرة: هل النص يعرف ما يريد أن يكون؟ وهل الشخصيات لها دوافع واضحة؟". وتشدد على أهمية الصدق في اللغة ومعرفة حدود النص الإنتاجية، مضيفة: "أحيانًا لا يكون السيناريو مكتملًا تقنيًا، لكنه يُظهر وعيًا كافيًا بالحبكة واهتمامًا بالشخصيات."

سينماك: إعادة التفكير في السينما 

تقدم منال برنامج "سينماك" بالشراكة مع طارق الخواجي، حيث يعيدان قراءة أفلام من ذاكرة السينما. تقول لـ"هي": "نحن لا نكتفي بعرض الفيلم، بل نحاول أن نعيد تشريحه كنص مفتوح، نستخرج منه ما يمكن أن يقال اليوم، لا فقط ما قيل لحظة إنتاجه". الهدف هو إعادة ربط المشاهد بالسينما كأداة فكرية وثقافية.

منال العويبيل
تقول منال لـ"هي": "أبحث أولًا عن وضوح الفكرة: هل النص يعرف ما يريد أن يكون؟ وهل الشخصيات لها دوافع؟

بين التقديم والكتابة… لا تناقض بل تكامل 

لا ترى منال أن التقديم أو النقد يعارضان الكتابة. تقول لـ"هي": "الوقوف أمام الشاشة كمقدمة أجبرني على التفكير بصوت مرتفع... لذلك لا أختار بين النقد وصناعة المحتوى — أختار أن أكون قريبة من الفكرة، أينما كانت."

المشروع القادم: معمل كتابة سعودي 

تطمح منال لتأسيس معامل كتابة سعودية حقيقية تُعيد الاعتبار للكاتب وللوقت. تقول منال لـ"هي": "نحن بحاجة إلى ما هو أعمق من التدريب السريع: نحتاج إلى مساحات يُفهم فيها النص كعملية لا كمنتج نهائي فقط." وتشير إلى نماذج عالمية ناجحة كـSundance Screenwriters Lab، مؤكدة أن السعودية تملك فرصة لتأسيس نموذجها الخاص، يضع الكاتب في مركز المشروع لا هامشه.